الأحد، 26 مايو 2013

ملاك الغرام . . . يستعد للرحيل ! ! ( بقلم : د . وحيد الفخرانى ) .



قصة قصيرة . . . .
==========
ملاك الغرام . . . . . يستعد للرحيل   ! ! ( بقلم : د . وحيد الفخرانى ) .
----------------------------------------------------------------- 
ذات ليلة من ليالى الشتاء . . هبط  إلى الأرض من علياء السماء . . أحد ملائكة الرحمن يُدعى " ملاك الغرام " . . بأمر خالق الكون وكل البشر والكائنات . . فقد كلفه الرحيم الرحمن ، بأن يجمع بين روحين وقلبين ، هما من أطهر وأنقى قلوب العباد . . هو " أمير القلوب " وهى " روح الفؤاد " . . باعدت بينهما – على الأرض – أميال وأميال .

إحتار ملاك الغرام ، وهو بين الأرض والسماء . . حاملاً قارورة بها سائل أبيض هو " إكسير الحياة " . . بها قطرات من الحب والعشق والوئام . . كى يلقى بها على قلبيهما فتتلاقى الأرواح . . إحتار بأيهما يبدأ ، أيبدأ بقلب " أمير القلوب " أم بقلب الفاتنة " روح الفؤاد " ؟ . . وما إحتار ملاك الغرام طويلاً ، فقد قضت سنة الله فى خلقه ، أن خلق آدم قبل حواء . . وعلى هذا النهج سار ملاك الغرام .

وعلى الفور طار ملاك الغرام . . إلى حيث يقطن ويحيا " أمير القلوب " . . فألقى على قلبه قطرتين من قطرات العشق والغرام . . ما أن أحس بهما " أمير القلوب " حتى تهافت قلبه وغلبه الحنين إلى " روح الفؤاد " . . وسرعان ما ألقى " ملاك الغرام " بقطرتين من ذات إكسير الحياة على قلب الفاتنة " روح الفؤاد " . . فاشتعل قلبها شوقاً وحنيناً إلى " أمير القلوب " .

حينذاك . . كاد " ملاك الغرام " أن يطير فرحاً ، من فرط السرور والهناء . . لقد نال وحده أمراً لم ينله أى من ملائكة الرحمن . . حين كلفه الرب أن يجمغ بين قلبين من قلوب العباد ، وها هو قد أدى دوره وأنفذ إرادة القدير العدنان . . ومن روعة ما رأى " ملاك الغرام " من شوق وحنين ، وغرام وحيد . . لم تره عيناه من قبل ، ولم تسمعه أذناه . . طلب الإذن من الرب ، بأن يظل طائراً بين السماوات والأرض . . كى يرقب الحال عن قرب . . حال " أمير القلوب " و " روح الفؤاد " . . فأذن له الرب ، وأبقاه حتى يشاء .  
ومرت الأيام تلو الأيام . . ومع إشراقة شمس كل يوم جديد . . كان الحب ينمو والعشق يزيد ، بين قلبى الحبيبين . . وفى غضون أيام لا أسابيع ، إرتبط الحبيبان بالغرام والهيام ، وتعانق القلبان . . وسار الحال على خير ما يرام .

ولكن . . ما أن مرت أسابيع قليلة . . حتى تنبه لحبهما ، ذلك الملعون " إبليس الشيطان " . . ملأه الحقد وعمته البغضاء . . وهو الذى لم ينس يوماً ، أنه أقسم للرحمن . . بأن يقعد لعباده من الطيبين الأطهار ، ليزرع بينهم الفتنة ويحيل الحياة إلى خراب . . وأراد الملعون أن ينفذ إرادته فى الحبيبن بأن يثير بينهما الخلاف . . ففكر الملعون وفكر ، ثم فكر وتدبر ، ثم تدبر وقرر . . قرر أن يُشغل بينهما نار الغيرة ، وأن يلقى فى قلبيهما بذرة الشك والظنون والحيرة . . وكان له ما كان . . وإختلف الحبيبان حول أمور الحب والعشق والغرام .

وقف " ملاك الغرام " يرقبهما من بعيد وهو حزين . . لقد شهدت عيناه الملعون " إبليس الشيطان " وهو يلقى فى روعيهما الفزع والرعب من غدر الحبيب . . ولكنه – واأسفاه – ما إستطاع لهما قولاً ولا فعلاً ولا يقين . . لقد صار مهموماً حزيناً ، وهو يرى الحال السعيد وقد إستحال إلى حزن دفين . . ومع غروب شمس كل يوم جديد ، كان الحبيبان يختلفان والشك بينهما يزيد . . ليقضيا الليل فى عناد وخصام ، وبكاء وأنين .  

ومرت الأيام تلو الأيام . . وذات ليلة من ليالى الربيع . . تراءى لملاك الغرام وجه ملاك آخر قادم من بعيد . . ومعه قارورة بها قطرات من سائل أسود عتيق . . وما أن إقترب من ملاك الغرام ، حتى ألقى عليه التحية والسلام . . فبادره " ملاك الغرام " بالسؤال :

قائلاً : من أنت أيها الملاك ؟
فرد عليه قائلاً : ألا تعرفنى ، يا ملاك الغرام ؟ إننى ملاك الفراق .
إنزعج ملاك الغرام وسأله : وما الذى أتى بك إلى هنا . . يا ملاك الفراق ؟
أجابه قائلاً : لقد أرسلنى الرب إلى حيث شاء . . وأمرنى بأن أنفذ إرادته بين حبيبن بالفراق .
صرخ ملاك الغرام قائلاً : عن أى حبيبين تتكلم ؟ يا ملاك الشتات ، يا ملاك الفراق ؟
قال ملاك الفراق : أتيت كى أباعد بين قلبى " أمير القلوب " و " روح الفؤاد " .
بارده ملاك الغرام بالقول : ولكنى هنا بأمر من الرب ، كى أحرس روحيهما ، وأرعى قلبيهما .
رد ملاك الفراق قائلاً : ومن أجل هذا أتيتك ، كى أخبرك بأمر الرب ، لتتركهما لحال سبيلهما وتصعد إلى علياء السماء ، فما عادت لهما بك حاجة ، لقد كتب الرب عليهما الفراق والبعاد .
نظر ملاك الغرام إليه متأملاً وسأله : وما تلك القارورة التى معك يا ملاك الفراق ؟
قال ملاك الفراق : إنها قارورة السم الأسود ، بها قطرات من سم الفراق ، سوف ألقى على قلبيهما قطرات منها ، فيموت الحب فى الحال ويقع الفراق .
بكى ملاك الغرام وغليه الأنين وقال : ولكنهما حبيبان عاشقان ، جمع بينهما الود والوئام ، حتى أوقع بينهما الملعون " إبليس الشيطان " . . فألقى فى قلبيهما الشك والظنون والإرتياب .
قال ملاك الفراق : ولكننا يا رفيقى ، لا نملك لهما أمراً ولا حال . . نحن مجبورون على السمع والطاعة لخالق الأرض والسماوات . . وما لنا شأن بإبليس ولا شأن بالعباد .

وهنالك إستدار ملاك الفراق . . كى يكمل الطيران إلى حيث الحبيبان . .  قاصداً قلبيهما ، لينفذ فيهما إرادة الخالق رب العباد .
وهنالك أيضاً . . إستدار ملاك الغرام ، كى يصعد إلى عنان السماء ، ومعه قارورة إكسير الحياة . . قارورة الحب والعشق والغرام . . تاركاً قلبى  " أمير القلوب " و " روح الفؤاد " بين إصبعين من أصابع الرحمن . . يقلبهما كيفما يشاء .  

وبينما هو يستعد للرحيل . . ترامى إلى مسامعه صوت أنين وبكاء . . ومالبث أن تحول إلى عويل ونواح . . وسمع أصواتاً تتردد فى السماوات وتقول : لقد إفترق الحبيبان " أمير القلوب " و " روح الفؤاد " . .  لقد نال منهما الملعون " إبليس الشيطان " . . وتعالت أصوات العويل والنواح : أين كان العقل منهما ؟ أين كانت قوة الإيمان ؟ ما منعما أن يستعيذا من الملعون إبليس الشيطان ؟

حينئذ . . أيقن "ملاك الغرام " أن إرادة الرب قد نفذت فى الحال ووقع الفراق . . فأخذ يتمتم بكلمات لم يسمعها إلا هو ويقول : لقد فعلها الملعون من قبل مع أبيهما آدم وأمهما حواء . . وحرمهما من نعيم الجنة ، وأخرجهما منها إلى دنيا العذاب والشقاء . . وها هو اليوم ينال من إثنين من ذريتهما ، ويحرمهما من نعيم الحياة ، من الحب والعشق والغرام .
وأخذ يردد ويقول : لقد نسيا العهد بينهما والوعد ، مثلما نسى أبيهما من قبل .
وظل يردد : ألم يقل المولى عز وجل فى كتابه العزيز : " ولقد عهدنا إلى آدم من قبل ، فنسى ولم نجد له عزماً "  صدق الله العظيم .
                                                          وإلى قصة أخرى إن شاء الله .