الخميس، 20 ديسمبر 2012

رسالة ودعاء . . . . . إلى صديقة عزيزة ! !


رسالة ودعاء . . . . . إلى صديقة عزيزة  ! !
------------------------------------------
عن عائشة رضى الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها إئتلف ، وما تناكر منها إختلف " صدق رسول الله.

عاش وليد سنوات عمره بأكملها ، محبوباً من الجميع . . كان منذ الصغر يحرص دائماً على كسب ود وحب كل من حوله ، وكان يتعامل مع الجميع وهو مؤمن بأن حب الناس هو كنز كبير ، يجب الحرص عليه أياً كان الثمن . . وظلت علاقته بكل من حوله تسير على هذا النحو ، يقتربون منه ويقترب منهم ، يشاركهم أفراحهم وأطراحهم ، حتى عرفها.

إنها عبير . . هذه الإنسانة الجميلة والرقيقة ، التى عرفها منذ أسابيع قليلة ، من خلال أحد مواقع التواصل الإجتماعى . . قرأ لها سطوراً وكلمات وحروفاً ، وقرأت له قصصاً ومقالات ، بادلها الرأى وبادلته التعليق ، وربط بينهما الحوار . . إنه لم يرها بعينيه ، ولم يسمع صوتها بأذنيه ، ولكنه مال إليها بالروح والكيان والوجدان . . إنه ما عرف من قبل ، أن الأرواح تتآلف إلا معها ، فقد كان يؤمن دائماً بأن النفوس لا تهدأ ، وأن القلوب لا تميل ، إلا إذا تلاقت العيون . . تلك كانت القاعدة فى حياته ، وكم سار على هذا النهج ، كل سنوات عمره ، حتى كانت هى وكان تعارفهما.

فى بادئ الأمر . . ظل يراود نفسه وتراوده ، يحدثها وتراوغه ، ويميل بها إلى حيث إعتاد الحياة وتعانده . . إنه يريد القرب منها – من عبير – ولكنه ما إعتاد قط على مصادقة النساء ، فهو رجل شرقى ، ويعيش فى مجتمع شرقى ، ويعرف القيود والأغلال التى تحد من صداقة الرجال بالنساء . . صحيح ، هو إنسان راشد وعاقل ورزين ، ويعرف تماماً كيف يضع الأمور فى نصابها . . ولكن . . أياً كان الحال ، هناك القيود وهناك الأغلال .

تردد كثيراً فى التقرب إليها ، والدنو منها ، حتى ولو عن بعد . . لا لشئ ، سوى من فرط حرصه عليها ، وقد أنس إليها وتآلف معها . . ولكنه لم يستطع إلا أن يقترب وأن يدنو ، وأسعده كثيراً أنها رضيت بهذا القرب وذاك الدنو ، وإرتاحت إليه ، وعبرت له مراراً عن ذلك الإرتياح .

مرت الأيام . . يوم بعد يوم . . ومع كل صباح ومساء ، كان بينهما لقاء من بعيد . . يتمنى لها نهاراً كله جمال ، وتأمل له مساءً كله خير . . هكذا كان الحال بينهما على مدى الأيام ، إلى أن جاء يوم لم يتلقى منها أى شئ ، ولم تكتب ولو كلمة واحدة ، ولم يصلها منه جميل الصباح ، ولا هى أرسلت له أمل المساء . . أرسل لها سائلاً عن أخبارها ، وما أتاه الجواب
ومر اليوم الثانى . . والحال هو ذات الحال ، والقلق فى صدره يزداد ويزداد . . حتى المساء . . ما أتى إليه بجديد .

وفى صباح اليوم الثالث . . جاءته منها رسالة تحوى كلمات قليلة ، تخبره فيها بأنها مريضة تلازم الفراش ، وأنها ما إستطاعت حتى أن تكتب إليه أو تتواصل معه ، خلال الأيام الماضية . . جاءت كلماتها قليلة العدد ، ولكن كان وقعها على نفسه  قوياً وشديداً .
وعلى الفور . . كتب إليها يتمنى السلامة ، ولم يرد أن يظهر لها ، ما يخبئه فى جنبات صدره ، ولا فى أعماق فؤاده . . لقد أراد أن يتماك نفسه فى رسالته إليها ، ولكنه أبداً ما إستطاع . . خانته الكلمات وباحت بسره ، الذى ما كان يبتغى له بواحاً . . وبدون أن يدرى ، خرجت منه الكلمات ، وقال لها :
        
              " صديقتى العزيزة . . توأم العقل والفكر والروح ، آلمنى وأحزننى كثيراً خبر مرضكِ . . كم دعوت الله ألا يصيبك أى مكروه ، وكم تمنيت لو أننى كنت بديلاً عنكً فى مرضكِ ، ولكن ما باليد حيلة ، إنها إرادة الله ومشيئته ، ولا راد لمشيئته . . كل يوم يمر وأنتِ ما زلتِ تعانى ، أشعر أننى أعانى معكِ . . أشعر أن كل جزء فى كيانى ، يتألم مثلما أنتِ تتألمين ، وتلك حقيقة لا أبوح بها إلا إليكِ أنتِ وحدكِ . . أشعر أنى أتقاسم معكِ المرض ، وأشاطركِ الألم ، وأعانى مثلما تعانى . . دعوت الله لكِ بسرعة الشفاء والسلامة ، كى تشفى نفسى وتسلم روحى بشفائكِ وسلامتكِ . . لم أكن أعلم أن صلتى بكِ وصداقتى معكِ صارت هامة فى حياتى إلى هذا الحد ، إلا عندما علمت بمرضكِ ، رغم قصر تعارفنا ، ورغم أنى لم أراكِ ولم أسمع صوتكِ . . ولكنى قرأت كلماتك وحروفكِ ، فمال إليكِ عقلى وفكرى وروحى . . أرجوكِ عودى ولا تطيلى الغياب ، كى يعود إلىّ معكِ كل شئ جميل ، وأشعر أنا بطعم الحياة . . سَلمتِ صديقتى ، وأسلمت لكِ الدنيا بأسرها . . . . . . . وختاماً لكِ السلام  "

هكذا خرجت الكلمات ، وقال لها ماقال ، ولكنه لم يقل كل شئ . . لم يخبرها بأنها صديقته الوحيدة ، وأنه من أجل ذلك إنشغل بالسؤال عنها كثيراً ، وكم أحس بالوحدة حين غابت عنه ، وشعر بالغربة فى الحياة حين إنقطعت أخبارها  . . إنه قال القليل ، ولم يقل الكثير . . ولكنه فى كل الأحوال تمنى شيئاً . . تمنى لو أنها قرأت ما بين السطور ، وفهمت ما خلف الكلمات ، وأحست بما لم تنطق به الحروف ، كى تصلها معانى التعبيرات ، التى سكت اللسان عن النطق بها ، مراعاة لأمور عدة تخصها .

والآن . . هى لا تزال تتألم من من وجع المرض ، وهو لا يزال يعانى من أجلها ، ومن أجل البعاد . . يدعو لها ، صباح مساء ، وليل نهار ، ومع كل صلاة وأذان ، أن يشفيها الله من مرضها وسقمها ، حتى تهدأ نفسه ، ويستريح الفؤاد .

وبينما هو يدعو ويدعو . . تذكر أنه ذات مرة . . أمسك بالقلم ، وكتب قصة أسماها " عندما تستجيب السماء . . . لدعاء المحبين " . . . لقد كانت قصة من وحى الخيال . . أما الآن . . فقد إستحال الخيال إلى واقع وحياة . . وأصبح هو يدعو الله ، أن تستجيب السماء لدعاء الصديق ، كما إستجابت من قبل لدعاء الحبيب ! ! ! !
                                                                      وإلى مقال آخر إن شاء الله .

الاثنين، 17 ديسمبر 2012

حوار الإنسان . . . . بين المشاعر والوجدان ! !

بالأمس . . وصلنى من الصديقة العزيزة / عطر الوداد ، إنتاجها الفكرى الثانى لها ، والذى يحمل عنوان " حوار الإنسان . . . بين المشاعر والوجدان " . . وقد عكفت على قراءة حوارها ، وللحق أقول : أنه كان حواراً من نوع خاص جداً ، أطرافه مشاعر إنسانية متنوعة ، تعيش داخل كيان كل إنسان منا . . وقد أعجبتنى فكرة الحوار ، كما أعجبتنى صياغته وأسلوب تناوله . . ومن أجل ذلك إستأذنتها فى نشره على صفحتى بإسمها ، إيماناً منى بموهبتها الظاهرة ، ورغبة فى إتاحة المجال لقرائى وأصدقائى الأعزاء لتناوله بالقراءة والتعليق لمن شاء منهم . . وإليكم هذا الحوار الممتع والجميل ، ولكم أترك التقييم . 


حوار الإنسان . . . . . بين المشاعر والوجدان  ! !    ( بقلم : عطر الوداد )
-------------------------------------- --------
ذات يوم من الأيام . . .  جلس الرجل الحكيم ، الذى جاوز من العمر التسعين ، وقد شارف زمانه على الإنتهاء . . أطلق الحكيم لمشاعره العنان ، وحرر غرائزه من القيود والأغلال ، ودعا الجميع إلى التحاور والنقاش ، حول ما فعله كل منهم فى بنى الإنسان ، على مر السنين والأعوام ، ومن عجائب الأمور أنهم لبوا جميعاً النداء ، على مائدة ذلك الحكيم الإنسان ، الذى جلس مراقباً للحوار ، وأذن لهم بأن يبدأ أيهم الكلام .
شارك فى الحوار كل من : الهَم والإكتئاب والحزن ، والأمل والفرح والإخلاص ، والثقة والإحباط والنجاح ، والصبر والغضب والحب .
نظروا جميعاً بعضهم إلى البعض ، وبدت عليهم علامات التدبر والحماس . . لقد أراد كل منهم أن يباهى بقدرته وقدراته ، وتأثيراته على بنى البشر والإنسان . . لم يدم الصمت بينهم طويلاً ، حتى بادرهم الهم بالقول والحديث .

قال الهَم ( مستنكراً ) : ما عساكم قائلون ؟ وما بالكم فاعلون ؟ أنا الأقوى بين جنود الله فى الأرض ، لقد وهبنى الله القدرة التى تفوق كل القدرات ، وأعطانى القوة والمنعة للإمساك بزمام الأمور . . إذا سلطنى الله على أحد من بنى آدم ، أثقلته بهموم الزمان ، وأفسدت عليه شئونه وكل الحياة ، وأغلقت فى وجهه كل النوافذ والأبواب ، وأجهضت كل بارقة أمل تبدو له فى الأفق البعيد ، حتى ينهار ويخر صريعاً ، أمام بأسى وقوتى .

عندئذ . . تدخل الإكتئاب فى الحديث ، وعلا صوته قائلاً : لا . . إنى أراك قد أغفلت دورى ووجودى ، فأنت لا تستطيع وحدك أن تفعل ما تريد . . أنا وأنت متلازمين ، يكمل كلانا الآخر ، ويتمم كلانا عمل الآخر . . أنت الدافع نحو الإنهيار ، أما أنا فبقوتى ينهار بنى الإنسان ، ويتلاشى فى ناظريهم الأمل وتتضاءل الأحلام .

وهنا قاطعهما الحزن ( وهو حانق ) قائلاً : ما بالكما قد نسيتمونى هكذا ؟ ؟ أما أنى شريك لكما ؟ أنتما الفعل وأنا الأثر . . لولاى ما إكتملت لكما المهمة ، فأنا الذى أغرق من أغزو حياته فى الغم والألم ، وأحيل الدنيا سواداً فى ناظريه ، فلا يرى بصيص نور ولا أمل . . أنا الذى تحدث عنه سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام حين مات ولده قائلاً : إن القلب ليحزن ، وإن العين لتدمع ، وإن على فراقك يا إبراهيم لمحزونون " .  

بسرعه تدخل الامل ونظر لهم طويلا ، ثم قال لهم بعد أن أخذ نفسا عميقا وتحدث : أنسيتم أنفسكم ؟ أنسيتم من أنا وماعساى أن أفعل ؟ ، باستطاعتى أن أقهركم جميعا . .  قالوا له من أنت ؟؟ قال :- أنا الأمل ، أنا الذى بواسطته ينظر الجميع الى الامام ، ويتناسوا الامس وينتظروا الغد ، واذا ظهرت أنا ساد الارتياح بين الجميع ، وجودى ينير للجميع الطريق وينعش القلوب ، ويطمئن النفوس ،  وبظهورى تتطاول الهمم لتبلغ القمم  . .

وهنا قاطعه الفرح مسرعا ، وتحدث وهو مبتسم وسعيد ، وقال : دعونى أوضح لكم مصدر قوتى ، التى يسعد بها الجميع . أنا كما الوردة  ذو الرائحه العطره فى بستان جميل ، أنا بظهورى يضحى الجميع مغرداً كما الطيور، أرفرف على كل البيوت ، وأجعل الأمل أنشوده ومعنى للشروق ، وللمحبه صديق وللمحبين رفيق . .  أنا من تطرب له القلوب ، وتغنى له الروح وتستشعره النفوس ، بوجودى يرقص الجميع وتنحسر الدموع ، وتنهزم جيوش الهم  والحزن . . أنا بدايه الامل ولا نهايه لى ، لأنى أستوطن القلوب ، فيعمها الفرح والسرور .

نظر الإخلاص إلى الجميع ، وكان يجلس من مائدة الحوارعلى الطرف البعيد ، وأنصت إليهم  حتى تعالت الأصوات من فرط الحماس ، ولكنه بادرهم الحديث قائلاً : أراكم لا تأبهون لوجودى ، وتجاهلتم حضورى ، وما أنا بينكم بضعيف . . فسأله أحدهم : ومن إذن تكون أيها الشريك ، فى حوارنا الميمون ؟ قال الإخلاص : أنا السر بين العبد وربه ، لا يعلم ملك أمرى ، ولا يطالنى شيطان فيفسدنى . . يقبل الله عمل إبن آدم بقدرى ، فأنا والنية قرينان لا نفترقان أبداً ، إن خلصنا لله أفلح بنا عمل إبن آدم ، وإن لم نخلص لله فسدت دنياه وأخراه .

وهنا حانت فرصة الثقة فى الكلام . . رجعت إلى الوراء ، وبدت عليها علامات الرسوخ والثبات ، وقالت بصوت هادئ ورزين : أنا أكبر منكم قدراً ، وأعظم مكانة ، وأكثر أهمية . . أنا أهم أسباب النجاح ، لولاى لتراخت الهمم ، وحل الضعف والوهن ، ووقع اليأس والإحباط . . من إستعان بى ، وآمن بقدراته وإمكاناته ، وأدرك أهدافه وإختياراته ، نال الفوز والنجاح . . أنا الإيمان بالنفس والذات .
وعلى الفور رد عليها الإكتئاب قائلاً : ما بالكِ تفاخرين بنفسكِ هكذا ، أكاد ألمح فى حديثكِ الكبر والغرور ، وأرى أنى عليكِ قادر وقدير .
ضحكت الثقة قائلة : أراك واهم وغارق فى الخيال ، فأنت لن تستطيع النيل منى مهما كان ، فأنا من يبعث الأمان والإطمئنان ، ويدفع نحو تحقيق المرجو والأهداف ، وأنا من يضئ الطريق بالأنوار ، وأنا من يصحح الفهم الخاطئ والأفكار . . أعرف قدراتى ، وأدرك إمكاناتى ، وأنا بداية النجاح .

كان النجاح يتابع الحوار باهتمام وإنصات ، وما أن سمع إسمه حتى إنتفض وقال : أراكم قد تحدثتم عنى الآن ، وأنا أشارككم الحديث بكل تأكيد . . قدراتى أمامكم واضحة ، واسباب الفوز بى قائمة . . الثقة هى بداية الطريق نحوى ، والفلاح نهاية مقصدى .
وعندئذ تدخل الإحباط قائلاً : لا تكن فرحاً هكذا أيها النجاح ، فأنا أستطيع إرجاعك للوراء ، بقدراتى التى لا حدود لها ، ولكن لولا وقوف الأمل فى وجهى ، ما كان لك وجود فى الحياة . .
 نظر اليه النجاح طويلا وقال له :  أنا من الممكن أن أسير ببطْ ، ولكن أبدا لاأتراجع عن مواصله المشوار . .  بدايتى الثقه ونهايتى السعاده ، ولكن مع مزيد الصبر أصل لاقصى الدرجات ، فقالوا جميعا : الصبر وأين هو ؟ ؟

رد عليهم الصبر مابالكم لم تنتبهوا إلىّ . .  أنا هنا . .  أنا أقوى المحاربين ، ومن يتسلح بى يتجاوز كل الصعاب ، ويزيح من الطريق كل العقبات . .  ولا أخفيكم سراً ، أن كثيراً من الفاشلين ، كانوا أقرب الجميع الى النجاح ، ولكنهم للاسف الشديد ، لم يستعينوا بى ، فغلبهم الهَم والغم ، أما غيرهم فقد واصلوا المسيره ، حتى بلغوا النجاح .

وهنا بادره الغضب قائلا : صدقت أيها الصبر ، ولكن هناك من يعتقد أنه الأقوى ، وأن كلمته هى الأعلى ، فيفقد الصبرويقع فى الخطأ ، وتحل الكارثة ،  وهنا يأتى دورى وتبرز عظمتى ، وتكلل بالنجاح مهمتى .

وبسرعه قال له الصبر : إنهم المساكين . . أولئك الذين استعانوا بك ولاذوا إليك ، ولوتمسكوا بى لما حدثت لهم كل هذه المحن والمصائب . . أنا طبيب كل المجروحين ، وراحة كل المتعبين .

تدَخل الفرح فى الحديث وقال : حديثنا  ينقصه طرف هام ، مازلنا نبحث عنه فأين هو ؟؟ ردوا جميعا فى صوت واحد : ماهو؟؟؟؟ قال انه الحب أين هو؟؟

 وفجأه . . نهض الحب واقفاً ، وهو يحمل وردة حمراء فى يده ، وتبدو عليه علامات الأناقة ، ومزهوا بنفسه ،فنظروا اليه وقالوا : حدثنا عنك وعن قدراتك !!
قال لهم الحب :- أنا قاهر الاحزان وأنا من أصدقاء الامل . . أنا بحر من الحنان ونهر من المشاعر. .  وجودى يقلب الأحزان إلى أفراح ، ومن أصدقائى السعاده . . أنا كالعطر الفواح ، أنتشر فى الارجاء فأنعش القلوب ، وأنا من تلمع له العيون ، وتطرب له القلوب . . أنا وداد جميل ، وغرام وحيد ، وفى سحر العيون أهيم .
وهنا . . إنتهى الحوار ، وسكت الجميع عن الكلام . . وساد الصمت والسكون . . ونظر الحضور إلى الحكيم . . وجدوه قد أطال السكوت ، وإنتابه التفكير العميق . . ثم نطق بفكر مَهيب . . قال لهم : أيها الجمع المجيد . . أراكم قد أحسنتم القول والتعبير . . وقد آن أن يتوج منكم ملك جميل . . راقت للجميع فكرة الإنسان الحكيم . . وتصايحوا فى صوت واحد رخيم : إنه الحب . . ملك القلوب ، وآسرالعقول ، ومؤلف الأرواح والنفوس .
وقف الجمع فى سرور . . وبـأعلى صوت يهتفون : عاش المَليك . . يحيا الحكيم . .
                                                       وإلى لقاء فى مقالات أخرى إن شاء الله . . بقلم : عطر الوداد .

الثلاثاء، 11 ديسمبر 2012

التائه . . . . على مر الزمان ! !

بالأمس . . أرسلت إلىّ صديقة عزيزة ، وأكن لها كل إحترام وتقدير ، باكورة إنتاجها القصصى ، وذلك لإبداء الرأى فيها ، وبالفعل قرأتها أكثر من مرة ، . . وللحق أقول : أنها قصة رائعة ، وتحمل الكثير من جوانب الإبداع الأدبى ، ومن فرط إعجابى بالقصة ، بإعتبارها أول إنتاج أدبى لها . . فقد إرتأيت نشرها على صفحتى بإسمها ، إعترافاً منى بقيمة العمل ، وتشجيعاً لها على مواصلة العطاء والإبداع . . وكلى أمل فى أن تنال إعجاب قرائى الأعزاء ، بعد قراءتها والتعليق عليها بالرأى والتقييم . . وهاهى بين أيديكم:


التائه . . . . على مر الزمان  ! !     ( بقلم : عطر الوداد )
------------------------------
كان نادر شاباً حديث التخرج ، من إحدى الكليات النظرية بجامعة القاهرة ، وهو من أسرة متوسطة الحال ، مكونة من ولدين وبنتين وأب وأم ، وكان هو الإبن الأكبر لأبيه ، الذى سافر منذ عدة سنوات ، للعمل فى إحدى الدول العربية ، كى يوفر لأسرته متطلبات الحياة الكريمة ، من مسكن ومأكل وملبس ونفقات تعليمهم ورعايتهم والقيام على كافة شئونهم . . كان الأب قبل شفره يعمل موظفاً بسيطاً ، بإحدى المصالح الحكومية المصرية ، وكان يتقاضى راتباً ضعيفاً ، لا يكفى لمواجهة كافة أعباء الأسرة بأكملها ، فى ظل الإرتفاع المتزايد فى الأسعار والنفقات . . ومن أجل ذلك الهدف النبيل والمشروع ، قرر الأب عائل الأسرة ، السفر إلى إحدى البلدان العربية فى منطقة الخليج ، للعمل هناك ، من أجل تأمين نفقات أسرته ، وتأمين مستقبل أبنائه وبناته .

تخرج نادر من الجامعة ، وكان لزاماً عليه أن يبدأ أولى خطواته ، لشق طريقه فى الحياة . . ذلك الطريق شديد الصعوبة والوعورة ، الملئ بالعقبات والصعوبات ، فى ظل أزمة بطالة طاحنة ومزمنة بين صفوف الشباب ، من أقرانه وممن هم أكبر منه سناً . . فقد طالت البطالة عدة ملايين ممن هم فى سن الشباب ، الذين عجزت الحكومات المتتابعة عن إيجاد وظائف مناسبة لهم ، وفى ذات الوقت عجزت شركات القطاع الخاص عن إستيعاب أعداد كبيرة منهم . . تلك كانت هى المشكلة الأولى التى وجب على نادر مواجهتها ، عقب تخرجه من الجامعة . . ولكن . .

كان هناك أمر آخر . . لا يقل أهمية فى حياة نادر . . إنها نسمة . . تلك الفتاة الجميلة ، التى كانت زميلته فى الجامعة ، وتعرف إليها منذ أكثر من عامين ، أحبها وأحبته ، أنس إليها وألفته ، مالت إليه بقلبها وهواها قلبه . . على مدى أكثر من عامين كاملين ، ربطتهما علاقة حب وطيدة وقوية ، كانا يلتقيان كل يوم ، يحادثها وتحادثه ، يحاورها وتحاوره ، ويتبادلان الكلمات فى كل شئ ، حتى أحلامهما وآمالهما تقاسماها سوياً . . تشارك الإثنان العديد من المناسبات السعيدة ، وتواسيا فى العديد من المناسبات المؤلمة والحزينة . . كان كلاهما بالنسبة للآخر هو الملاذ والملجأ ، وهو الحضن الدفئ والحنان ، وهو الصبح والمساء والليل والنهار، ويوم أن أنهيا دراستهما معاً ، جددا الوعد والعهد على الحب والزواج .
وها هو نادر اليوم . . وبعد أن تخرج من الجامعة ، وبدأ يشق طريقه فى الحياة ، لم ينس حبيبته نسمة قط ، ولم ينس حلمهما وأملهما فى الحياة سوياً ومعاً . . ولكنها دائماً هى الأحلام الوردية الجميلة ، التى غالباً ما تنكسر وتتحطم على صخرة الحياة ، رغم أنف الحالمين والمحبين .

إنتظر نادر عودة أبيه من السفر ، فى أجازته السنوية ، كى يصارحه بما يحلم به ، ويلقى بين يديه أهم أمر يشغل باله وعقله ، ويحيط بقلبه فى صدره ، ويعصف بوجدانه وكل كيانه . . كان نادر يعد الأيام عداً ، ويحصى الليالى فى إنتظار عودة أبيه ، وكانت الأيام تمر بطيئة وثقيلة ، وكأنها تعانده ، أو هكذا خيل إليه . . ولكنها على أية حال قد مرت ، وعاد الأب من السفر ، ليقضى أجازته القصيرة فى بيته وبين أولاده . . إنها الغربة القاسية ، التى تحرم الأب من أولاده وأسرته وتحرمهم جميعاً منه ، ولكنها الحياة بكل متاعبها ومشقاتها . . لم يكن نادر يدرى ماذا يخبئ له القدر ، وماذا ستفعل به الأيام .

مرت أيام ثلاثة بعد عودة الأب ، وقرر نادر أن يتحدث إلى أبيه بشأن حبيبته نسمة . . وبالفعل . . إنتهز نادر فرصة وجود أبيه وحده بالبيت ، فى مساء اليوم الرابع ،وأخبره نادر بأنه يحب زميلته نسمة ، التى كانت معه بالجامعة ، وأنه يرغب جدياً فى التقدم لخطبتها ، وفاءً  بالعهد الذى قطعه على نفسه نحوها ، وأنه يخشى الإنتظار طويلاً ، فيتقدم آخر لخطبتها ، وبذلك يفقدها إلى الأبد .
إستمع إليه الأب وأنصت جيداً ، حتى إنتهى نادر من حديثه . . ثم فاجأه الأب برفض طلبه رفضاً قاطعاً ، متعللاً بأنه لا يؤمن بالحب ويرى أن الحب شئ والزواج شئ آخر ، وأن إبنه لا يزال فى أول مشوار حياته ، ومازال أمامه مشوار طويل كى يقف على قدمين ثابتتين ، ويقوى على مواجهة مسئوليات الزواج ، فضلاً عن إعتراض الأب على زواج إبنه الأكبر من إحدى بنات القاهرة ، والأسرة كلها من الصعيد . . لقد كان رد الأب قاطعاً وحاسماً وجازماً ، بدرجة تكفى لئلا يناقش نادر أباه ، أو يحاول إقناعه بوجهة نظره .
فى لحظات مرت سريعة ، ودقائق لم يشعر بها نادر ، إنهارت كل أحلامه وآماله ، فى الزواج من حبيبة قلبه نسمة ، ولم يكن أمامه سوى الإستسلام للأمر الواقع ، والرضا بقضاء الله وقدره ، الذى قضى عليه بالحرمان من الإنسانة الوحيدة ، التى أحبها وهواها .
لم تمر سوى أسابيع قليلة ، وكانت الأسرة قد دبرت أحوالها ، وسافر نادر برفقة أبيه للعمل بذات البلد العربى الذى يعمل به ، وإنقطعت صلة نادر بنسمة تماماً ، ولم يعد يعرف عن حياتها شيئاً ، ولم تعد هى تدرى شيئاً من أخباره .

إنقضت ثلاث سنوات متصلة . . لم تطأ قدما نادر خلالها أرض مصر ، ولم يفكر حتى فى قضاء أجازة ولو قصيرة بين أهله وأخوته , , كان يحاول جاهداً أن ينسى حبيبته ، أو يتناسى ما كان بينهما ، ورضى تماماً بما قسم له الله . . وبعد مرور السنوات الثلاث ، قرر نادر قضاء أجازة قصيرة مع أسرته . . خلال تلك الأجازة  أشار عليه أبوه بأن يخطب ويستعد للزواج ، وبالفعل إختارت له خالته إحدى طالباتها فى التعليم قبل الجامعى . . لم يعارض نادر رغبة والديه وباقى أفراد عائلته ، وأتم خطبة الفتاة التى إختاروها له ، ولكن سرعان ما ظهرت أطماع أهل الفتاة ، فحاولوا الحصول منه على مبالغ مالية لا مبرر لها ، فدب الخلاف ولم تدم الخطبة طويلاً ، حتى وقع فسخها . . ولم تنقض شهور قليلة ، حتى إختار له والداه عروس أخرى ، وتمت الخطبة إلا أنها لم تكن أفضل حالاً من سابقتها . . إنهالت عليه المطالب المالية المبالغ فيها ، ثم كان إعتراض أهل العروس على إقامة إبنتهما فى شقة فى بيت أهله ، بدعوى أنها شقة صغيرة ولا تليق بإبنتهم . . وحدث الخلاف الذى إنتهى بفسخ الخطوبة للمرة الثانية .

بعد فترة وجيزة فى البحث عن عروس ثالثة . . إستقر تفكير أسرة نادر ، على أن تكون العروس من داخل العائلة ، فهى التى سوف تصون الإبن وتحفظه ، وهى التى سوف تكون بالنسبة إليهم بمثابة الإبنة . . وبالفعل تم إختيار إحدى الفتيات القريبات للأسرة من الدرجة الأولى ، وتمت الخطبة سريعاً ، ثم كان الزواج والسفر إلى البلد العربى الذى يعمل فيه نادر ، وقد تم ذلك فى خلال فترة زمنية قياسية ، لدرجة أن العروسين لم يعطيا الوقت الكافى للتفكير والتدبر. . فقد رأى أهل نادر أن الفتاة صغيرة السن ، وعلى درجة من الجمال ، وذات صلة وقرابة من العائلة ، ولم يمانع نادر فى ذلك . . صحيح أنه قبل الزواج بالفتاة قريبته ، دون أن تكون بينهما مشاعر متبادلة ، ولكنه زواج على أية حال .
كانت حياة الإثنين جافة وخاوية من المشاعر والأحاسيس والعواطف ، وكان هو لا يزال بعيداً بخياله وروحه عن زوجته ومع حبيبته الأولى نسمة . . يوماً بعد يوم . . أصبح نادر يعطى معظم أوقاته مع أصدقائه ، بعيداً عن بيته وزوجته التى ضاقت ذرعاً بالحياة معه ، وإنتهى الأمر بوقوع الطلاق بينهما بناء على طلبها ، بعد أن إستمرت الحياة بينهما عدة سنوات لم ينجبا خلالها أولاداً .

وها هو نادر يعود من جديد . . إلى مفترق طرق فى حياته ، فاقداً الحبيبة والذات والنفس . . يقضى الليل والنهار والصبح والمساء ، وحيداً يبحث عن ذاته ونفسه كى يحيا حياته ، ولكن كل حلم قد فات ومات . . وها هو العمر ينقضى أمام عينيه ، والأيام تطويها الأيام ، والشهور تعقبها الشهور . . ومع مرورها تزداد الجراح غوراً ، وتعانى النفس ألماً وحزناً ، ويعم الإحساس ضياعاً ، ويضحى نادر غير قادر على النسيان . . ويصير به الحال تائهاً على مر الزمان .




الخميس، 6 ديسمبر 2012

وعادت لتسكن فؤاده . . . . من جديد ! !


وعادت لتسكن فؤاده . . . . من جديد  ! !
--------------------------------------
عاد أحمد إلى منزله . . وهو مُرهق ومُتعب ، لا يكاد يقوى على فعل أى شئ . . حتى عقله ما عاد قادراً على التفكير فى أى شئ ، أما قلبه فكان حائراً بين حبه لهالة وعشقه لهواها ، اللذان لا يزالا يحومان حوله . . لم يستطع أحمد فعل أى شئ ، سوى أن يبدل ملابسه ويُلقى بجسده المُرهق المُتعب على سريره بغرفة نومه . . عسى أن يدركه الصباح ، وقد عاد إليه بعض من قوته ، وجزء من عقله وذهنه .

ساعات قليلة مضت . . حتى أدرك أحمد الصباح . . إستيقظ مبكراً كعادته . . توضأ ثم صلى لله راكعاً وساجداً وداعياً لله ، أن يرفع عنه الحيرة ، ويلهمه الصواب فيما إلتبس عليه من الأمر . . أمر هالة . . تلك الحبيبة التى تركته وحيداً ، وتنصلت من مشاعرها نحوه ، وهرولت مسرعة للزواج بإنسان غيره . . ثم هى عادت من جديد ، وتحاول أن تعود إلى سَكنها القديم ، قلب أحمد النقى الطاهر ، الذى حمل لها كل الحب والود والغرام والهيام . . خرج أحمد من منزله مبكراً على غير عادته وقبل موعده ، وتوجه إلى مدرسته التى يعمل بها . . لم يستغرق الطريق طويلاً لقرب المدرسة من منزله ، وكان أحمد أول من وصل إلى المدرسة ، قبل كل زملائه وتلاميذه . . دخل إلى حجرة التدريس ، وجلس حيث إعتاد لجلوس . . جلس وحده يفكر ويعاود التفكير ، فيما تحدثت معه هالة بشأنه . . إنها إقتحمت حياته فجأة مرة أخرى ، وهى عازمة على النيل منه والإستحواذ على قلبه من جديد . . أخذ أحمد يسأ ل نفسه : هل حقاً كانت هالة تحبه مثلما كان يحبها ؟ وهل حقاً هى فهمته أكثر مما فهمها ؟ والأهم من ذلك كله ، هل حقاً يمكن لقلبه أن يصفح عنها بعد كل ما فعلته به ؟

تساؤلات وتساؤلات . . أحاطت جميعها بعقل أحمد ، لم يقطعها سوى حضور بعض من زملائه المدرسين إلى حجرة التدريس ، الواحد تلو الآخر . . بدأ اليوم الدراسى ، ولم يستطع أحمد أن يلملم شتات عقله فى الساعات الأولى . . حتى حانت فترة الإستراحة ، وذهب أحمد إلى حجرة التدريس ، وطلب كوباً من الشاى لعله يستطيع أن يكمل عمله بقية اليوم .
وفجأة . . دخلت هالة إلى الحجرة ، وألقت التحية على كل الجالسين من زملائها المدرسين . . رحب الجميع بها وبعودتها إلى عملها بالمدرسة ، وإتجهت هالة نحو أحمد لتجلس بجواره . . مرت دقائق معدودة ، وإنصرف كل من بالحجرة إلى عمله . . إلا أحمد . . ظل جالساً بجوار هالة ، ولم يفكر حتى فى مغادرة الحجرة . . لقد أصابته فجأة حالة من الإستسلام الغريب للبقاء بجوارها ، وقد لاحظت هى ذلك ، ووجدت الفرصة سانحة للحديث بينهما .
قالت ( متسائلة ) : هل أنهيت عملك اليوم يا أحمد ؟
قال أحمد : لا . . مازالت عندى الحصة الأخيرة .
قالت : إذن أنت الآن بلا عمل ؟
قال أحمد : نعم . . سوف أظل هكذا لمدة ساعتين .
قالت : وهل ستتركنى أجلس هكذا ؟ أريد أن أشرب كوباً من الشاى .
نادى أحمد على عامل البوفيه بالمدرسة . . وطلب لها ما أرادت .
ثم سألها : ما الذى أتى بكِ إلى المدرسة اليوم ؟ أما قلتِ لى بالأمس أنكِ ستعودين بعد أسبوع ؟
قالت : نعم . . ولكننى جئت لأسلم خطاب عودتى إلى مدير المدرسة ، فطلب منى الحضور غداً لإستلام عملى بالمدرسة بسبب نقص فى أعداد المدرسين .
قال أحمد : وهل قبلتِ ؟
قالت : نعم . .
قال أحمد : وماذا أتى بكِ إلى هنا ، إلى حجرة التدريس ؟
قالت : جئت أبحث عنك . . أبحث عن رفيقى بالمدرسة . . إنك أول من رحب بى هنا .
قال ( وهو يبتسم ) : أنا رفيقك فى المدرسة ، أما فى الحياة فلكِ رفيق آخر ، أليس كذلك يا هالة ؟
قالت : أما تريد أن تنسى يا أحمد  . . أراك تبتغى الحياة مع الماضى . . وأنا لا أريد أن أتذكر منه شيئاً . . أريد أن أحيا الحاضر والمستقبل ، ما فات قد فات ، وما مات لن يعود للحياة مرة أخرى .
قال أحمد : أما كان ما بيننا ماضياً ؟ فلم إذن تريدين أن تعيديه للحياة من جديد ، وقد فات ومات ؟
قالت : ومن قال لك أن الحب يموت يا عزيزى ؟ ألم أقل لك أنك لم تفهمنى قط ؟ وأننى أنا التى فهمتك . . مثلك يا عزيزى ، عندما يحب لا ينسى الحب أبداً . . وأنت قد أحببتنى ، وعشقتنى ، وتمنيت القرب منى ، وحلمت بالحياة معى ، وأنا أدرك ذلك جيداً . . لقد رأيت الحب فى عينيك بالأمس . . بعد شهور مضت وإنقضت . . أنت ما زلت تحبنى ، ولم تنسنى ، ولن تنسنى .
قال أحمد : أهذه ثقة منكِ ، أم غرور وكبرياء ؟
قالت : إنها الحقيقة يا عزيزى . . ولكنك تريد أن تنكرها ، ولا تريد أن تواجه بها نفسك ، أما أنا فأدركها جيداً ، ومن أجل ذلك أتيتك اليوم ، وأنا أعرف أنك ما زلت تحبنى وتريدنى إلى جوارك .
قال أحمد : إنكِ واهمة . . تكذبين على نفسكِ وتخدعينها . . إن ما فعلته بى يا هالة ، لا أنساه لكِ أبداً ، لقد ذبحتنى بكل قسوة ولم ترحميننى . . ألقيتِ بى إلى قارعة الطريق ، وكأنكِ لم تعرفيننى يوماً ، ولم ترافقيننى يوماً . . لقد أنهيتً كل ما بيننا فى لحظات ، وتنكرتِ لحبكِ لى ، وتنصلتِ من كل مشاعركِ نحوى فى لقاء واحد . . هكذا أنتِ كنتِ قاسية وظالمة ، وهكذا أنا كنت الضحية.
قالت ( وهى ترجوه ) : دعك من ذكريات الماضى يا أحمد  ، إنها مضت بكل حلوها ومرها ، وسعادتها وتعاستها . . أنا أبغى الحاضر معك . . أما تغفر لى ما أخطأت فيه ؟ أما تصفح عنى ؟
قال أحمد : ما عدت أستطيع أن أشعر معكِ بالأمان يا هالة . . لقد صرت أخافكِ ، وأهاب غدركِ ، وأخشى خداعكِ .
قالت : ولكننى أريدك . . وقد عدت إليك بعد أن أدركت حبك لى ، وهو ثمين غالى ، ولن أضحى به بعد اليوم . . لن أطلب منك أن تعطنى الفرصة مرة أخرى . . ولكننى جئت كى أخبرك بأننى سوف أعود إلى سكنى فى قلبك ، وإلى واحتى فى صدرك ، وإلى جنتى فى أنحاء كيانك كله . . ولقد عدت الآن بالفعل ، وأرى نفسى فى عينيك ، التى نطقت بما لم ينطق به لسانك . . وأخبرتنى بأننى قد عدت لأسكن فؤادك من جديد ، أيها المحب العاشق لى ، والمغرم بجمالى وسحر عيونى.

فاجأت هالة أحمد . . ووضعت يدها على يده ، وتسللت يدها لتسكن داخل راحتيه لثوانى معدودة ، وأغمضت عينيها لتدع أحمد ينظر إليها ، وهى هائمة فى الخيال ، لحظات سريعة مضت ، ثم تنبها سوياً . . سحبت يدها من يده ، وفتحت عينيها لتجد الدموع وقد تساقطت من عينيه ، لم تتمالك هالة نفسها هى الأخرى ، وغلبها البكاء بصوت سمعه أحمد . . لم يستطع أن يقاومها ، ولا أن يقاوم دموعها ، وإنهارت كل مقاومته لها ، ولم يعد قادراً على فعل أى شئ ، سوى أن تمتد أصابعه إلى وجنتيها ، لتمسح عنهما الدموع . . إنها دموع هالة الغالية ، التى لم يرها أحمد من قبل ولو لمرة واحدة ، ولا حتى عندما جاءته فى آخر لقاء بينهما منذ شهور ، كى تتنصل من مشاعرها نحوه ، ويومها لم تودعه ولو بدمعة واحدة .

واليوم . . هى إنسانة أخرى ، هى هالة غير تلك الهالة التى يعرفها ، لقد تساقطت دموعها عندما رأته يبكى من أجلها . . أترى ؟ هل كانت دموعها تعكس حبها له وعشقها ؟ أم أنها كانت مثل دموع التماسيح ، التى تظنها الفريسة دموع بكاء ، وهى فى حقيقتها دموع زيف وخداع ، حتى إذا أمنت الفريسة وأطمأنت ، وأسلمت وإستسلمت ، كانت نهاية حياتها المحتومة .
بكت هالة وتساقطت دموعها أمام أحمد . . وإنهار أحمد لبكائها . . وخر صريعاً على مذبحها . . ونسى تماماً ما كان منها بالأمس . . وعاد قلبه ينبض بحبها ويدق لها من جديد . . وعادت هى لتسكن فؤاده من جديد . . إنها كانت محقة عندما أيقنت أنه لم ينسها قط ، ولم يغادره حبها قط ، ولم يغفل قلبه عن هواها قط ، ولم يأبى هو القرب منها قط . . لقد كانت واثقة أنها هى التى فهمته ونالت من قلبه وعقله . . وأنه لم يفهمها قط ! ! ! !             وإلى مقال آخر إن شاء الله .