رسالة
ودعاء . . . . . إلى صديقة عزيزة ! !
------------------------------------------
عن عائشة
رضى الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الأرواح
جنود مجندة ، فما تعارف منها إئتلف ، وما تناكر منها إختلف " صدق رسول الله.
عاش وليد سنوات
عمره بأكملها ، محبوباً من الجميع . . كان منذ الصغر يحرص دائماً على كسب ود وحب
كل من حوله ، وكان يتعامل مع الجميع وهو مؤمن بأن حب الناس هو كنز كبير ، يجب
الحرص عليه أياً كان الثمن . . وظلت علاقته بكل من حوله تسير على هذا النحو ،
يقتربون منه ويقترب منهم ، يشاركهم أفراحهم وأطراحهم ، حتى عرفها.
إنها عبير
. . هذه الإنسانة الجميلة والرقيقة ، التى عرفها منذ أسابيع قليلة ، من خلال أحد
مواقع التواصل الإجتماعى . . قرأ لها سطوراً وكلمات وحروفاً ، وقرأت له قصصاً
ومقالات ، بادلها الرأى وبادلته التعليق ، وربط بينهما الحوار . . إنه لم يرها
بعينيه ، ولم يسمع صوتها بأذنيه ، ولكنه مال إليها بالروح والكيان والوجدان . .
إنه ما عرف من قبل ، أن الأرواح تتآلف إلا معها ، فقد كان يؤمن دائماً بأن النفوس
لا تهدأ ، وأن القلوب لا تميل ، إلا إذا تلاقت العيون . . تلك كانت القاعدة فى
حياته ، وكم سار على هذا النهج ، كل سنوات عمره ، حتى كانت هى وكان تعارفهما.
فى بادئ
الأمر . . ظل يراود نفسه وتراوده ، يحدثها وتراوغه ، ويميل بها إلى حيث إعتاد
الحياة وتعانده . . إنه يريد القرب منها – من عبير – ولكنه ما إعتاد قط على مصادقة
النساء ، فهو رجل شرقى ، ويعيش فى مجتمع شرقى ، ويعرف القيود والأغلال التى تحد من
صداقة الرجال بالنساء . . صحيح ، هو إنسان راشد وعاقل ورزين ، ويعرف تماماً كيف
يضع الأمور فى نصابها . . ولكن . . أياً كان الحال ، هناك القيود وهناك الأغلال .
تردد
كثيراً فى التقرب إليها ، والدنو منها ، حتى ولو عن بعد . . لا لشئ ، سوى من فرط
حرصه عليها ، وقد أنس إليها وتآلف معها . . ولكنه لم يستطع إلا أن يقترب وأن يدنو
، وأسعده كثيراً أنها رضيت بهذا القرب وذاك الدنو ، وإرتاحت إليه ، وعبرت له
مراراً عن ذلك الإرتياح .
مرت الأيام
. . يوم بعد يوم . . ومع كل صباح ومساء ، كان بينهما لقاء من بعيد . . يتمنى لها
نهاراً كله جمال ، وتأمل له مساءً كله خير . . هكذا كان الحال بينهما على مدى
الأيام ، إلى أن جاء يوم لم يتلقى منها أى شئ ، ولم تكتب ولو كلمة واحدة ، ولم
يصلها منه جميل الصباح ، ولا هى أرسلت له أمل المساء . . أرسل لها سائلاً عن
أخبارها ، وما أتاه الجواب
ومر اليوم
الثانى . . والحال هو ذات الحال ، والقلق فى صدره يزداد ويزداد . . حتى المساء . .
ما أتى إليه بجديد .
وفى صباح
اليوم الثالث . . جاءته منها رسالة تحوى كلمات قليلة ، تخبره فيها بأنها مريضة
تلازم الفراش ، وأنها ما إستطاعت حتى أن تكتب إليه أو تتواصل معه ، خلال الأيام
الماضية . . جاءت كلماتها قليلة العدد ، ولكن كان وقعها على نفسه قوياً وشديداً .
وعلى الفور
. . كتب إليها يتمنى السلامة ، ولم يرد أن يظهر لها ، ما يخبئه فى جنبات صدره ،
ولا فى أعماق فؤاده . . لقد أراد أن يتماك نفسه فى رسالته إليها ، ولكنه أبداً ما
إستطاع . . خانته الكلمات وباحت بسره ، الذى ما كان يبتغى له بواحاً . . وبدون أن
يدرى ، خرجت منه الكلمات ، وقال لها :
" صديقتى العزيزة . . توأم العقل والفكر
والروح ، آلمنى وأحزننى كثيراً خبر مرضكِ . . كم دعوت الله ألا يصيبك أى مكروه ،
وكم تمنيت لو أننى كنت بديلاً عنكً فى مرضكِ ، ولكن ما باليد حيلة ، إنها إرادة
الله ومشيئته ، ولا راد لمشيئته . . كل يوم يمر وأنتِ ما زلتِ تعانى ، أشعر أننى
أعانى معكِ . . أشعر أن كل جزء فى كيانى ، يتألم مثلما أنتِ تتألمين ، وتلك حقيقة
لا أبوح بها إلا إليكِ أنتِ وحدكِ . . أشعر أنى أتقاسم معكِ المرض ، وأشاطركِ
الألم ، وأعانى مثلما تعانى . . دعوت الله لكِ بسرعة الشفاء والسلامة ، كى تشفى
نفسى وتسلم روحى بشفائكِ وسلامتكِ . . لم أكن أعلم أن صلتى بكِ وصداقتى معكِ صارت
هامة فى حياتى إلى هذا الحد ، إلا عندما علمت بمرضكِ ، رغم قصر تعارفنا ، ورغم أنى
لم أراكِ ولم أسمع صوتكِ . . ولكنى قرأت كلماتك وحروفكِ ، فمال إليكِ عقلى وفكرى
وروحى . . أرجوكِ عودى ولا تطيلى الغياب ، كى يعود إلىّ معكِ كل شئ جميل ، وأشعر
أنا بطعم الحياة . . سَلمتِ صديقتى ، وأسلمت لكِ الدنيا بأسرها . . . . . . .
وختاماً لكِ السلام "
هكذا خرجت
الكلمات ، وقال لها ماقال ، ولكنه لم يقل كل شئ . . لم يخبرها بأنها صديقته
الوحيدة ، وأنه من أجل ذلك إنشغل بالسؤال عنها كثيراً ، وكم أحس بالوحدة حين غابت
عنه ، وشعر بالغربة فى الحياة حين إنقطعت أخبارها . . إنه قال القليل ، ولم يقل الكثير . . ولكنه
فى كل الأحوال تمنى شيئاً . . تمنى لو أنها قرأت ما بين السطور ، وفهمت ما خلف
الكلمات ، وأحست بما لم تنطق به الحروف ، كى تصلها معانى التعبيرات ، التى سكت
اللسان عن النطق بها ، مراعاة لأمور عدة تخصها .
والآن . .
هى لا تزال تتألم من من وجع المرض ، وهو لا يزال يعانى من أجلها ، ومن أجل البعاد
. . يدعو لها ، صباح مساء ، وليل نهار ، ومع كل صلاة وأذان ، أن يشفيها الله من
مرضها وسقمها ، حتى تهدأ نفسه ، ويستريح الفؤاد .
وبينما هو
يدعو ويدعو . . تذكر أنه ذات مرة . . أمسك بالقلم ، وكتب قصة أسماها " عندما
تستجيب السماء . . . لدعاء المحبين " . . . لقد كانت قصة من وحى الخيال . .
أما الآن . . فقد إستحال الخيال إلى واقع وحياة . . وأصبح هو يدعو الله ، أن
تستجيب السماء لدعاء الصديق ، كما إستجابت من قبل لدعاء الحبيب ! ! ! !
وإلى مقال آخر إن شاء الله .