الأحد، 27 يناير 2013

عندما تقتل الأنثى . . . الحب غدراً ! ! ( بقلم : د . وحيد الفخرانى )


عندما تقتل الأنثى . . . . الحب غدراً  ! !    ( بقلم : د . وحيد الفخرانى ) .
---------------------------------------
كم قاسية هى آلام النفوس ، وكم قاتلة دوماً جراح القلوب . . وما شهد ت عيناى يوماً  ، أشد إيلاماً من غدر الأنثى بالرجل الحبيب .
المرأة الأنثى . . ذلك المخلوق الضعيف ، الناعم الرقيق ، التى شبهها رسولنا الكريم بالقوارير ، وأوصى بها الرجال خيراً ، فى حديثه النبوى الشريف ، حين قال : " رفقاً بالقوارير " .

وإذا عدنا بالزمن والتاريخ ، إلى الوراء حيث بداية الخلق والأنام ، خلق أبونا آدم وأمنا حواء . . لعلمنا أن أول من خلق الله سبحانه بيدى قدرته ، هو أبونا آدم عليه السلام ، ونفخ فيه من روحه فأحياه . . وقد عاش أبونا آدم فى الكون وحيداً سنوات وسنوات ، حتى آلمته الوحدة ونالت منه الوحشة ، وصار لا يقوى على البقاء . . فأرادت قدرة الله ومشيئته ، أن يخلق أمنا حواء من أحد ضلوع آدم العوجاء لتصير جزءً منه ، فيهب آدم من نومه يقظاناً ، ليجد حواء بجانبه ، فيفرح بها آدم فرحاً شديداً ، ويحمد الله ويشكره ، أن أنعم عليه بخلق حواء ، كى تؤنس وحدته وتذهب عنه وحشته ، ويجد فيها ألفته ويضع فيها محبته . . وتهفو نفس آدم إلى حواء فيتزوجها وتكون بداية ذريتهما معاً ، من أجل إعمار الأرض وإستمرار الحياة عليها حتى قيام الساعة .

ومنذ ذلك التاريخ القديم . . ظلت حواء الأنثى هى دائماً وأبداً ، محط أنظار الرجل ومحور حياته ، يدور معها فى فلك واحد ، ويعيش معها حياة واحدة ، ويحلما سوياً حلماً واحداً ، ويتشاركا كل شئ فى هذه الحياة . . . وكان من قدر أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – أن يهوى رجال أمته حب النساء ، والإفتتان بهن ، وبجمالهن وسحرهن وأنوثتهن ، مصداقاً لقوله فى الحديث الشريف : " لكل أمة فتنة ، وفتنة أمتى النساء "  صدق رسول الله .

وكم عاصرتُ – عبر سنوات عمرى – كثيرات من النساء ، اللاتى أحببهن وعشقهن كثير من الرجال ، وصرن لهم فى الحياة كل شئ حتى الممات . . وكم كان جميلاً فى ناظراى ، أن أرى النساء وقد بادلن الرجال ، الحب حباً والغرام غراماً ، وتشاركن معهم فى الأحلام والآمال ، وصارت المودة والمحبة بينهما هى الرباط . . وكم كان رائعاً أيضاً ، أن أرى المرأة وقد راح عنها الحبيب الزوج ، إلى فراق بالموت لا يعود أبداً ، فإتشحت بالسواد بقية سنوات عمرها الطوال ، فى أغلب الأحيان ، وأغلقت على حياتها كل الأبواب ، وأوصدت كل النوافذ والشرفات ، وعاشت وحدها على الذكريات ، ذكريات الحب الذى فات والحبيب الذى راح ، والتى جمعت بينهما منذ أول اللقاء حتى لحظات الفراق . . أخلصت للحب بكل كيانها ، حال أن دامت بينهما الحياة ، وبعدما حل الفراق وكان الرواح ، إلى غير رجعة ولا إياب ، حفظت المرأة الوفية الحب ، وأبقت على العهد والوعد ، للحبيب الذى سكن القلب ، وإحتوته أعماق الفؤاد ، ودام عنوان دنياها ، هو الإخلاص والوفاء ، لذلك الحبيب الذى ذهب وراح ، فأبقت على صورته فى مخيلة العيون ، وأغلقت على مُحياه الرموش والجفون ، وأشاحت بوجهها عن كل نظرات العيون ، التى لاحقتها أحياناً بالحب وأخرى بالفضول ، والحياة ملآى بذلك النوع من الحور ، على مرالأزمنة والعصور ، شهدناهم بأعيننا كل يوم ، وشهد لهم كل البشر ، بالوفاء والإخلاص وصون العهود .

ولكن . . على الجانب الآخر من شاطئ الحياة ، هناك العديد من النساء ، اللاتى عِشن قصص حب وغرام ، وهيام وإفتتان ، برجال ملأوا منهن العيون ، وشغلوا العقول وسكنوا الأفئدة والقلوب ، وكانوا للنساء أحبة مخلصين ، عاشقين ومغرمين .
وفجأة . . نادى منادى الفراق ، ونعقت البوم والغربان ، وإختلف الحبيبان حول أمر فى الحياة ، أومالت عيون الأنثى إلى شخص آخر من الرجال ، وخلعت الأنثى عن وجهها القناع ، وتبدل الوجه الجميل لوجه آخر قبيح كان يكسوه الخداع ، وتتطايرت من الشفاه الرقيقة كلمات هنا وهناك ، تفصح كلها عن الجحود للحب والنكران ، فقد تبدل الحال وصار غير الحال ، وألقت الأنثى الركضاء عن ظهرها عباءة الحب والوفاء والإخلاص ، لترتدى عباءة النفور من الحبيب ورغبة فى الخلاص . .      

لقد إنتوت ذات القناع الغدر بالحبيب بلا رحمة ولا مغيث ، وإمتدت يدها النكراء التى طالما قبلها الحبيب ، لتقتل حباً وتخلف وعداً وتنسى عهداً ، وتلقى بالحبيب إلى قارعة الطريق ، وتصير كمن جاءت إلى الحياة بلا إحساس ولا ضمير ، وفى لحظة غدر ليس لها مثيل ، تهدم الملعونة كل قصور الحب ، وتسكِت كل طيور الشدو ، وتطفئ كل شموع الفرح ، وتقتل أحلى وأجمل حلم . . وتصيح الدنيا بأعلى صوت : هذى الأنثى ، قتلت حب ، وأحيت غدر.

فيالها من أنثى . . كالأفعى الركضاء والبومة النعقاء . . ليست جديرة بمعنى الحياة .

تباً . . ثم تباُ . . ثم تباً . . . . . لها ولأمثالها .      
                                                                     وإلى مقال آخر إن شاء الله .  
 

الأربعاء، 16 يناير 2013

ظلم الحبيب . . . . من الحبيب ! ! ( بقلم : د . وحيد الفخرانى )


ظلم الحبيب . . . . من الحبيب  ! !  ( بقلم : د . وحيد الفخرانى )
---------------------------------
جلست أمامى . . ووضعت عينيها فى عينى . . ثم أطلقت من القلب تنهيدة ، إهتزت لها مشاعرى وكل كيانى . . أيقنت ساعتها أنى أمام حبيبتى وحبيبة قلبى . . ثم قالت ، وهى ترجونى :

قالت فتاتى : حدثنى يا حبيبى . . يا صاحب القلم وصاحب الكلمات .
قلت ( وأنا أشفق عليها ) : فيم تريديننى أن أحدثكِ . . يا حبيبة قلبى ، ومهجة الفؤاد ؟
قالت ( وهى تتدلل ) : حدثنى عن الكلمة التى نطقت بها عيناك لحظة أن جلست أمامك ، ثم نطقت بها شفتاك الآن . . . كلمة الحبيب .
قلت : الحديث عن الحبيب ؟ يا له من حديث . . يسر القلب فى أغلب الأحيان ، وأحياناً قد يدميه .
قالت : وهل حديث الحب والحبيب ، يدمى القلوب ؟ يا من بكلماتك تعذب القلوب .
قلت ( مؤكداً ) : نعم . . حديث الحب والحبيب يدمى القلوب ، مثلما يسعدها أحياناً .
قالت : إذن . . لا تلف بى ولا تدور . . حدثنى ولا تراوغنى . . فإنى أراك قد فضحت سر قلبى .
قلت : وهل هناك يا حبيبتى أحد سواى ، يدرى سر قلبكِ . . لقد أدركته منذ أن عرفتكِ وأحببتكِ .
قالت ( وهى تتأوه ) : لا . . لا أحد غيرك . . أنت وحدك من ملكت قلبى ، وشغلت عقلى ، ومنحتك روحى وفؤادى وكل كيانى .
قلت ( وأنا أبتسم ) : أراكِ الآن تتوددين إلىّ ، تستدرين عطفى وثيرين ضعفى ، كى أحدثكِ حديث الحب والحبيب ، ولأجلكِ ولأجل حبكِ ، سوف أحدثكِ وأريح قلبك .
قالت ( وهى تبتسم ) : إذن . . فمما عندك هات . . يا صاحب القلم والكلمات .
قلت : الحب الإلهى . . هو غاية كل العباد ، الصالحين ، الطيبين ، الأتقياء والأنقياء . . وتلك المرتبة أعلى مراتب الحب والوداد . . الحب مع الله والحب فى الله والحب لله
قالت : يا حبيبى . . هذا حب العباد لخالق العباد . . فما حديثك عن حب العباد للعباد ؟
قلت : الحب بين العباد يا حبيبتى درجات . . وله صنوف عدة وأشكال وألوان ، فأيهم تقصدين ؟
قالت : حدثنى عن أسماها وأعلاها وأرقاها . . حدثنى عن الحب بين العباد ، الذى لا قبله حب ولا بعده حب حتى الممات . . حدثنى عن حب الحبيب ، ساكن القلب ومالئ العين ، وشاغل العقل ومالك الروح ، كما يحلو لك أن تدعوه .
قلت : سوف أحدثكِ . . ولكن أولاً حديث العزيز ، ثم أطوف بكِ حول مقام الحبيب .
قالت ( مندهشة ) : وهل هناك فرق بين العزيز والحبيب ؟ أيها الخِل الحبيب . . أظنهما واحد وما عرفت لهما إختلافاً قط .
قلت : لا يا حبيبتى . . العزيز على النفس ذات مقام عالى وعظيم . . ولكن الحبيب من أصحاب المقام الرفيع . . فالأعزاء على نفوسنا كثيرون وعديدون ، وهم بين مختلف المراتب يتنقلون . . فيهم الأخ والصديق ، ومنهم الزميل والجار القريب ، والأهل والأقربين ، وأيضاً البنات والبنين . . كلهم على نفوسنا أعزاء ، ولهم من المكانة والمنزلة ما يليق . . إرتبطنا بهم لسنين وسنين ، وعشنا معهم وعاشوا معنا . . تربطنا بهم من الذكريات ما يستغرق العمر ويزيد . . هم على نفوسنا أعزة ولقلوبنا أحبة ، وحين نفتقد منهم أحداً لسبب ما ، فإننا نصرخ من الألم والحزن والبكاء ، ولكننا من بعدهم نحيا الحياة ونفارق الأحزان . . نحيا بآمالنا وأحلامنا وتشغلنا عنهم أمور دنيانا . . هؤلاء هم الأعزاء على النفوس ، هم من عانينا من غيابهم عنا مرات ومرات ، ورغم الغياب والرواح ما زلنا أحياء .
قالت ( وهى تقاطعنى ) : كفاك حديثاً . . أراك حدثتنى عن الحبيب لا العزيز ! !
قلت : لا يا حبيبتى . . ربما أعجبكِ وصف العزيز ، ولكنكِ ما سمعتِ بعد شيئاً من سمات الحبيب . . تريثى قليلاً ودعينى أحدثكِ حديثاً خاصاً عن الحبيب ، ساكن القلب ومالك الروح والفؤاد .
قالت : وهل ما بى من إشتياق ، سوى لحديث الحب والحبيب ؟
قلت : أما الحبيب . . صاحب المقام الرفيع . . إنه الوحيد ، إنه الفريد ، إنه القمر الذى يضئ وحده الكون كله ، وما له من ند ولا نظير . . إنه ساكن القلوب ، ولا يسكن القلوب إلا وحيد . . إنه مالك الروح ، ولا يملك الروح إلا متفرد وفريد . . إنه إكسير الحياة ، الذى بدونه لا تمضى ولا تسير . . إنه الأمل الوحيد والحلم الوحيد ، الذى تتوق إليه النفس وما عنه تحيد . . إنه بريق العيون ، الذى لا يخفته سوى الموت المميت . . إنه الوعد والعهد واللقاء على موائد العشق العتيق . . إنه السحر والجمال ، إنه أبهى الألوان وأعذب الأصوات وأحلى الإبتسامات . . إنه الحبيب المحبوب الذى لا يعلوه ولا يدنو منه أى عزيز ولا قريب . . إنه الأمس الجميل والحاضر السعيد والغد الواعد الذى أبداً لا يغيب .
قالت ( وهى تتعجب ) : أكل هذا هو الحبيب ؟ أراك من روعتك قد أنسيتنى ، ما قلته من قبل عن العزيز . . وبعد ما سمعت منك وما وعيت ، ما أرى العزيز وقد دنا قط من الحبيب .
قلت : العزيز على النفس يا حبيبتى كما النجم ، هو فى سمائنا يلمع ويضئ ، ولكنه متعدد لا وحيد ولا فريد . . أما الحبيب فهو القمر فى علاه ، لاند له ولا نظير ولا شبيه . . القمر واحد والحبيب مثله واحد . . أرأيتِ يا حبيبتى يوماً ، يعلو فى السماء قمرين أو يزيد ؟ . . القمر فى علاه ينير الكون ويزيح عنا الظلام ، ونناجيه حين نريد . . وكذا الحبيب نناجيه حين الشوق للغياب البعيد .
قالت ( وقد إرتاح بالها ) : هكذا بان لى ما كان عنى بعيد . . والآن حدثنى عن أحوال الحبيب مع الحبيب . . هل كل الحبيب يسعد الحبيب ؟
قلت ( متأسفاً ) : لا . . قد لا يريح الحبيب الحبيب ، وقد لا يسعد الحبيب الحبيب ، بل قد يؤلم الحبيب الحبيب ، ويُحزن الحبيب الحبيب ، ويُشقى الحبيب الحبيب ! !
قالت : كيف . . أخبرنى . . لقد أفزعت قلبى ، وروعت كيانى وأزعجت نفسى . . إنى أريد أن أسعدك دوماً ، ولا أبتغى أن أؤلمك يوماً ، ولا أشقيك يوماً ، ولا أحزنك يوماً .
قلت : إن كنت كما قلتِ . . تريدين إسعادى ، ولا تبتغى إيلامى ولا شقائى . . فلا تظلمينى يوماً .
قالت ( وهى تتأوه ) : ما هذا الذى تقول أيها الحبيب ؟ وهل يظلم الحبيب حبيبه يوماً؟ إنه أمر مُحال . . إنه ظلم دونه الحياة . . أفبعد ظلم الحبيب للحبيب حياة ؟
قلت : نعم يا حبيبتى . . قد يظلم الحبيب الحبيب ، حين يربط بينهما الحب والغرام القوى المتين ، ثم يذهب عنه الحبيب ويغيب ، أو يقسو عليه بالهجر والبعد البعيد ، أو لا يأبه إلا بذاته ويغفو عن الحبيب ، أو لايعيره إلا إهتماماً من اليسير أو القليل ، أو حين يدعوه للقرب مرات ومرات فلا يجيب . . . ألا فى كل ذلك يا حبيبتى ، ظلم من الحبيب إلى الحبيب ؟
قالت ( وقد أدمعت عيناها ) : وأى ظلم هذا أيها الحبيب ؟ إنه عين الظلم ، إنه الجرم المقيت ، وأى حبيب هذا الذى يرضى بظلم الحبيب ؟
قلت : الظلم فى الأرض يا حبيبتى كثير . . حتى بين الأخ والصديق ، منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها حتى الفناء الأخير .
قالت : صدقت فيما قلت . . ولكن . . قل لى أيها الحبيب ، وما جزاء ظلم الحبيب من الحبيب ؟
قلت :  إياكِ يا حبيبتى من ظلم الحبيب . . فلا عيش مع ظلم الحبيب يطيب ، ولا غفران من العلى القدير لمن ظلم الحبيب ، وما أراكِ حبيبتى ترضين ظلم الحبيب ، فلا وحيد غيره مغرم بهواكِ ولا حبيب .
قالت ( والدموع تترقرق فى عينيها ) : كيف لى أن أظلمك يا حبيبى ، ومالى فى هذا الكون سواك ، وما أدركت الحياة إلا فى محراب هواك . . . عهدى لك ألا أظلمك يوماً قط ، ولا أؤلمك يوماً قط ، ولا أحزنك يوماً قط ، ولا أشقيك يوماً قط . . فأنت عندى حبيب القلب ، ورفيق العقل ، ومالك الروح ، وساكن الكيان والوجدان .

مالت حبيبتى برأسها للأمام . . كى تنهض وتمضى بعد الوداع . . فتساقطت من عينيها دمعتان . . مدت يدى لأجفف دموعها ، ونهضت واقفة ثم ودعتنى وإنصرفت وأنا جالس فى مكانى . . وضعت يدى على صدرى ، ودموعها تبلل إصبعى . . خفق قلبى بشدة وكأنه يرتعد . . إحتار أمرى : تُرى هل خفق قلبى من قرب دموعها من صدرى ؟ أم أن دموعها صارت شاهداً بينها وبينى . . على وعدها بألا يوماً تظلمنى ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟                                             وإلى مقال آخر إن شاء الله .
  

الثلاثاء، 8 يناير 2013

ثوابت فى الحب والغرام . . بين الأحبة والأحباب ! ! ( بقلم : د . وحيد الفخرانى )


ثوابت فى الحب والغرام . .  بين الأحبة والأحباب  ! ! ( بقلم : د . وحيد الفخرانى )   
-------------------------------------------- ---
عندما خلق الله سبحانه – جَل فى علاه – هذا الكون الفسيح ، أرسى فيه من السنن الكونية ، العديد والعديد . . تلك السنن التى أراد بها الله ، أن يدير حركة الكون ، منذ بدء الخلق حتى يوم القيامة . . وإذا نظرنا من حولنا ، فسوف نجد العديد من تلك السنن ، فمثلاً سنة التغيير والتبديل التى أرادها الله سبحانه لحركة الحياة ، والتى تتبدى فى طلوع الشمس وسطوع القمر ، وتعاقب الليل والنهار ، وفناء كل المخلوقات ، وغير ذلك من السنن ، التى تسير الحياة فى الكون وفقاً لها .

وإذا كنا – نحن بنى الإنسان – جزءً من هذا الكون العظيم فى الخلق ، فإن الله العلى القدير ، قد كتب علينا الخضوع ، لذات السنن الكونية التى فرضها على سائر خلقه ، وصارت هذه السنن الحياتية ، هى بمثابة الثوابت الثابتة ، التى لا يجب علينا ، ولا يمكن لنا أن نخرج عنها أو نخالفها ، لأنها بمثابة ناموس الكون ، وإلا خرجنا عن الطريق القويم ، وضاع منا الصواب ، وكانت عاقبتنا شراً وخيماً أهلكنا ، لا محالة .

ولما كانت حركة الإنسان فى حياته ، تشمل كل أقواله وأفعاله وتصرفاته ، وتعم علاقاته بربه وبالناس من حوله ، فإن العلاقات الإنسانية والإجتماعية ، على وجه الخصوص ، لابد لها كى تستقيم ، وتثمر وداً وترابطاً ، أن تخضع لمجموعة من الثوابت ، التى يتعين مراعاتها دائماً ، فى كل وقت وحين ، وتكون تلك الثوابت بمثابة المرجعية ، التى يعود إليها الإنسان ، وقت حاجته ، أو وقت أن يضل طريقه ، فيستهدى بها ، ويسترشد بنورها ، وعندئذ ، تزول الغمة ، وتعود الأمور إلى نصابها الصحيح .

والحقيقة أقول . . . أنه عبر سنوات عمرى الماضية ، والتى أحطت فيها بالكثير والكثير . . لأشد ما أزعجنى ، وآلم نفسى مراراً وتكراراً ، أنى وجدت أمامى أحبة وأحباباً ، رجالاً كانوا أم نساءً ، بدأت علاقاتهم وهاجة ولا معة ، يكسوها الحب والوئام ، ويحيط بها الغرام والهيام ، ثم ما لبث أن إختلف الإثنان حول أمر ما ، وضل كل منهما طريقه نحو الآخر ، وإختلفت العقول ، بعد أن إنطفأت أضواء الحب بينهما ، وضاع الغرام ، وذهب الهيام إلى غير رجعة ، ومضى كل منهما فى طريقه بعيداً  ، فى طريق لا عودة منه . . . وفى يقينى أن ما حدث ، ما كان ليحدث ، لو أنهما توقفا قليلاً ، وتأملا ما يحدث لهما ، وتنبها إلى أن كل منهما قد خالف – عن قصد أو غير قصد – أموراً ثابتة وهامة فى الحب والغرام ، ما كان لهما أن يخالفاها أبداً مهما جرى ، ولو أنهما إلتزما تلك الثوابت فى حبهما ، لكان هذا الحب وذلك الغرام ، ما زالا يحيطان بهما حتى الآن . . وكم أحزننى هذا الإختلاف ، وآلم نفسى ذلك الفراق والبعاد .

ومن أجل ذلك . . أقول لكل المحبين ولكل الأحباب . . إن السفينة وهى فى عرض البحار ، وقت أن تهب عليها ريح عاتية ، أو تكاد تعصف بها أمواج عالية ، وتوشك أن تغرقها ، وتذهب بها إلى عالم الضياع الذى لا رجوع منه  . . حينذاك . . بماذا يهتدى الربان ؟ وبم يسترشد كى يعود إلى المسار ؟ . . إنه ضوء الفنار ، فى وسط الضباب والأمواج ، الضوء الذى يهدى السفينة التائهة ، نحو النجاة من الضياع .
وهكذا فى الحب والغرام . . وبين الأحبة والأحباب ، لابد من الإهتداء بأضواء الشموع ، وسط ظلام الخلاف والإختلاف . . تلك الشموع ، هى التى أسميها أنا " الثوابت فى الحب والغرام . . . بين الأحبة والأحباب " .

وذات يوم من الأيام . .
سألتنى حبيبتى : هل للحب قانون وأحكام ؟ وهل فيه ثوابت مرعية ، بين الأحبة والأحباب ؟
قلت ( على الفور ) : نعم يا حبيبتى . . هناك العديد من الثوابت فى الحب والغرام ، لا يجب أن يغفل عنها كل الأحبة والأحباب .
قالت ( وهى ترجونى ) : إخبرنى ما هى . . كى لا أضل عنك الطريق ، أو يقع بيننا الفراق .
قلت : أنا فى حبى لكِ . . أحرص دوماً على خمس منها ، ولا أغفل عنها ، ويا ليتكِ تفعلين مثلى .  
قالت ( متلهفة ) : ما هى ؟ خبرنى . . فأنا أحبك ، ولا أبغى عنك فراقاً ولا بعاداً .
قلت : أهم ثوابتى فى حبى هى الثقة بلا حدود . . ثقتى بكِ ، وبكل كلمة تنطقها شفتاكِ الجميلتان ، وبكل فعل تأتيه يداكِ الغاليتان ، وبكل فكرة تنبع من فكرك وعقلكِ ، وبكل نظرة ، وبكل همسة ، وبكل حركة ، وبكل سكنة من سكنات هدوءكِ الذى يقتلنى حباً فيكِ . . الثقة بيننا يا حبيبتى ، هى أمان وإطمئنان يملأ نفوسنا ، وهدوء وراحة بال لا غنى عنهما لنا . . والثقة هذه لا تكون بيننا إلا إن كنا أهلاً لها ، بإلتزام الوضوح والصدق فى القول والفعل ، والبعد عن مواطن الشبهات التى تثير الشكوك فى النفوس . . وأنا يا حبيبتى ، ممن يميلون إلى الثقة الكاملة بلا نقصان ، فيمن أحبها و تحبنى ، حتى يثبت أنها لم تكن أهلاً لها ، وحينذاك ، لا تسألى أين ذهبت الثقة . . فالثقة عندى لا تتجزأ أبداً ، فهى إما تكون ، أو لا تكون . . فإحرصى على كمالها قدر إستطاعتك .
قالت : وماذا يلى الثقة عندك . . . يا حبيبى ؟
قلت : حبى لكِ بلا حدود . . فالحب عندى كله عطاء ، ولا أخذ فيه إلا بقدر ما يجود به الحبيب . . وما دمت أحببتكِ بلا حدود ، سأعطيكِ أيضاً بلا حدود ، ولن أبخل بكل ما عندى ، فأنا منكِ وأنتِ منى . . وما دمت أحببتك بلا حدود ، فسوف أنسى كل شئ من أجلكِ حتى نفسى ، مادام يخصنى وحدى ولا يخص غيرى . . لن أقول لكِ أنا ، ولكنى أقول أنتِ ثم أنتِ ثم أنتِ ، وبعدها أقول نحن أنا وأنتِ ، ولكنى لن أقول أبداً أنا وحدى .
قالت ( بشغف شديد ) : هات ثالثها . . أيها الحبيب .
قلت : خوفى وقلقى عليكِ بلا حدود . . فالحب عندى يا حبيبتى ، ما هو إلا إهتمام وإعتناء بالحبيب ، وما دمت أحببتكِ ، أهتم بكِ وأعتنى وأرعى كل شئ هو منكِ ولكِ ، وأخاف أن ينالكِ أدنى أذى ، حتى نفسى أكاد أخاف عليكِ منها ، إن هى جارت عليكِ ، فلا أطيق لكِ ضراً أبداً ، ولا أحتمل أن يقلقنى عليكِ أمر أبداً . . إن غابت عنى أخبارك ، ساورتنى القلاقل ، لا منكِ بل عليكِ ، ولا يهدأ لى بال ، ولا يستقر لى وجدان ، إلا إذا أيقنت أنكِ صرتِ فى أمان . . ذاك هو الحب عندى يا حبيبة قلبى . . خوفى عليكِ وقلقى ، قد يدفعنى إلى نصحكِ ، فتقبلى نصحى ، لأن مبعثه هو حرصى وحبى . . وتقبلى بعض القيد منى ، فى أمور قد تضر بكِ وتقلقنى .
قالت : وما رابعها . . يا عزيزى ؟ زدنى من فرط  قيودك .
قلت : مراعاة ظروفكِ ، وإحترام خصوصياتكِ بلا حدود . . فأنا أؤمن يا عزيزتى ، أن لكل منا بعض من أموره الخاصة ، وأقر بواجبى نحوها ، ومراعاتها وإحترامها ، ما دامت فى حدودها ، حرصاً منى على كيانكِ ووجودكِ بجانبى . . فالحب عندى ليس قيداً مطلقاً فى حياتى ، وليس أسراً وراء قضبانى ، بل هو شعور إختيارى وإحساس إرادى ، حتى ولو غلب إرضاء الحبيب.
قالت : وخامسها – أقصد أخيرها – يا حبيبى العزيز . . . ما هو ؟
قلت : إنه سعادتى بحبكِ وقربكِ بلا حدود . . فالحب بيننا يختصر المسافات ، مهما بعدت . . والقرب منكِ هو غايتى دائماً وأبداً . . والسعادة هى حالى ، ما دام حبكِ فى قلبى وغرامكِ فى فؤادى . . الدنيا معكِ هى كل الدنيا عندى ، والقرب منكِ هو غاية أملى ، وحبكِ أسعد أيامى وأسعدنى .
قالت ( وهى تضحك ) : ما أحلاها من ثوابت فى الحب بينى وبينك . . أراك ما أجلستنى لتحدثنى عن ثوابت فى الحب بين الأحبة ، ولكن لتحدثنى عن حبك لى وغرامك بى . . وبحديثك هذا إزداد لك حبى وفاض غرامى  . . دعنى الآن أمضى  واعفو عنى . . فقد نال منى حديثك وملكت عقلى وقلبى ، ولم أعد أملك إلا روحى ، وإليك أهدى ! !                  وإلى مقال آخرإن شاء الله





الأحد، 6 يناير 2013

عندما يبكى الرجال . . . . . . ! !


عندما يبكى الرجال . . . . . . ! !   ( بقلم : د . وحيد الفخرانى )
------------------------------
قابلتنى صدفة . . ذات مساء ، وأنا جالس وحدى فى أحد النوادى الإجتماعية ، وقد إنتحيت جانباً فى ركن هادئ ، من أركان النادى ، بعيداً عن صخب الكبار ولعب الصغار . . جاء مقعدى قريباً من مقعدها ، على بعد خطوات ، حيث جلست هى أيضاً بمفردها ، وقد أمسكت بيدها إحدى روايات الأديب الراحل يوسف السباعى ، تبينتها أنا من بعيد رواية " لا أنام " ، وقد إستغرقت فى القراءة ، وأخذت تطوى الصفحات طياً ، وبدا عليها الإصرار على إتمام قراءتها ، حتى إنتهت منها .

وفجأة . . أغلقت الكتاب ، بعد أن فرغت من القراءة ، وإمتدت يدها ، لتضعها على المنضدة أمامها ، ورفعت عينيها نحو السماء ، وظلت شاردة الذهن ، وهائمة فى الخيال ، حتى إنتبهت بعد لحظات ، على صوت جرس هاتفها المحمول ، إلتقطته بسرعة ، وتحدثت إلى شخص ما هاتفها . . وبعد دقائق قليلة ، أنهت المكالمة ، وأعادت هاتفها إلى حقيبتها ، وإستعدت لمغادرة المكان . . نظرت من حولها يميناً ويساراً ، فوقعت عيناها علىّ ، وما أن نظرت إليها ، حتى نهضت نحوى ، وهى تبتسم وتلقى علىّ التحية ، فرددتها ، وإستأذنت للجلوس معى وكأنها تعرفنى ، فأذنت لها . . وما أن جلست حتى بادرتنى بالحديث قائلة :

قالت ( وهى تبتسم ) : لقد أسعدنى الحظ أن قابلتك أيها الأستاذ الأديب ، صاحب القصص والحوارات .
قلت ( وأنا أرد مبتسماً ) : وأنا أيضاً أسعدنى لقاءكً ، ما دمتِ تعرفيننى .
قالت : أعرفك جيداً ، ولكنك لا تعرفنى . . فأنا إمرأة من كثيرات من النساء ، يقرأن لك قصصك وحواراتك ، وبعض من مقالاتك فى السياسة . . عجيب أمرك هذا .
قلت  ( مندهشاً ) : وما العجب فى أمرى ؟
قالت : كونك أديب ، فتلك نعرفها . . إنك تكتب فى الأدب محراب الخيال فتفتننا بقصصك وحواراتك ، وروائع تحليلاتك فى الحب والغرام ، وفى قلوب العذارى والنساء . . ثم نراك وكأنك تقلب الصفحات ، فتكتب فى السياسة وعالمها الخداع ، وواقعها البعيد كل البعد عن الأحلام ، إنها عالم المآسى والأوجاع ، من ظلم وقهر وغش وكذب وخداع ، فتأسر عقولنا بتحليلاتك وتنبؤاتك ، وتأخذنا إلى الواقع المؤلم المرير ، وكأننا نتنقل معك فى بساتين الإبداع . . ألا يثير ذلك العجب العجاب ؟ أم أنك يا عزيزى ممن لهم أكثر من وجه ، ويرتدون القناع ؟
قلت ( وقد أثار كلامها حفيظتى ) : عزيزتى . . أصحاب الأقلام ينابيع الإبداع ، وقد خلق الله منا من وهبهم القدرة على الإبداع فى أكثر من مجال ، وأحمد الله على تلك النعمة النعماء .
قالت : أهو حقاً حمداً لله عن رضا ؟ أم أنه تواضع المبدعين والأدباء ؟
قلت : هما الإثنان معاً . . كى لا ندخل سوياً فى جدال ؟
قالت : أنا أهوى القراءة ، و خاصة القصص والروايات ، وقرأت للعديد من الأدباء ، وآخر ما قرأت رواية " لا أنام " للأديب القصاص يوسف السباعى ، عملاق الرواية الرومانسية .
قلت : إنها رواية رائعة ، قرأتها عدة مرات ، وشاهدتها فيلماً سينمائياً جميلاً ، لسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة ، منذ أكثر من أربعين عاماً .
 قالت  ( وهى تتساءل ) : ما لأدباء وقصاصى العصر الحديث ، لا يتحدثون فى رواياتهم ، إلا عن النساء ، وكأن العالم قد خلا من الرجال .
قلت : ومن قال لكِ ذلك ؟ هناك العديد من القصص والروايات ، أبطالها من الرجال ، ألم تقرأى رواية " رجل فى بيتى " ، ورواية " أغلى من حياتى " ورواية " بداية ونهاية " ورواية " الحب الخالد " . . أليست كلها روايات أبطالها من الرجال ؟
قالت : ليتنى ما سألتك . . لقد أقنعتنى بسهولة ، فأعذر جهلى .
قلت ( مبتسماً ) : لا بأس . . لا عليكِ .
قالت : لى عندك رجاء . . ما دمت فى حضرتك ، وأنت من الأدباء ، ولك العديد من القصص والحوارات . . إذن حدثنى قليلاً عن الرجال ، فأنت منهم ، وأدرى بحالهم .
قلت : وعن أى أمر من أمور الرجال ، تريدين منى الحديث ؟ فالرجال كالنساء ، لديهم من الخصال والصفات الكثير والكثير . إخبرينى عما تريدين .
قالت : لن أثقل عليك سيدى . . حدثنى فقط عن قلوب الرجال ، وهل تختلف عن قلوب النساء ؟
قلت : إن كنت ِ تقصدين مشاعر الرجال وعواطفهم ، فإن الرجال أقل حظاً من النساء فى هذا الشأن . . فالمرأة يا عزيزتى ، بطبيعتها ، كائن عطوف وحنون ، وأكثر رقة وعذوبة من الرجال . . هكذا خلقها الله سبحانه جل فى علاه ، وهكذا أرادها ، كى تكتمل لها القدرة على فعل ما أمرها الله به ، من رعاية الأسرة ، وتربية الأولاد . . . أما الرجال ، فمن طبائعهن القوة والمنعة ، والصلابة والشدة ، فى أغلب المواقف والأوقات ، من أجل صلاح أمور الحياة . . ومن أجل ذلك – عزيزتى – كان الرجل أقل عطفاً وحناناً ، ورقة وعذوبة من المرأة .
قالت : أتقصد أن تقول أن الرجال قساة القلوب عكس النساء ؟
قلت : لا . . يا عزيزتى . . ما قصدته ، أن الرجل كالمرأة فى الخلق تماماً بتمام ، فكلاهما إنسان ، وقد أودع الله فيهما ذات الصفات ، ولكن بقدر يختلف بينهما ، حسب مهام كل منهما فى الحياة . . ألم تقرأى قول الله تعالى فى كتابه العزيز : " وخلق كل شئ ، فقدره تقديراً " صدق الله العظيم
قالت : وهل يحزن الرجال كما تحزن النساء ؟ أم أن طبيعة الرجال تحول دون ذلك ؟
قلت : إنهم  - بلا شك – يحزنون ، مثلهم مثل النساء . . أليسوا بشراً كما النساء ؟ أليس لهم قلوب وأفئدة كما النساء ؟ ولكن الرجال الأقوياء يكرهون أن تبدو أحزانهم ، أمام أعين الناس .
قالت ( وهى تسأل بإهتمام ) : وهل يبكى الرجال ، كما نبكى نحن النساء ؟
قلت ( مؤكداً ) : نعم . . إنهم يبكون حين الفراق ، وتنساب دموعهم من شدة الحزن والألم . . ألم تقرأى قول رسولنا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام حين مات ولده إبراهيم ، فحمد الله وقال : " إن القلب ليحزن ، وإن العين لتدمع ، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون " صدق رسول الله ؟ ألم يبك رسول الله على ولده حين مات ، ألم تدمع عيناه من ألم الفراق ؟
قالت : وهل الموت وحده ، الذى يُبكى الرجال ، ويُدمع العيون ، فتتساقط العبرات ؟
قلت  ( نافياً ) : لا . . فكل فراق يهتز له إنسان ، يبكى من أجله الرجال .
قالت : حتى فراق الحبيب بالرحيل والبعاد ؟
قلت : فراق الحبيب ؟ أه  ثم آه ثم آه  من فراق الحبيب . . يا عزيزتى . . على قدرالحب وقدر الحبيب ، يأتى ألم الفراق الأليم  . . والرجل حين يحب بكل كيانه وجوارحه ، ويعيش فى محراب الحب ليل نهار ، وصباح مساء ، وكل وقت وأوان ، فإنه يصير أسير ذلك الحب ، ولا يطيق للحبيب بعاداً . . وحين يقع الفراق ، يدمى قلبه ، ويؤلمه أشد الإيلام ، ولا تكفيه حينذاك ،  دموع كل البشر ، ولا العبرات . . فأنا – يا عزيزتى – أعرف من الرجال ، من ذاقوا مرارة فراق الحبيب ، وحسرة البعاد ، وظلوا رهائن سجون الألم والحزن أعوام وأعوام ، فلا الدموع أنقذتهم مما هم فيه ، ولا البكاء أفاد . . ذهب عنهم أحباؤهم ورحلوا ، بعد أن كانوا ساكنى القلوب ، وشاغلى العقول ، ورفقاء الأرواح والنفوس . . ذهبوا وتركوهم يعانون ألم البعاد ، كما يعانى من مات له عزيز ألم الخسران . . ففيما إذن يا عزيزتى ، يختلف الرجال عن النساء ، حين الآلم والأحزان ؟
قالت ( وقد بدا عليها التأثر ) : أرانى عرفت الآن سر نهاياتك الحزينة ، فى القصص والحوارات .
قلت ( وأنا أخفى تأثرى ) : إنها نهايات من وحى الخيال ، يا عزيزتى  .
قالت ( وهى واثقة ) : قل ما شئت ، وإدعى ما شئت ، أيها الأديب القصاص . . ها هى دموع عينيك أراها فى مآقيها ، وها هى قد فضحت ما تحاول إخفاءه .           قلت : ألسنا جميعاً بشر ؟ نحب ونكره ؟ ونفرح ونحزن ؟ ونسعد ونتألم ؟ ونضحك ونبكى ؟
قالت : بلى . . جميعنا بشر ، ولم يخلقنا الله من حجر . . ولولا إشفاقى عليك ، ما غادرتك قط .
ونهضت واقفة . . وإستدارت لتمضى بعيداً عنى . . وهى تنظر إلىّ وتقول : " ما لحظى التعس ، إنى أحيا مع رجل ، ليس كباقى الرجال ، إنه لا يبكى أبداً ، ولم أرى دموعه تنساب فى أحلك اللحظات "  .
حينها . . أدركت أنا ، كم أنى محظوظ ، أن وهبنى الله القدرة على البكاء حين الألم ، فلسنا معشر الرجال إلا بشر ، ولم يخلقنا الله سبحانه من حجر .           
                                                                 وإلى مقال آخر إن شاء الله .

الثلاثاء، 1 يناير 2013

ولم يكن يدرى . . . . أنه بذلك يحبها ! !


ولم يكن يد رى . . . . أنه بذلك يحبها ! !    ( بقلم : د . وحيد الفخرانى )
--------------------------------------
عرفها . . مثلما يتعارف الكثيرون منا الآن ، كانت هوايته مطالعة المواقع الإلكترونية المختلفة . . وذات يوم من الأيام ، جلس وحيداً ، يتابع ما قد تأتى به تلك المواقع ، ولفت إنتباهه صورة ، إتخذتها رمزاً لصفحتها الخاصة . . لقد كانت الصورة قريبة الشبه من إنسانة عرفها ، وإقترب منها منذ سنين طويلة ، فسيطر عليه حب الفضول ، وأسرع مقتحماً صفحتها ، ليتابع ما بها ، ويقف على حقيقة من تكون صاحبة الصورة . . لكنه فوجئ بتعليقاتها الرقيقة ، وآرائها التى حازت على إعجابه ، وحتى إختياراتها للكثير من منشوراتها ، كانت رائعة . . وبدون أن يدرى ، إرتبط بصفحتها الخاصة ، إرتباطاً شديداً ، وصار بينهما حوار من بعيد ، ولقاء متكرر بلا موعد ولا رقيب .  

إنها مصرية مثله تماماً ، وسنوات عمرها تقارب سنوات عمره ، أفكارها قريبة الشبه من أفكاره ، هدوءها وطيبتها تبرزان من كلماتها ، وجمالها ورقتها تنطق بهما حروفها ، وعطرها وعبيرها يفوحان من بين سطورها . . أحب قراءة ما يكتبه قلمها ، وعشق قلمه التعليق على ما تكتبه يدها ، وبين عشية وضحاها ، تأكد له أن شيئاً ما يربط بينهما ، لم يشأ أن يسمه فى بادئ الأمر ، ولكنه ترك العنان لمشاعره ، كى تختارما تريد ، وأطلق سراح عقله وقلبه ، خارج رأسه وصدره ، وحطم كل القيود والأغلال ، التى طالما منعته القرب  من أشخاص لا يعرفهم من قبل ، ولم ترى وجوههم عيناه ، ولم تسمع أصواتهم أذناه .

كل ذلك . . حدث فى أيام وأسابيع قليلة ، وإنتهى به الحال ، أن أرسل إليها ، طالباً صداقتها ، وآملاً أن تدوم ، وكم أسعده كثيراً أنها قبلت طلب الصداقة ، ورحبت بها . . حينها فقط أحس انه قد نال ما يريد ، وأنه قد وضع يده على نصفه الآخر فى هذه الحياة .
لقد كانت أولى المرات فى حياته ، التى يؤمن فيها بأن الأرواح حقاً ، هى جنود مجندة ، ما تآلف منها إجتمع ، وما تناكر منها إختلف ، فكانت روحها توأم روحه ، وسكنت إليها نفسه ، وإرتاح فؤاده ، رغم أنه لم يرى منها سوى صورة ، ربما لم تكن صورتها الحقيقية . . ولكنه عرفها من خلال سطورها وكلماتها وحروفها ، تلك السطور التى تخفى بينها ، كل ملامح كيانها ، وتلك الكلمات التى تكشف عن أسرار نفسها ، وتلك الحروف التى تفضح مكنونات صدرها .

عرفها . . وسكنت إليها روحه ، وتآلفت معها ، ولم يختلف حالها كثيراً عن حاله ، فقد إرتاحت روحها إليه ، وهدأ فؤادها ومال إليه ، وصارت تهتم لأمره كما يهتم ، فكلاهما كان يكمل للآخر ، ما يفتقر إليه . . تراضيا وتوافقا على أن يكون ما بينهما هو الصداقة ، ولم تكن الحياة تسمح لهما بغير ذلك ، وتلك كانت إحدى سخريات القدر ، أن يُكتب علينا اللقاء ، بأناس نسكن إليهم ، ويسكنوا إلينا ، ونألفهم ويألفوننا ، ونجد معهم كل جميل ويجدونه معنا ، ثم لا يكون بأيدينا سوى القيود والأغلال ، التى تعجزنا عن فعل كل شئ ، حتى أن نبوح بما فى صدورنا تجاه أحبائنا .

وكان غريباً . . أن تقوى بينهما الصلة ، وتتعمق الصداقة ، فى أيام وأسابيع قليلة . . لقد صار هو مهتماً بها ومشغولاً بأحوالها ، وصارت هى فى دنياه الصديقة الوحيدة ، وشطره الجميل الذى يملأ عقله وقلبه وروحه وفؤاده . . صحيح ، لها عالمها الخاص بها ، حياتها وأولادها . . وصحيح أنه أيضاً له عالمه الخاص به ، حياته وأولاده . . ولكن الصحيح كذلك ، أنهما قد إلتقيا على شئ واحد ، بدون أن يعلنا لبعضهما ذلك . . لقد إلتقيا على الود ، وإتفقا على المحبة ، و تراضيا على الصداقة . . ولكن هل كان هذا حقاً هو ما يريدان ؟ ؟ المرأة بطبيعتها يقيدها الحياء ، وتلك فضيلة كبرى فيها . . أما الرجل ، فحياؤه أقل ، وصراحته مع نفسه أقوى وأشد .

لقد جلس ذات مساء . . يحادث نفسه وتحادثه ، يسألها وتجاوبه ، ترى ؟ ؟ ماذا ألم بى منذ أن عرفتها ؟ أنا لست ممن تحكمهم النزوات ، ولا تسيطر عليهم الرغبات ، وقد تجاوزت سنوات عمرى كل الهفوات ، ترى ؟ ؟ ماذا حدث لى ؟ ؟
لقد صار لا يقوى على البعاد ، رغم ما يفصل بينهم من مسافات ومسافات ، ولكنها مسافات واهية ، تتجاوزها كل المشاعر والآهات . . إنها كانت بالنسبة له هى الصديقة الوحيدة ، الصديقة العزيزة ، ولكنها الآن ، ما عادت كما كانت . . لقد أصبحت أكثر من ذلك بكثير . . بدأ يشعر أن شيئاً مل قد تبدل بداخله ، زاده إرتباطاً بها وتمسكاً .

وذات مرة . . غابت عنه يومان ، لمرض ألم بها ، فما أغمضت عيناه فى غيابها ، وما هدأ فؤاده فى بعادها ، وما سكنت روحه بدونها . . لقد أدرك حينها ، أنها ما عادت صديقته فحسب ، ولكنها أصبحت بالنسبة إليه إكسير الحياة . . حاول مراراً أن يكبح جماح مشاعره تجاهها ، ولكنه ما أفلح قط . . وصارت بالنسبة إليه هى الصديقة ، وهى الأخت والرفيقة ، وهى الحبيبة ، وهى كل شئ فى الوجود .

وبالأمس . . قضى ليلته وحيداً فى هدوء وسكون ، وتجاذب مع نفسه أطراف الحديث ، صارحته نفسه بما كان منه ووقع ، ولم يكن بقادر على أن يظل هكذا ، ينكر حقيقة ما حدث بداخله . . وإلا . . فما سر تعلقه بها ؟ وما سبب إهتمامه بشئونها ؟ لقد إرتاحت نفسه إليها ، من قبل أن يرى صورتها ، وإزداد تعلقه بها بعد أن رأى وجهها . . لقد أحب فيها كل ما نطقت به عيناها ، وقسمات وجهها وإبتسامتها ، وهدوئها وطيبتها ، وكل شئ حولها . .

لقد تعلق عقله وقلبه بها ، وحرص كثيراً على الكتابة لها . . لقد كان يريدها فى بادئ الأمر مجرد صديقة . . والآن ، بعدما سكنت العقل والفؤاد ، تبدل الحال ، وصار غير الحال . . لقد إقترب منها ، وإبتغى ودها . . وها هو الآن قد تعلق قلبه بها . . ولم يكن يدرى ، أنه بذلك يحبها .
                                                                         وإلى مقال آخر إن شاء الله .