الأحد، 6 يناير 2013

عندما يبكى الرجال . . . . . . ! !


عندما يبكى الرجال . . . . . . ! !   ( بقلم : د . وحيد الفخرانى )
------------------------------
قابلتنى صدفة . . ذات مساء ، وأنا جالس وحدى فى أحد النوادى الإجتماعية ، وقد إنتحيت جانباً فى ركن هادئ ، من أركان النادى ، بعيداً عن صخب الكبار ولعب الصغار . . جاء مقعدى قريباً من مقعدها ، على بعد خطوات ، حيث جلست هى أيضاً بمفردها ، وقد أمسكت بيدها إحدى روايات الأديب الراحل يوسف السباعى ، تبينتها أنا من بعيد رواية " لا أنام " ، وقد إستغرقت فى القراءة ، وأخذت تطوى الصفحات طياً ، وبدا عليها الإصرار على إتمام قراءتها ، حتى إنتهت منها .

وفجأة . . أغلقت الكتاب ، بعد أن فرغت من القراءة ، وإمتدت يدها ، لتضعها على المنضدة أمامها ، ورفعت عينيها نحو السماء ، وظلت شاردة الذهن ، وهائمة فى الخيال ، حتى إنتبهت بعد لحظات ، على صوت جرس هاتفها المحمول ، إلتقطته بسرعة ، وتحدثت إلى شخص ما هاتفها . . وبعد دقائق قليلة ، أنهت المكالمة ، وأعادت هاتفها إلى حقيبتها ، وإستعدت لمغادرة المكان . . نظرت من حولها يميناً ويساراً ، فوقعت عيناها علىّ ، وما أن نظرت إليها ، حتى نهضت نحوى ، وهى تبتسم وتلقى علىّ التحية ، فرددتها ، وإستأذنت للجلوس معى وكأنها تعرفنى ، فأذنت لها . . وما أن جلست حتى بادرتنى بالحديث قائلة :

قالت ( وهى تبتسم ) : لقد أسعدنى الحظ أن قابلتك أيها الأستاذ الأديب ، صاحب القصص والحوارات .
قلت ( وأنا أرد مبتسماً ) : وأنا أيضاً أسعدنى لقاءكً ، ما دمتِ تعرفيننى .
قالت : أعرفك جيداً ، ولكنك لا تعرفنى . . فأنا إمرأة من كثيرات من النساء ، يقرأن لك قصصك وحواراتك ، وبعض من مقالاتك فى السياسة . . عجيب أمرك هذا .
قلت  ( مندهشاً ) : وما العجب فى أمرى ؟
قالت : كونك أديب ، فتلك نعرفها . . إنك تكتب فى الأدب محراب الخيال فتفتننا بقصصك وحواراتك ، وروائع تحليلاتك فى الحب والغرام ، وفى قلوب العذارى والنساء . . ثم نراك وكأنك تقلب الصفحات ، فتكتب فى السياسة وعالمها الخداع ، وواقعها البعيد كل البعد عن الأحلام ، إنها عالم المآسى والأوجاع ، من ظلم وقهر وغش وكذب وخداع ، فتأسر عقولنا بتحليلاتك وتنبؤاتك ، وتأخذنا إلى الواقع المؤلم المرير ، وكأننا نتنقل معك فى بساتين الإبداع . . ألا يثير ذلك العجب العجاب ؟ أم أنك يا عزيزى ممن لهم أكثر من وجه ، ويرتدون القناع ؟
قلت ( وقد أثار كلامها حفيظتى ) : عزيزتى . . أصحاب الأقلام ينابيع الإبداع ، وقد خلق الله منا من وهبهم القدرة على الإبداع فى أكثر من مجال ، وأحمد الله على تلك النعمة النعماء .
قالت : أهو حقاً حمداً لله عن رضا ؟ أم أنه تواضع المبدعين والأدباء ؟
قلت : هما الإثنان معاً . . كى لا ندخل سوياً فى جدال ؟
قالت : أنا أهوى القراءة ، و خاصة القصص والروايات ، وقرأت للعديد من الأدباء ، وآخر ما قرأت رواية " لا أنام " للأديب القصاص يوسف السباعى ، عملاق الرواية الرومانسية .
قلت : إنها رواية رائعة ، قرأتها عدة مرات ، وشاهدتها فيلماً سينمائياً جميلاً ، لسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة ، منذ أكثر من أربعين عاماً .
 قالت  ( وهى تتساءل ) : ما لأدباء وقصاصى العصر الحديث ، لا يتحدثون فى رواياتهم ، إلا عن النساء ، وكأن العالم قد خلا من الرجال .
قلت : ومن قال لكِ ذلك ؟ هناك العديد من القصص والروايات ، أبطالها من الرجال ، ألم تقرأى رواية " رجل فى بيتى " ، ورواية " أغلى من حياتى " ورواية " بداية ونهاية " ورواية " الحب الخالد " . . أليست كلها روايات أبطالها من الرجال ؟
قالت : ليتنى ما سألتك . . لقد أقنعتنى بسهولة ، فأعذر جهلى .
قلت ( مبتسماً ) : لا بأس . . لا عليكِ .
قالت : لى عندك رجاء . . ما دمت فى حضرتك ، وأنت من الأدباء ، ولك العديد من القصص والحوارات . . إذن حدثنى قليلاً عن الرجال ، فأنت منهم ، وأدرى بحالهم .
قلت : وعن أى أمر من أمور الرجال ، تريدين منى الحديث ؟ فالرجال كالنساء ، لديهم من الخصال والصفات الكثير والكثير . إخبرينى عما تريدين .
قالت : لن أثقل عليك سيدى . . حدثنى فقط عن قلوب الرجال ، وهل تختلف عن قلوب النساء ؟
قلت : إن كنت ِ تقصدين مشاعر الرجال وعواطفهم ، فإن الرجال أقل حظاً من النساء فى هذا الشأن . . فالمرأة يا عزيزتى ، بطبيعتها ، كائن عطوف وحنون ، وأكثر رقة وعذوبة من الرجال . . هكذا خلقها الله سبحانه جل فى علاه ، وهكذا أرادها ، كى تكتمل لها القدرة على فعل ما أمرها الله به ، من رعاية الأسرة ، وتربية الأولاد . . . أما الرجال ، فمن طبائعهن القوة والمنعة ، والصلابة والشدة ، فى أغلب المواقف والأوقات ، من أجل صلاح أمور الحياة . . ومن أجل ذلك – عزيزتى – كان الرجل أقل عطفاً وحناناً ، ورقة وعذوبة من المرأة .
قالت : أتقصد أن تقول أن الرجال قساة القلوب عكس النساء ؟
قلت : لا . . يا عزيزتى . . ما قصدته ، أن الرجل كالمرأة فى الخلق تماماً بتمام ، فكلاهما إنسان ، وقد أودع الله فيهما ذات الصفات ، ولكن بقدر يختلف بينهما ، حسب مهام كل منهما فى الحياة . . ألم تقرأى قول الله تعالى فى كتابه العزيز : " وخلق كل شئ ، فقدره تقديراً " صدق الله العظيم
قالت : وهل يحزن الرجال كما تحزن النساء ؟ أم أن طبيعة الرجال تحول دون ذلك ؟
قلت : إنهم  - بلا شك – يحزنون ، مثلهم مثل النساء . . أليسوا بشراً كما النساء ؟ أليس لهم قلوب وأفئدة كما النساء ؟ ولكن الرجال الأقوياء يكرهون أن تبدو أحزانهم ، أمام أعين الناس .
قالت ( وهى تسأل بإهتمام ) : وهل يبكى الرجال ، كما نبكى نحن النساء ؟
قلت ( مؤكداً ) : نعم . . إنهم يبكون حين الفراق ، وتنساب دموعهم من شدة الحزن والألم . . ألم تقرأى قول رسولنا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام حين مات ولده إبراهيم ، فحمد الله وقال : " إن القلب ليحزن ، وإن العين لتدمع ، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون " صدق رسول الله ؟ ألم يبك رسول الله على ولده حين مات ، ألم تدمع عيناه من ألم الفراق ؟
قالت : وهل الموت وحده ، الذى يُبكى الرجال ، ويُدمع العيون ، فتتساقط العبرات ؟
قلت  ( نافياً ) : لا . . فكل فراق يهتز له إنسان ، يبكى من أجله الرجال .
قالت : حتى فراق الحبيب بالرحيل والبعاد ؟
قلت : فراق الحبيب ؟ أه  ثم آه ثم آه  من فراق الحبيب . . يا عزيزتى . . على قدرالحب وقدر الحبيب ، يأتى ألم الفراق الأليم  . . والرجل حين يحب بكل كيانه وجوارحه ، ويعيش فى محراب الحب ليل نهار ، وصباح مساء ، وكل وقت وأوان ، فإنه يصير أسير ذلك الحب ، ولا يطيق للحبيب بعاداً . . وحين يقع الفراق ، يدمى قلبه ، ويؤلمه أشد الإيلام ، ولا تكفيه حينذاك ،  دموع كل البشر ، ولا العبرات . . فأنا – يا عزيزتى – أعرف من الرجال ، من ذاقوا مرارة فراق الحبيب ، وحسرة البعاد ، وظلوا رهائن سجون الألم والحزن أعوام وأعوام ، فلا الدموع أنقذتهم مما هم فيه ، ولا البكاء أفاد . . ذهب عنهم أحباؤهم ورحلوا ، بعد أن كانوا ساكنى القلوب ، وشاغلى العقول ، ورفقاء الأرواح والنفوس . . ذهبوا وتركوهم يعانون ألم البعاد ، كما يعانى من مات له عزيز ألم الخسران . . ففيما إذن يا عزيزتى ، يختلف الرجال عن النساء ، حين الآلم والأحزان ؟
قالت ( وقد بدا عليها التأثر ) : أرانى عرفت الآن سر نهاياتك الحزينة ، فى القصص والحوارات .
قلت ( وأنا أخفى تأثرى ) : إنها نهايات من وحى الخيال ، يا عزيزتى  .
قالت ( وهى واثقة ) : قل ما شئت ، وإدعى ما شئت ، أيها الأديب القصاص . . ها هى دموع عينيك أراها فى مآقيها ، وها هى قد فضحت ما تحاول إخفاءه .           قلت : ألسنا جميعاً بشر ؟ نحب ونكره ؟ ونفرح ونحزن ؟ ونسعد ونتألم ؟ ونضحك ونبكى ؟
قالت : بلى . . جميعنا بشر ، ولم يخلقنا الله من حجر . . ولولا إشفاقى عليك ، ما غادرتك قط .
ونهضت واقفة . . وإستدارت لتمضى بعيداً عنى . . وهى تنظر إلىّ وتقول : " ما لحظى التعس ، إنى أحيا مع رجل ، ليس كباقى الرجال ، إنه لا يبكى أبداً ، ولم أرى دموعه تنساب فى أحلك اللحظات "  .
حينها . . أدركت أنا ، كم أنى محظوظ ، أن وهبنى الله القدرة على البكاء حين الألم ، فلسنا معشر الرجال إلا بشر ، ولم يخلقنا الله سبحانه من حجر .           
                                                                 وإلى مقال آخر إن شاء الله .

هناك تعليق واحد:

  1. دائما مبدع بالفعل ان الم الفراق له اشد الالم وبكاء الرجال لهو اكبر دليل على الحب وشده التاثر والحس المرهف -ابدعت واجدت ولك منى كل التحيه

    ردحذف