الخميس، 29 نوفمبر 2012

هل نسى حقاً . . . . ما كان منها بالأمس ؟ ؟


هل نسى حقاً . . . . ما كان منها بالأمس  ؟ ؟ 
-----------------------------------------
بينما كان أحمد يتأهب لمغادرة المدرسة التى يعمل بها مدرساً ، بعد أن إنتهى اليوم الدراسى ، وإنصرف زملاؤه جميعاً . . رن جرس هاتفه المحمول فجأة ، إلتقطه أحمد ليعرف من المتصل . .  إنها هالة . . إنها تلك الحبيبة التى تركته ومضت منذ شهور ، بعد أن تنصلت من مشاعرها تجاهه ، وأنكرت كل ما كان بينهما من ود وحب . . لم يفكر أحمد طويلاً ، ورد على الهاتف ، فسمع صوتها يأتى من بعيد . . لم يدم حديثهما طويلاً . . طلبت هالة من أحمد اللقاء فى مساء ذات اليوم ، لأمر تراه هاماً وضرورياً . . لم يستطع أحمد شيئاً سوى أن يوافق على لقائهما . . وهو لا يدرى حقاً ماذا تريد منه ؟ ؟

إنتهت المكالمة سريعاً . . وجلس أحمد حيث هو فى حجرة التدريس بالمدرسة ، بعد أن كان يستعد للإنصراف والعودة إلى بيته . . جلس يسأل نفسه . . ماذا تريد منى بعد كل هذه الشهور التى مضت ؟ ؟ لقد إنقضت عدة شهور ، ولم تحادثه فيها ولو لمرة واحدة منذ آخر لقاء بينهما . . ذلك اللقاء الذى تبرأت فيه من كل شئ بينهما . . وتنصلت من كل مشاعرها تجاهه. . وأكدت له أنها ما أحبته يوماً ، وما مال إليه قلبها يوماً ، وما رغبت فى القرب منه أو الحياة معه أبداً . .
جلس أحمد وحيداً ، يتذكر كيف رأى هالة لأول مرة ، فى ذات الحجرة التى يجلس فيها الآن ، يوم أن جاءت ولأول مرة ، كى تعمل بالتدريس فى المدرسة ، وبذات القسم الذى يعمل فيه ، قسم اللغة العربية بالمدرسة . . تذكر أحمد كل ما كان بينهما، ومدى قربهما ، وكيف توطدت  علاقتهما ، حتى صارت حباً وغراما ً . . إنها لم تكن تعرف سواه فى المدرسة ، ولم تتحدث مع أحد غيره ، ولم تأنس لشخص سواه ، وكانت بالنسبة له هى الدنيا بأسرها . . ولكنها . . فجأة . . وبلا أية مقدمات ، أنكرت كل ما كان بينهما ، وألقت به خلف ظهرها ، وهرولت مُسرعة إلى الزواج من إبن خالتها ، الذى سافر إلى إيطاليا للعمل هناك ، ثم عاد كى يطلب الزواج بها ، وقبلته هى بلا تردد . . ونسيت ما كان بينها وبين أحمد ، وتنصلت من مشاعرها تجاهه ، ومن لحظتها لم يرها أحمد . . علم أنها حصلت على أجازة للزواج والسفر إلى إيطاليا مع إبن خالتها .

واليوم . . إنها تعاود الإتصال به مرة أخرى ، بعد مرور عدة شهور ، تطلب لقاءه ، وهو لا يدرى سبب اللقاء . . إن جرحه الذى تسببت فيه وأوشك أن يندمل ، بعد أن توقف نزيفه وخف ألمه ، وأدرك أن الحياة لابد وأن تستمر معها أو مع غيرها . . إنه مازال يجاهد من أجل نسيانها ، حتى أنه منع نفسه من الجلوس فى ذات المكان ، الذى كان يجمعهما بحجرة التدريس بالمدرسة ، عدة شهور متتالية ، كى ينسى أو يتناسى كل ما كان بينهما ، ولكنه حتى اليوم لم يستطع أن ينسى كل شئ . . . وفجأة دخل إلى حجرة التدريس أحد زملاء أحمد ، وسأله عن سبب عدم مغادرته المدرسة بعد إنتهاء عمله فيها . . تنبه أحمد ، ولملم نفسه التى تبعثرت بين ذكريات حبه وغرامه ، وإمتدت يده لتمسك بحقيبته ، ونهض واقفاً ليغادر الحجرة والمدرسة ، عائداً إلى منزله .

عاد أحمد إلى بيته . . دخل إلى غرفته ، وأغلقها عليه وحده ، حاول أن ينام قليلاً ولكنه لم يستطع . . كانت الساعات تمر بطيئة وثقيلة ، حتى إقترب موعد اللقاء ، إرتدى ملابسه ثم خرج ، كى يلاقيها لأول مرة منذ عدة شهور . . كان مرتبكاً وكان قلقاً ومتوتراً ، وكان لا يرغب فى لقائها مرة أخرى ، كى لا تتجدد أحزانه وآلامه ، ولكنه ما إستطاع أن يرفض لها لقاءً .
ذهب أحمد إلى حيث مكان اللقاء . . لم ينتظرها طويلاً حتى حضرت ، وما أن وقعت عيناه عليها ، حتى خفق قلبه بشدة ، وأحس أن قلبه أوشك أن ينتفض خارجاً من صدره . . ألقت عليه التحية ثم جلست ، رد أحمد التحية ، ونظر إلى وجهها ، فوجده شاحباً تبدو عليه علامات القلق والتوتر ، وأمارات التعب والإرهاق ، ويعلوه الحزن والألم . . ما عادت كما كانت فى لقائهما الأخير ، بدا عليها وكأن الإبتسامة غادرت شفتاها ، منذ وقت طويل ، وهى التى كانت تتلألأ بجمالها وإبتسامتها . . . لم يدم الصمت بينهما طويلاً . . حتى بادرته هى قائلة :

قالت ( وهى تسأل ) : كيف حالك يا أحمد ؟
قال ( مُندهشاً ) : يااااه  أحمد . . أما زلتِ تتذكرين إسمى يا هالة ؟
قالت ( وهى تبتسم ) : وكيف لا أتذكره ؟ ومن قال لك أنى نسيته ؟
قال : ومن قال لكِ أنكِ تتذكرينه ؟ إنكِ فى آخر لقاء بيننا منذ شهور . . لم ينطق لسانك بإسمى قط ، ألا تتذكرين يا هالة ؟
قالت : دعنا من هذا الحديث . . وإخبرنى كيف حالك ؟
قال : الحمد لله . . أنا أحيا مثل الآخرين . . أأكل وأشرب وأنام وأستيقظ وأروح وأجئ .
قالت ( وهى تنظر إلى يديه ) : أما زلت وحيداً ، لم ترتبط بأخرى غيرى من بعدى ؟
قال ( نافياً ) : ما قابلت بعد صاحبة النصيب .
قالت : إذن . . لقد نسيتنى . . أليس كذلك يا أحمد ؟
قال ( مستفسراً ) : ألم تطلبى منى أن أنساكِ ، وأبحث عن غيرك ، فى آخر لقاء بيننا ؟
قالت ( وهى تضحك ) : وهل نسيتنى فعلاً وبحثت عن غيرى ؟
قال : أحاول أن أنساكِ . . ولكننى لا أبحث عن غيرك .
قالت : إذن . . الحمد لله . . أنك لم تنسنى ولم ترتبط بغيرى حتى الآن .
قال : الحمد لله على كل حال . . ولكنكِ لم تخبرينى ، لماذا طلبتى لقائى ، بعد كل هذه الشهور .
قالت ( مُتسائلة ) : أما كنت ترغب فى لقائى يا أحمد ؟
قال : ومن منا ترك الآخر يا هالة ؟ ومن منا غدر بالآخر ؟ ومن منا أنكر صلته بالآخر ؟ ومن منا تنصل من مشاعره تجاه الآخر ؟ ومن منا كره لقاء الآخر ؟
قالت : لا . . لا تقل أنى نسيت ما بيننا ، وكرهت لقاءك .
قال : دعكِ أنتِ من هذا الحديث . . وأخبرينى ماذا تريدين منى ؟
قالت : ألا تريد أن تعرف أخبارى ، وتسأل عن أحوالى ؟
قال : لقد علمت أنكِ تزوجتِ من إبن خالتك ، وسافرتِ معه إلى حيث يعمل ويُقيم ، ومرت شهور ولم أسمع عنكِ جديداً .
قالت : لقد عُدت مؤخراً إلى مصر ، منذ أسبوعين فقط ، وأسعى الآن إلى العودة للعمل بالمدرسة.
قال : وأين زوجكِ ؟ هل جاء معكِ ؟
قالت : لا . . لقد عُدت وحدى يا أحمد .
قال ( مُستفسراً ) : ولم ؟ هل حدث بينكما خلاف ؟
قالت : نعم . . لقد إنفصلنا هناك قبل مجيئى إلى مصر ، ووقع بينا الطلاق ، وعُدت وحدى .
قال : أبهذه السرعة وقع بينكما الطلاق ؟ وأنتما لا تزالا فى البداية ؟ هل كان زواجكما حقيقياً ؟ أم كان زواجاً على ورقة طلاق ؟
قالت : لم نستطع أن نتفاهم سوياً ، طبائعه وخصاله مختلفة عنى تماماً ، إنه صار جزءً من المجتمع الذى يعمل ويعيش فيه ، لقد أصبح رجلاً غربياً ، أما أنا فما زلت إمرأة شرقية ، لى تقاليدى وعاداتى . . لقد إختلفنا حول أمور كثيرة ، ودب بيننا الخلاف منذ بداية زواجنا ، وإزداد الخلاف يوماً بعد يوم ، حتى صارت الحياة بيننا مستحيلة ، فإتفقنا على الإنفصال ودياً ، مراعاة لصلة القرابة بيننا . . وأحمد الله أنى لم أنجب منه أولاداً .
قال ( متسائلاً ) : وماذا بعد يا هالة ؟
قالت : لا شئ . . سوف أعود إلى عملى مرة أخرى ، كما قلت لك ، وسوف أبدأ حياتى من جديد .
قال : أتمنى لكِ التوفيق والنجاح يا هالة .
قالت : أهذا كل ما لديك من أجلى يا أحمد ؟ أن تتمنى لى التوفيق وحسب ؟
قال : وماذا تريدين منى أن أقول أو أفعل يا عزيزتى ؟
قالت ( وهى واثقة ) : أراك ما زلت على العهد باقى . . وما زال حبى فى أعماقك . . أراه فى عينيك وأنت أمامى .
قال : لا . . قولى شيئاً آخر يا هالة . . إنى نسيتكِ وما عُدت اذكركِ . . ما عاد عقلى يتذكركِ . . وما عاد قلبى يرنو إليكِ . . وما عادت عيناى تتخيلك . . ما عاد شيئاً كما كان من قبل . . إنى نسيتكِ وأخرجت من قلبى حبكِ .

على الفور إمتدت يد هالة إلى هاتف أحمد لتمسك به ، وظلت تبحث عن إسمها حتى وجدته فى سجل أسمائه . . نظرت إليه ثم ضحكت  . . وقالت له : إن كان ما تقوله حقاً ، فلماذا لم تمحى إسمى من هاتفك بعد كل هذه الشهور ؟ إنك تخدع نفسك ولكنك لن تخدعنى ، فأنا أعرفك جيداً وأفهمك جيداً ، ولكنك ما عرفتنى قط وما فهمتنى قط . . ونهضت واقفة ، وقبل أن تغادره ، نظرت إليه وقالت : سوف ألقاك فى الأسبوع القادم ، حيث عملى بالمدرسة . . وأنا على يقين ، أنك سوف تنتظرنى كما تعودت دائماً ، فأنا لا أعرف غيرك ولا أميل لسواك ، ولكنك يا عزيزى لا تفهم النساء ، وإستدارت كى تمضى فى طريقها . . وهو جالس فى مكانه يسأل نفسه : هل ما تقوله هى حق ؟ ؟ وهل ما يزال يحبها ويتمنى قربها ، رغم كل ما فعلته به منذ شهور ؟ ؟  وهل هى حقاً صادقة حين قالت : أنه يخدع نفسه بإنكاره حبها ؟ وهل هو حقاً يميل إلى الصفح عنها ، وغفران ما بدر منها ؟  وهل نسى حقاً ما كان منها بالأمس ؟
نظر أحمد من حوله . . فوجد الجميع قد إنصرفوا إلا هو . . نهض واقفاً ومضى فى طريقه ، يسير بخطوات متباطئة وثقيلة . . وهو لا يدرى بما حوله . . ويردد فى أعماقه ويتساءل حائراً :
هل نسيتُ حقاً . . . . . ما كان منها بالأمس ؟ ؟ ؟ ؟       وإلى مقال آخر إن شاء الله .
 


     

الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

القضاء السياسى . . وأزمة الإعلان الدستورى . . والضربة الإستباقية ! !


القضاء السياسى . . وأزمة الإعلان الدستورى . . والضربة الإستباقية ! !
--------------------------------------------------------------------

قال الله تعالى فى كتابه العزيز : " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ، إن الله نعما يعظكم به " صدق الله العظيم  . . . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " القضاة ثلاثة : قاضيان فى النار ، وقاض فى الجنة . قاض عمل بالحق فى قضائه فهو فى الجنة . وقاض علم الحق فجار متعدياً فهو فى النار . وقاض قضى بغير علم وإستحيا أن يقول لا أعلم فذلك فى النار " صدق رسول الله .

إن القضاء هو فى الأصل رسالة ، غايته القسط بمعنى العدالة ، وأول من تولى القضاء هم الرسل والأنبياء ، مصداقاً لقوله تعالى : " لقد أرسلنا رسلنا . . . . وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط " صدق الله العظيم . . . ولابد لعضو الهيئة القضائية ، أن يتصف بالموضوعية ، ولكى يتصف بها ، لابد أن تتوافر لديه ثلاث مقتضيات هى : الغيرية والتجرد والحيدة .
وغيرية القاضى ، تعنى أن يكون غيراً بالنسبة للخصوم ، وأعوانهم من المحامين ، وأعوان القضاء . . وتجرد القاضى ، يعنى أن يتجرد القاضى عن ذاته ونزعاته الشخصية ، حال مباشرة القضاء ، ولصعوبة تجرد القاضى ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من تولى القضاء فقد ذبح بغير سكين " . . وقال أيضاً : " من طلب القضاء وإستعان عليه فقد وكل إليه ، ومن لم يطلبه ولا إستعان عليه ، أنزل الله ملكاً يسدده "  صدق رسول الله . . . أما حياد القاضى ، فيعنى عدم تحيزه ، إما سهواً أو عمداً ( الجور أو الظلم ) .

والقضاء المصرى الآن . . يواجه فى عمومه أزمة طاحنة ، تكاد تعصف بقدسيته وهيبته ، بعد أن أصابه ما أصابه ، من فساد وإنحراف ، طال قلة قليلة من قضاته ، ونال من مكانته ومنزلته بين جموع المصريين . . فقد مالت نفوس بعض قضاة مصر ، وبصفة خاصة قضاة المحكمة الدستورية العليا فى البلاد ، الذين إنزلقت أقدامهم إلى حيث مستنقع السياسة ، وعالمها القذر ، الذى لا يليق بقضاة مصر ، أن ينتسبوا إليه من قريب أو بعيد . . فالسياسة لها ألاعيبها الخاصة بها ، ولها حيلها وخدعها ، التى تبتعد كل البعد عن قدسية القضاء ، وهيبته وأخلاقياته ومبادئه . . فالقاضى لا يحق له أبداً ، أن ينحاز إلى طرف دون آخر ، والسياسة كلها ميل وتحيز وإنحياز ، ولا يليق بالقضاة أن يقترفوها ، ولا أن يدنسوا محرابهم بآثامها وأخطائها وخطاياها .

إن مشكلة الإعلان الدستورى ، الذى أصدره مؤخراً ، رئيس الجمهورية المنتخب ، الدكتور / محمد مرسى ، هى فى الأساس مشكلة ، تعود فى منبعها وأصلها إلى قضاء مصر ، الذى صار البعض منه مُسيساً ، ذا ميل وهوى ، أفقداه موضوعيته وحياده وتجرده

فقد أثبتت الأحداث التى وقعت فى الشهور الأخيرة ، منذ أن تولى الرئيس / محمد مرسى ، سلطة الحكم فى مصر ، أن هناك شيئاً ما قد لحق بالقضاء ، فى قلة منه ، وعلى رأسهم قضاة المحكمة الدستورية العليا ، التى حامت حول قراراتها بعض الشبهات ، أبعدتها عن الحيدة والنزاهة ، فى نظر الكثيرين من أبناء شعب مصر . . وربما كان قرارها بحل مجلس الشعب المصرى المنتخب بعد ثورة 25 يناير ، وهى لا تملك قانوناً سلطة الحل ، لأن إختصاصها حسب قانونها ، ينحصر فى تقرير عدم دستورية القانون الذى تمت على أساسه إنتخابات أعضائه ، دون أن يكون من شأنها تقرير حله ، بل إن ذلك هو من إختصاص القضاء الإدارى وحده . . ولكن قضاة المحكمة الدستورية ، تصدوا لحل المجلس التشريعى ، متجاوزين إختصاصاتهم ، وهم فى عجالة من أمرهم ، أثارت الشبهات حول تصديهم لحل المجلس . . فقد جرى نظر الدعوى والحكم فيها فى شهور قليلة ، بعد أن كانت فى السابق فى عهد مبارك المخلوع ، تستغرق خمس سنوات على الأقل . .                                                                                                ومن ناحية أخرى ، إنخرط قليل من قضاة تلك المحكمة ومن غيرهم من القضاة ، فى العمل بالسياسة ، والخوض فى أحاديث سياسية ، لا علاقة لها بالقضاء ، عبر وسائل الإعلام ، وإبداء الرأى علانية فى العديد من الأمور السياسية . . وكان من نتيجة ذلك ، أن ثارت الشبهات حول بعض من قضاة المحكمة ، ومدى دورهم فى توجيه الحياة السياسية فى البلاد ، وهو أمر لا يقبله الكثيرون من أبناء الشعب المصرى ، حفاظاً على قدسية وهيبة ومكانة تلك المحكمة فى نفوس المصريين . . وكان يتعين على عموم قضاة تلك المحكمة العليا ، أن يتولوا بأنفسهم تصحيح مسار بعضهم ، ممن مالوا إلى السياسة ، وخلطوا بينها وبين القضاء بقدسيته .

وقد ترددت فى الآونة الأخيرة أنباء وأخبار ، وصلت إلى مسامع مؤسسة الرئاسة ، وتأكدت إليها معلومات ، أفادت بأن أمراً ما يجرى تدبيره ، بين بعض من أعضاء الهيئات القضائية ، ذات الصلة بنظر طعون ودعاوى إلغاء ، لبعض قرارات وقوانين يصدرها رئيس الجمهورية ، بصفته التشريعية ، من أجل تسيير شئون البلاد . . وعلى رأس تلك الطعون والدعاوى ، الطعون الثلاثة المتعلقة بحل مجلس الشورى المنتخب ، وحل الجمعية التأسيسية للدستور ، وإلغاء الإعلان الدستورى الصادر من رئيس الجمهورية فى 11 / 8 / 2012  الذى تضمن إلغاء الإعلان الدستورى المكمل الصادر عن المجلس العسكرى فى 17 / 6 / 2012 ، وهو الأمر الذى يعنى تفريغ البلاد من أية مؤسسات منتخبة ( بعد حل مجلس الشعب ) ، وتعطيل وضع مشروع الدستور ، وإعادة الإعلان الدستورى المكمل ، إلى الوجود مرة أخرى ، والتى تعنى بالضرورة عودة المجلس العسكرى إلى الحياة السياسية ، وتصدره المشهد من جديد ، وإستحواذه على سلطة التشريع فى مصر . . . أى إعادة البلاد إلى نقطة الصفر مرة أخرى . . وتلك مصيبة كبرى .

وكعادة رئيس الجمهورية المنتخب / محمد مرسى ، وحزبه وجماعته ، أنهم إعتادوا دائماً على توجيه ضربة إستباقية ، لخصومهم السياسيين ، يُجهضون بها محاولاتهم للنيل منهم . . تلك الضربة الإستباقية التى عهدناها منهم ، قبل إعلان نتيجة الإنتخابات الرئاسية ، عندما خرجوا إلى ميادين مصر ، وإستبقوا الجميع وأعلنوا فوز مرشحهم الدكتور / محمد مرسى ، بمنصب رئيس الجمهورية ، قبل أن تعلن اللجنة الرئاسية للإنتخابات النتيجة بصفة رسمية ، فقطعوا الطريق بذلك على أية محاولات ، للتلاعب فى نتيجة الإنتخابات ، وتلك كانت ضربتهم الإستباقية الأولى . .                                                                

ثم كانت الضربة الإستباقية الثانية ، حين علم رئيس الجمهورية المنتخب ، أن هناك محاولات لإحداث إنقلاب عسكرى ضده ، والإطاحة به من منصبه ، لصالح شركائه العسكريين فى حكم مصر آنذاك . . فما كان منه إلا أن أصدر إعلاناً دستورياً فى 11 / 8 / 2012 ، إستبق به الجميع ، وألغى به الإعلان الدستورى المكمل ، الصادر من المجلس العسكرى فى 17 / 6 / 2012 قبل إعلان فوز محمد مرسى بمنصب رئيس الجمهورية بساعات قليلة . . وبذلك أطاح مرسى وحزبه وجماعته ، بالقادة العسكريين الكبار ، بضربة إستباقية ثانية ، وإستعاد حكم البلاد كاملاً ، بما فى ذلك سلطة التشريع .

ثم كانت الضربة الإستباقية الثالثة ، هى ذلك الإعلان الدستورى الأخير ، الصادر بتاريخ 21 / 11 / 2012 ، والذى صدر عن رئيس الجمهورية ، إستباقاً للإنقلاب القانونى ، الذى كانت بعض الهيئات القضائية تدبر للقيام به ، من أجل تفريغ مصر من مؤسساتها الدستورية ، وإحداث فراغ دستورى فى البلاد ، تكون من نتيجته أن تعم الفوضى كل ربوع مصر ، لتنتهى الأحداث بالإطاحة برئيس البلاد المنتخب ، لكن الله حمى مصر من شر تلك الفتنة الكبرىوالكارثة المُحققة

وللأسف الشديد . . أن القوى العلمانية والليبرالية واليسارية والناصرية ، التى كانت تدعى أنها مع الثورة والثوار ، قد إنكشف عنها القناع فى هذه الأزمة الراهنة ، فقد فوجئ بهم الجميع ، وهم يضعون أياديهم فى أيادى أسيادهم من فلول نظام مبارك المخلوع ، الملوثة بدماء شهداء ثورة 25 يناير . . إنهم إجتمعوا سوياً من أجل تحقيق هدف واحد ، وياليته كان من أجل مصر ، ولكنه من أجل الإطاحة بالرئيس المنتخب وحزبه وجماعته ، فبئس الهدف هدفهم ، وبئس الغاية غايتهم . . ومما يثير السخرية ، رفضهم القاطع للحوار مع الرئيس ، حول الأزمة الراهنة ، وإشتراطهم أن يُلغى الإعلان الدستورى أولاً . . أفبعد هذا الشرط ، تكون للحوار أهمية ؟ ؟ ؟

إنهم إستطاعوا أن يحشدوا الآلاف من الشباب المُضللين ، بشعاراتهم الخاوية ، من أجل تصفية حسابات الإنتخابات الرئاسية السابقة ، وخشيتهم من خسارتهم المؤكدة فى الإنتخابات البرلمانية القادمة . . إنهم ما قبلوا نتيجة الإنتخابات الرئاسية ، وما رضوا عنها ، ولا عن ديمقراطية صناديق الإنتخاب . . إنهم يريدون الديمقراطية المصرية ، على الطريقة الفرعونية ( إما فيها ، أو أخفيها ) . . وللأسف الشديد سايرهم القضاء فى مسعاهم الردئ .

وأنا أقولها للرئيس المنتخب / محمد مرسى عيسى العياط  . . إثبت مكانك ولا تهتز . . دَعهم يتصايحون ويتصارخون . . دعهم يتقافزون مثل القرود . . ولا تمكنهم من إعتلاء أكتافك أبداً . . إنهم وصوليون يبتغون السلطة فقط . . وليس لديهم ما يقدمونه لمصر وشعبها . . إنهم أنصاف فلول عَبدة فلول . . نعلم جميعاً أن الأزمة كبيرة وطاحنة . . ولكن الكبار وحدهم ما خلقوا إلا لأجلها . . كن ثابتاً . . كن قوياً . . كن عادلاً . . كن راعياً لمصلحة مصر وشعبها . . كل شعبها وليس الإخوان وحدهم . . ولولا عدم ثقتى فى بعض قضاة مصر الذين غلبتهم السياسة ، لنصحتك باللجوء إلى الشعب فى إستفتاء عام حول الإعلان الدستورى . . فلا تفعلها ، لأنك لو فعلتها ، سوف تكون خطيئتك الكبرى . . فلا تفعلها . . لا تفعلها أيها الرئيس . وإلى مقال آخر إن شاء الله.

الأحد، 25 نوفمبر 2012

إحذروا أيها الثوار . . . . من فلول مبارك ! !


إحذروا أيها الثوار . . . . من فلول مبارك ! !
------------------------------------------
قال الله تعالى – مُحذراً رسوله الكريم – فى كتابه العزيز : " ومن الناس من يعجبك قوله فى الحياة الدنيا ويشهد الله على ما فى قلبه وهو ألد الخصام " صدق الله العظيم . . . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن خان " صدق رسول الله . . . . كثيراً فى حياتنا . . ما نقابل أناساً ، تنطلق ألسنتهم بأحلى الكلمات ، وتنطق شفاههم بأرق العبارات ، وتعلو وجوههم الإبتسامات ، وتبدو عليهم أمارات المحبة لنا والوفاق ، وهم فى حقيقة أمرهم من ألد الأعداء ، ويتمنون فى أنفسهم لنا الهلاك . . أولئك هم المنافقون ، الذين حذر منهم ربنا رسوله الكريم محمد، من فوق سبع سماوات بكلمات قرآنية ، نزل بها الأمين جبريل على سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ، وأولئك هم أيضاً من أسماهم القرآن الكريم بالمنافقين ، وبشرهم الخالق جل فى علاه بجهنم وبئس المصير . . . قال تعالى فى كتابه العزيز : " إن المنافقين كانوا فى الدرك الأسفل من النار " صدق الله العظيم .

والآن فى مصر . . أرى أمامى مشهداً غريباً وعجيباً ، رأيته من قبل منذ أكثر من تلاثين عاماً ، أيام أن إجتمع الأضداد ، فى الفكر والأيدلوجيات ، والرؤى والتوجهات ، والخطط والأهداف ، وتصدروا جميعاً المشهد السياسى المصرى ، وهم خصوم وأعداء ، فى أواخر عهد الزعيم أنور السادات رحمه الله . . وقت أن أخطأ السادات فى حساباته وتقديراته ، الخطأ الأكبر والخطيئة الكبرى ، وقرر الإفراج عن أعضاء الجماعات الإسلامية ، وعلى رأسهم الأخوان ، من السجون والمعتقلات ، وفتح لهم الطريق للعمل الدَعوى والسياسى ، ، وكان السادات كمن يلعب بالنار ، فقد كان فى تقديره الخاطئ آنذاك ، أنه بذلك إنما يُحدث توازناً فى البلاد ، بين الفكر الإشتراكى الشيوعى والفكر الإسلامى . . وكانت المفاجأة الكبرى للسادات نفسه ، أن تخلى كل منهما عن فكره وعن أيدلوجيته ، وإتفقوا معاً عليه ، ووقفوا فى وجهه ، وأفسدوا الحياة السياسية فى مصر ، رغم إختلافهم الأيدلوجى العميق ، الذى كان يُدركه السادات تماماً ، ولكنه تغافل عنه ، حتى وجد أمامه مشهداً لا يتكرر ، إلا فى عالم السياسة وحده ، ذلك العالم القذر البعيد عن المبادئ والأخلاق .
لقد فوجئ الجميع آنذاك ، وعلى رأسهم السادات رحمه الله ، بأن الأخوان المسلمين الموحدين بالله والمؤمنين برسوله ، قد وضعوا أيديهم فى أيدى الشيوعيين ، الملحدين الكافرين بالله ورسوله ، ضد السادات فى آن واحد ، جمعتهم لعبة السياسة القذرة ، ولملمتهم الأهواء والمطامع ، وأفسدوا على مصر ما كان يأمله لها السادات . . وكان أن إنتهى إتفاقهم وإجتماعهم ، على أهدافهم الشيطانية ، بمأساة حقيقية عاشتها مصر والمصريون ، وعانوا منها كثيراً . . لقد آل الأمر فى نهايته إلى إغتيال السادات نفسه ، طمعاً فى السطو على السلطة ، من أجل فرض أيدلوجياتهم الخاصة بهم وحدهم ، ولكن الله انقذ مصر من براثن الأخوان المسلمين والشيوعيين فى آن واحد .

واليوم فى مصر . . أرى أمامى ذات المشهد العجيب والغريب يتكرر مرة أخرى ، ولكن فى هذه المرة ، إجتمع الثوار الأحرار فى ميدان الثورة ، ميدان التحرير ، حيث سالت دماء الشهداء الأبرياء . . ويا للهول والعجب العُجاب . . لقد إحتشد معهم فى ذات الميدان ، الفاسدون المُفسدون ، من فلول مبارك المخلوع ، رجال الحزب الوطنى المنحل والمدحور ، والجميع يتصايحون ضد الأخوان هذه المرة . . أترى ؟ هل التاريخ يُعيد نفسه ؟ وكما فعل الأخوان المسلمين مع السادات ووضعوا أياديهم فى أيادى الشيوعيين المُلحدين ، من أجل الإطاحة بالسادات . . الآن الثوار الأحرار، وضعوا هم أيضاً أياديهم فى أيادى ملوثة بالدماء ، من أجل الإطاحة بمرسى والأخوان . . وهل أصاب العمى هؤلاء الثوار إلى هذه الدرجة ؟ أم أنها السياسة لعنها الله ألف مرة ومرة ؟

إن القوى الثورية فى مصر ، تسعى الآن إلى هدف واضح وظاهر ، هو إستعادة ثورتهم التى إختطفها منهم الأخوان ، وإختطفوا معها مصر كلها ، وللثوار بعض الحق فى ذلك ، فممارسات الأخوان ليست فوق مستوى الشبهات ، فى هذا الخصوص ، ويسعى الثوار إلى تحقيق ذلك الهدف من خلال الإطاحة بالإخوان ورئيس البلاد المُنتخب ، صاحب الشرعية الوحيدة فى مصر الآن . . . أما فلول مبارك ، فهم أيضاً يسعون إلى هدف واضح وظاهر ، ولكنه يختلف عن هدف الثوار ، إنهم يهدفون إلى إعادة النظام البائد الفاسد مرة أخرى ، بكل رموزه وسدنته ، ورجاله اللصوص السارقين لقوت هذا الشعب . . وهم أيضاً من أجل تحقيق هدفهم الكريه ، يتبعون ذات الوسيلة التى يتبعها ثوار 25 يناير ، وهى الإطاحة بالإخوان و الرئيس الشرعى المنتخب فى البلاد ، ثم إشاعة الفوضى فى مصر مرة أخرى . . إنهم فلول ماكرون ، يحاولون إعتلاء أكتاف الثوار، من أجل إسقاط النظام ، وإعتلاء قمة السلطة فى البلاد مرة أخرى .

لقد أثارت إعجابى . . كلمات صدرت عن الكاتب والروائى / علاء الأسوانى ، حين كتب بالأمس ، مُحذراً الثوار من فلول مبارك ، ومُنادياً بأعلى صوته ، أن إنتبهوا يا ثوار مصر لمكر الماكرين من رجال مبارك . . أراد الرجل أن يدق ناقوس الخطر عالياً ، كى يسمعه ثوار مصر ، رغم أنه يختلف مع الإخوان فى توجهاتهم وسياساتهم وأطماعهم ، إلا أنه مثلنا جميعاً – نحن المصريين – يرى أن رجال مبارك وفلوله أشد خطراً على البلاد من خطر الأخوان .
إن المدعو أحمد شفيق ، إبن مبارك الفاسد ، قابع هناك خارج البلاد ، فى مخبئه مثل الفئران ، يخطط ويُدبر ويمول من أمواله الفاسدة وأموال رجال مبارك ، من أجل إسقاط النظام الحاكم فى مصر ، مستغلين فى ذلك غباء الإخوان وأطماعهم فى محاولة إختطاف مصر ، ومُستغلين فى ذات الوقت ، حماسة وإندفاع ثوار مصر 25 يناير ، الذين يسعون بكل جهدهم لإستعادة مصر المخطوفة من يد الإخوان . . ولكن شفيق وعملاؤه ، لا يسعون إلى ما يسعى إليه الثوار ، وإنما يسعون إلى إستعادة السلطة فى مصر مرة أخرى ، ليعود شفيق من الخارج ، مُعتلياً سُدة الحكم فى البلاد ، ويعود مرة أخرى نظام مبارك المخلوع ، ويعود التنكيل بالمصريين والثوار .

إن ثوار مصر الآن . . فى موقف صعب للغاية ، إنهم يقفون محاصرون بين أطماع الإخوان فى مصر من ناحية ، وبين مؤامرات الثورة المضادة ودسائسها من ناحية أخرى . . والخوف كل الخوف ، من أن يضل الثوار طريقهم ، ويضعوا أياديهم الطاهرة فى أيادى الفلول الملوثة بدماء الشهداء من أقرانهم ، من أجل الإطاحة بالإخوان المسلمين ورئيس البلاد .
وأنا أقول لهم : يا ثوار مصر 25 يناير . . تمسكوا بأهدافكم فى إستعادة ثورتكم وإستعادة مصر ، التى إختطفها الإخوان منكم وأنت غافلون عنها . . ولكن . . إياكم أن تغفل عيونكم عن أولئك المتربصين بكم وبثورتكم ، من فلول مبارك المخلوع . . لا تدعوا صراعكم مع الإخوان وكرهكم لهم ، يُنسيكم مكر ودهاء وتدابير ومؤامرت ودسائس الثورة المُضادة ، من رجال النظام البائد ، الذين لم يفقدوا الأمل حتى اليوم فى إفتراس مصر مرة أخرى . . إن عدوكم الأول هو الثورة المضادة من الفلول ، وخصمكم من الإخوان المسلمين ولكنهم ليسوا عدواً لكم . . لا تنسوا أنكم والإخوان كنم شركاء فى ثورة 25 يناير ، دفعوا معكم أثماناً غالية من أجل إنجاحها . . صحيح أن أطماعهم غلبت عليهم ، وتلك هى طبيعة السياسة لدى الجميع ، وأرادوا إختطاف مصر لهم وحدهم . . ولكن . . يجب ألا يُنسيكم طمع الإخوان مكر الفلول ، الذين يتربصون بكم وبثورتكم وبمصر وبالإخوان فى آن واحد ، وينتظرون ، وتلك فرصتهم أن ينهار الحكم فى البلاد ، وتعم الفوضى مرة أخرى ، وساعتها سوف ينقضون على حكم مصر ، وربما ساندهم الجيش هذه المرة ، وسوف تضيع ثورتكم إلى الأبد . . كونوا حكماء وعقلاء ، مصر الآن لها رئيس مُنتخب لا تطيحوا به ، لأنكم لو فعلتم ، فلن تستردوا مصر مرة أخرى . . الفلول مُتربصون ، لقد إستوعبوا الدرس جيداً ، والجيش هذه المرة لن يقف مُتفرجا. . أقول لكم بأعلى صوتى : إحذروا الإخوان ، ولكن إحذروا أكثر منهم فلول مبارك ! ! !             وإلى مقال آخر إن شاء الله .   




الجمعة، 23 نوفمبر 2012

ونسىَ . . . . أنها لم تكن يوماً حبيبته ! !


ونسىَ . . . . أنها لم تكن يوماً حبيبته  ! !
-------------------------------------
فى حياتنا  أناس يعرفوننا ونعرفهم . . تأبى الأحزان والآلام أن تفارقهم ، وكأنما وقفت خصيصاً على أبوات حياتهم ، تمنع الأفراح والسعادة من الإقتراب منهم . . هكذا جاءت أقدارهم ، وهكذا أراد الخالق الأعلى لهم . . كلما إقترب منهم الفرح إبتعد عنهم . . تمضى أيامهم ، وتنقضى سنونهم ، وتنتهى أعمارهم ، وهم ما ذاقوا طعم السعادة إلا قليلاً . . رَضوا بما قسم لهم العلى القدير ، وكانوا بما أعطاهم الله أو أخذ منهم قانعين . . ولكن نفوسهم تتوق إلى الحياة كغيرهم من البشر . .                                                                                                        إنهم أمثالنا لهم أحلامهم وآمالهم ، مثلما لنا أحلامنا وآمالنا . . لهم أعين مثلنا تشهد الحُسن وتعشق الجمال ، ولهم آذان مثلنا تطرب لسماع أحلى الأنغام ، ولهم قلوب مثلنا تميل إلى الحب والغرام ، ولهم أفئدة كأفئدتنا تهفو إلى الحبيب وتعشق الوئام ، ولكن حياتهم تملؤها الهموم والأحزان ، كلما إقترب منهم فرح كان مصيره البعاد . . تُرى أهم من التعساء ؟ أم أنهم حاملوا الهموم والأحزان ؟ أم كتب الله عليهم الحياة بلا حياة ؟ أم صدق فيهم قول الشاعر حين قال :
          حظى كدقيق فوق شوك نثروه                ثم قالوا لحفاة يوم ريح إجمعوه
          فلما صعب أمره قالوا أتركوه                قد أشقاه ربه ، كيف أنتم تسعدوه ؟

كان وليد من ذلك النوع ، من حاملى الهموم والأحزان ، أحب منذ سنوات وسنوات ، أحب من هى بحق حسناء الحسناوات ، ولكن قدره كان له بالمرصاد ، راح حلمه وضاع حبه وذهبت الحسناء ، وظل هو فى ذكراها ليل نهار وصباح مساء . . وأمضى سنوات يردد فى أعماقه أنشودة حب ، كم شدا بها طويلاً لفتاته الحسناء :
                     يا حسناء . . أنا ربان سفينة قادتنى الأقدار لبحر هواكِ
                     جئت لأرمى شباكى وأرحل . . . . . . أسرتنى عيناكِ
                     ضل الشبك . . وفر السمك . . وعدت وأملى أن ألقاكِ
                     عدت . . وقدرى أنى سأبقى . .طول العمر فى ذكراكِ
                     هل أجد لديكِ يا حسناء . . . . قلب يهوى من يهواكِ ؟

ولكن . . ذهبت عنه الحسناء ، وتركته وحيداً ، وحمد الله راضياً وقانعاً بما قسمه له . . وظلت الأعوام تطويها الأعوام . . حتى ذات مساء .

ذات مساء . . عرفها . . إنها نرمين . . هذه الفتاة الجميلة ذات العيون الساحرة ، التى وقعت عيناه على صورتها فى إحدى صفحات التواصل الإجتماعى . . كان جمالها أخاذاً ، وكانت عيناها ساحرتين . . لفت إنتباهه إليها أنها كانت قريبة الشبه ممن أحبها وهواها ، وعشقها قلبه وإبتغاها ، منذ سنوات وسنوات . . شئ ما أراحه إليها ، لا يدرى ما هو ، ربما جمالها ؟ أو سحر عيونها ؟ أو خفة دمها ؟ أو ثقتها بنفسها ؟ وربما أنها شبيهة محبوبته ؟ كلها أمور كشفت عنها صورها . .

أحس وليد بميل إليها ، وقرر على الفور التواصل معها ، وهو لا يطلب سوى صداقتها والحديث إليها ، ولو من بعيد . . كان يريد أن يستعيد فيها وليس معها ذكريات حبه ، وأحلام هواه ، التى راحت عنه وغادرته وحيداً منذ سنين .
أسعده كثيراً . . أنها لبت نداء صداقته ، وبدأ يراسلها ويحاورها ، ويقرأ خواطرها وقصائدها ، ثم يُبدى الرأى فيها . . أما هى فقد إهتمت أيضاً بما يكتبه قلمه ، من القصص الأدبية والحوارية ، وأبدت شغفاً وتعلقاً بها . . وبمرورالأيام ، توطدت الصلة ، وقويت الصداقة ، وكان سعيداً بما يقرأه عنها ، ولم يصطدم قط بآرائها . . فقد كانت لديها رقة وجمالاً فى تعبيراتها ، جعلاه يشتاق كثيراً لقراءتها ومتابعتها .
وذات يوم من الأيام . . أخبرته بأن شخصاً ما قد تقدم لخطبتها ، وأنها قبلته ورضيت به ، وطلبت منه الدعاء لها بالتوفيق فى حياتها ، وأخبرته بأنها سوف تنشغل عنه عدة أيام بسبب خطوبتها . . فرح لها وليد من قلبه فرحاً شديداً ، لأنه كان يدرك جيداً طبيعة صلته بها ، وأنهما صديقان عزيزان ، يجمع بينهما الود والإحترام ، و يحمل كلاهما للآخر مشاعر طيبة ، وأمانى وأمنيات سعيدة . . هنأها وليد على خطوبتها ، وتمنى لها أياماً سعيدة ، وحياة هادئة وهنيئة ، مع من إختارته ورضيت به خطيباً ثم زوجاً ورفيقاً ، فى مشوار الحياة الطويل . .

غابت نرمين عدة أيام . . بسبب إنشغالها بتجهيزات الخطوبة  ، شعر خلالها وليد بأنه يفتقد الصديقة العزيزة والأخت الصغرى الجميلة ، ولكنه تحامل على نفسه حتى عادت إليه بعد أيام قليلة . . لقد تواصلا من جديد ، وعاد الحوار بينهما من جديد . . مرت الأيام وأصبح لصداقتهما مذاق خاص ، فهو ممن يفهمون معنى الصداقة جيداً ، ويعرف أن للصداقة حقوق وواجبات ، وأن لها أيضاً ضوابط وقيود ومستلزمات . . كان هو حريصاً على معاملتها بالود والإحترام ، وكانت هى حريصة على مناداته بالأخ والصديق .

وذات مساء . . عاد وليد من عمله ، فوجد نرمين وقد تركت له رسالة عبر بريده الألكترونى ، تخبره فيها بأن خطيبها ، الذى فرح هو من أجله وأجلها ، يغار من صداقته عليها ، وأنه يفتعل المشكلات والخلافات ، وأنها آسفة لما يحدث ، وإلتمست منه العذر وهى حزينة ، أن يتوقف عن التواصل معها ، وعن قراءة خواطرها والتعليق عليها ، منعاً لتلك المشكلات ، وإطفاءً لنار الغيرة غير المُبررة التى تشتعل فى صدر خطيبها .
وعلى الفور . . أرسل إليها وليد برسالة ، يطمئنها أن ما طلبته قد حدث بالفعل ، وأنه على إستعداد لفعل كل ما تطلبه ، كى تهدأ و تستقرحياتها ، وتنطفئ نار الغيرة عند خطيبها . . لقد أراد وليد بفعلته هذه ، ألا يدعها تحيا فى قلق أو توتر ولو للحظات  ، فى علاقتها مع خطيبها ، ما دامت هى قد طلبت منه ذلك . . إحترم رغبتها ، وحقق لها ما أرادت ، كى يرتاح بالها ، وتهنأ بالراحة نفسها .

أما هو . . فلا إرتاح له بال ، ولا هنأت له نفس ، منذ أن إبتعدت عنه . . بدأ يعانى من جديد ، ويتألم من جديد ، لفقدان تلك الصديقة العزيزة . . أحزنه كثيراً ، أنه لم يعد يقرأ خواطرها ، ولم يعد يتواصل معها . . لقد عادت الأقدار مرة أخرى ، لتحرمه ممن إرتاحت إليها نفسه ، وسكن معها ضميره ، وهدأ لها باله ، وإقتنع بها عقله . . إنها الإنسانة الوحيدة منذ سنوات وسنوات ، التى إطمأن إليها ، وحرص على القرب منها ولو من بعيد ، بعدما حرمته الأقدار ممن أحبها ، وكانت تشبهها إلى حد بعيد .
لقد ذهبت هى بعيداً عنه ، وعاد هو مرة أخرى ليسكن ذاته ، ويُحدث نفسه وتحدثه نفسه . . جلس إليها بالساعات الطوال ، وكان كلما جلس يسألها : ما بال الأقدار تحرمنىهكذا ممن أحبهم ؟ وممن أأنس إليهم ؟ وممن تميل إليهم نفسى ؟

ظل وليد على هذا الحال . . أيام وأيام ، لا تغادره أحزانه  ، ولا هو قادر على مغادرة آلامه . . صار يسأل نفسه صباح مساء : ترى . . ألهذا الحد إرتبط وجوده بها ؟ أهى كانت حقاً صديقته فقط ؟ أم أنها كانت أكثر من ذلك ؟
إنه لا يدرى شيئاً . . سوى أنها كانت الوحيدة التى إقتربت من فكره وكيانه . . آلمته الصدمة كثيراً لفقدانها وحرمانه منها . . وترك نفسه وذاته فريسة للحزن من أجلها . . لقد أغرق نفسه فى الإحساس بخسارتها . . ونسىّ أنها كانت مجرد صديقته . . وأنها لم تكن يوماً حبيبته  ! ! !
                                                                           وإلى مقال آخر إن شاء الله .

  
          

الأربعاء، 21 نوفمبر 2012

أسير الياسمين . . . . . . ! !


 أسير الياسمين . . . . . . . . . .  ! !
--------------------------------

فى إحدى لقاءاتنا العديدة . . أنا وفتاتى . . جلسنا سوياً نتجاذب أطراف الحديث ، لقد إعتاد كل منا على أن يُفضى للآخر بكل ما يجول بخاطره . . تحدثنى هى عما جرى لها فى الأيام الماضية ، منذ أن وَدع كلانا الآخر ، فى آخر لقاء لنا ، تخبرنى : ماذا فعلت ؟ وماذا قالت ؟ وأين ذهبت ؟ ومع من تحدثت ؟ وماذا أكلت وشربت ؟ ومتى نامت وكيف نهضت ، تحدثنى عن كل شئ من الصغير إلى الكبير . . ثم تسألنى عن أحوالى : ما حدث لى منذ وداعنا ؟ وما يحدث لى الآن ؟ . . كنا نقتطع لأنفسنا لحظات من الزمان ، نُسّرى فيها عنا ، ويُعطى كلانا الآخر زاداً ويقيناً ، وحلماً وأملاً ، فى مستقبل أكثر سعادة وهناء .
وبينما كنا نتبادل الحديث والكلمات ، فاجأتنى فتاتى بسؤال لم أكن أتوقعه فى حينها . . لقد إلتقينا كثيراً ، وتحاورنا كثيراً ، وتحدثنا فى كل شئ ، إلا ذلك الأمر ، لم نتحدث عنه قط ، ولم يخطر ببالى يوماً ، أن فضولها سوف ينحو بها ذلك المنحى من الحديث ، الذى كان بعيداً عن مُخيلتى كل البعد . . فاجأتنى فتاتى بسؤالها :

قالت ( وهى تسأل ) : كم مر من الأيام والشهور منذ أن تعارفنا يا عزيزى ؟
قلت : إنقضت أيام كثيرة ، ومضت شهور عديدة .
قالت : وفيما كنا نتحدث طوال لقاءاتنا الماضية ؟
قلت : تحدثنا فى الكثير ، تحدثنا فى كل شئ وأى شئ ، لم نترك أمراً إلا وتحدثنا فيه .
قالت : لا يا عزيزى . . هناك أمر لم نتحدث عنه قط . . لم يخطر ببالى ولا ببالك أن نتحدث عنه.
قلت ( وأنا حسن النية ) : أى أمر هذا لم نتحدث عنه ؟ لقد إشتكت منا الكلمات ، وتظلمت العبارات ، وتضررت الحروف ، من كثرة أحاديثنا .
قالت : أم يخطر فى بالك يوماً أن تحدثنى عنها ؟
قلت : أحدثكِ عمن ؟ من تريدين منى الحديث عنها ؟
قالت ( بحماس ) : حدثنى عن حب عمرك . . التى ما أحببت قبلها ولم تحبب بعدها .
قلت : يا لكِ من ماكرة ! ! تريدين الإيقاع بى ، ثم تذبحيننى بسكين لومك ، وتريقين دماء وصالك
قالت ( وهى تطمئننى ) : لا تظن بى سوءً . . مابيننا لا يقطعه حديث . . إطمئن وحدثنى .
قلت : لقد عرفت من النساء الكثير ، وإقتربت من الكثير ، وحادثت الكثير ، وأعجبنى الكثير .
قالت ( وهى تبتسم ) : لا تراوغنى يا عزيزى . . أنت تعرف مقصدى .
قلت : أرى فى عينيكِ يا فتاتى كيد النساء ومكرهن ! !
قالت : إذن . . أنت تفهمنى . . وتفهم ماذا أعنى . . أخبرنى ولا تراوغنى . . فلن أدعك إلا إذا أخبرتنى عنها ، وبكل صراحة وصدق .
قلت : وما بالكِ تصرين هكذا ؟ أراكِ تخاطرين بسماع مالا تطيقين ، ثم تلقين على باللائمة .
قالت ( مُبررة ) : هو حب الفضول عندى . . أحياناً يتملكنى . . ولا أملك أن أقاومه .
قلت ( ناصحاً ) : ولكن الله أمرنا . . ألا نسأل عما قد يؤلمنا . . ألم تقرأى قوله تعالى : " يأيها الذين آمنوا ، لا تسألوا عن أمور ، إن تبدُ لكم تسوؤكم " صدق الله العظيم ؟ ؟ ؟
قالت ( والفضول يقتلها ) : نعم قرأت . . ولكنك بكلماتك هذه ، زدت فضولى . . حدثنى عنها حدثنى ولا تخف . . إنها صارت من الماضى . . وإنى لك مُنصِتة .
قلت ( وأنا آمن ) : لقد قابلتها وعرفتها وأحببتها منذ سنين . . حين رأتها عيناى ، شعرت أننى وكأنما لم أرى النساء من قبل . . عشقتها عيناى قبل أن تسمع صوتها أذناى . . ولما سمعتها نسيت أنى قد طربت من قبلها لأحلى الأصوات . . إبتسامتها كانت ساحرة ، وهدوؤها كان يقتلنى . . لقد مِتُ وحَييت مئات المرات . . كان جمالها صارخاً ، وأنوثتها طاغية على كل النساء . . عشت معها وبها ولها أحلى أيام عمرى ، وسنوات سنينى . . وما زلت أحيا على ذكرى حبها .
قالت ( مُستزيدة ) : حدثنى عن عقلها ، وعن فكرها . . حدثنى عن ذكائها . . أعرف أنك لا يكفيك الجمال وحده . . فالمرأة عندك شِطران ، شطر جمال وشطر ذكاء .
قلت : كان لها عقلاً وفكراً ، وحكمة ورزانة ، ما شهدتهم فى أقرانها قط . . ذكاؤها كان يشع من عينيها ، وكانت تتلمح كلماتى سريعاً ، وقبل أن ينطق بها لسانى . . كانت نابهة ولها بديهة حاضرة . . لم يضق صدرى ولا عقلى بها ذات مرة ، وكانت حواراتنا من نوع خاص جداً . . بعضها تغلفه المشاعر والأحاسيس ، وبعضها حديث العقول والأفكار . . كثيراً ما تحاورنا ، ونادراً ما إختلفنا . . أحببت فيها ذكاءها مع جمالها ، فأنا أكره من النساء الحمقى ، ومن الرجال الأغبياء ، ومن الصبية الأشقياء .
قالت : أراك رافقتها طويلاً . . أليس كذلك ؟ ؟
قلت : رافقتها بالقرب ثلاث سنوات ، لكنها بعد أن وَدعتنى ومضت لم تفارقنى قط . . لم تفارق قلبى ولا عقلى ولا فكرى ولا كل كيانى . . خمسة عشر عاماً مضت ، ولا زلت أذكرها ، وأذكر كل شئ فيها ، وأذكر كل ما جمعنا ، وأذكر نظرات عينيها إلىّ ، وأذكر حديثها معى ، وأذكر همسها إلىّ ولمسات يديها ليداى ، كما لو أننى لم أفارقها إلا بالأمس  ! !
قالت ( وهى تهز رأسها ) : ألهذا الحد هى تسكنك ؟ وتسكن أعماقك ، وعقلك وفؤادك ؟ ؟
قلت ( مؤكداً ) : أعجبنى تعبيرك . . إنها حقاً تسكننى . . وتسكن كل وجدانى وكيانى .
قالت : ألم تختلفا يوماً قط ، مثلما يحدث بيننا الآن ؟
قلت : لا . . والله لم نختلف يوماً قط  . . لقد أخبرتكِ أنها كانت عاقلة ورزينة وهادئة ، فمن أين يأتى الخلاف ؟ مثلها لا يُجيد الشجار ، وتسعى دائماً للوفاق والإتفاق . . ولا تسعى أبداً للخلاف والإختلاف . . نعم إختلفت أحياناً آراؤنا ، وكنا نُحكِم عقولنا ، إما أن تعود هى إلىّ أو أعود أنا إليها ، الأهم ألا نفترق ، وألا ندع بيننا مسافات ، وألا يضيع كلانا من الآخر . . كانت تنصت لى كثيراً لتتعلم منى الكثير ، فقد كانت تصغرنى بإثنى عشر عاماً ، وهى سنوات فى تجارب الحياة طويلة . . لم تكن عاندنى قط ، ولا تشاجرنى قط ، ولا تنازعنى قط . . الم أقل أنها كانت عاقلة ؟
قالت : وما الذى فرق بينكما إذن ؟ أهو الإختلاف بينكما ؟ أم إختلاف الزمان ؟ أم أنها سنة الحياة ، التى قد تفرق بين الأصحاب والأحباب ؟
قلت ( وأنا حزين ) : إنها إرادة الله يا عزيزتى . . شاءت الأقدار ألا تجمعنا حياة واحدة . . وما لنا مع الأقدار حِيلة . . ألم تقرأى الحديث القدسى عن رب العزة أنه قال :
                        من لم يرض بقضائى  . . . . . . . . .ولم يصبر على بلائى
                        فليخرج من تحت سمائى . . . . وليبحث له عن رب سواى .
قالت ( وهى تلِح ) : ألا تريد أن تخبرنى بسبب فراقكما ؟
قلت : أود لو إحتفظت بسره لنفسى . فهو أمر لا يخصنى وحدى . . وليس كل ما يعرفه المرء يقله
قالت : ولا أنا ؟ ؟
قلت : ولا أنتِ يا فتاتى ! !
قالت ( مُتبرمة ) : لك ما أردت . . ولكنك لم تخبرنى من تكون هى ؟ ولا حتى أسمها ؟
قلت : إنها أحب الزهور إلى نفسى ، وأعطر الورود فى أجمل البساتين . . إنها زهرة الياسمين !
قالت ( وهى تصرخ ) : أمن أجل ذلك أسميت بطلات قصصك كلهن بإسمها ؟
قلت : أنا لا أرى سوى وجهها الجميل ، ولا أهيم إلا فى عينيها الخضراوتين ، ولا أسمع صوتاً سواها الناعم الرقيق ، ولا أرغب سوى فى القرب منها . . ما زالت تحتوينى حتى فى بعدها عنى ، ما احتوتنى إمرأة قط مثلما إحتوتنى هى بين ذراعيها . . عشت معها أجمل لحظات عمرى ، وفى جوارها نِلت راحة بالى وهنائى . . إنى صرت أسيرها وهى غائبة عنى ! !
قالت : إذن . . ما حاجتك لى يا أسير الياسمين ؟
قلت ( مُهدئاً ) : هى من الماضى . . أما أنتِ ، فأنتِ الحاضر والمستقبل . . أنتِ اليوم وغداً وبعد غد . . بينما كانت هى الأمس .
قالت (وهى تتألم ) : عن أى حاضر تتحدث ؟ وعن أى مستقبل تتكلم ؟ وأنت مازلت تعيش الماضى ، والماضى يسكن فيك ، وفى أعماقك .
قلت : حاضرنا سوياً . . ومستقبلنا معاً ! !
قالت : إنك إعترفت لى بأنك أسيرها بعد ما ذهبت عنك . تعيش فى ذكراها ، وتسكن هى أعماقك.
قلت : العمر سنين . . والحياة مراحل يا فتاتى . . والمرء منا يقابل فى حياته من الناس الكثير . . ولكل مرحلة من العمر أحوالها وناسها . . أفلا تكونى عاقلة وحكيمة كما كانت ؟
قالت ( والدموع فى عينيها ) : تريدنى مثلها ؟ وهل أطيق أنا ذلك ؟ وأى عقل تطلب منى ؟ وأى حكمة ترغب فيها ؟ بعد كل ما حدثتنى عنه ؟
قلت ( مُعاتباً ) : ألم تطلبى أنتِ الحديث عنها ؟ وتلحى فى معرفة المزيد ؟ألم أحذركِ منذ البداية ؟
قالت : ولكنك الآن أخبرتنى . . وأسهبت فى الحديث عنها وكأنك تستعذبه . فلا تلومن إلا نفسك !
قلت ( وأنا أتعجب ) : إنكِ فعلتِ بى مثلما يفعل الشيطان يا عزيزتى . . يدعو الناس إلى الهلاك ، ثم إذا هَلكوا تبرأ مما يفعلون . . ألم تقرأى قول الله تعالى : " . . . . وإذ قال الشيطان للإنسان أكفر ، فلما كفر ، قال إنى برئ منك ، إنى أخاف الله رب العالمين " صدق الله العظيم . . وألم تقرأى قوله تعالى : " . . . . ولما قضُى الأمر، قال الشيطان إن الله وعدكم وعد الحق ، ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لى عليكم من سلطان ، إلا أن دعوتكم فاستجبتم لى ، فلا تلومونى ولوموا أنفسكم " صدق الله العظيم ؟ ؟ ؟
قالت ( وقد أدركت حقيقة ما فعلت ) : وها أنا أقولها لك . . ما كان لك ولا عليك أن تطيعنى فيما طلبت منك . . اما وقد فعلتها وأطعتنى ، فلا تلُمنى  ولوم نفسك يا عزيزى ! !
قلت : وماذا بعد يا فتاتى ؟ قالت : أفبعد ما تحدثت عنه بَعد؟ أو بَعد ما حطمت به فؤادى بَعد ؟ أو بَعد ما أثرت شكوكى فى حبك لى بَعد ؟ أو بَعد ما صارحتنى بأنى لا أسكنك بَعد ؟
قلت ( متوسلاً ) : ولكننى أريدكِ معى . . وأريدكِ فى حياتى ! !
قالت : عن أية حياة تتحدث ؟ أتخدع نفسك أم تخدعنى ؟ أنا لا مكان لى فى حياتك . . إنها الماضى وأنت أسيرها . . أما قلت لى عدة مرات أن الحاضر إبن الماضى ؟ وأنت يا عزيزى أسير الماضى . . أما كتبتها فى قصتك عن صاحبة القصر؟ صاحبة القصرولعنة الحب الضائع " دعك منى كى لا تحطم حياتى . . أنا لست أسيرة الماضى . . أنا بنت الحاضر والمستقبل . . أما أنت فلن تغادر الماضى ما حييت أبداً .

شردَ ذهنى بعيداً عنها لحظات قليلة . . عاد بى الزمن إلى الوراء . . وطال بى الشرود ، فذهب بى إلى حيث الذكريات مع زهرة الياسمين . . عاد بى إلى سنوات مضت لأرى وجهها الجميل وهى تبتسم لى وأبتسم لها ، وتحدثنى وأحدثها ، وتمازحنى وأمازحها ، وأنظر فى عينيها فلا تغلقهما حتى أهيم فيهما .

وفجأة . . إنتبهت إلى واقعى . . نظرت أمامى لم أجد فتاتى . . لقد غادرت وتركتنى مع ياسمينتى ، فى عالم الماضى الذى لم أغادره حتى اليوم . . لقد أدركت فتاتى الحقيقة التى لم أدركها . . أدركت أنها مهما إقتربت منى فلن تسكن قلبى . . لأن قلبى ساكنته لا تزال بداخله . . وأدركت أننى أعشق الأسر فى حب الماضى ، الذى لم تحررنى من أغلاله السنوات الطوال . . إنها أدركت اليقين ، حين تأكد لها أنى أسير الياسمين ! ! !      وإلى مقال آخر إن شاء الله .   

الاثنين، 19 نوفمبر 2012

الغباء السياسى . . . سمة الحكام العرب وقت الأزمات ! !


الغباء السياسى . . . سمة الحكام العرب وقت الأزمات  ! !
------------------------------------------------------

قال الله تعالى فى كتابه العزيز: " . . . . . وداود وسليمان إذ يحكمان فى الحَرث . . . . . ففهمناها سليمان . . . . . . " صدق الله العظيم . . . فقد أنعم الله سبحانه على سليمان عليه السلام رغم صغر سنه ،  بنعمة الفهم والذكاء التى لم ينعم بها على أبيه داود عليه السلام ، وكلاهما كان نبياً ورسولاً من عند الله .
إن الفهم والذكاء هما نعمة من الله سبحانه وتعالى ، أنعم بها على البعض من عباده ، الذين رضى عنهم وإختصهم وحدهم بعقول نابهة ومُستنيرة ، تقدر على التمييز والتحليل والإستنتاج والتوقع وإستشراف المستقبل ، القريب كان أم البعيد .

والذكاء ( ذكاء العقل ) . . ليس نوعاً واحداً فقط ، وإنما هو أنواع متعددة ، حسب مجال إعمال العقل وإحسان الفهم والذكاء ، فهناك الذكاء العلمى الذى يحتاج إليه طالب العلم ، كى يُحسن تلقى العلم والإستفادة منه . . وهناك الذكاء الإجتماعى الذى يُمّكن المرء من التعامل بلباقة مع غيره من الناس ، والتعايش الحسن وسط مجتمعه المكون من الكبير والصغير ، والرجال والنساء ، ومن صنوف شتى من البشر . . وهناك الذكاء الفنى الإبداعى  ، والذكاء التجارى الإقتصادى ، وغير ذلك من ألوان الذكاء المتعددة .

وما يهمنا فى هذا المقام ، هو الذكاء السياسى وحده ، ذلك النوع من الذكاء الذى يتمتع به قليلون ممن يعملون فى حقل السياسة ، التى هى فن الممكن وليست فن المستحيل ، أولئك الذين يختلطون بالناس من أجل حل مشكلاتهم المصيرية ، ويتقدمون الصفوف لحمل راية العمل السياسى العام ، وكلما إعتلى أحدهم درجة فى سُلم السياسة ، وبرزت صورته فى المشهد السياسى ، كلما أصبح ذكاؤه السياسى أمراً ضرورياً وهاماً ، لتسيير شئون البلاد والعباد .

والتاريخ الإنسانى ملئ بالعديد والعديد من الزعماء والقادة ، الذين شهد لهم العالم بأسره بالفطنة والذكاء ، وحُسن التصرف وسرعته ، فى تدبير الأمور والخروج من الأزمات والشدائد التى واجهت الأمم والشعوب . . أما عن مصر ، فإن التاريخ المصرى الحديث ، شهد بذلك النوع من الذكاء – الذكاء السياسى – للعديد من زعماء مصر وقادتها ، ويأتى على رأسهم محمد على باشا ، باعث نهضة مصر الحديثة ، والزعيم سعد باشا زغلول ، زعيم الأمة المصرية إبان الإحتلال البريطانى لمصر ، والزعيم مصطفى كامل ، الذى كان شاباً وطنياً نابهاً  ، مشهوداً له بالذكاء والفطنة ، وهو مؤسس الحزب الوطنى الديمقراطى القديم . . ثم كانت ثورة يوليو 1952التى برز من بين قادتها وضباطها ، إثنان شهد لهما جميع المصريين ، بالذكاء السياسى والفطنة والدهاء ، فى إدارة شئون مصر وقضاياها . . إنهما الزعيمان الخالدان / جمال عبد الناصر وأنورالسادات رحمهما الله ، بقدر عطائهما لمصر وشعبها ، فقد سجل التاريخ لكليهما العديد من المواقف والآراء ، والفطنة والذكاء فى الخروج من الأزمات .

إن جميع المصريين . . يعلمون جيداً كيف تصرف الزعيم الخالد / جمال عبد الناصر ، وقت أن وقع العدوان الثلاثى الغاشم على مصر عام 1956 ، بإتفاق ثلاث دول إستعمارية ، هى إنجلترا وفرنسا ومعهما إسرائيل ، وكيف إستطاع عبد الناصر بذكائه السياسى الحاد وفطنته اللامعة ، أن يحول الهزيمة العسكرية إلى نصر سياسى كبير ، وما كان لأحد غيره أن يفعل مثلما فعل هو . . . أما السادات – رحمه الله – فقد كان زعيماً وقائداً مُحنكاً ، ذو بصيرة نافذة وذكاء فطرى ، يُغلفه مكر ودهاء وخداع ، وإستطاع السادات بذكائه ودهائه ، أن يخدع اليهود الصهاينة قتلة الأنبياء ، ومُراوغى سيدنا موسى عليه السلام ، وأن يُرسخ فى يقينهم أن مصر قد إنتهى أمرها ، وأنها صارت جثة هامدة لا تقوى على محاربتهم ، أو الدخول معهم فى مواجهة عسكرية ، بعد الهزيمة النكراء والشنعاء ، والنكسة الحقيقية فى 5 يونيو 1967 . . وقد ساهم هذا الذكاء وذاك المكر والدهاء ، فى إحداث نصر عسكرى مفاجئ ومروع ، على العدو الصهيونى فى أكتوبر 1973 ، رغم تفوق الجيش الإسرائيلى فى العتاد والسلاح ، والقدرات والإمكانيات ، ولكن السادات بذكائه السياسى الحاد ، أدرك أن شجاعة وبسالة الجندى المصرى ، سوف تعوض فارق التسليح والعتاد ، وراهن السادات على ذلك ، وكان له ما أراد ، وتحقق على يديه نصر أكتوبر العظيم . . . وبعد النصر العسكرى المحدود  ، أيقن السادات ببصيرته النافذة ورؤيته المستقبلية للأمور ، أن السير فى طريق السلام هو الطريق الأصوب لإسترداد باقى سيناء الحبيبة ، وتحريرها من يد الغاصب والمستعمر الإسرائيلى ، وكان له أيضاً ما أراد .

ثم كانت أحداث 18 ، 19 يناير 1977 ، التى ثار فيها بعض من جماهير الشعب المصرى ، بتحريض من القوى الشيوعية آنذاك ، ضد قرار الحكومة بزيادة أسعار بعض السلع الضرورية ، وإنطلقت أحداث الشغب والفوضى ، فى عدة أماكن فى القاهرة وحدها ، وعلى الفور أيقن الرجل بحسه السياسى المشهود له به ، وبذكائه الفطرى المعروف عنه ، وبحنكته وخبرته وحُسن تصرفه ، أيقن حقيقة الأمور ، ولم يترك للزمام الفرصة كى يفلت من بين يديه ، فقرر سريعاً التراجع عن قرارته فى هذا الشأن ، ليحمى البلاد من الفتنة ويسكب الماء على النار ، فكان له ما أراد ، وهدات الأمور ، وعادت الحياة إلى طبيعتها .

أما اليوم . . . فإننا نرى حفنة من الحكام العرب ، لم يهبهم الله نعمة الذكاء السياسى ، ولا الفطنة ولا الحنكة ، وإنما إبتلاهم بنقمة الغباء السياسى ، وقصر النظر ومحدودية الرؤية المستقبلية للأمور ، فثارت ضدهم الجماهير فى البلدان المختلفة ، من أجل إصلاحات جذرية وضرورية فى أحوالهم المعيشية ، وفى حرياتهم العامة والخاصة . . رأينا هتافات الجماهير ومطالبها فى بلدان الثورات العربية كلها ، تدور فى فلك واحد ، وحول محور واحد ، وترمى إلى أهداف ثلاثة ثابتة ( عيش – حرية – عدالة إجتماعية ) . . إنها الحدود الدنيا من حقوق الشعوب تجاه حكامهم الأغبياء ، عديمى الفطنة والذكاء ، من سكنوا قصور الرئاسة ، وإحتلوا كراسى الحكم والسلطان ، ثم داسوا على الشعوب بنعالهم ، إكتنزوا لأنفسهم ولذويهم ولبلاطهم وحاشياتهم كل الثروات ، وما تركوا لشعوبهم إلا الفتات .

إنهم حكام أغبياء . . ذات الأحداث وقعت فى تونس ، ثم تكررت فى مصر ، ثم تكررت فى اليمن ، ثم تكررت فى ليبيا ، ثم هى الآن فى سوريا . . ذات الشعوب المقهورة المنهوبة والمسروقة ، ونفس المطالب بالإصلاح ، التى بدأت بمظاهرات سلمية ، وإنتهت بثورات شعبية ، أطاحت بحكام أغبياء ، لا يعرفون إلا الحلول القمعية الأمنية ، ولا يفقهون شيئاً فى سياسة الشعوب وكيفية مواجهة غضباتها العارمة . . واجه الحكام الأغبياء ، المظاهرات السلمية بالقمع والضرب والقتل ، والزج فى السجون والمعتقلات ، وكانوا جميعاً يتصرفون بأسلوب واحد قمعى ، وبفكر واحد ديكتاتورى ، وعقل واحد فى منتهى الغباء .

فى تونس الشقيقة . . خرجت المظاهرات ترفع مطالب إصلاحية ، واجههم بن على ، الحاكم التونسى الطاغية ، بعساكره وجنوده ، قتل منهم من قتل وجرح من جرح ، وما إستجاب لمطالبهم ، حتى عمت المظاهرات كل شوارع تونس ، وأفلت الزمام ، وتحولت المظاهرات إلى ثورة شعبية عارمة . . حينئذ فقط ، وقف بن على ، ليخاطب التونسيين بعد فوات الأوان ، قائلاً لهم : " لقد فهمتكم وفهمت مطالبكم المشروعة ، وسوف أعمل . . . .وسوف أعمل . . . وسوف أعمل . . . ، ولكن كان الأوان قد فات ، وهرب بن على مثل الفأر خارج البلاد ، حاملاً معه المليارات من أموال الشعب التونسى ، بعد 23 يوماً فقط من المظاهرات ، ونجحت الثورة التونسية ، ونجح الثوار .

وفى مصر . . تكرر ذات الغباء السياسى ، وشاهدنا مرة أخرى ذات التبلد ، وعدم الإكتراث وعدم الإهتمام ، فمع بداية المظاهرات فى ميدان التحرير ، يوم الخامس والعشرين من يناير ، أعلن المتظاهرون أن مسيرتهم سلمية سلمية ، وأن مطالبهم إصلاحية ( عيش – حرية – عدالة إجتماعية ) ، فخرج عليهم الطاغوت والطاغية حسنى مبارك – مثلما فعل بن على تماماً – بوزير داخليته المجرم السفاح وعساكره وجنوده ، وأشبعوهم ضرباً وتنكيلاً فى المساء ، ولم يلق مبارك الطاغية لطلباتهم بالاً ، وظن أنه قادر عليهم بطغيانه وقمعه ، وخيل له غباؤه السياسى وقصر نظره وإنعدام رؤيته المستقبلية ، أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد مؤامرة أجنبية من أطراف لها أجندة خارجية .

إزدات أعداد المتظاهرين المصريين ، وزاد إصرارهم على تلبية مطالبهم الإصلاحية ، فى اليوم الثانى ثم الثالث ، حتى بلغت ذروتها فى اليوم الرابع ( جمعة الغضب 28 يناير ) . . تحولت خلالها المظاهرات إلى ثورة شعبية ، عمت كل ميادين وشوارع البلاد ، وشارك فيها المصريون من كل الفئات ، وسقطت الشرطة المصرية ، ونزل الجيش المصرى إلى الميادين للحفاظ على المنشآت العامة ، وإلتحم الجيش بالشعب ، وأفلت الزمام من يد مبارك الطاغية ، بعد أن تخلى عنه أبناء الجيش المصرى المصريون ، فإضطر إلى ترك حكم مصر مُجبراً ومُكرهاً ، بعد ثمانية عشر يوماً فقط من المظاهرات المستمرة ، وها هو اليوم سجين خلف القضبان يلقى بعضاً – وليس كل – من جزاء ما إقترفته يداه .

ذات الأحداث ، وذات السيناريو والحوار ، وذات المظاهرات ، خرجت بعد ذلك فى اليمن ضد بن صالح ، وفى ليبيا ضد القذافى راعى الإرهابي ، وأخيراً فى سوريا ضد ذلك البشار السفاح . . . وللعجب العُجاب ، أننا نرى ذات الحكام ، يواجهون ذات المظاهرات السلمية ، بذات الأساليب القمعية الأمنية ، وبذات الغباء السياسى ، الذى يؤجج المظاهرات ، ويحيلها إلى ثورات شعبية عارمة ، تطيح بأولئك الحكام الأغبياء .

إن الذكاء السياسى . . لهو نعمة كبرى من الله – سبحانه وتعالى – ينعم بها على من أحب من عباده ، من القادة والزعماء . . أما الغباء السياسى ، فهو لا شك نقمة ، إبتلى الله بها حكامنا العرب ، الطغاه البلهاء الأغبياء . . كان فى مقدور كل منهم ، أن يسكب الماء على النار، كى يقى البلاد شر الحريق والدمار ، مثلما فعل السادات رحمه الله ، ومثلما فعل عاهل المملكة العربية السعودية الملك عبد الله . . ولكنهم ما فعلوا ذلك ، لأن الله حرمهم من نعمة الذكاء ، وإبتلاهم بدلاً منها بنعمة الغباء . . . ولكن فى هذه المرة ، كان غباؤهم سياسياً . . رحم الله عبد الناصر والسادات . . أما مبارك . . . . . . . . . . . . . . . ! ! ! !                 وإلى مقال آخر إن شاء الله .         

الأحد، 18 نوفمبر 2012

الفساد . . . . هو العنوان الرئيسى لعصر مبارك ! !


الفساد . . . . هو العنوان الرئيسى لعصر مبارك  ! !
------------------------------------------------

قال تعالى فى كتابه العزيز : " وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ، ألا إنهم هو المفسدون ولكن لا يشعرون " صدق الله العظيم . . . وقال تعالى : " . . . . . . . ولا تفسدوا فى الأرض ، إن الله لا يحب المفسدين " صدق الله العظيم .
فقد نهانا الله عز وجل أن نرتكب من الأقوال والأفعال ما من شأنه أن يُفسد على العباد أمورهم وشئون دنياهم ودينهم ، وإبطالها وإضاعة الفائدة المرجوة من ورائها . . وقد توعد سبحانه جل فى علاه ، المفسدين والمبطلين لنعماء الله بأشد العقاب وأسوأ العواقب .

والفساد فى مصر على وجه التحديد ، قد بدأ منذ أمد بعيد ، ولكنه كان على نطاق ضيق وفردى ، ولم يُمثل ظاهرة شبه عامة فى البلاد ، إلا بعد بَدء الإنفتاح الإقتصادى ، على يد الزعيم الراحل / أنور السادات . . فعندما قرر السادات رحمه الله ، أن تنفتح مصر إقتصادياً على دول العالم ، فى التجارة الخارجية وشئون المال والأعمال ، إنما كان يبتغى من وراء ذلك ، تحسين الأحوال المعيشية للمصريين ، وتحقيق حلم الرخاء الإقتصادى والإجتماعى ، الذى ظل يَعدهم به منذ بداية عهده ، وحالت دونه ظروف تهيئة البلاد لمعركة التحرير الكبرى ، حرب أكتوبر المجيدة . . وبعد أن أتحقق لمصر النصر فى حربها مع الصهاينة فى أكتوبر 1973 ، بدأ السادات السير فى طريق تحرير أحوال المال والإقتصاد ، من قيود وأغلال الفكر الإشتراكى ، والتوجه نحو الرأسمالية الوطنية ، كى يشارك رجال المال والأعمال المصريين والوطنيين المخلصين برؤوس أموالهم فى إنعاش الإقتصاد المصرى ، ولكن قد تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن .
فقد طفت على السطح وظهرت ، فئة من رجال الأعمال المُستغلين والجشعين ، الذين لا يأبهون إلا لمصالحهم الخاصة ومطامعهم الشخصية ، فبرزت نجوم بعض من أولئك أمثال رشاد عثمان وتوفيق عبد الحى وغيرهما ، وبدأت بوادر الفساد تظهر على إستحياء ، بين بعض من رجال الأعمال من ناحية ، وبعض مسئولى الدولة وموظفيها من ناحية أخرى .
ولقد حاول السادات رحمه الله ، الوقوف فى وجه هؤلاء المفسدين ، وكان لهم بالمرصاد . . ولكن شاءت إرادة الله العلى القدير ، أن ينتهى عصر السادات بإغتياله فى حادث المنصة الدامى ، فى 6 أكتوبر 1981 ، على يد حفنة من الأشرار ، المنتمين إلى الجماعات السلفية الجهادية المتأسلمة
وتولى محمد حسنى مبارك حكم مصر فى 14 أكتوبر 1981 ، وتعهد للشعب المصرى منذ أول أيام حكمه ، بأن يقطع دابر الفساد ، وألا يدع مُفسداً واحداً فى مصر ، يمضى هكذا بلا عقاب أو جزاء ، ووصف عصره بأنه سوف يكون عصر الطهارة والنقاء ، ولكنه ما أوفى بعهده قط .

ولكن أياً كان الأمر . . لا يستطيع أى مصرى مُنصف وعادل ، أو حكيم وعاقل ، أن يُنكر أن لحسنى مبارك تاريخ عسكرى مُشرف ومجيد ، وزاخر بالإنجازات والبطولات على الصعيد العسكرى ، منذ أن كان ضابطاً صغيراً بسلاح الطيران المصرى ، وحتى تاريخ تركه الخدمة العسكرية ، فى منتصف سبعينات القرن الماضى ، عندما إختاره السادات نائباً لرئيس الجمهورية. . ولكن . . لاحظ جميع المصريين ، أن مبارك منذ أن تولى حكم مصر بعد وفاة السادات ، قد أحاط نفسه بحاشية وبلاط ديوان ، من أشخاص عديدين ليسوا فوق مستوى الشبهات ، بحكم ماضيهم وسجلهم الوظيفى أو الوطنى ، الذى كان يشهد عليهم بالفساد والإفساد والإنحراف على كل الأصعدة ، سواء الفساد السياسى أو المالى أو الإدارى أو الأخلاقى أو الدينى . . لقد أحاط مبارك نفسه بالكثير من الفاسدين المُفسدين ، والقليل من الشرفاء المخلصين لمصر وشعبها.

والحق يُقال . . أن مبارك قد إجتهد فى النصف الأول من سنوات حكمه ، التى قاربت الثلاثين عاماً ، وأنجز خلاله الكثير والكثير ، ولولا هؤلاء الفاسدين المفسدين ، الذين أحاط نفسه بهم ، ونالوا من تاريخه وسجله ونضاله ، وكانوا بالنسبة له مثل " قملة القرش " تلك السمكة الصغير التى ترافق القرش الكبير ، كى تستفيد من ورائه ، لولاهم لكان مبارك قد أنجز أضعاف ما أنجزه . . لا سيما وأن مشكلات مصر ، الإقتصادية والإجتماعية على وجه الخصوص ، كانت فى تزايد مستمر ، ووقفت الزيادة السكانية الكبيرة عائقاً أمام تحقيق الكثير من الطموحات والأحلام . . ولكن الحكومات المتعاقبة ، التى أولاها مبارك ثقته ، لتسيير شئون البلاد فى تلك الأوقات الصعبة ، لم تكن على مستوى المسئولية ، ولم يكن بداخلها الوفاء والإخلاص لهذا البلد وشعبه .

وإبتداء من النصف الثانى فى عصر مبارك ، بدأ مؤشر الفساد يرتفع لأعلى على كل الأصعدة ، وبدأ مؤشر الإنجازات ينخفض لأسفل فى كل المجالات . . كانت أحوال المصريين أشبه بنهر يتدفق فيه الماء ، من منبعه حتى يصب فى حياة المصريين ومعيشتهم ، وكان الحفاظ على مائه يتطلب إحكام جريانه بين شاطئيه فقط  ، ولكن المفسدون حفروا العديد من القنوات الخاصة بهم ، على جانبى النهر ، لتتسرب المياه عبر تلك القنوات ، وتصب فى مصالحهم الخاصة بدلاً من صالح الوطن والمصريين . . تحول الكثير من المياه إليهم ، وإمتلأت جيوبهم ، وتضخمت أرصدتهم فى البنوك داخل مصر وخارجها ، ومعها تضخمت مشكلات المصريين ومعاناتهم .

إن حسنى مبارك . . كان وطنياً ومصرياً ، يحب هذا الوطن مثلنا جميعاً ، ولا يمكن لأحد أن يُزايد على وطنيته ومصريته ، ولكنه فى المقابل أضاع على مصر الكثير والكثير ، بصمته وسكوته على الفاسدين المفسدين ، وعلمه أنهم يسرقون وينهبون موارد مصر القليلة وثرواتها، ويخربون مصر ويدمرون مستقبل أبنائها ، من أجل مصالحهم الخاصة ومطامعهم الشخصية ، وما أراد يوماً أن يردعهم أبداً ، بل أنه كان دائماً يتستر على فسادهم وإفسادهم ، ويحول دون مُحاسبتم ومحاكمتهم أمام القضاء ، وإلحاق العقاب بهم ، ليكونوا عبرة وعظة ورادع لغيرهم .
. . وكانت تلك هى إحدى مساوئ عصر مبارك الكبيرة ، وإحدى خطاياه الجسيمة ، التى ما إستطاع المصريون أن يغفروها له أبداً ، ولن يغفرها له الله ، وسيُلقى بذنبها فى نار جهنم .

كان المصريون يرون بعيونهم ، ويسمعون بآذانهم ، ويُروى ما يُروى لهم  ، كل وقائع الفساد وهى تنتشر فى كل ربوع مصر ، من أقصاها إلى أقصاها ، ولا يَروا مبارك يحرك ساكناً ليمنع هذا الفساد وذاك الإنحراف وتلك السرقة المُقننة المُنظمة لخير شعب مصر وقوت يومه ، فى الوقت الذى يعانى فيه المصريون ، من شظف العيش وتدنى الخدمات فى كل المجالات ، من تعليم حكومى وصحة ومواصلات وبيئة مياه وكهرباء وصرف صحى . . . . وخلافه .
لقد كان حسنى مبارك ، حاكماً مصرياً ووطنياً ، ولكنه مارس حكمه من قصره ، قصر الشعب الذى أدخله فيه ، وأجلسه على كرسى الحكم لسنوات طوال ، ونسى مبارك أو تناسى ، أن شعب مصر هو شعب أبى وعزيز ، يُمهل الحاكم ويمُلى له ، ثم إذا أخذه ، أخذه أخذ عزيز مقتدر .  . .

لقد صمت المصريون طويلاً ، أمام سكوت مبارك على فساد حاشيته وبلاطه ، وكأنه راض عما يفعلون ، وإنتظروا طويلاً أن يُغير الرجل من سياساته نحوهم وما فعل ، ولم يكن مبارك عند حسن ظن المصريين به فى هذا الأمر بالذات . . كان يعلم أن كمال الشاذلى فاسداً ، ومع ذلك أبقاه إلى جواره طويلاً ، وكان يعلم أن صفوت الشريف فاسداً ورغم ذلك إستعان به ثمانية وعشرون عاماً ، وكان يعلم أن صهره شقيق إمرأته فاسداً  ومع ذلك ترك له الحبل على الغرب ، وكان يعلم أن يوسف والى فاسداً ويقتل المصريين صباح مساء ، ورغم ذلك تستر عليه ، وغيرهم وغيرهم من الفاسدين المُفسدين . . كان مبارك يتجاهل كل نداءات المصريين له بتطهير البلاد وتنقية حكمه ، من حاشيته الفاسدة ، وأركان نظامه اللصوص الذين خانوا الأمانة ، ولكنه كان يتحدى الجميع ، ويصيح غافلاً : " أنا معى دكتوراة فى العناد " وإتخذ لنفسه شعاراً واحدا " دع الكلاب تنبح والقافلة تسير " . . وما زاد الطين بَلة ، أن المصريين أحسوا بذكائهم الفطرى ، وأدركت عقولهم ، أن الرجل لن يرحل عن حكم مصر ، إلا بعد أن يتقلد ولده الدلوع الفاسد ربيب المفسدين ، حكم مصر من بعده ، برعاية أمه شجرة الدر ، التى ظنت أنها وولدها قد ورثا مصر والمصريين .

ولكن . . حانت ساعة الحساب ، ودق ناقوس المصريين ، ليعلن لمبارك وحاشيته ، أن إرحلوا إلى غير رجعة ، وخرجت الملايين من أبناء هذا الشعب الطيب ، فى كل ميادين مصر ، لا هَم لهم ولا مطلب لديهم ، سوى أن تنزع رداء الشرعية عن ذلك الرجل ، بعد أن ألبسوه إياه طيلة ثلاثين عاماً ، أنجز خلالها الكثير ، ولكن كان بإمكانه أن يُنجز الكثير والكثير ، لولا تستره على المفسدين .
إن الفساد بكل ألوانه وأطيافه ، سوف يظل هو العنوان الرئيسى الكبير لعصر مبارك . . ومثلما يسجل التاريخ لمبارك ، أنه كان حاكماً مصرياً له إنجازاته . .فإنه سوف يسجل أيضاً ، أن مبارك سكت عن الفساد والمُفسدين ، واللصوص والمجرمين ، ومصاصى دماء هذا الشعب ، وسارقى خيراته وناهبى ثرواته ، ومُخربى إقتصاده ، ومُدمرى مستقبل أبنائه وأحفاده . . حتى صار عصر مبارك وعهده . . هو بحق . . عصر الفساد الكبير .         وإلى مقال آخر إن شاء الله .

 

السبت، 17 نوفمبر 2012

الرجل الشرقى . . . . فى الحب والزواج ! !


الرجل الشرقى . . . . فى الحب والزواج  ! !
------------------------------------------
منذ عدة أيام . . ذهبت إلى إحدى قاعات المناسبات السعيدة فى المدينة ، كى أشارك مهنئاً أحد أصدقائى ، فى حفل عُرس زواج إبنته الكبرى . . قابلنى صديقى بترحاب وحفاوة ، وأخذ بيدى كى يُجلسنى وسط الأهل والأصدقاء ، ولكننى كعادتى فى تلك المناسبات أفضل الجلوس وحدى فى الركن البعيد الهادئ ، فإعتذرت له بلباقة، وذهبت للجلوس وحدى فى إحدى شرفات القاعة ، بعيداً عن الضوضاء الصاخبة للفرقة الموسيقية وأدواتها النحاسية ، التى تملأ بقرعها وطبولها ، المكان كله ضجيجاً وصخباً . .
جلست وحدى أتأمل السماء فى مساء ليل ، جوه رطب قليلاً ، ولكنه ليس بارداً شأنه شأن كل ليالى الخريف . . لم تمر سوى دقائق معدودة ، وحضر إلىّ صديقى والد العروس ، وبرفقته فتاة تناهز الثلاثين من عمرها ، وعلى قدر من الجمال ، متألقة ومتأنقة شأنها شأن أغلب الفتيات والنساء ، قدمها لى صديقى بصفتها إحدى قريباته ، جاءت لتهنئته بزواج إبنته ، ولكنها مثلى تميل إلى الهدوء وتكره الضجيج ، فأراد صديقى أن يجد لكلينا من يؤنس وحدته ، فإصطحبها إلى حيث أجلس ، ولم يكد يجلس معنا ثلاث دقائق ، إلا وصاحت عليه زوجته أم العروس ليرافقها فى إستقبال المهنئين من الأهل والأصدقاء ، فإنصرف صديقى مُلبياً النداء ، وعملاً بنصيحتى ألا يُغضبها ، وتركنا وحدنا .

رحبت أنا بها ، باعتبارى رجلاً والأكبر سناً ، ردت إلىّ التحية والترحاب ، ومرت لحظات صمت ما تحدثنا فيها سوياً ، فأنا فى تلك الليلة كنت أميل إلى أن أكون وحيداً ، ولكن صديقى سامحه الله أفسد علىّ وحدتى  . . إنصرفت عيناى عن الفتاة عدة دقائق ، لا أدرى كم عددها ، وذهبت فى رحلة بعيدة ، تتأمل السماء وصفاءها ، والنجوم وضياءها ولمعانها ، وراح عقلى يمارس هوايته المعهودة ، فى الإمساك بأول خيط الخيال ، الذى سوف أنسج منه قصتى القادمة ، فأنا كاتب وأديب وأهوى القلم والكلمات .
ولكننى أفقت فجأة على صوت الفتاة ، وهى تحادثنى ، ويبدو أنها كانت تلقى على مسامعى سؤالاً لم أنصت إليه فى المرة الأولى . . فكررت سؤالها قائلة :

قالت ( وهى تسأل ) : ألا تعرفنى . . يا أستاذى العزيز ؟
قلت : عفواً . . أنا لا أتذكرك ! !
قالت ( وهى تبتسم ) : ولكننى أذكرك جيداً وأعرفك جيداً . . ألست صاحب القلم والكلمات ؟
قلت : هكذا يسموننى . . أو يحلو إليهم أن يسموننى " صاحب القلم والكلمات " .
قالت ( وهى تحاول أن تذكرنى ) : أنا قابلتك من قبل . . وتحدثت إليك من قبل ، منذ عدة شهور .
قلت : ذكرينى إذن . . فأنا أقابل من النساء كثيراتً . . وأتحدث إليهن كثيراً .
قالت ( بإهتمام ) : منذ عدة شهور . . كنت مع صديقة لى ، فى إحدى الندوات الأدبية بالنادى الثقافى ، وقابلتك هناك ، وتحدثنا سوياً عن قصتك موضوع الندوة " صاحبة القصر " .
قلت :لقد حضرت فى العديد من الندوات ، وتناقشت مع مُرتادى النادى الثقافى بشأن قصصى فى عدة مناسبات ، وقصة صاحبة القصر هذه ، حظيت بأكبر عدد من الندوات .
قالت : لقد قرأت لك العديد من كتاباتك ومقالاتك وقصصك ، ولكن هذه كانت أكثرهم روعة .
قلت : كلهن بناتى ، وبنات أفكارى ، لا أميز إحداهن على الأخرى ، لكل منهن جمالها وسحرها وروعتها عندى .
قالت ( مؤكدة ) : يقيناً جميعهن لديك سواء . . يا أبو البنات ! !
قلت ( وأنا أضحك ) : أشكرك . . ولكن أخبرينى عما أعجبك فى قصة " صاحبة القصر " ؟
قالت : كلها روعة . . كلها إبداع . . كلها خيال جميل وراقى . . ولكن أكثر ما أعجبنى ، أنك أمَت ساكن القصر فى منتصف القصة ، ولم تتركه يتعذب حتى نهاية الأحداث ، وأنقذتنا أيضاً من العذاب معه ومن أجله ! !
قلت : لابد وأن كان يحدث له ذلك . . إنه رجل شرقى حُر ولا يقبل الذل ولا الهوان .
قالت : آه . . لقد وجدت عندك ضالتى . . حدثنى عنه إذن .
قلت ( مستفسراً ) : عمن ؟ ساكن القصر ؟ 
قالت : لا . . . حدثنى عن الرجل الشرقى .
قلت : وعم تريديننى أن أحدثك فيه ؟
قالت : حدثنى عنه فى حبه وغرامه ، وعشقه وهيامه ، وقربه وزواجه ، حدثنى عنه فى كل شئ .
قلت ( مُتحمساً ) : الرجل الشرقى فى الحب والزواج . . لا يعلوه أى رجل من رجال العالم .
قالت ( وهى تضحك ) : لقد بدأت الإنحياز له ، وضاعت منك الموضوعية ، من أول كلماتك عنه
قلت : لا . . والله . . لن أقول عنه غير الصدق .
قالت : أصدقك . . إذن حدثنى عما يُميزه عن باقى الرجال . . يا صاحب القلم والكلمات .
قلت ( بلغة الواثق ) : يُميزه القلب والإحساس . . يا عزيزتى .
قالت : أتقصد أن غيره من الرجال ليسوا أصحاب قلوب ولا إحساس ؟
قلت ( مؤكداً ) : نعم . . ليسوا مثله . . إن له طبيعة الشرق الدافئة فى كل شئ . . وأحياناً تكون ساخنة فى بعض الأشياء . . نحن يا عزيزتى – معشر الرجال الشرقيون – تقودنا مشاعرنا فى أغلب الأحيان . . فى حبنا وغرامنا ، فى زواجنا وأبوتنا ، فى صحبتنا وصداقتنا ، فى أفراحنا وأحزاننا ، وحتى فى غضبنا وحروبنا ، نحن شرقيون أحرار أعزة كرماء ، مخلصون وأوفياء .
قالت : وهل الرجل الشرقى يُميزه شئ فى الحب ؟
قلت : نعم . . بالتأكيد . . إنه لا يعشق فقط ، ولا يحب فقط ، ولكنه يعشق الحب نفسه والعشق نفسه . . ويهوى قلبه الغرام والهيام ، ويفتتن بالنساء . . ألم تقرأى قول نبينا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام حين قال : " لكل أمة فتنة ، وفتنة أمتى النساء " صدق رسول الله ؟ ؟
قالت : وماذا لديك أيضاً ؟ ؟
قلت : إذا أحب الرجل الشرقى إمرأة ، جعلها كل حياته ، يسعد لقربها منه ، ويحزن لبعدها عنه . . إنه يعيش الحب والغرام والهيام معها وبها ولها وفيها ومنها ، وينسى الدنيا كلها من أجلها . . ألم تقرأى كلمات شاعرنا الرقيق فاروق جويدة عندما قال واصفاً قدر حبه وعشقه لحبيبته :
                          جعلتكِ كعبة فى الأرض . . . . يأوى إليكِ الناس من كل البقاع
                          وصُغت هواكِ للدنيا نشيداً . . . . . . تراقص حالماً مثل الشعاع
                          و كم هامت عليكِ ظلال قلبى . . وفى عينيكِ كم سَبحت شراعى
قالت : حدثنى عن وفائه وإخلاصه . . هل لهما نصيب فى عشقه وهواه .
قلت : قلب الرجل الشرقى – يا عزيزتى – لا يعشق من النساء إلا واحدة . . واحدة فقط . . قد يهوى الحديث مع النساء ، وقد تعجبه إحداهن ، ولكنه لا يعشق أبداً سوى إمرأة واحدة فقط . . ألم تقرأى قول الرسول الكريم : " ما جعل الله لرجل فى جوفه من قلبين " صدق رسول الله . .
قالت : وما بال عزة نفسه وكبريائه وكرامته ورجولته ؟
قلت : الرجل الشرقى تأبى نفسه أن يعيش إلا وهو موفور العزة والكبرياء ، محفوظ الكرامة ، كامل الرجولة فى أخلاقه وأقواله وأفعاله . . هكذا إشتهر العرب منذ مئات السنين . . ألم تقرأى قول الشاعر على لسان الرجل الشرقى الذى رفض الذل والهوان فى قرب الحبيبة :
                     هل تفهمين ؟ ؟  قد فر من قفص الهوى قلبى السجين
                     و تتمتمين . .. . . .. ستعود لى كالطير ظمآن الحنين
                     لو تعلمين . . . . .. ...لعلمتِ أنى راحل خلف السنين
                     خلف أستار الهوى . . . . . . . .  لأفق توضأ باليقين
                     أفق بعيداً لا يَبين . . إلا لعين العاشقين . . لو تفهمين؟
قالت ( وهى تتعجب ) : ولكنه يهوى الزواج من عديد النساء  . . يا صاحب القلم والكلمات ؟
قلت : يا عزيزتى الحب شئ . . والزواج شئ آخر ! !
قالت ( مندهشة ) : كيف ذلك ؟ لا تحيرنى . . ألم تقل لى أنه لا يحب إلا إمرأة واحدة . . فكيف بالله عليك يتزوج بأكثر من واحدة ؟ ؟ إعقلها لى . . كى أقبلها ويدركها عقلى .
قلت : وهل لنا قدوة أفضل من نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ؟ ؟ . . إنه تزوج من النساء عديدات . . كلهن أمهاتنا ، أمهات المؤمنين . . ولكنه لم يحب منهن إلا واحدة . . إنها أمَنا عائشة رضى الله عنها . . وكان يناجى ربه فيها قائلاًً : " اللهم إن هذا قسمى فى ما أملك ، فلا تحاسبنى فيما لا أملك " وكان يقصد فى ذلك حبه لزوجته عائشة أم المؤمنين . .
قالت ( مُستنكرة ) : وهل الأنبياء يُقاس عليهم يا صاحب القلم والكلمات ؟  إنهم إستثناء من القاعدة ، والإستثناء لا يُقاس عليه .
قلت : من قال لكِ ذلك ؟ . . إنهم بشرمثلنا ؟ ألم يكن النبى محمد بشراً ، أما كان رجلاً مثلنا ، يأكل الطعام ويتزوج النساء ويمشى فى الأسواق كما قال ؟ . فما بالنا لانقيس عليه فى الحب والزواج ؟ 
قالت : لقد أمتعتنى بحديثك ، ولن أجادلك . . قل لىهل يهوى الرجل الشرقى حياة الأسرة والعائلة ؟ أم أنه مثل العصفور يحب الطيران والتحليق ، من شجرة إلى شجرة ، ومن غصن إلى غصن ؟
قلت : يا عزيزتى . . ليس هناك أفضل من الرجل الشرقى يهوى الإستقرار . . إنه يميل دوماً للرجوع إلى مسكنه . . يروح ويجئ ، ويروح ويجئ ، ولكنه فى النهاية ، يأوى إلى مكمنه .
قالت : حدثنى أكثر وأكثر . . كلماتك تُسكن قلبى . . وتريح فؤادى .
قلت : حسناً . . . ذات يوم من الأيام ، ٍسُئل أعرابى : ما أحب ثلاثة أشياء إلى قلبك فى برد الشتاء ؟ فرد الأعرابى قائلاً : الثلاثة هم : كِن ( ويقصد به مسكنه ) . . وكانون ( يقصد به الحطب المُشتعل للتدفئة ) . . وشئ ثالث لم يذكره . . أتدرين ما هو الشئ الثالث يا عزيزتى ؟
قالت : ومن أين لى أن أدرى بما كان يخفيه فى صدره ؟
قلت : إنه كان يقصد المرأة الحبيبة . .نصفه الجميل الذى لا غنى عنه . . ولا حياة بدونه . . إنها الصباح والمساء . . والليل والنهار . . والماء والهواء . . والحب والغرام . . والعشق والهيام . . وهى كل الأيام فى كل الأعوام .
قالت ( وهى تستوقفنى ) : كفى . . كفى بالله عليك . . إنى أكاد أذوب من فرط كلماتك . . أما تُعجزك الكلمات أبداً ؟ ألا تعجز عن التعبير حين تريد التعبير ؟
قلت : الكلمات يا عزيزتى لا تعجز عن التعبير أبداً . . ولكن العجز عن التعبير هو الذى يُفقد المرء القدرة على إستحضار الكلمات . . لا تظلمى الكلمات ، فما دام القلب ينبض ، والدماء فى العروق تسيل ، والأحاسيس تعم الوجدان وتعصف بالكيان ، فلابد للقلم أن يكتب وأن ينطلق اللسان
قالت ( وهى ترجو ) : رُحماك بى . . لقد فعلت بى ما فعلته فى المرة السابقة . . حين حضرت ندوتك . . غادرتك رغماً عنى . . وها أنا الآن لا أنوى مغادرتك . . سوف أظل معك حتى ينتهى حفلنا هذا . . هيا . . حدثنى أكثر وأكثر . . أمامنا ساعات طوال ، حتى بزوغ الفجر ، ولن أدعها تضيع منى أبداً . .

وما كادت أن تكمل كلماتها . . حتى فاجأها صديقى بالحضور . . طلب منها مرافقته للبقاء مع العروس . . وأمسك بيدها ليصطحبها . . نهضت واقفة وهى لا تريد مغادرة مجلسى ، ولا إنهاء الحديث معى . . نظرت إلىّ وهى تستغيث . . ونظرتُ إليها وأنا مُشفق عليها . . آه من ذلك الصديق الذى حرمها من متعة الجلوس معى ، والحديث إلىّ ، وسماع كلماتى ومشاركتى أفكارى . . ولكن . . تلك هى الحياة . . لقاء ثم فراق . . ثم لقاء ثم فراق . . وهكذا حتى اللقاء الأخير والفراق الأخير . . ولكنه يكون فراقاً للحياة بأسرها .         وإلى مقال آخر إن شاء الله .