الجمعة، 23 نوفمبر 2012

ونسىَ . . . . أنها لم تكن يوماً حبيبته ! !


ونسىَ . . . . أنها لم تكن يوماً حبيبته  ! !
-------------------------------------
فى حياتنا  أناس يعرفوننا ونعرفهم . . تأبى الأحزان والآلام أن تفارقهم ، وكأنما وقفت خصيصاً على أبوات حياتهم ، تمنع الأفراح والسعادة من الإقتراب منهم . . هكذا جاءت أقدارهم ، وهكذا أراد الخالق الأعلى لهم . . كلما إقترب منهم الفرح إبتعد عنهم . . تمضى أيامهم ، وتنقضى سنونهم ، وتنتهى أعمارهم ، وهم ما ذاقوا طعم السعادة إلا قليلاً . . رَضوا بما قسم لهم العلى القدير ، وكانوا بما أعطاهم الله أو أخذ منهم قانعين . . ولكن نفوسهم تتوق إلى الحياة كغيرهم من البشر . .                                                                                                        إنهم أمثالنا لهم أحلامهم وآمالهم ، مثلما لنا أحلامنا وآمالنا . . لهم أعين مثلنا تشهد الحُسن وتعشق الجمال ، ولهم آذان مثلنا تطرب لسماع أحلى الأنغام ، ولهم قلوب مثلنا تميل إلى الحب والغرام ، ولهم أفئدة كأفئدتنا تهفو إلى الحبيب وتعشق الوئام ، ولكن حياتهم تملؤها الهموم والأحزان ، كلما إقترب منهم فرح كان مصيره البعاد . . تُرى أهم من التعساء ؟ أم أنهم حاملوا الهموم والأحزان ؟ أم كتب الله عليهم الحياة بلا حياة ؟ أم صدق فيهم قول الشاعر حين قال :
          حظى كدقيق فوق شوك نثروه                ثم قالوا لحفاة يوم ريح إجمعوه
          فلما صعب أمره قالوا أتركوه                قد أشقاه ربه ، كيف أنتم تسعدوه ؟

كان وليد من ذلك النوع ، من حاملى الهموم والأحزان ، أحب منذ سنوات وسنوات ، أحب من هى بحق حسناء الحسناوات ، ولكن قدره كان له بالمرصاد ، راح حلمه وضاع حبه وذهبت الحسناء ، وظل هو فى ذكراها ليل نهار وصباح مساء . . وأمضى سنوات يردد فى أعماقه أنشودة حب ، كم شدا بها طويلاً لفتاته الحسناء :
                     يا حسناء . . أنا ربان سفينة قادتنى الأقدار لبحر هواكِ
                     جئت لأرمى شباكى وأرحل . . . . . . أسرتنى عيناكِ
                     ضل الشبك . . وفر السمك . . وعدت وأملى أن ألقاكِ
                     عدت . . وقدرى أنى سأبقى . .طول العمر فى ذكراكِ
                     هل أجد لديكِ يا حسناء . . . . قلب يهوى من يهواكِ ؟

ولكن . . ذهبت عنه الحسناء ، وتركته وحيداً ، وحمد الله راضياً وقانعاً بما قسمه له . . وظلت الأعوام تطويها الأعوام . . حتى ذات مساء .

ذات مساء . . عرفها . . إنها نرمين . . هذه الفتاة الجميلة ذات العيون الساحرة ، التى وقعت عيناه على صورتها فى إحدى صفحات التواصل الإجتماعى . . كان جمالها أخاذاً ، وكانت عيناها ساحرتين . . لفت إنتباهه إليها أنها كانت قريبة الشبه ممن أحبها وهواها ، وعشقها قلبه وإبتغاها ، منذ سنوات وسنوات . . شئ ما أراحه إليها ، لا يدرى ما هو ، ربما جمالها ؟ أو سحر عيونها ؟ أو خفة دمها ؟ أو ثقتها بنفسها ؟ وربما أنها شبيهة محبوبته ؟ كلها أمور كشفت عنها صورها . .

أحس وليد بميل إليها ، وقرر على الفور التواصل معها ، وهو لا يطلب سوى صداقتها والحديث إليها ، ولو من بعيد . . كان يريد أن يستعيد فيها وليس معها ذكريات حبه ، وأحلام هواه ، التى راحت عنه وغادرته وحيداً منذ سنين .
أسعده كثيراً . . أنها لبت نداء صداقته ، وبدأ يراسلها ويحاورها ، ويقرأ خواطرها وقصائدها ، ثم يُبدى الرأى فيها . . أما هى فقد إهتمت أيضاً بما يكتبه قلمه ، من القصص الأدبية والحوارية ، وأبدت شغفاً وتعلقاً بها . . وبمرورالأيام ، توطدت الصلة ، وقويت الصداقة ، وكان سعيداً بما يقرأه عنها ، ولم يصطدم قط بآرائها . . فقد كانت لديها رقة وجمالاً فى تعبيراتها ، جعلاه يشتاق كثيراً لقراءتها ومتابعتها .
وذات يوم من الأيام . . أخبرته بأن شخصاً ما قد تقدم لخطبتها ، وأنها قبلته ورضيت به ، وطلبت منه الدعاء لها بالتوفيق فى حياتها ، وأخبرته بأنها سوف تنشغل عنه عدة أيام بسبب خطوبتها . . فرح لها وليد من قلبه فرحاً شديداً ، لأنه كان يدرك جيداً طبيعة صلته بها ، وأنهما صديقان عزيزان ، يجمع بينهما الود والإحترام ، و يحمل كلاهما للآخر مشاعر طيبة ، وأمانى وأمنيات سعيدة . . هنأها وليد على خطوبتها ، وتمنى لها أياماً سعيدة ، وحياة هادئة وهنيئة ، مع من إختارته ورضيت به خطيباً ثم زوجاً ورفيقاً ، فى مشوار الحياة الطويل . .

غابت نرمين عدة أيام . . بسبب إنشغالها بتجهيزات الخطوبة  ، شعر خلالها وليد بأنه يفتقد الصديقة العزيزة والأخت الصغرى الجميلة ، ولكنه تحامل على نفسه حتى عادت إليه بعد أيام قليلة . . لقد تواصلا من جديد ، وعاد الحوار بينهما من جديد . . مرت الأيام وأصبح لصداقتهما مذاق خاص ، فهو ممن يفهمون معنى الصداقة جيداً ، ويعرف أن للصداقة حقوق وواجبات ، وأن لها أيضاً ضوابط وقيود ومستلزمات . . كان هو حريصاً على معاملتها بالود والإحترام ، وكانت هى حريصة على مناداته بالأخ والصديق .

وذات مساء . . عاد وليد من عمله ، فوجد نرمين وقد تركت له رسالة عبر بريده الألكترونى ، تخبره فيها بأن خطيبها ، الذى فرح هو من أجله وأجلها ، يغار من صداقته عليها ، وأنه يفتعل المشكلات والخلافات ، وأنها آسفة لما يحدث ، وإلتمست منه العذر وهى حزينة ، أن يتوقف عن التواصل معها ، وعن قراءة خواطرها والتعليق عليها ، منعاً لتلك المشكلات ، وإطفاءً لنار الغيرة غير المُبررة التى تشتعل فى صدر خطيبها .
وعلى الفور . . أرسل إليها وليد برسالة ، يطمئنها أن ما طلبته قد حدث بالفعل ، وأنه على إستعداد لفعل كل ما تطلبه ، كى تهدأ و تستقرحياتها ، وتنطفئ نار الغيرة عند خطيبها . . لقد أراد وليد بفعلته هذه ، ألا يدعها تحيا فى قلق أو توتر ولو للحظات  ، فى علاقتها مع خطيبها ، ما دامت هى قد طلبت منه ذلك . . إحترم رغبتها ، وحقق لها ما أرادت ، كى يرتاح بالها ، وتهنأ بالراحة نفسها .

أما هو . . فلا إرتاح له بال ، ولا هنأت له نفس ، منذ أن إبتعدت عنه . . بدأ يعانى من جديد ، ويتألم من جديد ، لفقدان تلك الصديقة العزيزة . . أحزنه كثيراً ، أنه لم يعد يقرأ خواطرها ، ولم يعد يتواصل معها . . لقد عادت الأقدار مرة أخرى ، لتحرمه ممن إرتاحت إليها نفسه ، وسكن معها ضميره ، وهدأ لها باله ، وإقتنع بها عقله . . إنها الإنسانة الوحيدة منذ سنوات وسنوات ، التى إطمأن إليها ، وحرص على القرب منها ولو من بعيد ، بعدما حرمته الأقدار ممن أحبها ، وكانت تشبهها إلى حد بعيد .
لقد ذهبت هى بعيداً عنه ، وعاد هو مرة أخرى ليسكن ذاته ، ويُحدث نفسه وتحدثه نفسه . . جلس إليها بالساعات الطوال ، وكان كلما جلس يسألها : ما بال الأقدار تحرمنىهكذا ممن أحبهم ؟ وممن أأنس إليهم ؟ وممن تميل إليهم نفسى ؟

ظل وليد على هذا الحال . . أيام وأيام ، لا تغادره أحزانه  ، ولا هو قادر على مغادرة آلامه . . صار يسأل نفسه صباح مساء : ترى . . ألهذا الحد إرتبط وجوده بها ؟ أهى كانت حقاً صديقته فقط ؟ أم أنها كانت أكثر من ذلك ؟
إنه لا يدرى شيئاً . . سوى أنها كانت الوحيدة التى إقتربت من فكره وكيانه . . آلمته الصدمة كثيراً لفقدانها وحرمانه منها . . وترك نفسه وذاته فريسة للحزن من أجلها . . لقد أغرق نفسه فى الإحساس بخسارتها . . ونسىّ أنها كانت مجرد صديقته . . وأنها لم تكن يوماً حبيبته  ! ! !
                                                                           وإلى مقال آخر إن شاء الله .

  
          

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق