ونسىَ .
. . . أنها لم تكن يوماً حبيبته ! !
-------------------------------------
فى
حياتنا أناس يعرفوننا ونعرفهم . . تأبى
الأحزان والآلام أن تفارقهم ، وكأنما وقفت خصيصاً على أبوات حياتهم ، تمنع الأفراح
والسعادة من الإقتراب منهم . . هكذا جاءت أقدارهم ، وهكذا أراد الخالق الأعلى لهم
. . كلما إقترب منهم الفرح إبتعد عنهم . . تمضى أيامهم ، وتنقضى سنونهم ،
وتنتهى أعمارهم ، وهم ما ذاقوا طعم السعادة إلا قليلاً . . رَضوا بما قسم لهم
العلى القدير ، وكانوا بما أعطاهم الله أو أخذ منهم قانعين . . ولكن نفوسهم تتوق إلى
الحياة كغيرهم من البشر . . إنهم
أمثالنا لهم أحلامهم وآمالهم ، مثلما لنا أحلامنا وآمالنا . . لهم أعين مثلنا تشهد
الحُسن وتعشق الجمال ، ولهم آذان مثلنا تطرب لسماع أحلى الأنغام ، ولهم قلوب مثلنا
تميل إلى الحب والغرام ، ولهم أفئدة كأفئدتنا تهفو إلى الحبيب وتعشق الوئام ، ولكن
حياتهم تملؤها الهموم والأحزان ، كلما إقترب منهم فرح كان مصيره البعاد . . تُرى
أهم من التعساء ؟ أم أنهم حاملوا الهموم والأحزان ؟ أم كتب الله عليهم الحياة بلا
حياة ؟ أم صدق فيهم قول الشاعر حين قال :
حظى كدقيق فوق شوك نثروه ثم قالوا لحفاة يوم ريح إجمعوه
فلما صعب أمره قالوا أتركوه قد أشقاه ربه ، كيف أنتم تسعدوه
؟
كان وليد
من ذلك النوع ، من حاملى الهموم والأحزان ، أحب منذ سنوات وسنوات ، أحب من هى بحق
حسناء الحسناوات ، ولكن قدره كان له بالمرصاد ، راح حلمه وضاع حبه وذهبت الحسناء ،
وظل هو فى ذكراها ليل نهار وصباح مساء . . وأمضى سنوات يردد فى أعماقه أنشودة حب ،
كم شدا بها طويلاً لفتاته الحسناء :
يا حسناء . . أنا ربان
سفينة قادتنى الأقدار لبحر هواكِ
جئت لأرمى شباكى وأرحل . .
. . . . أسرتنى عيناكِ
ضل الشبك . . وفر السمك . .
وعدت وأملى أن ألقاكِ
عدت . . وقدرى أنى سأبقى .
.طول العمر فى ذكراكِ
هل أجد لديكِ يا حسناء . .
. . قلب يهوى من يهواكِ ؟
ولكن . .
ذهبت عنه الحسناء ، وتركته وحيداً ، وحمد الله راضياً وقانعاً بما قسمه له . .
وظلت الأعوام تطويها الأعوام . . حتى ذات مساء .
ذات مساء .
. عرفها . . إنها نرمين . . هذه الفتاة الجميلة ذات العيون الساحرة ، التى وقعت
عيناه على صورتها فى إحدى صفحات التواصل الإجتماعى . . كان جمالها أخاذاً ، وكانت
عيناها ساحرتين . . لفت إنتباهه إليها أنها كانت قريبة الشبه ممن أحبها وهواها
، وعشقها قلبه وإبتغاها ، منذ سنوات وسنوات . . شئ ما أراحه إليها ، لا يدرى ما هو
، ربما جمالها ؟ أو سحر عيونها ؟ أو خفة دمها ؟ أو ثقتها بنفسها ؟ وربما أنها
شبيهة محبوبته ؟ كلها أمور كشفت عنها صورها . .
أحس وليد
بميل إليها ، وقرر على الفور التواصل معها ، وهو لا يطلب سوى صداقتها والحديث إليها
، ولو من بعيد . . كان يريد أن يستعيد فيها وليس معها ذكريات حبه ، وأحلام هواه ،
التى راحت عنه وغادرته وحيداً منذ سنين .
أسعده
كثيراً . . أنها لبت نداء صداقته ، وبدأ يراسلها ويحاورها ، ويقرأ خواطرها
وقصائدها ، ثم يُبدى الرأى فيها . . أما هى فقد إهتمت أيضاً بما يكتبه قلمه ، من
القصص الأدبية والحوارية ، وأبدت شغفاً وتعلقاً بها . . وبمرورالأيام ، توطدت الصلة
، وقويت الصداقة ، وكان سعيداً بما يقرأه عنها ، ولم يصطدم قط بآرائها . . فقد
كانت لديها رقة وجمالاً فى تعبيراتها ، جعلاه يشتاق كثيراً لقراءتها ومتابعتها .
وذات يوم
من الأيام . . أخبرته بأن شخصاً ما قد تقدم لخطبتها ، وأنها قبلته ورضيت به ،
وطلبت منه الدعاء لها بالتوفيق فى حياتها ، وأخبرته بأنها سوف تنشغل عنه عدة أيام
بسبب خطوبتها . . فرح لها وليد من قلبه فرحاً شديداً ، لأنه كان يدرك جيداً طبيعة
صلته بها ، وأنهما صديقان عزيزان ، يجمع بينهما الود والإحترام ، و يحمل كلاهما
للآخر مشاعر طيبة ، وأمانى وأمنيات سعيدة . . هنأها وليد على خطوبتها ، وتمنى
لها أياماً سعيدة ، وحياة هادئة وهنيئة ، مع من إختارته ورضيت به خطيباً ثم زوجاً
ورفيقاً ، فى مشوار الحياة الطويل . .
غابت نرمين
عدة أيام . . بسبب إنشغالها بتجهيزات الخطوبة
، شعر خلالها وليد بأنه يفتقد الصديقة العزيزة والأخت الصغرى الجميلة ، ولكنه
تحامل على نفسه حتى عادت إليه بعد أيام قليلة . . لقد تواصلا من جديد ، وعاد
الحوار بينهما من جديد . . مرت الأيام وأصبح لصداقتهما مذاق خاص ، فهو ممن يفهمون
معنى الصداقة جيداً ، ويعرف أن للصداقة حقوق وواجبات ، وأن لها أيضاً ضوابط وقيود
ومستلزمات . . كان هو حريصاً على معاملتها بالود والإحترام ، وكانت هى حريصة على
مناداته بالأخ والصديق .
وذات مساء
. . عاد وليد من عمله ، فوجد نرمين وقد تركت له رسالة عبر بريده الألكترونى ،
تخبره فيها بأن خطيبها ، الذى فرح هو من أجله وأجلها ، يغار من صداقته
عليها ، وأنه يفتعل المشكلات والخلافات ، وأنها آسفة لما يحدث ، وإلتمست منه العذر
وهى حزينة ، أن يتوقف عن التواصل معها ، وعن قراءة خواطرها والتعليق عليها ، منعاً
لتلك المشكلات ، وإطفاءً لنار الغيرة غير المُبررة التى تشتعل فى صدر خطيبها .
وعلى الفور
. . أرسل إليها وليد برسالة ، يطمئنها أن ما طلبته قد حدث بالفعل ، وأنه على
إستعداد لفعل كل ما تطلبه ، كى تهدأ و تستقرحياتها ، وتنطفئ نار الغيرة عند خطيبها
. . لقد أراد وليد بفعلته هذه ، ألا يدعها تحيا فى قلق أو توتر ولو للحظات ، فى علاقتها مع خطيبها ، ما دامت هى قد طلبت
منه ذلك . . إحترم رغبتها ، وحقق لها ما أرادت ، كى يرتاح بالها ، وتهنأ بالراحة
نفسها .
أما هو . .
فلا إرتاح له بال ، ولا هنأت له نفس ، منذ أن إبتعدت عنه . . بدأ يعانى من جديد ،
ويتألم من جديد ، لفقدان تلك الصديقة العزيزة . . أحزنه كثيراً ، أنه لم
يعد يقرأ خواطرها ، ولم يعد يتواصل معها . . لقد عادت الأقدار مرة أخرى ، لتحرمه
ممن إرتاحت إليها نفسه ، وسكن معها ضميره ، وهدأ لها باله ، وإقتنع بها عقله . .
إنها الإنسانة الوحيدة منذ سنوات وسنوات ، التى إطمأن إليها ، وحرص على القرب منها
ولو من بعيد ، بعدما حرمته الأقدار ممن أحبها ، وكانت تشبهها إلى حد بعيد .
لقد ذهبت
هى بعيداً عنه ، وعاد هو مرة أخرى ليسكن ذاته ، ويُحدث نفسه وتحدثه نفسه . . جلس
إليها بالساعات الطوال ، وكان كلما جلس يسألها : ما بال الأقدار تحرمنىهكذا ممن
أحبهم ؟ وممن أأنس إليهم ؟ وممن تميل إليهم نفسى ؟
ظل وليد
على هذا الحال . . أيام وأيام ، لا تغادره أحزانه ، ولا هو قادر على مغادرة آلامه . . صار يسأل
نفسه صباح مساء : ترى . . ألهذا الحد إرتبط وجوده بها ؟ أهى كانت حقاً صديقته فقط
؟ أم أنها كانت أكثر من ذلك ؟
إنه لا
يدرى شيئاً . . سوى أنها كانت الوحيدة التى إقتربت من فكره وكيانه . . آلمته
الصدمة كثيراً لفقدانها وحرمانه منها . . وترك نفسه وذاته فريسة للحزن من أجلها .
. لقد أغرق نفسه فى الإحساس بخسارتها . . ونسىّ أنها كانت مجرد صديقته . . وأنها
لم تكن يوماً حبيبته ! ! !
وإلى
مقال آخر إن شاء الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق