الخميس، 29 نوفمبر 2012

هل نسى حقاً . . . . ما كان منها بالأمس ؟ ؟


هل نسى حقاً . . . . ما كان منها بالأمس  ؟ ؟ 
-----------------------------------------
بينما كان أحمد يتأهب لمغادرة المدرسة التى يعمل بها مدرساً ، بعد أن إنتهى اليوم الدراسى ، وإنصرف زملاؤه جميعاً . . رن جرس هاتفه المحمول فجأة ، إلتقطه أحمد ليعرف من المتصل . .  إنها هالة . . إنها تلك الحبيبة التى تركته ومضت منذ شهور ، بعد أن تنصلت من مشاعرها تجاهه ، وأنكرت كل ما كان بينهما من ود وحب . . لم يفكر أحمد طويلاً ، ورد على الهاتف ، فسمع صوتها يأتى من بعيد . . لم يدم حديثهما طويلاً . . طلبت هالة من أحمد اللقاء فى مساء ذات اليوم ، لأمر تراه هاماً وضرورياً . . لم يستطع أحمد شيئاً سوى أن يوافق على لقائهما . . وهو لا يدرى حقاً ماذا تريد منه ؟ ؟

إنتهت المكالمة سريعاً . . وجلس أحمد حيث هو فى حجرة التدريس بالمدرسة ، بعد أن كان يستعد للإنصراف والعودة إلى بيته . . جلس يسأل نفسه . . ماذا تريد منى بعد كل هذه الشهور التى مضت ؟ ؟ لقد إنقضت عدة شهور ، ولم تحادثه فيها ولو لمرة واحدة منذ آخر لقاء بينهما . . ذلك اللقاء الذى تبرأت فيه من كل شئ بينهما . . وتنصلت من كل مشاعرها تجاهه. . وأكدت له أنها ما أحبته يوماً ، وما مال إليه قلبها يوماً ، وما رغبت فى القرب منه أو الحياة معه أبداً . .
جلس أحمد وحيداً ، يتذكر كيف رأى هالة لأول مرة ، فى ذات الحجرة التى يجلس فيها الآن ، يوم أن جاءت ولأول مرة ، كى تعمل بالتدريس فى المدرسة ، وبذات القسم الذى يعمل فيه ، قسم اللغة العربية بالمدرسة . . تذكر أحمد كل ما كان بينهما، ومدى قربهما ، وكيف توطدت  علاقتهما ، حتى صارت حباً وغراما ً . . إنها لم تكن تعرف سواه فى المدرسة ، ولم تتحدث مع أحد غيره ، ولم تأنس لشخص سواه ، وكانت بالنسبة له هى الدنيا بأسرها . . ولكنها . . فجأة . . وبلا أية مقدمات ، أنكرت كل ما كان بينهما ، وألقت به خلف ظهرها ، وهرولت مُسرعة إلى الزواج من إبن خالتها ، الذى سافر إلى إيطاليا للعمل هناك ، ثم عاد كى يطلب الزواج بها ، وقبلته هى بلا تردد . . ونسيت ما كان بينها وبين أحمد ، وتنصلت من مشاعرها تجاهه ، ومن لحظتها لم يرها أحمد . . علم أنها حصلت على أجازة للزواج والسفر إلى إيطاليا مع إبن خالتها .

واليوم . . إنها تعاود الإتصال به مرة أخرى ، بعد مرور عدة شهور ، تطلب لقاءه ، وهو لا يدرى سبب اللقاء . . إن جرحه الذى تسببت فيه وأوشك أن يندمل ، بعد أن توقف نزيفه وخف ألمه ، وأدرك أن الحياة لابد وأن تستمر معها أو مع غيرها . . إنه مازال يجاهد من أجل نسيانها ، حتى أنه منع نفسه من الجلوس فى ذات المكان ، الذى كان يجمعهما بحجرة التدريس بالمدرسة ، عدة شهور متتالية ، كى ينسى أو يتناسى كل ما كان بينهما ، ولكنه حتى اليوم لم يستطع أن ينسى كل شئ . . . وفجأة دخل إلى حجرة التدريس أحد زملاء أحمد ، وسأله عن سبب عدم مغادرته المدرسة بعد إنتهاء عمله فيها . . تنبه أحمد ، ولملم نفسه التى تبعثرت بين ذكريات حبه وغرامه ، وإمتدت يده لتمسك بحقيبته ، ونهض واقفاً ليغادر الحجرة والمدرسة ، عائداً إلى منزله .

عاد أحمد إلى بيته . . دخل إلى غرفته ، وأغلقها عليه وحده ، حاول أن ينام قليلاً ولكنه لم يستطع . . كانت الساعات تمر بطيئة وثقيلة ، حتى إقترب موعد اللقاء ، إرتدى ملابسه ثم خرج ، كى يلاقيها لأول مرة منذ عدة شهور . . كان مرتبكاً وكان قلقاً ومتوتراً ، وكان لا يرغب فى لقائها مرة أخرى ، كى لا تتجدد أحزانه وآلامه ، ولكنه ما إستطاع أن يرفض لها لقاءً .
ذهب أحمد إلى حيث مكان اللقاء . . لم ينتظرها طويلاً حتى حضرت ، وما أن وقعت عيناه عليها ، حتى خفق قلبه بشدة ، وأحس أن قلبه أوشك أن ينتفض خارجاً من صدره . . ألقت عليه التحية ثم جلست ، رد أحمد التحية ، ونظر إلى وجهها ، فوجده شاحباً تبدو عليه علامات القلق والتوتر ، وأمارات التعب والإرهاق ، ويعلوه الحزن والألم . . ما عادت كما كانت فى لقائهما الأخير ، بدا عليها وكأن الإبتسامة غادرت شفتاها ، منذ وقت طويل ، وهى التى كانت تتلألأ بجمالها وإبتسامتها . . . لم يدم الصمت بينهما طويلاً . . حتى بادرته هى قائلة :

قالت ( وهى تسأل ) : كيف حالك يا أحمد ؟
قال ( مُندهشاً ) : يااااه  أحمد . . أما زلتِ تتذكرين إسمى يا هالة ؟
قالت ( وهى تبتسم ) : وكيف لا أتذكره ؟ ومن قال لك أنى نسيته ؟
قال : ومن قال لكِ أنكِ تتذكرينه ؟ إنكِ فى آخر لقاء بيننا منذ شهور . . لم ينطق لسانك بإسمى قط ، ألا تتذكرين يا هالة ؟
قالت : دعنا من هذا الحديث . . وإخبرنى كيف حالك ؟
قال : الحمد لله . . أنا أحيا مثل الآخرين . . أأكل وأشرب وأنام وأستيقظ وأروح وأجئ .
قالت ( وهى تنظر إلى يديه ) : أما زلت وحيداً ، لم ترتبط بأخرى غيرى من بعدى ؟
قال ( نافياً ) : ما قابلت بعد صاحبة النصيب .
قالت : إذن . . لقد نسيتنى . . أليس كذلك يا أحمد ؟
قال ( مستفسراً ) : ألم تطلبى منى أن أنساكِ ، وأبحث عن غيرك ، فى آخر لقاء بيننا ؟
قالت ( وهى تضحك ) : وهل نسيتنى فعلاً وبحثت عن غيرى ؟
قال : أحاول أن أنساكِ . . ولكننى لا أبحث عن غيرك .
قالت : إذن . . الحمد لله . . أنك لم تنسنى ولم ترتبط بغيرى حتى الآن .
قال : الحمد لله على كل حال . . ولكنكِ لم تخبرينى ، لماذا طلبتى لقائى ، بعد كل هذه الشهور .
قالت ( مُتسائلة ) : أما كنت ترغب فى لقائى يا أحمد ؟
قال : ومن منا ترك الآخر يا هالة ؟ ومن منا غدر بالآخر ؟ ومن منا أنكر صلته بالآخر ؟ ومن منا تنصل من مشاعره تجاه الآخر ؟ ومن منا كره لقاء الآخر ؟
قالت : لا . . لا تقل أنى نسيت ما بيننا ، وكرهت لقاءك .
قال : دعكِ أنتِ من هذا الحديث . . وأخبرينى ماذا تريدين منى ؟
قالت : ألا تريد أن تعرف أخبارى ، وتسأل عن أحوالى ؟
قال : لقد علمت أنكِ تزوجتِ من إبن خالتك ، وسافرتِ معه إلى حيث يعمل ويُقيم ، ومرت شهور ولم أسمع عنكِ جديداً .
قالت : لقد عُدت مؤخراً إلى مصر ، منذ أسبوعين فقط ، وأسعى الآن إلى العودة للعمل بالمدرسة.
قال : وأين زوجكِ ؟ هل جاء معكِ ؟
قالت : لا . . لقد عُدت وحدى يا أحمد .
قال ( مُستفسراً ) : ولم ؟ هل حدث بينكما خلاف ؟
قالت : نعم . . لقد إنفصلنا هناك قبل مجيئى إلى مصر ، ووقع بينا الطلاق ، وعُدت وحدى .
قال : أبهذه السرعة وقع بينكما الطلاق ؟ وأنتما لا تزالا فى البداية ؟ هل كان زواجكما حقيقياً ؟ أم كان زواجاً على ورقة طلاق ؟
قالت : لم نستطع أن نتفاهم سوياً ، طبائعه وخصاله مختلفة عنى تماماً ، إنه صار جزءً من المجتمع الذى يعمل ويعيش فيه ، لقد أصبح رجلاً غربياً ، أما أنا فما زلت إمرأة شرقية ، لى تقاليدى وعاداتى . . لقد إختلفنا حول أمور كثيرة ، ودب بيننا الخلاف منذ بداية زواجنا ، وإزداد الخلاف يوماً بعد يوم ، حتى صارت الحياة بيننا مستحيلة ، فإتفقنا على الإنفصال ودياً ، مراعاة لصلة القرابة بيننا . . وأحمد الله أنى لم أنجب منه أولاداً .
قال ( متسائلاً ) : وماذا بعد يا هالة ؟
قالت : لا شئ . . سوف أعود إلى عملى مرة أخرى ، كما قلت لك ، وسوف أبدأ حياتى من جديد .
قال : أتمنى لكِ التوفيق والنجاح يا هالة .
قالت : أهذا كل ما لديك من أجلى يا أحمد ؟ أن تتمنى لى التوفيق وحسب ؟
قال : وماذا تريدين منى أن أقول أو أفعل يا عزيزتى ؟
قالت ( وهى واثقة ) : أراك ما زلت على العهد باقى . . وما زال حبى فى أعماقك . . أراه فى عينيك وأنت أمامى .
قال : لا . . قولى شيئاً آخر يا هالة . . إنى نسيتكِ وما عُدت اذكركِ . . ما عاد عقلى يتذكركِ . . وما عاد قلبى يرنو إليكِ . . وما عادت عيناى تتخيلك . . ما عاد شيئاً كما كان من قبل . . إنى نسيتكِ وأخرجت من قلبى حبكِ .

على الفور إمتدت يد هالة إلى هاتف أحمد لتمسك به ، وظلت تبحث عن إسمها حتى وجدته فى سجل أسمائه . . نظرت إليه ثم ضحكت  . . وقالت له : إن كان ما تقوله حقاً ، فلماذا لم تمحى إسمى من هاتفك بعد كل هذه الشهور ؟ إنك تخدع نفسك ولكنك لن تخدعنى ، فأنا أعرفك جيداً وأفهمك جيداً ، ولكنك ما عرفتنى قط وما فهمتنى قط . . ونهضت واقفة ، وقبل أن تغادره ، نظرت إليه وقالت : سوف ألقاك فى الأسبوع القادم ، حيث عملى بالمدرسة . . وأنا على يقين ، أنك سوف تنتظرنى كما تعودت دائماً ، فأنا لا أعرف غيرك ولا أميل لسواك ، ولكنك يا عزيزى لا تفهم النساء ، وإستدارت كى تمضى فى طريقها . . وهو جالس فى مكانه يسأل نفسه : هل ما تقوله هى حق ؟ ؟ وهل ما يزال يحبها ويتمنى قربها ، رغم كل ما فعلته به منذ شهور ؟ ؟  وهل هى حقاً صادقة حين قالت : أنه يخدع نفسه بإنكاره حبها ؟ وهل هو حقاً يميل إلى الصفح عنها ، وغفران ما بدر منها ؟  وهل نسى حقاً ما كان منها بالأمس ؟
نظر أحمد من حوله . . فوجد الجميع قد إنصرفوا إلا هو . . نهض واقفاً ومضى فى طريقه ، يسير بخطوات متباطئة وثقيلة . . وهو لا يدرى بما حوله . . ويردد فى أعماقه ويتساءل حائراً :
هل نسيتُ حقاً . . . . . ما كان منها بالأمس ؟ ؟ ؟ ؟       وإلى مقال آخر إن شاء الله .
 


     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق