توأم
عقلى وفكرى . . . . وكلمة طال إنتظارها !
!
-----------------------------------------------
ألقت سلمى
كلماتها على مسامعى دفعة واحدة ، أعلنتها صريحة : أن لا طريق لى إلى قلبها ، إن
أردت عقلها فلا بأس ، أما قلبها ، فهو منطقة مُحرم علىّ الإقتراب منها ، حديث
العقل معها لا بأس به ، أما حديث القلب فلا ترغب فيه . . قالت كلماتها وسمعتها أنا
، وإنصرف كل منا إلى بيته ، بعد أن تواعدنا على اللقاء بعد ثلاثة أيام . . عُدت إلى بيتى ، و أنا لا أدرى عن حالى
شيئاً ، أحسست أن عقلى توقف تماماً عن التفكير ، وشعرت بضعف ينتابنى ، ما شعرت به
من قبل ، وأنا الذى إعتاد عقله أن يجد مخرجاً لكل أزمة طارئة ، ولكن هذه المرة لم
تكن الأزمة طارئة ، إنها كانت أزمة طاحنة بمعنى الكلمة ، تكاد تعصف بعقلى وقلبى
معاً . . لقد وضعتنى سلمى فى طريق ذهاب لا عودة منه ، لم تجعل لى خياراً فى شئ
، قيدت يداى وقدماى بأغلالها ، ثم وضعتنى أمام القطار ، إن ظللت ساكناً فلن يرحمنى
القطار وسوف يدهسنى . . يكاد عقلى أن يجن ، وظللت أسأل نفسى طوال الأيام الثلاثة
حتى لقائها : ما هذا الذى فعلته بنفسى ؟ ؟ كيف ملّكتها أمرى ؟ ؟ وكيف تركت قلبى
يتعلق بها هكذا على أمل أن يحنو علىّ قلبها ؟ ؟ وكيف جعلت منها توأم عقلى وفكرى ؟
؟ ووقفت على باب حياتها كل هذه الشهور ؟ ؟
لم تمر
الأيام الثلاثة ، ولا الليالى الثلاث مروراً عادياً هكذا ، ولكن مع كل يوم كان
حزنى يزداد ، وكان ألمى يعتصر أعماقى وكل جسدى ، لم أذق للحياة طعماً طوال هذه الأيام
الثلاثة ، كنت أشبه بمن مات وهو حى على وجه الأرض . . وحان يوم اللقاء ، كنت أتمنى
ألا أذهب للقائها ، إنها المرة الأولى التى لا أريد أن ألقاها ، ولكن قلبى لم يستطع
أن يطاوع عقلى فى هذا ، دار بينهما حوار طويل ، وإنتصر القلب فى النهاية ، ووجدتنى
أذهب لملاقاتها ، كانت قدماى تحملانى وأنا مُتعب وعليل النفس لا الجسد ، ولكننى
تحاملت على نفسى وذهبت إلى لقائها ، إنتظرتها حتى جاءت بعد لحظات ، ألقت التحية
علىّ ونظرت لى ثم جلست ، إنها المرة الأولى التى لم أقف لها كى أجلسها ، نظرت إلىّ
وجلست وحدها ، لحظات صمت مضت بيننا . . كنت دائماً أبادرها بالحديث لحظة وصولها ،
كى لا تضيع منى الدقائق دون أن أسمع صوتها ، ما دامت هى فى حضرتى ، أما هذه المرة
، فلم ينطق لسانى بكلمة واحدة ، حتى بادرتنى هى بالحديث :
قالت :
ماذا بك ياعزيزى ؟ ؟
قلت : ما
بى شئ . . أنا بخير والحمد لله على كل شئ .
قالت : ما
أراك بخير . . إنى أراك حزيناً . . نظرات عينيك شاردة وبعيدة عنى . . ماذا بك ؟ قل
لى . . أخبرنى عن سبب حزنك ومبعث همك ! !
قلت ( وأنا
أنظر إليها ) : أنتِ يا عزيزتى سبب حزنى ، ومبعث همى .
قالت ( وهى
تتعجب ) : أنا سبب حزنك ومبعث همك ! ! كيف ذلك يا عزيزى ؟ ؟
قلت : أتيت
إليكِ مهرولاً ، كى آخذكِ معى إلى دنيا الحب والمرح والفرح . . ولكنِ أخذتنى إلى
دنياكِ . . أخذتنى إلى عالمك الذى لا مكان لى فيه .
قالت ( وهى
تتحسر ) : دنياى . . عالمى . . أين دنياى وعالمى ؟ ؟
قلت :
دنياكِ الضيقة وعالمكِ المحدود ! !
قالت : بل
قل دنياى الحزينة ، وعالمى المهموم . . أنا لم أعش مرحاً ولا فرحاً منذ سنين وسنين
.
قلت ( وأنا
نادم ) : وما كان أدرانى بذلك ؟ ؟ يوم أن مال إليكِ قلبى ، ما أدرك عقلى ذلك ! !
قالت ( وهى
تتبرأ ) : لو كنت سألتنى ، لكنت أخبرتك . . ولكنك لم تسألنى ، وإقتحمت حياتى بدون
إذنى . . يا رجل : أما كان يجب أن تسأل صاحبة الحياة ، إن كان فى حياتها سواك
؟
قلت : رضيت
منكِ بالقليل فى بادئ الأمر ، ورضيت أن أرافق عقلك وفكرك ، حتى يأنس لى قلبك
فتعطينى إياه ، ثم تعطينى كل كيانك ! !
قالت ( وهى
تتبرم ) : أراك تعود إلى نفس الحديث مرة أخرى . . ألا تيأس يا عزيزى ؟ ؟
قلت : مم
أيأس ؟ ؟ و أنا ليس عندى حديث سواه ! !
قالت : إذن
. . أنت تريد لنفسك العذاب . . يبدو أنك ممن يعشقون العذاب ! !
قلت ( وأنا
أدينها ) : لا . . ولكنكِ أنتِ أدركت ما فى نفسى ، شأنكِ شأن كل النساء ، ولم
تغلقى الباب فى وجهى ، وكنتِ تعرفين أننى أسعى إلى قلبكِ بعد عقلكِ ، وتركتِ لى
الباب مفتوحاِ كى يدخل العصفور قفصك ، ثم أغلقتى عليه الباب .
قالت ( وهى
تراوغنى ) : لا . . أنت رضيت بأن تمتلك عقلى وحده ، وقد تركته لك . . فمم تشكو
أيها الشاكى ؟ ألم تحدثنى من قبل فى شكواك تلك ؟ ؟ فما الجديد إذن ؟ ؟ ألك شكوى أخرى ؟ ؟
قلت : نعم
لى . . حتى عقلكِ وفكركِ ما ملكتهما ، كما تدعين أيتها الأنثى المراوغة المخادعة .
قالت (
وكأنها تسأل ) : كيف يا عزيزى ؟ ؟ حديثنا
لا ينقطع أبداً . . صحيح هو قليل ، ولا أجد من الأمور ما أحدثك عنها . . ولكنه
حديث بيننا ! !
قلت (
ساخراً ) : حديثنا ؟ ؟ عن أى حديث تتكلمين يا عزيزتى ؟ ؟
قالت :
حوارنا . . كلماتنا . . أفكارنا . . آراؤنا . . أليست كلها أحاديث ؟ ؟
قلت : بلى
. . إنها أحاديث ، ولكنها أحاديث جافة وجامدة ، ولا حياة فيها . . نجلس فيها
لنتحاور كمن يُدير ندوة ، أو يلقى محاضرة . . لا أشعر حتى لحديثك بنوع من الألفة !
قالت : نحن
هكذا يا عزيزى . . منذ أن تعارفنا من عدة شهور . . أجئت لتشكو اليوم ؟ يا للعجب !
قلت (
مؤكداً ) : نعم أشكو . . حتى حديث عقلك ما عاد يُريحنى . . فيه أمر أحسه ولا أدركه
. . ولكن حديثكِ معى يزداد جفافاً وجموداً يوماً بعد يوم . . حتى صرت أوقن أن هناك
أمر لا أفهمه .
قالت ( وهى
تضحك ) : وماذا تريد أن تفهم أيها العزيز ؟ ؟
لقد أتعبتنى معك !
قلت :
حديثكِ معى ، صار حديثاً من طرف واحد هو أنا . . كلماتك صارت قليلة ، وعباراتك
أضحت ميتة لا حياة فيها . . حتى نبرات صوتكِ ما عادت تطربنى ! !
قالت ( وهى
مندهشة ) : ألديك إحساس مرهف إلى هذا الحد ؟ ؟
قلت : نعم
. . أنا غالباً يُسيرنى إحساسى . . تلك نعمة وهبنى إياها ربى ! !
قالت : هى
حقاً نعمة أحسدك عليها ، وإحساسك يا عزيزى صادق . . ومن أجل ذلك سوف أخبرك ،
وأصارحك ، وأكاشفك ! !
قلت (
متلهفاً ) : إذن أخبرينى ، صارحينى ، كاشفينى بما تخفينه عنى !
قالت (
بصوت هادئ ) : عندى صديق آخر غيرك . . صديق درب ، ورفيق عزيز لدىّ جداً . .
أحادثه كل يوم ويُحادثنى ، وأحاوره ويحاورنى ، وأبوح له عن نفسى بكل شئ ، وأى شئ .
قلت (
والألم يعتصرنى ) : إذن لا حاجة بكِ لى الآن . . فما عاد حديثى إليكِ ذو شجون .
قالت ( وهى
تراوغنى من جديد ) : ومن قال لك ذلك ؟
قلت ( على
الفور ) : أنتِ قلتها للتو . . ألم تقولى أنكِ تحدثيه ويُحدثك ، وتبوحى إليه بكل
شئ ؟ وأى شئ ؟ . . أما أنا فكلماتك معى صارت قليلة ، وتتعللين دوماً بأن ليس لديكً
ما تقولينه .
قالت :
أدهشنى إحساسك . . فأردت أن أؤكده لك أكثر . . صارحتك بالحقيقة ، فمثلك لا تجدى
معه إلا الحقيقة ! !
قلت
(مكرراً ) : إذن لا حاجة بكِ لى ؟
قالت : كيف
تقول ذلك ؟ أنا أريدك إلى جوارى ، فمثلك لا تتركه النساء أبداً !
قلت : فيم
تريديننى ؟ ؟ حديث قلبك ، وما عاد قلبكِ يتحدث مع أحد ، وحديث عقلكِ صار مع غيرى .
. تأنسين إليه ، وتفضين إليه ، وتبوحين إليه ! !
قالت :
وماذا تريد منى أن أفعل ؟ أيها الرجل العنيد المزهو بنفسه ! !
قلت (
راجياً ) : أطلقى سراحى . . إفتحى لى باب قفصك كى أحلق وأطير ، وأصدح كما كنت أصدح
. . منذ عرفتك ما شدوت وما صدحت بالغناء يوماً ! !
قالت : لا
. . لن أطلق سراحك . . ولن أدعك تخرج من قفصى . . لقد دخلته راغباً حبى ، ولن تخرج
منه إلا برغبتى . . وأنا ما أرغب أن أتركك ، وأقولها ثانية " مثلك يا
عزيزى لا تتركه النساء " . . ثم قل لى : ماذا تريدنى أن أقول لك ؟
؟
قلت : هى
كلمة واحدة . . تنطق بها شفتاكِ . . تريحينى بها وتريحى نفسكِ !
قالت : وما
هى تلك الكلمة التى تريحنا سوياً ؟
قلت : كلمة
الوداع . . يا عزيزتى ! !
قالت : أ
أنت تريدنى أن أنطق بهذه الكلمة ؟ ولمن أنطق بها ، إليك أنت ؟ أبداً . . لن تنطق
بها شفتاى . . إن شئت أنت فإذهب . . ولكنى لن أقولها لك أبداً ! !
قلت (
متوسلاً ) : لا . . لا أستطيع أن أذهب وحدى ! ! حبكِ يقيدنى بالأغلال . . فكى عنى
قيودى . . إعطنى حريتى . . قيدكِ أدمى معصمى . . أعفِ عنى وأتركينى أمضى
إلى حال سبيلى
قالت : ومن
قال لكِ أيها العزيز . . أننا معشر النساء . . إذا قدرنا نعفو ، وإذا ملكنا نُخلى
السبيل . . إنك لا تدرى عنا شيئاً . . إنكم معشر الرجال ، تدعون القوة والغلبة ،
ونحن معشر النساء ندعى الضعف والإستكانة ، حتى إذا تمكنا من أحدكم ، لا نعفو عنه
أبداً ، ولا نطلق سراحه أبداً ! !
قلت : أ
إلى هذا الحد . . أنتن قساة القلوب ؟ ؟
قالت : لا
. . ليست قسوة القلب ، ولكنها غريزة التملك يا عزيزى . . أراك نسيت تلك المقالة
التى كتبتها أنت عنا وأغاظتنا جميعاً أنك فهمتنا ، وأدركت أغوارنا ، ألم تسمها "
عندما يحنو الرجال وتقسو النساء " ؟ ؟ تذكرها الآن إذن لعلها
تفيدك . . أنا أعرفك تماماً يا عزيزى ، وأعرف أنك غارق فى حبى وعشقى وهواى حتى أذنيك
، وأدرك ذلك منذ أن تعارفنا . . ولكنك نسيت نفسك ، ودخلت قفصى مُحلقاً كالعصفور
بجناحيك ، واليوم ترجونى أن أطلق سراحك ، أرنى إذن بما ستفيدك جناحاك ، وأنت داخل
القفص . . وأرنى بما سوف تنفعك مقالتك إياها يا صاحب القلم !
قلت : ولكن
ليس هذا حقاً ولا عدلاً !
قالت (
بقسوة ) : الحق والعدل فى السماء يا عزيزى . . أما هنا ، نحن على الأرض . . بعضنا
يظلم البعض ، وبعضنا يذبح البعض . . وقد ظلمنى وذبحنى رجل من قبلك منذ سنين ، ولا
زالت دمائى حتى اليوم تسيل ، أحيا فى
الحياة كما الأموات . . أيام تمر وتمضى سنين .
قلت ( متعاطفاً
) : ولكننى ما أردت لكِ الظلم يوماً ، وما تمنيت لكِ إلا الراحة والهناء ، فما
ذنبى؟
قالت :
ذنبك أنك منهم . . من معشر الرجال ! !
قلت : أما
يغفر لى أنى أحببتك ؟ ورغبت هواكِ وقربك ؟ وعشقت الدنيا لأجلك ؟
قالت :
غيرك . . قال لى هذا منذ سنين ، حتى أحببته وتعلق به قلبى ، ثم ذهب وتركنى وحدى ،
أتأمل صورته كل يوم وليلة ، وأجتر آلامى وأحزانى كل صباح ومساء ! !
قلت :
ولكنى لم أذهب عنكِ . . أنتِ من أغلقتِ الباب فى وجهى . . حرمتنى من حديث قلبك ،
وأعطيت عقلك لغيرى . . فما بقى منكِ سوى جسدك . . وأنا يا عزيزتى لا أهوى
الأجساد ! !
قالت ( فى
خيلاء ) : لقد رجوتنى عدة مرات ، وما أراك ظلمتنى فى شئ ، و أرجو الله أن يُخفف
عنى عذابى . . ومن أجل ذلك فقط أطلقت سراحك ، وفككت عنك قيودك ، وكسرت أغلالك ،
إذهب فأنت حر . . ولكن ، قبل أن تذهب إسمع ما طلبت : " عزيزى وداعا " . . ثم نهضت
واقفة ، فى تباهى وكبرياء ، وإستدارت لتمضى . . ولأول مرة لم تلاحقها عيناى . .
خشيت أن تعيدنى إليها مرة أخرى .
وأخيراً . . صرت طليقاً . . أتخيل نفسى كالعصفور . . أحلق بجناحى فى
السماوات . . وأصدح ثم أصدح ثم أصدح فى كل زمان ومكان . . وأشدو لنفسى وأغنى :
أبداً لن أدخل فى حياتى قفصاً بعد اليوم !
! !
وإلى مقال آخر إن شاء الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق