الثلاثاء، 13 نوفمبر 2012

توأم عقلى وفكرى . . . . وكلمة طال إنتظارها ! !


توأم عقلى وفكرى . . . . وكلمة طال إنتظارها  ! !
-----------------------------------------------

ألقت سلمى كلماتها على مسامعى دفعة واحدة ، أعلنتها صريحة : أن لا طريق لى إلى قلبها ، إن أردت عقلها فلا بأس ، أما قلبها ، فهو منطقة مُحرم علىّ الإقتراب منها ، حديث العقل معها لا بأس به ، أما حديث القلب فلا ترغب فيه . . قالت كلماتها وسمعتها أنا ، وإنصرف كل منا إلى بيته ، بعد أن تواعدنا على اللقاء بعد ثلاثة أيام  . . عُدت إلى بيتى ، و أنا لا أدرى عن حالى شيئاً ، أحسست أن عقلى توقف تماماً عن التفكير ، وشعرت بضعف ينتابنى ، ما شعرت به من قبل ، وأنا الذى إعتاد عقله أن يجد مخرجاً لكل أزمة طارئة ، ولكن هذه المرة لم تكن الأزمة طارئة ، إنها كانت أزمة طاحنة بمعنى الكلمة ، تكاد تعصف بعقلى وقلبى معاً . . لقد وضعتنى سلمى فى طريق ذهاب لا عودة منه ، لم تجعل لى خياراً فى شئ ، قيدت يداى وقدماى بأغلالها ، ثم وضعتنى أمام القطار ، إن ظللت ساكناً فلن يرحمنى القطار وسوف يدهسنى . . يكاد عقلى أن يجن ، وظللت أسأل نفسى طوال الأيام الثلاثة حتى لقائها : ما هذا الذى فعلته بنفسى ؟ ؟ كيف ملّكتها أمرى ؟ ؟ وكيف تركت قلبى يتعلق بها هكذا على أمل أن يحنو علىّ قلبها ؟ ؟ وكيف جعلت منها توأم عقلى وفكرى ؟ ؟ ووقفت على باب حياتها كل هذه الشهور ؟ ؟

لم تمر الأيام الثلاثة ، ولا الليالى الثلاث مروراً عادياً هكذا ، ولكن مع كل يوم كان حزنى يزداد ، وكان ألمى يعتصر أعماقى وكل جسدى ، لم أذق للحياة طعماً طوال هذه الأيام الثلاثة ، كنت أشبه بمن مات وهو حى على وجه الأرض . . وحان يوم اللقاء ، كنت أتمنى ألا أذهب للقائها ، إنها المرة الأولى التى لا أريد أن ألقاها ، ولكن قلبى لم يستطع أن يطاوع عقلى فى هذا ، دار بينهما حوار طويل ، وإنتصر القلب فى النهاية ، ووجدتنى أذهب لملاقاتها ، كانت قدماى تحملانى وأنا مُتعب وعليل النفس لا الجسد ، ولكننى تحاملت على نفسى وذهبت إلى لقائها ، إنتظرتها حتى جاءت بعد لحظات ، ألقت التحية علىّ ونظرت لى ثم جلست ، إنها المرة الأولى التى لم أقف لها كى أجلسها ، نظرت إلىّ وجلست وحدها ، لحظات صمت مضت بيننا . . كنت دائماً أبادرها بالحديث لحظة وصولها ، كى لا تضيع منى الدقائق دون أن أسمع صوتها ، ما دامت هى فى حضرتى ، أما هذه المرة ، فلم ينطق لسانى بكلمة واحدة ، حتى بادرتنى هى بالحديث :                  

قالت : ماذا بك ياعزيزى ؟ ؟
قلت : ما بى شئ . . أنا بخير والحمد لله على كل شئ .
قالت : ما أراك بخير . . إنى أراك حزيناً . . نظرات عينيك شاردة وبعيدة عنى . . ماذا بك ؟ قل لى . . أخبرنى عن سبب حزنك ومبعث همك ! !
قلت ( وأنا أنظر إليها ) : أنتِ يا عزيزتى سبب حزنى ، ومبعث همى .
قالت ( وهى تتعجب ) : أنا سبب حزنك ومبعث همك ! ! كيف ذلك يا عزيزى ؟ ؟
قلت : أتيت إليكِ مهرولاً ، كى آخذكِ معى إلى دنيا الحب والمرح والفرح . . ولكنِ أخذتنى إلى دنياكِ . . أخذتنى إلى عالمك الذى لا مكان لى فيه .
قالت ( وهى تتحسر ) : دنياى . . عالمى . . أين دنياى وعالمى ؟ ؟
قلت : دنياكِ الضيقة وعالمكِ المحدود ! ! 
قالت : بل قل دنياى الحزينة ، وعالمى المهموم . . أنا لم أعش مرحاً ولا فرحاً منذ سنين وسنين .
قلت ( وأنا نادم ) : وما كان أدرانى بذلك ؟ ؟ يوم أن مال إليكِ قلبى ، ما أدرك عقلى ذلك ! !
قالت ( وهى تتبرأ ) : لو كنت سألتنى ، لكنت أخبرتك . . ولكنك لم تسألنى ، وإقتحمت حياتى بدون إذنى . . يا رجل : أما كان يجب أن تسأل صاحبة الحياة ، إن كان فى حياتها سواك ؟ 
قلت : رضيت منكِ بالقليل فى بادئ الأمر ، ورضيت أن أرافق عقلك وفكرك ، حتى يأنس لى قلبك فتعطينى إياه ، ثم تعطينى كل كيانك ! !
قالت ( وهى تتبرم ) : أراك تعود إلى نفس الحديث مرة أخرى . . ألا تيأس يا عزيزى ؟ ؟
قلت : مم أيأس ؟ ؟ و أنا ليس عندى حديث سواه ! !
قالت : إذن . . أنت تريد لنفسك العذاب . . يبدو أنك ممن يعشقون العذاب ! !
قلت ( وأنا أدينها ) : لا . . ولكنكِ أنتِ أدركت ما فى نفسى ، شأنكِ شأن كل النساء ، ولم تغلقى الباب فى وجهى ، وكنتِ تعرفين أننى أسعى إلى قلبكِ بعد عقلكِ ، وتركتِ لى الباب مفتوحاِ كى يدخل العصفور قفصك ، ثم أغلقتى عليه الباب .
قالت ( وهى تراوغنى ) : لا . . أنت رضيت بأن تمتلك عقلى وحده ، وقد تركته لك . . فمم تشكو أيها الشاكى ؟ ألم تحدثنى من قبل فى شكواك تلك ؟ ؟  فما الجديد إذن ؟ ؟ ألك شكوى أخرى ؟ ؟
قلت : نعم لى . . حتى عقلكِ وفكركِ ما ملكتهما ، كما تدعين أيتها الأنثى المراوغة المخادعة .
قالت ( وكأنها تسأل ) : كيف يا عزيزى ؟ ؟  حديثنا لا ينقطع أبداً . . صحيح هو قليل ، ولا أجد من الأمور ما أحدثك عنها . . ولكنه حديث بيننا ! !
قلت ( ساخراً ) : حديثنا ؟ ؟ عن أى حديث تتكلمين يا عزيزتى ؟ ؟
قالت : حوارنا . . كلماتنا . . أفكارنا . . آراؤنا . . أليست كلها أحاديث ؟ ؟
قلت : بلى . . إنها أحاديث ، ولكنها أحاديث جافة وجامدة ، ولا حياة فيها . . نجلس فيها لنتحاور كمن يُدير ندوة ، أو يلقى محاضرة . . لا أشعر حتى لحديثك بنوع من الألفة !
قالت : نحن هكذا يا عزيزى . . منذ أن تعارفنا من عدة شهور . . أجئت لتشكو اليوم ؟ يا للعجب !
قلت ( مؤكداً ) : نعم أشكو . . حتى حديث عقلك ما عاد يُريحنى . . فيه أمر أحسه ولا أدركه . . ولكن حديثكِ معى يزداد جفافاً وجموداً يوماً بعد يوم . . حتى صرت أوقن أن هناك أمر لا أفهمه .
قالت ( وهى تضحك ) : وماذا تريد أن تفهم أيها العزيز ؟ ؟  لقد أتعبتنى معك !
قلت : حديثكِ معى ، صار حديثاً من طرف واحد هو أنا . . كلماتك صارت قليلة ، وعباراتك أضحت ميتة لا حياة فيها . . حتى نبرات صوتكِ ما عادت تطربنى ! !
قالت ( وهى مندهشة ) : ألديك إحساس مرهف إلى هذا الحد ؟ ؟
قلت : نعم . . أنا غالباً يُسيرنى إحساسى . . تلك نعمة وهبنى إياها ربى ! !
قالت : هى حقاً نعمة أحسدك عليها ، وإحساسك يا عزيزى صادق . . ومن أجل ذلك سوف أخبرك ، وأصارحك ، وأكاشفك ! !
قلت ( متلهفاً ) : إذن أخبرينى ، صارحينى ، كاشفينى بما تخفينه عنى !
قالت ( بصوت هادئ ) : عندى صديق آخر غيرك . . صديق درب ، ورفيق عزيز لدىّ جداً . . أحادثه كل يوم ويُحادثنى ، وأحاوره ويحاورنى ، وأبوح له عن نفسى بكل شئ ، وأى شئ .
قلت ( والألم يعتصرنى ) : إذن لا حاجة بكِ لى الآن . . فما عاد حديثى إليكِ ذو شجون .
قالت ( وهى تراوغنى من جديد ) : ومن قال لك ذلك ؟
قلت ( على الفور ) : أنتِ قلتها للتو . . ألم تقولى أنكِ تحدثيه ويُحدثك ، وتبوحى إليه بكل شئ ؟ وأى شئ ؟ . . أما أنا فكلماتك معى صارت قليلة ، وتتعللين دوماً بأن ليس لديكً ما تقولينه .
قالت : أدهشنى إحساسك . . فأردت أن أؤكده لك أكثر . . صارحتك بالحقيقة ، فمثلك لا تجدى معه إلا الحقيقة ! !
قلت (مكرراً ) : إذن لا حاجة بكِ لى ؟
قالت : كيف تقول ذلك ؟ أنا أريدك إلى جوارى ، فمثلك لا تتركه النساء أبداً !
قلت : فيم تريديننى ؟ ؟ حديث قلبك ، وما عاد قلبكِ يتحدث مع أحد ، وحديث عقلكِ صار مع غيرى . . تأنسين إليه ، وتفضين إليه ، وتبوحين إليه ! !
قالت : وماذا تريد منى أن أفعل ؟ أيها الرجل العنيد المزهو بنفسه ! !
قلت ( راجياً ) : أطلقى سراحى . . إفتحى لى باب قفصك كى أحلق وأطير ، وأصدح كما كنت أصدح . . منذ عرفتك ما شدوت وما صدحت بالغناء يوماً ! !
قالت : لا . . لن أطلق سراحك . . ولن أدعك تخرج من قفصى . . لقد دخلته راغباً حبى ، ولن تخرج منه إلا برغبتى . . وأنا ما أرغب أن أتركك ، وأقولها ثانية " مثلك يا عزيزى لا تتركه النساء " . . ثم قل لى : ماذا تريدنى أن أقول لك ؟ ؟
قلت : هى كلمة واحدة . . تنطق بها شفتاكِ . . تريحينى بها وتريحى نفسكِ !
قالت : وما هى تلك الكلمة التى تريحنا سوياً ؟
قلت : كلمة الوداع . . يا عزيزتى ! !
قالت : أ أنت تريدنى أن أنطق بهذه الكلمة ؟ ولمن أنطق بها ، إليك أنت ؟ أبداً . . لن تنطق بها شفتاى . . إن شئت أنت فإذهب . . ولكنى لن أقولها لك أبداً ! !
قلت ( متوسلاً ) : لا . . لا أستطيع أن أذهب وحدى ! ! حبكِ يقيدنى بالأغلال . . فكى عنى قيودى . . إعطنى حريتى . . قيدكِ أدمى معصمى . . أعفِ عنى وأتركينى أمضى إلى حال سبيلى
قالت : ومن قال لكِ أيها العزيز . . أننا معشر النساء . . إذا قدرنا نعفو ، وإذا ملكنا نُخلى السبيل . . إنك لا تدرى عنا شيئاً . . إنكم معشر الرجال ، تدعون القوة والغلبة ، ونحن معشر النساء ندعى الضعف والإستكانة ، حتى إذا تمكنا من أحدكم ، لا نعفو عنه أبداً ، ولا نطلق سراحه أبداً ! !
قلت : أ إلى هذا الحد . . أنتن قساة القلوب ؟ ؟
قالت : لا . . ليست قسوة القلب ، ولكنها غريزة التملك يا عزيزى . . أراك نسيت تلك المقالة التى كتبتها أنت عنا وأغاظتنا جميعاً أنك فهمتنا ، وأدركت أغوارنا ، ألم تسمها " عندما يحنو الرجال وتقسو النساء " ؟ ؟ تذكرها الآن إذن لعلها تفيدك . . أنا أعرفك تماماً يا عزيزى ، وأعرف أنك غارق فى حبى وعشقى وهواى حتى أذنيك ، وأدرك ذلك منذ أن تعارفنا . . ولكنك نسيت نفسك ، ودخلت قفصى مُحلقاً كالعصفور بجناحيك ، واليوم ترجونى أن أطلق سراحك ، أرنى إذن بما ستفيدك جناحاك ، وأنت داخل القفص . . وأرنى بما سوف تنفعك مقالتك إياها يا صاحب القلم !
قلت : ولكن ليس هذا حقاً ولا عدلاً !
قالت ( بقسوة ) : الحق والعدل فى السماء يا عزيزى . . أما هنا ، نحن على الأرض . . بعضنا يظلم البعض ، وبعضنا يذبح البعض . . وقد ظلمنى وذبحنى رجل من قبلك منذ سنين ، ولا زالت دمائى حتى اليوم  تسيل ، أحيا فى الحياة كما الأموات . . أيام تمر وتمضى سنين .
قلت ( متعاطفاً ) : ولكننى ما أردت لكِ الظلم يوماً ، وما تمنيت لكِ إلا الراحة والهناء ، فما ذنبى؟
قالت : ذنبك أنك منهم . . من معشر الرجال ! !
قلت : أما يغفر لى أنى أحببتك ؟ ورغبت هواكِ وقربك ؟ وعشقت الدنيا لأجلك ؟
قالت : غيرك . . قال لى هذا منذ سنين ، حتى أحببته وتعلق به قلبى ، ثم ذهب وتركنى وحدى ، أتأمل صورته كل يوم وليلة ، وأجتر آلامى وأحزانى كل صباح ومساء ! !
قلت : ولكنى لم أذهب عنكِ . . أنتِ من أغلقتِ الباب فى وجهى . . حرمتنى من حديث قلبك ، وأعطيت عقلك لغيرى . . فما بقى منكِ سوى جسدك . . وأنا يا عزيزتى لا أهوى الأجساد ! !
قالت ( فى خيلاء ) : لقد رجوتنى عدة مرات ، وما أراك ظلمتنى فى شئ ، و أرجو الله أن يُخفف عنى عذابى . . ومن أجل ذلك فقط أطلقت سراحك ، وفككت عنك قيودك ، وكسرت أغلالك ، إذهب فأنت حر . . ولكن ، قبل أن تذهب إسمع ما طلبت :  " عزيزى وداعا " . . ثم نهضت واقفة ، فى تباهى وكبرياء ، وإستدارت لتمضى . . ولأول مرة لم تلاحقها عيناى . . خشيت أن تعيدنى إليها مرة أخرى .

وأخيراً . . صرت طليقاً  . . أتخيل نفسى كالعصفور . . أحلق بجناحى فى السماوات . . وأصدح ثم أصدح ثم أصدح فى كل زمان ومكان . . وأشدو لنفسى وأغنى : أبداً لن أدخل فى حياتى قفصاً بعد اليوم  ! ! !                                                            وإلى مقال آخر إن شاء الله .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق