السبت، 17 نوفمبر 2012

الرجل الشرقى . . . . فى الحب والزواج ! !


الرجل الشرقى . . . . فى الحب والزواج  ! !
------------------------------------------
منذ عدة أيام . . ذهبت إلى إحدى قاعات المناسبات السعيدة فى المدينة ، كى أشارك مهنئاً أحد أصدقائى ، فى حفل عُرس زواج إبنته الكبرى . . قابلنى صديقى بترحاب وحفاوة ، وأخذ بيدى كى يُجلسنى وسط الأهل والأصدقاء ، ولكننى كعادتى فى تلك المناسبات أفضل الجلوس وحدى فى الركن البعيد الهادئ ، فإعتذرت له بلباقة، وذهبت للجلوس وحدى فى إحدى شرفات القاعة ، بعيداً عن الضوضاء الصاخبة للفرقة الموسيقية وأدواتها النحاسية ، التى تملأ بقرعها وطبولها ، المكان كله ضجيجاً وصخباً . .
جلست وحدى أتأمل السماء فى مساء ليل ، جوه رطب قليلاً ، ولكنه ليس بارداً شأنه شأن كل ليالى الخريف . . لم تمر سوى دقائق معدودة ، وحضر إلىّ صديقى والد العروس ، وبرفقته فتاة تناهز الثلاثين من عمرها ، وعلى قدر من الجمال ، متألقة ومتأنقة شأنها شأن أغلب الفتيات والنساء ، قدمها لى صديقى بصفتها إحدى قريباته ، جاءت لتهنئته بزواج إبنته ، ولكنها مثلى تميل إلى الهدوء وتكره الضجيج ، فأراد صديقى أن يجد لكلينا من يؤنس وحدته ، فإصطحبها إلى حيث أجلس ، ولم يكد يجلس معنا ثلاث دقائق ، إلا وصاحت عليه زوجته أم العروس ليرافقها فى إستقبال المهنئين من الأهل والأصدقاء ، فإنصرف صديقى مُلبياً النداء ، وعملاً بنصيحتى ألا يُغضبها ، وتركنا وحدنا .

رحبت أنا بها ، باعتبارى رجلاً والأكبر سناً ، ردت إلىّ التحية والترحاب ، ومرت لحظات صمت ما تحدثنا فيها سوياً ، فأنا فى تلك الليلة كنت أميل إلى أن أكون وحيداً ، ولكن صديقى سامحه الله أفسد علىّ وحدتى  . . إنصرفت عيناى عن الفتاة عدة دقائق ، لا أدرى كم عددها ، وذهبت فى رحلة بعيدة ، تتأمل السماء وصفاءها ، والنجوم وضياءها ولمعانها ، وراح عقلى يمارس هوايته المعهودة ، فى الإمساك بأول خيط الخيال ، الذى سوف أنسج منه قصتى القادمة ، فأنا كاتب وأديب وأهوى القلم والكلمات .
ولكننى أفقت فجأة على صوت الفتاة ، وهى تحادثنى ، ويبدو أنها كانت تلقى على مسامعى سؤالاً لم أنصت إليه فى المرة الأولى . . فكررت سؤالها قائلة :

قالت ( وهى تسأل ) : ألا تعرفنى . . يا أستاذى العزيز ؟
قلت : عفواً . . أنا لا أتذكرك ! !
قالت ( وهى تبتسم ) : ولكننى أذكرك جيداً وأعرفك جيداً . . ألست صاحب القلم والكلمات ؟
قلت : هكذا يسموننى . . أو يحلو إليهم أن يسموننى " صاحب القلم والكلمات " .
قالت ( وهى تحاول أن تذكرنى ) : أنا قابلتك من قبل . . وتحدثت إليك من قبل ، منذ عدة شهور .
قلت : ذكرينى إذن . . فأنا أقابل من النساء كثيراتً . . وأتحدث إليهن كثيراً .
قالت ( بإهتمام ) : منذ عدة شهور . . كنت مع صديقة لى ، فى إحدى الندوات الأدبية بالنادى الثقافى ، وقابلتك هناك ، وتحدثنا سوياً عن قصتك موضوع الندوة " صاحبة القصر " .
قلت :لقد حضرت فى العديد من الندوات ، وتناقشت مع مُرتادى النادى الثقافى بشأن قصصى فى عدة مناسبات ، وقصة صاحبة القصر هذه ، حظيت بأكبر عدد من الندوات .
قالت : لقد قرأت لك العديد من كتاباتك ومقالاتك وقصصك ، ولكن هذه كانت أكثرهم روعة .
قلت : كلهن بناتى ، وبنات أفكارى ، لا أميز إحداهن على الأخرى ، لكل منهن جمالها وسحرها وروعتها عندى .
قالت ( مؤكدة ) : يقيناً جميعهن لديك سواء . . يا أبو البنات ! !
قلت ( وأنا أضحك ) : أشكرك . . ولكن أخبرينى عما أعجبك فى قصة " صاحبة القصر " ؟
قالت : كلها روعة . . كلها إبداع . . كلها خيال جميل وراقى . . ولكن أكثر ما أعجبنى ، أنك أمَت ساكن القصر فى منتصف القصة ، ولم تتركه يتعذب حتى نهاية الأحداث ، وأنقذتنا أيضاً من العذاب معه ومن أجله ! !
قلت : لابد وأن كان يحدث له ذلك . . إنه رجل شرقى حُر ولا يقبل الذل ولا الهوان .
قالت : آه . . لقد وجدت عندك ضالتى . . حدثنى عنه إذن .
قلت ( مستفسراً ) : عمن ؟ ساكن القصر ؟ 
قالت : لا . . . حدثنى عن الرجل الشرقى .
قلت : وعم تريديننى أن أحدثك فيه ؟
قالت : حدثنى عنه فى حبه وغرامه ، وعشقه وهيامه ، وقربه وزواجه ، حدثنى عنه فى كل شئ .
قلت ( مُتحمساً ) : الرجل الشرقى فى الحب والزواج . . لا يعلوه أى رجل من رجال العالم .
قالت ( وهى تضحك ) : لقد بدأت الإنحياز له ، وضاعت منك الموضوعية ، من أول كلماتك عنه
قلت : لا . . والله . . لن أقول عنه غير الصدق .
قالت : أصدقك . . إذن حدثنى عما يُميزه عن باقى الرجال . . يا صاحب القلم والكلمات .
قلت ( بلغة الواثق ) : يُميزه القلب والإحساس . . يا عزيزتى .
قالت : أتقصد أن غيره من الرجال ليسوا أصحاب قلوب ولا إحساس ؟
قلت ( مؤكداً ) : نعم . . ليسوا مثله . . إن له طبيعة الشرق الدافئة فى كل شئ . . وأحياناً تكون ساخنة فى بعض الأشياء . . نحن يا عزيزتى – معشر الرجال الشرقيون – تقودنا مشاعرنا فى أغلب الأحيان . . فى حبنا وغرامنا ، فى زواجنا وأبوتنا ، فى صحبتنا وصداقتنا ، فى أفراحنا وأحزاننا ، وحتى فى غضبنا وحروبنا ، نحن شرقيون أحرار أعزة كرماء ، مخلصون وأوفياء .
قالت : وهل الرجل الشرقى يُميزه شئ فى الحب ؟
قلت : نعم . . بالتأكيد . . إنه لا يعشق فقط ، ولا يحب فقط ، ولكنه يعشق الحب نفسه والعشق نفسه . . ويهوى قلبه الغرام والهيام ، ويفتتن بالنساء . . ألم تقرأى قول نبينا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام حين قال : " لكل أمة فتنة ، وفتنة أمتى النساء " صدق رسول الله ؟ ؟
قالت : وماذا لديك أيضاً ؟ ؟
قلت : إذا أحب الرجل الشرقى إمرأة ، جعلها كل حياته ، يسعد لقربها منه ، ويحزن لبعدها عنه . . إنه يعيش الحب والغرام والهيام معها وبها ولها وفيها ومنها ، وينسى الدنيا كلها من أجلها . . ألم تقرأى كلمات شاعرنا الرقيق فاروق جويدة عندما قال واصفاً قدر حبه وعشقه لحبيبته :
                          جعلتكِ كعبة فى الأرض . . . . يأوى إليكِ الناس من كل البقاع
                          وصُغت هواكِ للدنيا نشيداً . . . . . . تراقص حالماً مثل الشعاع
                          و كم هامت عليكِ ظلال قلبى . . وفى عينيكِ كم سَبحت شراعى
قالت : حدثنى عن وفائه وإخلاصه . . هل لهما نصيب فى عشقه وهواه .
قلت : قلب الرجل الشرقى – يا عزيزتى – لا يعشق من النساء إلا واحدة . . واحدة فقط . . قد يهوى الحديث مع النساء ، وقد تعجبه إحداهن ، ولكنه لا يعشق أبداً سوى إمرأة واحدة فقط . . ألم تقرأى قول الرسول الكريم : " ما جعل الله لرجل فى جوفه من قلبين " صدق رسول الله . .
قالت : وما بال عزة نفسه وكبريائه وكرامته ورجولته ؟
قلت : الرجل الشرقى تأبى نفسه أن يعيش إلا وهو موفور العزة والكبرياء ، محفوظ الكرامة ، كامل الرجولة فى أخلاقه وأقواله وأفعاله . . هكذا إشتهر العرب منذ مئات السنين . . ألم تقرأى قول الشاعر على لسان الرجل الشرقى الذى رفض الذل والهوان فى قرب الحبيبة :
                     هل تفهمين ؟ ؟  قد فر من قفص الهوى قلبى السجين
                     و تتمتمين . .. . . .. ستعود لى كالطير ظمآن الحنين
                     لو تعلمين . . . . .. ...لعلمتِ أنى راحل خلف السنين
                     خلف أستار الهوى . . . . . . . .  لأفق توضأ باليقين
                     أفق بعيداً لا يَبين . . إلا لعين العاشقين . . لو تفهمين؟
قالت ( وهى تتعجب ) : ولكنه يهوى الزواج من عديد النساء  . . يا صاحب القلم والكلمات ؟
قلت : يا عزيزتى الحب شئ . . والزواج شئ آخر ! !
قالت ( مندهشة ) : كيف ذلك ؟ لا تحيرنى . . ألم تقل لى أنه لا يحب إلا إمرأة واحدة . . فكيف بالله عليك يتزوج بأكثر من واحدة ؟ ؟ إعقلها لى . . كى أقبلها ويدركها عقلى .
قلت : وهل لنا قدوة أفضل من نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ؟ ؟ . . إنه تزوج من النساء عديدات . . كلهن أمهاتنا ، أمهات المؤمنين . . ولكنه لم يحب منهن إلا واحدة . . إنها أمَنا عائشة رضى الله عنها . . وكان يناجى ربه فيها قائلاًً : " اللهم إن هذا قسمى فى ما أملك ، فلا تحاسبنى فيما لا أملك " وكان يقصد فى ذلك حبه لزوجته عائشة أم المؤمنين . .
قالت ( مُستنكرة ) : وهل الأنبياء يُقاس عليهم يا صاحب القلم والكلمات ؟  إنهم إستثناء من القاعدة ، والإستثناء لا يُقاس عليه .
قلت : من قال لكِ ذلك ؟ . . إنهم بشرمثلنا ؟ ألم يكن النبى محمد بشراً ، أما كان رجلاً مثلنا ، يأكل الطعام ويتزوج النساء ويمشى فى الأسواق كما قال ؟ . فما بالنا لانقيس عليه فى الحب والزواج ؟ 
قالت : لقد أمتعتنى بحديثك ، ولن أجادلك . . قل لىهل يهوى الرجل الشرقى حياة الأسرة والعائلة ؟ أم أنه مثل العصفور يحب الطيران والتحليق ، من شجرة إلى شجرة ، ومن غصن إلى غصن ؟
قلت : يا عزيزتى . . ليس هناك أفضل من الرجل الشرقى يهوى الإستقرار . . إنه يميل دوماً للرجوع إلى مسكنه . . يروح ويجئ ، ويروح ويجئ ، ولكنه فى النهاية ، يأوى إلى مكمنه .
قالت : حدثنى أكثر وأكثر . . كلماتك تُسكن قلبى . . وتريح فؤادى .
قلت : حسناً . . . ذات يوم من الأيام ، ٍسُئل أعرابى : ما أحب ثلاثة أشياء إلى قلبك فى برد الشتاء ؟ فرد الأعرابى قائلاً : الثلاثة هم : كِن ( ويقصد به مسكنه ) . . وكانون ( يقصد به الحطب المُشتعل للتدفئة ) . . وشئ ثالث لم يذكره . . أتدرين ما هو الشئ الثالث يا عزيزتى ؟
قالت : ومن أين لى أن أدرى بما كان يخفيه فى صدره ؟
قلت : إنه كان يقصد المرأة الحبيبة . .نصفه الجميل الذى لا غنى عنه . . ولا حياة بدونه . . إنها الصباح والمساء . . والليل والنهار . . والماء والهواء . . والحب والغرام . . والعشق والهيام . . وهى كل الأيام فى كل الأعوام .
قالت ( وهى تستوقفنى ) : كفى . . كفى بالله عليك . . إنى أكاد أذوب من فرط كلماتك . . أما تُعجزك الكلمات أبداً ؟ ألا تعجز عن التعبير حين تريد التعبير ؟
قلت : الكلمات يا عزيزتى لا تعجز عن التعبير أبداً . . ولكن العجز عن التعبير هو الذى يُفقد المرء القدرة على إستحضار الكلمات . . لا تظلمى الكلمات ، فما دام القلب ينبض ، والدماء فى العروق تسيل ، والأحاسيس تعم الوجدان وتعصف بالكيان ، فلابد للقلم أن يكتب وأن ينطلق اللسان
قالت ( وهى ترجو ) : رُحماك بى . . لقد فعلت بى ما فعلته فى المرة السابقة . . حين حضرت ندوتك . . غادرتك رغماً عنى . . وها أنا الآن لا أنوى مغادرتك . . سوف أظل معك حتى ينتهى حفلنا هذا . . هيا . . حدثنى أكثر وأكثر . . أمامنا ساعات طوال ، حتى بزوغ الفجر ، ولن أدعها تضيع منى أبداً . .

وما كادت أن تكمل كلماتها . . حتى فاجأها صديقى بالحضور . . طلب منها مرافقته للبقاء مع العروس . . وأمسك بيدها ليصطحبها . . نهضت واقفة وهى لا تريد مغادرة مجلسى ، ولا إنهاء الحديث معى . . نظرت إلىّ وهى تستغيث . . ونظرتُ إليها وأنا مُشفق عليها . . آه من ذلك الصديق الذى حرمها من متعة الجلوس معى ، والحديث إلىّ ، وسماع كلماتى ومشاركتى أفكارى . . ولكن . . تلك هى الحياة . . لقاء ثم فراق . . ثم لقاء ثم فراق . . وهكذا حتى اللقاء الأخير والفراق الأخير . . ولكنه يكون فراقاً للحياة بأسرها .         وإلى مقال آخر إن شاء الله .
   

هناك تعليق واحد:

  1. تحية اعتزاز استاذي النقي
    حينما قرات الحوار ,,شعرتني اني في عالم الخيال ,,فهل يتواجد كمثل ذاك الرجل ,,كائن ؟ !!
    لقد افرحني اني تواجدت هنا بين سطوركم التي تأخذك منا في مكتبتك المتواضعه ,,ارجو من الله ان تنال درجة الدكتوراه عن قريب واكون اول من تهنئكم سلمتم من كل سوء
    طيف امرأه

    ردحذف