حبيبتى
. . . . جميلة ومُستبدة ومغرورة ! !
----------------------------------------
عرفتُها
منذ الصِبا . . كنت أنا فى المرحلة الثانوية ، وكانت هى فى المرحلة الإعدادية ،
إنها تقطن فى ذات الحى الذى أعيش فيه ، شاهدتها كثيراً وهى تسير فى طريقها إلى
المدرسة ، كانت فتاة جميلة وهادئة ، تبدو عليها علامات التعقل والإتزان ، وكانت
عيناها جميلتان مثل عيون المَها ، فيهما بريق يشع ذكاءً وحياة ، وكان قوامها
ممشوقاً ، ويبدو من مفاتنها أنها فاقت سنوات عمرها الخمسة عشر ربيعاً . . كنت
أرقبها من بعيد ، وأظل أرقبها حتى تختفى عن ناظراى ، ملابسها أنيقة ، خطواتها
رشيقة ، أحسبها من عارضات الأزياء ، شاهدتنى ذات مرة وأنا أنظر إليها ، وإلتقت
عيناى بعينيها ، ولكنها أشاحت بوجهها عنى فى حياء . .
مرت الأيام
، وإنقضت السنون ، ,أنهيت دراستى الجامعية ، تخرجت من كلية القانون ، وإخترت أن أعمل
بالمحاماة ، رغم أن تقدير نجاحى كان عالياً ويُرشحنى للعمل بالنيابة العامة
والقضاء ، ولكننى لست ممن يهوون التقيد بالوظائف ، أشعر أنها تقتل فى الشخص
طموحاته وتطلعاته ، وتحد من قدراته ومواهبه ، ثم أن العمل بالوظيفة ، هو نوع من
تحكم النفس بالنفس ، وأنا وُلدت لأكون حراً طليقاً ، لذلك قررت العمل بالمحاماة ،
إنها مجال للنجاح مفتوح ، ويأتى فيا النجاح بقدر العمل والمجهود ، لا وساطة فيها
لأحد ، ولا محسوبية من أحد لصالح أحد . . وها أنا اليوم أعمل محامياً منذ عشر
سنوات ، وبلغ عمرى الحادية والثلاثين ، إكتسبت بعض الخبرات ، وحققت بعض النجاحات ،
وما زال الطريق أمامى طويلاً .
وذات صباح
. . ذهبت إلى عملى كعادتى ، دخلت من باب المحكمة ، وإتجهت إلى حجرة المحامين ،
فتحت حقيبتى ، وأخرجت منها ملفاتى وأوراقى ، ثم إرتديت روب المحاماة الأسود ذى
الشريط الأبيض ، وإتجهت صوب قاعة الجلسات ، كى أؤدى عملى فى إحدى القضايا . .
إتجهت عيناى إلى باب القاعة ، فوجدتها واقفة بمفردها ، يا لها من مفاجأة ، إننى لم
ألقها منذ سنوات طويلة ، إزدادت جمالاً وأنوثة ، وتأنقاً وتألقاً ، هدوءها لم
يفارقها ، وبريق عينيها إزداد إشراقاً ولمعاناً ، إنها الحيوية والأنوثة والجمال
فى كامل نضجها ، إجتمت لتخرج لنا هذا الكيان الرائع . . نظرت إلىّ وإبتسمت ، كانت
إبتسامتها مفاجأة لى ، فلم يكن قد سبق لنا الحديث سوياً من قبل ، ، بادلتها
الإبتسامة ، فألقت علىّ تحية الصباح ورددتها ، وسألتها عن سبب مجيئها إلى المحكمة
، أجابتنى بأن والدها توفى منذ سنوات ، وترك لهم منزلاّ كميراث ، إلا أن شقيقهم
الأكبر قد وضع يده على المنزل بأكمله ، ورفض إعطاءهم أنصبتهم ، فلجأوا إلى القضاء
، ليُجرى القسمة بينهم . . سألتنى هى عن أحوالى ، وأنها تعلم أنى عملت بالمحاماة ،
ولكنها لم تلتق بى منذ سنوات ، فهمتُ من حديثها أنها لم تتزوج حتى الآن ، ونظرت
إلى يديها فلم أجد خاتماً للزواج أو الخطوبة ، إنتابنى إحساس بالإرتياح ، لم أستطع
أن أفسره حينها . . علمت منها إسم زميلى الذى يتولى قضيتهم ، وقابلته لأوصيه خيراً
بها وأخواتها ، أخبرها هو بما فعلت ، وبعدها بعدة أيام ، قابلتها فى المحكمة ،
قالت لى أنها حضرت خصيصاً لترانى وتشكرنى على إهتمامى بها ، تبادلنا النظرات
والكلمات ، وأوشك لسانى علىطلب لقائها ، ولكننى فوجئت بها تبادرنى بالسؤال : متى
تريدنى وأين ؟ يا لها من أنثى غاية فى الذكاء ، لقد لمحت فى عيناى ما لم ينطق به
لسانى ، أربكنى سؤالها لى ، أحست هى بإرتباكى ، إبتسمت وقالت : يالك من محامى ! أراكَ
غرقت فى شبر من الماء ، تواعدنا وإلتقينا ، ومنذ اللقاء الأول شعرت أنها قد
إحتوتنى بكل شئ فيها ، بجمالها ، وذكائها ، وأنوثتها المتفجرة ، وأناقتها ،
ورشاقتها ، وحنانها ، وثقافتها ، ولباقتها فى الحديث ، كلها إحتوتنى ، أحسستُ وأنا
معها فى لقائنا الأول ، أنها لملمت كل أجزائى المبعثرة ، ووضعتها بداخل قلبها
الصغير ، أبهرنى كل شئ فيها ، وأدهشنى ما لقيته منها ، من الود و الحب ، سكنت
إليها نفسى بسرعة . . طلبت هى لقائى فى اليوم التالى ، ثم فى اليوم الثالث على
التوالى ، وفى ذلك اليوم أخبرتها أننى سوف أغيب عنها لثلاثة أيام ، أسافر فيها إلى
العريش ، كى أحضر محاكمة هناك ، فوجئت بها والدموع تتساقط من عينيها ، وتسألنى :
وأنا ماذا أفعل بدونك ؟ إندهشت لبكائها ، وتساءلت : أبهذه السرعة يمكن أن تحب
الأنثى ؟ ؟ ولكننى صدقت دموعها ، وهدأت من هول المفاجأة عليها ، ووعدتها أنى لن
أغيب ، وأن هذا هو عملى ، وتلك هى حياتى التى دخلت إليها ، وعلينا أن نتحمل الفراق
سوياً . . لقد أحببتها كثيراً وتعلق قلبى بها ، تلك الفتاة التى كنت أراها منذ
سنوات طويلة ، ونالت إعجابى بشدة ، ولم أكن أعرف عنها شيئاً ، حتى إسمها ما عرفته
إلا عندما قابلتها أمام قاعة الجلسات بعد سنوات . . قالت لى آنذاك أن إسمها ياسمين
، ذلك الإسم الجميل الذى كلما مرعليه الزمان إزداد جمالاً وروعة ، هو إسم جميل فى
ذاته ، فما بالكم لو إجتمع الإسم الجميل مع الوجه الجميل والعيون الجميلة والشفاه
الجميلة والهدوء الجميل والإبتسامة الجميلة والأناقة الجميلة والرشاقة الجميلة ،
حتى ساعة الغضب ،الغضبة الجميلة . إنها صارت عندى الجمال كله .
كنت أنظر
فى عينيها الجميلتين ، وأطيل النظر ، فتقول لى : لن أغمضهما إلا إذا شبعت من النظر
إليهما ، إنهما ما خلقهما الله إلا من أجلك أنت ، كانت تحدثنى فى كل شئ وأى شئ ،
كانت ثقافتها ظاهرة ، وكانت تغلبنى فى الكلام ، وتعاكسنى قائلة : يالك من محامى !
! وكانت تهوى أحياناً نطق الكلمات العربية على الطريقة الإنجليزية ، من اليسار إلى
اليمين ، فتقول لى : أحبك أنا ، بدلاً من أنا أحبك . . كنت أعشق كلماتها وحرفها وحتى سكونها عشقته ،
نظراتها إلىّ بحبها وعطفها وحنانها ، كانت تقتلنى حباً فيها ، كتبت فيها شعراً ،
وحدثت عنها الدنيا بأسرها ، كنت أزرع فيها شيئاً لم أحصده إلا بعد حين ، ما أدركت
قط أن تكرارحديثى عن جمالها ، وأنوثتها ،
وأناقتها ، وذكائها ، وثقتها بنفسها ، وثقافتها ، ولباقتها ، وإحتوائها لى . . حديثى
عن كل ذلك ، سوف يجعلها فى يوم من الأيام ، مستبدة معى ، ومغرورة علىّ ، شأنى شأن كل الناس .
مر عام
كامل ، على بَدء علاقتى بها ، وأوشكت أن أكون مستعداً للتقدم لخطبتها . . وذات يوم
من الأيام ، طلبت منى اللقاء ، وحددنا الموعد والمكان ، وفى الموعد المحدد ، جاءت
حبيبتى وحبيبة قلبى ياسمين ، كانت فى قمة جمالها وأنوثتها وأناقتها وروعتها
، أحسست حين نظرت إليها ، كأنى أنظر إلى إحدى ملكات الجمال ، وقلت فى نفسى : سبحان
الله خالق هذا الجمال ، وخشيت فى نفسى أن تحسدها عيناى ، جلست أمامى وإبتسامتها لم
تفارق شفتاها ، وأطالت النظر إلىّ ،ثم
قالت :
عندى لك خبر يساوى مليون جنيه وأكثر ؟
قلت بلهفة
: هاتِ ما عندك يا ياسمين ، يا حبيبتى .
قالت
:أتعرف فلان . . . . . صاحب الكوافير الراقى وأستوديو التصوير المشهور جداً ، إن
زوجته صديقة أختى ، وقد شاهدنى معها منذ يومين ، أعجبه جمالى جداً وظل يمتدح جمالى
طويلاً ، وهو ذاهب إلى باريس الشهر القادم ، ليشارك فى مسابقات تصفيف الشعر للنساء
، وقد إختارنى كى أصطحبه موديلاً معه ، ويشترك بى فى المسابقة ، إنه يرى عيناى
جميلة ورائعة .
قلت (
حانقاً ) ماذا تقولين يا ياسمين ؟ ؟ هل حدث لعقلك شئ ؟ عن أى باريس تتحدثين
؟
قالت ( وهى
تزهو ) : باريس يا حبيبى ، عاصمة الفن والذوق والجمال فى العالم كله .
قلت : نعم
أدرى . . ولكن مالنا نحن وباريس ؟
قالت : كيف
؟ إنها فرصة عمرى ، أن أذهب هناك وسط الجميلات ، وأرى باريس، وسوف يتكفل الرجل بكل
نفقات سفرى ، حتى ثمن فستانى وحذائى .
قلت (
متسائلاً ) : وماذا أيضاً يا ياسمين ؟
قالت (
والغرور يملؤها ) : وعندما تفوز تسريحتى ، سوف تنتشر صورى فى كل مجلات أزياء
العالم ، وأصبح من جميلات العالم ، وليس جميلات مصر وحدها ، ألست تقول أننى أجمل
الجميلات ، وأروعهن ، وأكثرهن أناقة ورشاقة ؟ ألست القائل أنى من حورالعين ؟ أم
أنك نسيت؟
قلت : نعم
. . أنا قلت كل ذلك ، و ما زلت أقوله ، وسوف أظل أقوله حتى أموت . . ولكن يا
حبيبتى ، أنتِ أجمل جميلاتى أنا ، مالى وما لنساء العالم كلهن ؟ أمرهن لا يعنينى
فى شئ .
قالت (
مستنكرة ) : أرك لا تفكر إلا فى نفسك ، ولا ترى سواها ،وتريد أن تحرمنى من فرصتى.
قلت: عن أى
فرصة تتحدثين يا ياسمين ؟
قالت ( وهى
تحلم ) : السفر إلى باريس ، والجلوس بين الجميلات ، والفوز عليهن ، إنها مسابقة
عالمية من كل دول العالم ، وقع الإختيارعلى ثلاثة فقط من الدول العربية ،
مصرولبنان وسوريا.
قلت : ولو
. . ما لنا وما تتحدثين عنه ؟ كيف
ستسافرين ؟
قالت على
الفور : سأسافر معه وبرفقته ، وأمضى هناك عشرة أيام ثم أعود .
قلت (
غاضباً ) : تسافرين مع رجل غريب سواى ، ولا تعرفينه يا ياسمين ؟ ؟
قالت :
وماذا فى ذلك ؟ هل أنا صغيرة ؟ أهلى موافقون ! !
قلت (
متحدياً ) : ولكننى لا أوافق . .
قالت ( على
الفور ) : لأنك لا ترى إلا نفسك ، ولا تحب سواها ، ولا تريد لى أن أصير من جميلات
العالم ! !
قلت : وعن
أى جمال تتحدثين ؟ إن جمال المرأة نعمة من الله ، ولكنه قد يصبح نقمة عليها . .
لعنة تلاحقها ، إذا هى لم تكبح جماح جمالها . .
قالت ( بنفور
) : ما هذه الطريقة التى تحدثنى بها ؟ إننى ما إعتادت منك على ذلك قط . .
قلت :
وأنتِ أيضاً يا ياسمين ، لم أعتاد منك التفكير بهذه الطريقة قط . .
قالت ( فى
تحدى ) : وأنا لن أقبل أن تضيع منى تلك الفرصة الذهبية .
قلت (
مُحذراً ) : إنكِ تستبدين برأيك معى ، ولن أطاوعكِ أبداً .
قالت ( وهى
تتفلت من بين يدي ) : وماذا تملك لى حتى تمنعنى ؟ إنك لم تتزوجنى بعد . . وحمداً
لله أنك ما فعلت ، كنت ستتحكم بى ، وتمنعنى من سفرى إلى باريس .
قلت (
محاولاً إنقاذ الموقف ) : إذن . . أتقدم لخطبتكِ ، وأعقد عقد زواجنا هذا الأسبوع .
قالت (
ساخرة ) : تعقد علىّ ؟ إنك تريد أن تمنعنى من السفر بشتى الطرق . . إن كنت تريدنى
، إنتظرنى حتى أعود ! !
قلت (
يائساً ) : ومن أدراكِ وأدرانى أنكِ سوف تعودين ، إن فزتِ وصرتِ من جميلات العالم؟
قالت :
أعدك أنى سوف أعود ! !
قلت (
راجياً ) : لا تستبدى برأيك يا حبيبتى ، و لا تقطعى الحبل الذى يربط بيننا ، ولا
تبتعدى.
قالت ( فى
عناد ) : أنت الذى تقطعه . . لقد فكرت ، ولقد قررت ، ولقد إنتويت أن أسافر معه . .
سواء قبلت أنت أم لم تقبل ، وسواء رضيت أم لم ترض ، إنك لا تملك أن تمنعنى . . لقد
قررت .
قلت ( حازماً ) : إذن . . لكِ ما أردت ، ولكن
إعلمى أنكِ لو فعلتها ، ما عاد بيننا شئ .
قالت ( وهى
واقفة ) : ليكن لك ما أردت ، لم يعد بيننا شئ منذ اليوم ، ولكنى لن أضيع هذه
الفرصة أبداً . وإستدارت ومضت راحلة .
مضت . .
وتركتنى وحدى . . أحد ث نفسى وتحدثنى : ماذا جرى لحبيبتى ياسمين ؟ وما هذا الجديد الذى طرأ عليها
؟ هل هى لعنة باريس ؟ أم لعنة جمال ياسمين ؟ ؟
وحينئذ . .
تذكرت قولها لى ذات مرة : أنا يا حبيبى جميلة . . وجمالى من ذلك النوع الساحر . .
مرآتى تحسدنى على جمالى . . وكل النساء تغرن منى . . وتقلن عنى أنى جميلة ،
ومستبدة بجمالى ، والغرور يملأ نفسى . . وأنت قلتها لى وكررتها كثيراً وكثيراً
وكثيراً . . وأنا بالفعل جميلة ومُستبدة ومغرورة ! ! ! ! وإلى مقال آخر
إن شاء الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق