الخميس، 20 ديسمبر 2012

رسالة ودعاء . . . . . إلى صديقة عزيزة ! !


رسالة ودعاء . . . . . إلى صديقة عزيزة  ! !
------------------------------------------
عن عائشة رضى الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها إئتلف ، وما تناكر منها إختلف " صدق رسول الله.

عاش وليد سنوات عمره بأكملها ، محبوباً من الجميع . . كان منذ الصغر يحرص دائماً على كسب ود وحب كل من حوله ، وكان يتعامل مع الجميع وهو مؤمن بأن حب الناس هو كنز كبير ، يجب الحرص عليه أياً كان الثمن . . وظلت علاقته بكل من حوله تسير على هذا النحو ، يقتربون منه ويقترب منهم ، يشاركهم أفراحهم وأطراحهم ، حتى عرفها.

إنها عبير . . هذه الإنسانة الجميلة والرقيقة ، التى عرفها منذ أسابيع قليلة ، من خلال أحد مواقع التواصل الإجتماعى . . قرأ لها سطوراً وكلمات وحروفاً ، وقرأت له قصصاً ومقالات ، بادلها الرأى وبادلته التعليق ، وربط بينهما الحوار . . إنه لم يرها بعينيه ، ولم يسمع صوتها بأذنيه ، ولكنه مال إليها بالروح والكيان والوجدان . . إنه ما عرف من قبل ، أن الأرواح تتآلف إلا معها ، فقد كان يؤمن دائماً بأن النفوس لا تهدأ ، وأن القلوب لا تميل ، إلا إذا تلاقت العيون . . تلك كانت القاعدة فى حياته ، وكم سار على هذا النهج ، كل سنوات عمره ، حتى كانت هى وكان تعارفهما.

فى بادئ الأمر . . ظل يراود نفسه وتراوده ، يحدثها وتراوغه ، ويميل بها إلى حيث إعتاد الحياة وتعانده . . إنه يريد القرب منها – من عبير – ولكنه ما إعتاد قط على مصادقة النساء ، فهو رجل شرقى ، ويعيش فى مجتمع شرقى ، ويعرف القيود والأغلال التى تحد من صداقة الرجال بالنساء . . صحيح ، هو إنسان راشد وعاقل ورزين ، ويعرف تماماً كيف يضع الأمور فى نصابها . . ولكن . . أياً كان الحال ، هناك القيود وهناك الأغلال .

تردد كثيراً فى التقرب إليها ، والدنو منها ، حتى ولو عن بعد . . لا لشئ ، سوى من فرط حرصه عليها ، وقد أنس إليها وتآلف معها . . ولكنه لم يستطع إلا أن يقترب وأن يدنو ، وأسعده كثيراً أنها رضيت بهذا القرب وذاك الدنو ، وإرتاحت إليه ، وعبرت له مراراً عن ذلك الإرتياح .

مرت الأيام . . يوم بعد يوم . . ومع كل صباح ومساء ، كان بينهما لقاء من بعيد . . يتمنى لها نهاراً كله جمال ، وتأمل له مساءً كله خير . . هكذا كان الحال بينهما على مدى الأيام ، إلى أن جاء يوم لم يتلقى منها أى شئ ، ولم تكتب ولو كلمة واحدة ، ولم يصلها منه جميل الصباح ، ولا هى أرسلت له أمل المساء . . أرسل لها سائلاً عن أخبارها ، وما أتاه الجواب
ومر اليوم الثانى . . والحال هو ذات الحال ، والقلق فى صدره يزداد ويزداد . . حتى المساء . . ما أتى إليه بجديد .

وفى صباح اليوم الثالث . . جاءته منها رسالة تحوى كلمات قليلة ، تخبره فيها بأنها مريضة تلازم الفراش ، وأنها ما إستطاعت حتى أن تكتب إليه أو تتواصل معه ، خلال الأيام الماضية . . جاءت كلماتها قليلة العدد ، ولكن كان وقعها على نفسه  قوياً وشديداً .
وعلى الفور . . كتب إليها يتمنى السلامة ، ولم يرد أن يظهر لها ، ما يخبئه فى جنبات صدره ، ولا فى أعماق فؤاده . . لقد أراد أن يتماك نفسه فى رسالته إليها ، ولكنه أبداً ما إستطاع . . خانته الكلمات وباحت بسره ، الذى ما كان يبتغى له بواحاً . . وبدون أن يدرى ، خرجت منه الكلمات ، وقال لها :
        
              " صديقتى العزيزة . . توأم العقل والفكر والروح ، آلمنى وأحزننى كثيراً خبر مرضكِ . . كم دعوت الله ألا يصيبك أى مكروه ، وكم تمنيت لو أننى كنت بديلاً عنكً فى مرضكِ ، ولكن ما باليد حيلة ، إنها إرادة الله ومشيئته ، ولا راد لمشيئته . . كل يوم يمر وأنتِ ما زلتِ تعانى ، أشعر أننى أعانى معكِ . . أشعر أن كل جزء فى كيانى ، يتألم مثلما أنتِ تتألمين ، وتلك حقيقة لا أبوح بها إلا إليكِ أنتِ وحدكِ . . أشعر أنى أتقاسم معكِ المرض ، وأشاطركِ الألم ، وأعانى مثلما تعانى . . دعوت الله لكِ بسرعة الشفاء والسلامة ، كى تشفى نفسى وتسلم روحى بشفائكِ وسلامتكِ . . لم أكن أعلم أن صلتى بكِ وصداقتى معكِ صارت هامة فى حياتى إلى هذا الحد ، إلا عندما علمت بمرضكِ ، رغم قصر تعارفنا ، ورغم أنى لم أراكِ ولم أسمع صوتكِ . . ولكنى قرأت كلماتك وحروفكِ ، فمال إليكِ عقلى وفكرى وروحى . . أرجوكِ عودى ولا تطيلى الغياب ، كى يعود إلىّ معكِ كل شئ جميل ، وأشعر أنا بطعم الحياة . . سَلمتِ صديقتى ، وأسلمت لكِ الدنيا بأسرها . . . . . . . وختاماً لكِ السلام  "

هكذا خرجت الكلمات ، وقال لها ماقال ، ولكنه لم يقل كل شئ . . لم يخبرها بأنها صديقته الوحيدة ، وأنه من أجل ذلك إنشغل بالسؤال عنها كثيراً ، وكم أحس بالوحدة حين غابت عنه ، وشعر بالغربة فى الحياة حين إنقطعت أخبارها  . . إنه قال القليل ، ولم يقل الكثير . . ولكنه فى كل الأحوال تمنى شيئاً . . تمنى لو أنها قرأت ما بين السطور ، وفهمت ما خلف الكلمات ، وأحست بما لم تنطق به الحروف ، كى تصلها معانى التعبيرات ، التى سكت اللسان عن النطق بها ، مراعاة لأمور عدة تخصها .

والآن . . هى لا تزال تتألم من من وجع المرض ، وهو لا يزال يعانى من أجلها ، ومن أجل البعاد . . يدعو لها ، صباح مساء ، وليل نهار ، ومع كل صلاة وأذان ، أن يشفيها الله من مرضها وسقمها ، حتى تهدأ نفسه ، ويستريح الفؤاد .

وبينما هو يدعو ويدعو . . تذكر أنه ذات مرة . . أمسك بالقلم ، وكتب قصة أسماها " عندما تستجيب السماء . . . لدعاء المحبين " . . . لقد كانت قصة من وحى الخيال . . أما الآن . . فقد إستحال الخيال إلى واقع وحياة . . وأصبح هو يدعو الله ، أن تستجيب السماء لدعاء الصديق ، كما إستجابت من قبل لدعاء الحبيب ! ! ! !
                                                                      وإلى مقال آخر إن شاء الله .

الاثنين، 17 ديسمبر 2012

حوار الإنسان . . . . بين المشاعر والوجدان ! !

بالأمس . . وصلنى من الصديقة العزيزة / عطر الوداد ، إنتاجها الفكرى الثانى لها ، والذى يحمل عنوان " حوار الإنسان . . . بين المشاعر والوجدان " . . وقد عكفت على قراءة حوارها ، وللحق أقول : أنه كان حواراً من نوع خاص جداً ، أطرافه مشاعر إنسانية متنوعة ، تعيش داخل كيان كل إنسان منا . . وقد أعجبتنى فكرة الحوار ، كما أعجبتنى صياغته وأسلوب تناوله . . ومن أجل ذلك إستأذنتها فى نشره على صفحتى بإسمها ، إيماناً منى بموهبتها الظاهرة ، ورغبة فى إتاحة المجال لقرائى وأصدقائى الأعزاء لتناوله بالقراءة والتعليق لمن شاء منهم . . وإليكم هذا الحوار الممتع والجميل ، ولكم أترك التقييم . 


حوار الإنسان . . . . . بين المشاعر والوجدان  ! !    ( بقلم : عطر الوداد )
-------------------------------------- --------
ذات يوم من الأيام . . .  جلس الرجل الحكيم ، الذى جاوز من العمر التسعين ، وقد شارف زمانه على الإنتهاء . . أطلق الحكيم لمشاعره العنان ، وحرر غرائزه من القيود والأغلال ، ودعا الجميع إلى التحاور والنقاش ، حول ما فعله كل منهم فى بنى الإنسان ، على مر السنين والأعوام ، ومن عجائب الأمور أنهم لبوا جميعاً النداء ، على مائدة ذلك الحكيم الإنسان ، الذى جلس مراقباً للحوار ، وأذن لهم بأن يبدأ أيهم الكلام .
شارك فى الحوار كل من : الهَم والإكتئاب والحزن ، والأمل والفرح والإخلاص ، والثقة والإحباط والنجاح ، والصبر والغضب والحب .
نظروا جميعاً بعضهم إلى البعض ، وبدت عليهم علامات التدبر والحماس . . لقد أراد كل منهم أن يباهى بقدرته وقدراته ، وتأثيراته على بنى البشر والإنسان . . لم يدم الصمت بينهم طويلاً ، حتى بادرهم الهم بالقول والحديث .

قال الهَم ( مستنكراً ) : ما عساكم قائلون ؟ وما بالكم فاعلون ؟ أنا الأقوى بين جنود الله فى الأرض ، لقد وهبنى الله القدرة التى تفوق كل القدرات ، وأعطانى القوة والمنعة للإمساك بزمام الأمور . . إذا سلطنى الله على أحد من بنى آدم ، أثقلته بهموم الزمان ، وأفسدت عليه شئونه وكل الحياة ، وأغلقت فى وجهه كل النوافذ والأبواب ، وأجهضت كل بارقة أمل تبدو له فى الأفق البعيد ، حتى ينهار ويخر صريعاً ، أمام بأسى وقوتى .

عندئذ . . تدخل الإكتئاب فى الحديث ، وعلا صوته قائلاً : لا . . إنى أراك قد أغفلت دورى ووجودى ، فأنت لا تستطيع وحدك أن تفعل ما تريد . . أنا وأنت متلازمين ، يكمل كلانا الآخر ، ويتمم كلانا عمل الآخر . . أنت الدافع نحو الإنهيار ، أما أنا فبقوتى ينهار بنى الإنسان ، ويتلاشى فى ناظريهم الأمل وتتضاءل الأحلام .

وهنا قاطعهما الحزن ( وهو حانق ) قائلاً : ما بالكما قد نسيتمونى هكذا ؟ ؟ أما أنى شريك لكما ؟ أنتما الفعل وأنا الأثر . . لولاى ما إكتملت لكما المهمة ، فأنا الذى أغرق من أغزو حياته فى الغم والألم ، وأحيل الدنيا سواداً فى ناظريه ، فلا يرى بصيص نور ولا أمل . . أنا الذى تحدث عنه سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام حين مات ولده قائلاً : إن القلب ليحزن ، وإن العين لتدمع ، وإن على فراقك يا إبراهيم لمحزونون " .  

بسرعه تدخل الامل ونظر لهم طويلا ، ثم قال لهم بعد أن أخذ نفسا عميقا وتحدث : أنسيتم أنفسكم ؟ أنسيتم من أنا وماعساى أن أفعل ؟ ، باستطاعتى أن أقهركم جميعا . .  قالوا له من أنت ؟؟ قال :- أنا الأمل ، أنا الذى بواسطته ينظر الجميع الى الامام ، ويتناسوا الامس وينتظروا الغد ، واذا ظهرت أنا ساد الارتياح بين الجميع ، وجودى ينير للجميع الطريق وينعش القلوب ، ويطمئن النفوس ،  وبظهورى تتطاول الهمم لتبلغ القمم  . .

وهنا قاطعه الفرح مسرعا ، وتحدث وهو مبتسم وسعيد ، وقال : دعونى أوضح لكم مصدر قوتى ، التى يسعد بها الجميع . أنا كما الوردة  ذو الرائحه العطره فى بستان جميل ، أنا بظهورى يضحى الجميع مغرداً كما الطيور، أرفرف على كل البيوت ، وأجعل الأمل أنشوده ومعنى للشروق ، وللمحبه صديق وللمحبين رفيق . .  أنا من تطرب له القلوب ، وتغنى له الروح وتستشعره النفوس ، بوجودى يرقص الجميع وتنحسر الدموع ، وتنهزم جيوش الهم  والحزن . . أنا بدايه الامل ولا نهايه لى ، لأنى أستوطن القلوب ، فيعمها الفرح والسرور .

نظر الإخلاص إلى الجميع ، وكان يجلس من مائدة الحوارعلى الطرف البعيد ، وأنصت إليهم  حتى تعالت الأصوات من فرط الحماس ، ولكنه بادرهم الحديث قائلاً : أراكم لا تأبهون لوجودى ، وتجاهلتم حضورى ، وما أنا بينكم بضعيف . . فسأله أحدهم : ومن إذن تكون أيها الشريك ، فى حوارنا الميمون ؟ قال الإخلاص : أنا السر بين العبد وربه ، لا يعلم ملك أمرى ، ولا يطالنى شيطان فيفسدنى . . يقبل الله عمل إبن آدم بقدرى ، فأنا والنية قرينان لا نفترقان أبداً ، إن خلصنا لله أفلح بنا عمل إبن آدم ، وإن لم نخلص لله فسدت دنياه وأخراه .

وهنا حانت فرصة الثقة فى الكلام . . رجعت إلى الوراء ، وبدت عليها علامات الرسوخ والثبات ، وقالت بصوت هادئ ورزين : أنا أكبر منكم قدراً ، وأعظم مكانة ، وأكثر أهمية . . أنا أهم أسباب النجاح ، لولاى لتراخت الهمم ، وحل الضعف والوهن ، ووقع اليأس والإحباط . . من إستعان بى ، وآمن بقدراته وإمكاناته ، وأدرك أهدافه وإختياراته ، نال الفوز والنجاح . . أنا الإيمان بالنفس والذات .
وعلى الفور رد عليها الإكتئاب قائلاً : ما بالكِ تفاخرين بنفسكِ هكذا ، أكاد ألمح فى حديثكِ الكبر والغرور ، وأرى أنى عليكِ قادر وقدير .
ضحكت الثقة قائلة : أراك واهم وغارق فى الخيال ، فأنت لن تستطيع النيل منى مهما كان ، فأنا من يبعث الأمان والإطمئنان ، ويدفع نحو تحقيق المرجو والأهداف ، وأنا من يضئ الطريق بالأنوار ، وأنا من يصحح الفهم الخاطئ والأفكار . . أعرف قدراتى ، وأدرك إمكاناتى ، وأنا بداية النجاح .

كان النجاح يتابع الحوار باهتمام وإنصات ، وما أن سمع إسمه حتى إنتفض وقال : أراكم قد تحدثتم عنى الآن ، وأنا أشارككم الحديث بكل تأكيد . . قدراتى أمامكم واضحة ، واسباب الفوز بى قائمة . . الثقة هى بداية الطريق نحوى ، والفلاح نهاية مقصدى .
وعندئذ تدخل الإحباط قائلاً : لا تكن فرحاً هكذا أيها النجاح ، فأنا أستطيع إرجاعك للوراء ، بقدراتى التى لا حدود لها ، ولكن لولا وقوف الأمل فى وجهى ، ما كان لك وجود فى الحياة . .
 نظر اليه النجاح طويلا وقال له :  أنا من الممكن أن أسير ببطْ ، ولكن أبدا لاأتراجع عن مواصله المشوار . .  بدايتى الثقه ونهايتى السعاده ، ولكن مع مزيد الصبر أصل لاقصى الدرجات ، فقالوا جميعا : الصبر وأين هو ؟ ؟

رد عليهم الصبر مابالكم لم تنتبهوا إلىّ . .  أنا هنا . .  أنا أقوى المحاربين ، ومن يتسلح بى يتجاوز كل الصعاب ، ويزيح من الطريق كل العقبات . .  ولا أخفيكم سراً ، أن كثيراً من الفاشلين ، كانوا أقرب الجميع الى النجاح ، ولكنهم للاسف الشديد ، لم يستعينوا بى ، فغلبهم الهَم والغم ، أما غيرهم فقد واصلوا المسيره ، حتى بلغوا النجاح .

وهنا بادره الغضب قائلا : صدقت أيها الصبر ، ولكن هناك من يعتقد أنه الأقوى ، وأن كلمته هى الأعلى ، فيفقد الصبرويقع فى الخطأ ، وتحل الكارثة ،  وهنا يأتى دورى وتبرز عظمتى ، وتكلل بالنجاح مهمتى .

وبسرعه قال له الصبر : إنهم المساكين . . أولئك الذين استعانوا بك ولاذوا إليك ، ولوتمسكوا بى لما حدثت لهم كل هذه المحن والمصائب . . أنا طبيب كل المجروحين ، وراحة كل المتعبين .

تدَخل الفرح فى الحديث وقال : حديثنا  ينقصه طرف هام ، مازلنا نبحث عنه فأين هو ؟؟ ردوا جميعا فى صوت واحد : ماهو؟؟؟؟ قال انه الحب أين هو؟؟

 وفجأه . . نهض الحب واقفاً ، وهو يحمل وردة حمراء فى يده ، وتبدو عليه علامات الأناقة ، ومزهوا بنفسه ،فنظروا اليه وقالوا : حدثنا عنك وعن قدراتك !!
قال لهم الحب :- أنا قاهر الاحزان وأنا من أصدقاء الامل . . أنا بحر من الحنان ونهر من المشاعر. .  وجودى يقلب الأحزان إلى أفراح ، ومن أصدقائى السعاده . . أنا كالعطر الفواح ، أنتشر فى الارجاء فأنعش القلوب ، وأنا من تلمع له العيون ، وتطرب له القلوب . . أنا وداد جميل ، وغرام وحيد ، وفى سحر العيون أهيم .
وهنا . . إنتهى الحوار ، وسكت الجميع عن الكلام . . وساد الصمت والسكون . . ونظر الحضور إلى الحكيم . . وجدوه قد أطال السكوت ، وإنتابه التفكير العميق . . ثم نطق بفكر مَهيب . . قال لهم : أيها الجمع المجيد . . أراكم قد أحسنتم القول والتعبير . . وقد آن أن يتوج منكم ملك جميل . . راقت للجميع فكرة الإنسان الحكيم . . وتصايحوا فى صوت واحد رخيم : إنه الحب . . ملك القلوب ، وآسرالعقول ، ومؤلف الأرواح والنفوس .
وقف الجمع فى سرور . . وبـأعلى صوت يهتفون : عاش المَليك . . يحيا الحكيم . .
                                                       وإلى لقاء فى مقالات أخرى إن شاء الله . . بقلم : عطر الوداد .

الثلاثاء، 11 ديسمبر 2012

التائه . . . . على مر الزمان ! !

بالأمس . . أرسلت إلىّ صديقة عزيزة ، وأكن لها كل إحترام وتقدير ، باكورة إنتاجها القصصى ، وذلك لإبداء الرأى فيها ، وبالفعل قرأتها أكثر من مرة ، . . وللحق أقول : أنها قصة رائعة ، وتحمل الكثير من جوانب الإبداع الأدبى ، ومن فرط إعجابى بالقصة ، بإعتبارها أول إنتاج أدبى لها . . فقد إرتأيت نشرها على صفحتى بإسمها ، إعترافاً منى بقيمة العمل ، وتشجيعاً لها على مواصلة العطاء والإبداع . . وكلى أمل فى أن تنال إعجاب قرائى الأعزاء ، بعد قراءتها والتعليق عليها بالرأى والتقييم . . وهاهى بين أيديكم:


التائه . . . . على مر الزمان  ! !     ( بقلم : عطر الوداد )
------------------------------
كان نادر شاباً حديث التخرج ، من إحدى الكليات النظرية بجامعة القاهرة ، وهو من أسرة متوسطة الحال ، مكونة من ولدين وبنتين وأب وأم ، وكان هو الإبن الأكبر لأبيه ، الذى سافر منذ عدة سنوات ، للعمل فى إحدى الدول العربية ، كى يوفر لأسرته متطلبات الحياة الكريمة ، من مسكن ومأكل وملبس ونفقات تعليمهم ورعايتهم والقيام على كافة شئونهم . . كان الأب قبل شفره يعمل موظفاً بسيطاً ، بإحدى المصالح الحكومية المصرية ، وكان يتقاضى راتباً ضعيفاً ، لا يكفى لمواجهة كافة أعباء الأسرة بأكملها ، فى ظل الإرتفاع المتزايد فى الأسعار والنفقات . . ومن أجل ذلك الهدف النبيل والمشروع ، قرر الأب عائل الأسرة ، السفر إلى إحدى البلدان العربية فى منطقة الخليج ، للعمل هناك ، من أجل تأمين نفقات أسرته ، وتأمين مستقبل أبنائه وبناته .

تخرج نادر من الجامعة ، وكان لزاماً عليه أن يبدأ أولى خطواته ، لشق طريقه فى الحياة . . ذلك الطريق شديد الصعوبة والوعورة ، الملئ بالعقبات والصعوبات ، فى ظل أزمة بطالة طاحنة ومزمنة بين صفوف الشباب ، من أقرانه وممن هم أكبر منه سناً . . فقد طالت البطالة عدة ملايين ممن هم فى سن الشباب ، الذين عجزت الحكومات المتتابعة عن إيجاد وظائف مناسبة لهم ، وفى ذات الوقت عجزت شركات القطاع الخاص عن إستيعاب أعداد كبيرة منهم . . تلك كانت هى المشكلة الأولى التى وجب على نادر مواجهتها ، عقب تخرجه من الجامعة . . ولكن . .

كان هناك أمر آخر . . لا يقل أهمية فى حياة نادر . . إنها نسمة . . تلك الفتاة الجميلة ، التى كانت زميلته فى الجامعة ، وتعرف إليها منذ أكثر من عامين ، أحبها وأحبته ، أنس إليها وألفته ، مالت إليه بقلبها وهواها قلبه . . على مدى أكثر من عامين كاملين ، ربطتهما علاقة حب وطيدة وقوية ، كانا يلتقيان كل يوم ، يحادثها وتحادثه ، يحاورها وتحاوره ، ويتبادلان الكلمات فى كل شئ ، حتى أحلامهما وآمالهما تقاسماها سوياً . . تشارك الإثنان العديد من المناسبات السعيدة ، وتواسيا فى العديد من المناسبات المؤلمة والحزينة . . كان كلاهما بالنسبة للآخر هو الملاذ والملجأ ، وهو الحضن الدفئ والحنان ، وهو الصبح والمساء والليل والنهار، ويوم أن أنهيا دراستهما معاً ، جددا الوعد والعهد على الحب والزواج .
وها هو نادر اليوم . . وبعد أن تخرج من الجامعة ، وبدأ يشق طريقه فى الحياة ، لم ينس حبيبته نسمة قط ، ولم ينس حلمهما وأملهما فى الحياة سوياً ومعاً . . ولكنها دائماً هى الأحلام الوردية الجميلة ، التى غالباً ما تنكسر وتتحطم على صخرة الحياة ، رغم أنف الحالمين والمحبين .

إنتظر نادر عودة أبيه من السفر ، فى أجازته السنوية ، كى يصارحه بما يحلم به ، ويلقى بين يديه أهم أمر يشغل باله وعقله ، ويحيط بقلبه فى صدره ، ويعصف بوجدانه وكل كيانه . . كان نادر يعد الأيام عداً ، ويحصى الليالى فى إنتظار عودة أبيه ، وكانت الأيام تمر بطيئة وثقيلة ، وكأنها تعانده ، أو هكذا خيل إليه . . ولكنها على أية حال قد مرت ، وعاد الأب من السفر ، ليقضى أجازته القصيرة فى بيته وبين أولاده . . إنها الغربة القاسية ، التى تحرم الأب من أولاده وأسرته وتحرمهم جميعاً منه ، ولكنها الحياة بكل متاعبها ومشقاتها . . لم يكن نادر يدرى ماذا يخبئ له القدر ، وماذا ستفعل به الأيام .

مرت أيام ثلاثة بعد عودة الأب ، وقرر نادر أن يتحدث إلى أبيه بشأن حبيبته نسمة . . وبالفعل . . إنتهز نادر فرصة وجود أبيه وحده بالبيت ، فى مساء اليوم الرابع ،وأخبره نادر بأنه يحب زميلته نسمة ، التى كانت معه بالجامعة ، وأنه يرغب جدياً فى التقدم لخطبتها ، وفاءً  بالعهد الذى قطعه على نفسه نحوها ، وأنه يخشى الإنتظار طويلاً ، فيتقدم آخر لخطبتها ، وبذلك يفقدها إلى الأبد .
إستمع إليه الأب وأنصت جيداً ، حتى إنتهى نادر من حديثه . . ثم فاجأه الأب برفض طلبه رفضاً قاطعاً ، متعللاً بأنه لا يؤمن بالحب ويرى أن الحب شئ والزواج شئ آخر ، وأن إبنه لا يزال فى أول مشوار حياته ، ومازال أمامه مشوار طويل كى يقف على قدمين ثابتتين ، ويقوى على مواجهة مسئوليات الزواج ، فضلاً عن إعتراض الأب على زواج إبنه الأكبر من إحدى بنات القاهرة ، والأسرة كلها من الصعيد . . لقد كان رد الأب قاطعاً وحاسماً وجازماً ، بدرجة تكفى لئلا يناقش نادر أباه ، أو يحاول إقناعه بوجهة نظره .
فى لحظات مرت سريعة ، ودقائق لم يشعر بها نادر ، إنهارت كل أحلامه وآماله ، فى الزواج من حبيبة قلبه نسمة ، ولم يكن أمامه سوى الإستسلام للأمر الواقع ، والرضا بقضاء الله وقدره ، الذى قضى عليه بالحرمان من الإنسانة الوحيدة ، التى أحبها وهواها .
لم تمر سوى أسابيع قليلة ، وكانت الأسرة قد دبرت أحوالها ، وسافر نادر برفقة أبيه للعمل بذات البلد العربى الذى يعمل به ، وإنقطعت صلة نادر بنسمة تماماً ، ولم يعد يعرف عن حياتها شيئاً ، ولم تعد هى تدرى شيئاً من أخباره .

إنقضت ثلاث سنوات متصلة . . لم تطأ قدما نادر خلالها أرض مصر ، ولم يفكر حتى فى قضاء أجازة ولو قصيرة بين أهله وأخوته , , كان يحاول جاهداً أن ينسى حبيبته ، أو يتناسى ما كان بينهما ، ورضى تماماً بما قسم له الله . . وبعد مرور السنوات الثلاث ، قرر نادر قضاء أجازة قصيرة مع أسرته . . خلال تلك الأجازة  أشار عليه أبوه بأن يخطب ويستعد للزواج ، وبالفعل إختارت له خالته إحدى طالباتها فى التعليم قبل الجامعى . . لم يعارض نادر رغبة والديه وباقى أفراد عائلته ، وأتم خطبة الفتاة التى إختاروها له ، ولكن سرعان ما ظهرت أطماع أهل الفتاة ، فحاولوا الحصول منه على مبالغ مالية لا مبرر لها ، فدب الخلاف ولم تدم الخطبة طويلاً ، حتى وقع فسخها . . ولم تنقض شهور قليلة ، حتى إختار له والداه عروس أخرى ، وتمت الخطبة إلا أنها لم تكن أفضل حالاً من سابقتها . . إنهالت عليه المطالب المالية المبالغ فيها ، ثم كان إعتراض أهل العروس على إقامة إبنتهما فى شقة فى بيت أهله ، بدعوى أنها شقة صغيرة ولا تليق بإبنتهم . . وحدث الخلاف الذى إنتهى بفسخ الخطوبة للمرة الثانية .

بعد فترة وجيزة فى البحث عن عروس ثالثة . . إستقر تفكير أسرة نادر ، على أن تكون العروس من داخل العائلة ، فهى التى سوف تصون الإبن وتحفظه ، وهى التى سوف تكون بالنسبة إليهم بمثابة الإبنة . . وبالفعل تم إختيار إحدى الفتيات القريبات للأسرة من الدرجة الأولى ، وتمت الخطبة سريعاً ، ثم كان الزواج والسفر إلى البلد العربى الذى يعمل فيه نادر ، وقد تم ذلك فى خلال فترة زمنية قياسية ، لدرجة أن العروسين لم يعطيا الوقت الكافى للتفكير والتدبر. . فقد رأى أهل نادر أن الفتاة صغيرة السن ، وعلى درجة من الجمال ، وذات صلة وقرابة من العائلة ، ولم يمانع نادر فى ذلك . . صحيح أنه قبل الزواج بالفتاة قريبته ، دون أن تكون بينهما مشاعر متبادلة ، ولكنه زواج على أية حال .
كانت حياة الإثنين جافة وخاوية من المشاعر والأحاسيس والعواطف ، وكان هو لا يزال بعيداً بخياله وروحه عن زوجته ومع حبيبته الأولى نسمة . . يوماً بعد يوم . . أصبح نادر يعطى معظم أوقاته مع أصدقائه ، بعيداً عن بيته وزوجته التى ضاقت ذرعاً بالحياة معه ، وإنتهى الأمر بوقوع الطلاق بينهما بناء على طلبها ، بعد أن إستمرت الحياة بينهما عدة سنوات لم ينجبا خلالها أولاداً .

وها هو نادر يعود من جديد . . إلى مفترق طرق فى حياته ، فاقداً الحبيبة والذات والنفس . . يقضى الليل والنهار والصبح والمساء ، وحيداً يبحث عن ذاته ونفسه كى يحيا حياته ، ولكن كل حلم قد فات ومات . . وها هو العمر ينقضى أمام عينيه ، والأيام تطويها الأيام ، والشهور تعقبها الشهور . . ومع مرورها تزداد الجراح غوراً ، وتعانى النفس ألماً وحزناً ، ويعم الإحساس ضياعاً ، ويضحى نادر غير قادر على النسيان . . ويصير به الحال تائهاً على مر الزمان .




الخميس، 6 ديسمبر 2012

وعادت لتسكن فؤاده . . . . من جديد ! !


وعادت لتسكن فؤاده . . . . من جديد  ! !
--------------------------------------
عاد أحمد إلى منزله . . وهو مُرهق ومُتعب ، لا يكاد يقوى على فعل أى شئ . . حتى عقله ما عاد قادراً على التفكير فى أى شئ ، أما قلبه فكان حائراً بين حبه لهالة وعشقه لهواها ، اللذان لا يزالا يحومان حوله . . لم يستطع أحمد فعل أى شئ ، سوى أن يبدل ملابسه ويُلقى بجسده المُرهق المُتعب على سريره بغرفة نومه . . عسى أن يدركه الصباح ، وقد عاد إليه بعض من قوته ، وجزء من عقله وذهنه .

ساعات قليلة مضت . . حتى أدرك أحمد الصباح . . إستيقظ مبكراً كعادته . . توضأ ثم صلى لله راكعاً وساجداً وداعياً لله ، أن يرفع عنه الحيرة ، ويلهمه الصواب فيما إلتبس عليه من الأمر . . أمر هالة . . تلك الحبيبة التى تركته وحيداً ، وتنصلت من مشاعرها نحوه ، وهرولت مسرعة للزواج بإنسان غيره . . ثم هى عادت من جديد ، وتحاول أن تعود إلى سَكنها القديم ، قلب أحمد النقى الطاهر ، الذى حمل لها كل الحب والود والغرام والهيام . . خرج أحمد من منزله مبكراً على غير عادته وقبل موعده ، وتوجه إلى مدرسته التى يعمل بها . . لم يستغرق الطريق طويلاً لقرب المدرسة من منزله ، وكان أحمد أول من وصل إلى المدرسة ، قبل كل زملائه وتلاميذه . . دخل إلى حجرة التدريس ، وجلس حيث إعتاد لجلوس . . جلس وحده يفكر ويعاود التفكير ، فيما تحدثت معه هالة بشأنه . . إنها إقتحمت حياته فجأة مرة أخرى ، وهى عازمة على النيل منه والإستحواذ على قلبه من جديد . . أخذ أحمد يسأ ل نفسه : هل حقاً كانت هالة تحبه مثلما كان يحبها ؟ وهل حقاً هى فهمته أكثر مما فهمها ؟ والأهم من ذلك كله ، هل حقاً يمكن لقلبه أن يصفح عنها بعد كل ما فعلته به ؟

تساؤلات وتساؤلات . . أحاطت جميعها بعقل أحمد ، لم يقطعها سوى حضور بعض من زملائه المدرسين إلى حجرة التدريس ، الواحد تلو الآخر . . بدأ اليوم الدراسى ، ولم يستطع أحمد أن يلملم شتات عقله فى الساعات الأولى . . حتى حانت فترة الإستراحة ، وذهب أحمد إلى حجرة التدريس ، وطلب كوباً من الشاى لعله يستطيع أن يكمل عمله بقية اليوم .
وفجأة . . دخلت هالة إلى الحجرة ، وألقت التحية على كل الجالسين من زملائها المدرسين . . رحب الجميع بها وبعودتها إلى عملها بالمدرسة ، وإتجهت هالة نحو أحمد لتجلس بجواره . . مرت دقائق معدودة ، وإنصرف كل من بالحجرة إلى عمله . . إلا أحمد . . ظل جالساً بجوار هالة ، ولم يفكر حتى فى مغادرة الحجرة . . لقد أصابته فجأة حالة من الإستسلام الغريب للبقاء بجوارها ، وقد لاحظت هى ذلك ، ووجدت الفرصة سانحة للحديث بينهما .
قالت ( متسائلة ) : هل أنهيت عملك اليوم يا أحمد ؟
قال أحمد : لا . . مازالت عندى الحصة الأخيرة .
قالت : إذن أنت الآن بلا عمل ؟
قال أحمد : نعم . . سوف أظل هكذا لمدة ساعتين .
قالت : وهل ستتركنى أجلس هكذا ؟ أريد أن أشرب كوباً من الشاى .
نادى أحمد على عامل البوفيه بالمدرسة . . وطلب لها ما أرادت .
ثم سألها : ما الذى أتى بكِ إلى المدرسة اليوم ؟ أما قلتِ لى بالأمس أنكِ ستعودين بعد أسبوع ؟
قالت : نعم . . ولكننى جئت لأسلم خطاب عودتى إلى مدير المدرسة ، فطلب منى الحضور غداً لإستلام عملى بالمدرسة بسبب نقص فى أعداد المدرسين .
قال أحمد : وهل قبلتِ ؟
قالت : نعم . .
قال أحمد : وماذا أتى بكِ إلى هنا ، إلى حجرة التدريس ؟
قالت : جئت أبحث عنك . . أبحث عن رفيقى بالمدرسة . . إنك أول من رحب بى هنا .
قال ( وهو يبتسم ) : أنا رفيقك فى المدرسة ، أما فى الحياة فلكِ رفيق آخر ، أليس كذلك يا هالة ؟
قالت : أما تريد أن تنسى يا أحمد  . . أراك تبتغى الحياة مع الماضى . . وأنا لا أريد أن أتذكر منه شيئاً . . أريد أن أحيا الحاضر والمستقبل ، ما فات قد فات ، وما مات لن يعود للحياة مرة أخرى .
قال أحمد : أما كان ما بيننا ماضياً ؟ فلم إذن تريدين أن تعيديه للحياة من جديد ، وقد فات ومات ؟
قالت : ومن قال لك أن الحب يموت يا عزيزى ؟ ألم أقل لك أنك لم تفهمنى قط ؟ وأننى أنا التى فهمتك . . مثلك يا عزيزى ، عندما يحب لا ينسى الحب أبداً . . وأنت قد أحببتنى ، وعشقتنى ، وتمنيت القرب منى ، وحلمت بالحياة معى ، وأنا أدرك ذلك جيداً . . لقد رأيت الحب فى عينيك بالأمس . . بعد شهور مضت وإنقضت . . أنت ما زلت تحبنى ، ولم تنسنى ، ولن تنسنى .
قال أحمد : أهذه ثقة منكِ ، أم غرور وكبرياء ؟
قالت : إنها الحقيقة يا عزيزى . . ولكنك تريد أن تنكرها ، ولا تريد أن تواجه بها نفسك ، أما أنا فأدركها جيداً ، ومن أجل ذلك أتيتك اليوم ، وأنا أعرف أنك ما زلت تحبنى وتريدنى إلى جوارك .
قال أحمد : إنكِ واهمة . . تكذبين على نفسكِ وتخدعينها . . إن ما فعلته بى يا هالة ، لا أنساه لكِ أبداً ، لقد ذبحتنى بكل قسوة ولم ترحميننى . . ألقيتِ بى إلى قارعة الطريق ، وكأنكِ لم تعرفيننى يوماً ، ولم ترافقيننى يوماً . . لقد أنهيتً كل ما بيننا فى لحظات ، وتنكرتِ لحبكِ لى ، وتنصلتِ من كل مشاعركِ نحوى فى لقاء واحد . . هكذا أنتِ كنتِ قاسية وظالمة ، وهكذا أنا كنت الضحية.
قالت ( وهى ترجوه ) : دعك من ذكريات الماضى يا أحمد  ، إنها مضت بكل حلوها ومرها ، وسعادتها وتعاستها . . أنا أبغى الحاضر معك . . أما تغفر لى ما أخطأت فيه ؟ أما تصفح عنى ؟
قال أحمد : ما عدت أستطيع أن أشعر معكِ بالأمان يا هالة . . لقد صرت أخافكِ ، وأهاب غدركِ ، وأخشى خداعكِ .
قالت : ولكننى أريدك . . وقد عدت إليك بعد أن أدركت حبك لى ، وهو ثمين غالى ، ولن أضحى به بعد اليوم . . لن أطلب منك أن تعطنى الفرصة مرة أخرى . . ولكننى جئت كى أخبرك بأننى سوف أعود إلى سكنى فى قلبك ، وإلى واحتى فى صدرك ، وإلى جنتى فى أنحاء كيانك كله . . ولقد عدت الآن بالفعل ، وأرى نفسى فى عينيك ، التى نطقت بما لم ينطق به لسانك . . وأخبرتنى بأننى قد عدت لأسكن فؤادك من جديد ، أيها المحب العاشق لى ، والمغرم بجمالى وسحر عيونى.

فاجأت هالة أحمد . . ووضعت يدها على يده ، وتسللت يدها لتسكن داخل راحتيه لثوانى معدودة ، وأغمضت عينيها لتدع أحمد ينظر إليها ، وهى هائمة فى الخيال ، لحظات سريعة مضت ، ثم تنبها سوياً . . سحبت يدها من يده ، وفتحت عينيها لتجد الدموع وقد تساقطت من عينيه ، لم تتمالك هالة نفسها هى الأخرى ، وغلبها البكاء بصوت سمعه أحمد . . لم يستطع أن يقاومها ، ولا أن يقاوم دموعها ، وإنهارت كل مقاومته لها ، ولم يعد قادراً على فعل أى شئ ، سوى أن تمتد أصابعه إلى وجنتيها ، لتمسح عنهما الدموع . . إنها دموع هالة الغالية ، التى لم يرها أحمد من قبل ولو لمرة واحدة ، ولا حتى عندما جاءته فى آخر لقاء بينهما منذ شهور ، كى تتنصل من مشاعرها نحوه ، ويومها لم تودعه ولو بدمعة واحدة .

واليوم . . هى إنسانة أخرى ، هى هالة غير تلك الهالة التى يعرفها ، لقد تساقطت دموعها عندما رأته يبكى من أجلها . . أترى ؟ هل كانت دموعها تعكس حبها له وعشقها ؟ أم أنها كانت مثل دموع التماسيح ، التى تظنها الفريسة دموع بكاء ، وهى فى حقيقتها دموع زيف وخداع ، حتى إذا أمنت الفريسة وأطمأنت ، وأسلمت وإستسلمت ، كانت نهاية حياتها المحتومة .
بكت هالة وتساقطت دموعها أمام أحمد . . وإنهار أحمد لبكائها . . وخر صريعاً على مذبحها . . ونسى تماماً ما كان منها بالأمس . . وعاد قلبه ينبض بحبها ويدق لها من جديد . . وعادت هى لتسكن فؤاده من جديد . . إنها كانت محقة عندما أيقنت أنه لم ينسها قط ، ولم يغادره حبها قط ، ولم يغفل قلبه عن هواها قط ، ولم يأبى هو القرب منها قط . . لقد كانت واثقة أنها هى التى فهمته ونالت من قلبه وعقله . . وأنه لم يفهمها قط ! ! ! !             وإلى مقال آخر إن شاء الله .



الخميس، 29 نوفمبر 2012

هل نسى حقاً . . . . ما كان منها بالأمس ؟ ؟


هل نسى حقاً . . . . ما كان منها بالأمس  ؟ ؟ 
-----------------------------------------
بينما كان أحمد يتأهب لمغادرة المدرسة التى يعمل بها مدرساً ، بعد أن إنتهى اليوم الدراسى ، وإنصرف زملاؤه جميعاً . . رن جرس هاتفه المحمول فجأة ، إلتقطه أحمد ليعرف من المتصل . .  إنها هالة . . إنها تلك الحبيبة التى تركته ومضت منذ شهور ، بعد أن تنصلت من مشاعرها تجاهه ، وأنكرت كل ما كان بينهما من ود وحب . . لم يفكر أحمد طويلاً ، ورد على الهاتف ، فسمع صوتها يأتى من بعيد . . لم يدم حديثهما طويلاً . . طلبت هالة من أحمد اللقاء فى مساء ذات اليوم ، لأمر تراه هاماً وضرورياً . . لم يستطع أحمد شيئاً سوى أن يوافق على لقائهما . . وهو لا يدرى حقاً ماذا تريد منه ؟ ؟

إنتهت المكالمة سريعاً . . وجلس أحمد حيث هو فى حجرة التدريس بالمدرسة ، بعد أن كان يستعد للإنصراف والعودة إلى بيته . . جلس يسأل نفسه . . ماذا تريد منى بعد كل هذه الشهور التى مضت ؟ ؟ لقد إنقضت عدة شهور ، ولم تحادثه فيها ولو لمرة واحدة منذ آخر لقاء بينهما . . ذلك اللقاء الذى تبرأت فيه من كل شئ بينهما . . وتنصلت من كل مشاعرها تجاهه. . وأكدت له أنها ما أحبته يوماً ، وما مال إليه قلبها يوماً ، وما رغبت فى القرب منه أو الحياة معه أبداً . .
جلس أحمد وحيداً ، يتذكر كيف رأى هالة لأول مرة ، فى ذات الحجرة التى يجلس فيها الآن ، يوم أن جاءت ولأول مرة ، كى تعمل بالتدريس فى المدرسة ، وبذات القسم الذى يعمل فيه ، قسم اللغة العربية بالمدرسة . . تذكر أحمد كل ما كان بينهما، ومدى قربهما ، وكيف توطدت  علاقتهما ، حتى صارت حباً وغراما ً . . إنها لم تكن تعرف سواه فى المدرسة ، ولم تتحدث مع أحد غيره ، ولم تأنس لشخص سواه ، وكانت بالنسبة له هى الدنيا بأسرها . . ولكنها . . فجأة . . وبلا أية مقدمات ، أنكرت كل ما كان بينهما ، وألقت به خلف ظهرها ، وهرولت مُسرعة إلى الزواج من إبن خالتها ، الذى سافر إلى إيطاليا للعمل هناك ، ثم عاد كى يطلب الزواج بها ، وقبلته هى بلا تردد . . ونسيت ما كان بينها وبين أحمد ، وتنصلت من مشاعرها تجاهه ، ومن لحظتها لم يرها أحمد . . علم أنها حصلت على أجازة للزواج والسفر إلى إيطاليا مع إبن خالتها .

واليوم . . إنها تعاود الإتصال به مرة أخرى ، بعد مرور عدة شهور ، تطلب لقاءه ، وهو لا يدرى سبب اللقاء . . إن جرحه الذى تسببت فيه وأوشك أن يندمل ، بعد أن توقف نزيفه وخف ألمه ، وأدرك أن الحياة لابد وأن تستمر معها أو مع غيرها . . إنه مازال يجاهد من أجل نسيانها ، حتى أنه منع نفسه من الجلوس فى ذات المكان ، الذى كان يجمعهما بحجرة التدريس بالمدرسة ، عدة شهور متتالية ، كى ينسى أو يتناسى كل ما كان بينهما ، ولكنه حتى اليوم لم يستطع أن ينسى كل شئ . . . وفجأة دخل إلى حجرة التدريس أحد زملاء أحمد ، وسأله عن سبب عدم مغادرته المدرسة بعد إنتهاء عمله فيها . . تنبه أحمد ، ولملم نفسه التى تبعثرت بين ذكريات حبه وغرامه ، وإمتدت يده لتمسك بحقيبته ، ونهض واقفاً ليغادر الحجرة والمدرسة ، عائداً إلى منزله .

عاد أحمد إلى بيته . . دخل إلى غرفته ، وأغلقها عليه وحده ، حاول أن ينام قليلاً ولكنه لم يستطع . . كانت الساعات تمر بطيئة وثقيلة ، حتى إقترب موعد اللقاء ، إرتدى ملابسه ثم خرج ، كى يلاقيها لأول مرة منذ عدة شهور . . كان مرتبكاً وكان قلقاً ومتوتراً ، وكان لا يرغب فى لقائها مرة أخرى ، كى لا تتجدد أحزانه وآلامه ، ولكنه ما إستطاع أن يرفض لها لقاءً .
ذهب أحمد إلى حيث مكان اللقاء . . لم ينتظرها طويلاً حتى حضرت ، وما أن وقعت عيناه عليها ، حتى خفق قلبه بشدة ، وأحس أن قلبه أوشك أن ينتفض خارجاً من صدره . . ألقت عليه التحية ثم جلست ، رد أحمد التحية ، ونظر إلى وجهها ، فوجده شاحباً تبدو عليه علامات القلق والتوتر ، وأمارات التعب والإرهاق ، ويعلوه الحزن والألم . . ما عادت كما كانت فى لقائهما الأخير ، بدا عليها وكأن الإبتسامة غادرت شفتاها ، منذ وقت طويل ، وهى التى كانت تتلألأ بجمالها وإبتسامتها . . . لم يدم الصمت بينهما طويلاً . . حتى بادرته هى قائلة :

قالت ( وهى تسأل ) : كيف حالك يا أحمد ؟
قال ( مُندهشاً ) : يااااه  أحمد . . أما زلتِ تتذكرين إسمى يا هالة ؟
قالت ( وهى تبتسم ) : وكيف لا أتذكره ؟ ومن قال لك أنى نسيته ؟
قال : ومن قال لكِ أنكِ تتذكرينه ؟ إنكِ فى آخر لقاء بيننا منذ شهور . . لم ينطق لسانك بإسمى قط ، ألا تتذكرين يا هالة ؟
قالت : دعنا من هذا الحديث . . وإخبرنى كيف حالك ؟
قال : الحمد لله . . أنا أحيا مثل الآخرين . . أأكل وأشرب وأنام وأستيقظ وأروح وأجئ .
قالت ( وهى تنظر إلى يديه ) : أما زلت وحيداً ، لم ترتبط بأخرى غيرى من بعدى ؟
قال ( نافياً ) : ما قابلت بعد صاحبة النصيب .
قالت : إذن . . لقد نسيتنى . . أليس كذلك يا أحمد ؟
قال ( مستفسراً ) : ألم تطلبى منى أن أنساكِ ، وأبحث عن غيرك ، فى آخر لقاء بيننا ؟
قالت ( وهى تضحك ) : وهل نسيتنى فعلاً وبحثت عن غيرى ؟
قال : أحاول أن أنساكِ . . ولكننى لا أبحث عن غيرك .
قالت : إذن . . الحمد لله . . أنك لم تنسنى ولم ترتبط بغيرى حتى الآن .
قال : الحمد لله على كل حال . . ولكنكِ لم تخبرينى ، لماذا طلبتى لقائى ، بعد كل هذه الشهور .
قالت ( مُتسائلة ) : أما كنت ترغب فى لقائى يا أحمد ؟
قال : ومن منا ترك الآخر يا هالة ؟ ومن منا غدر بالآخر ؟ ومن منا أنكر صلته بالآخر ؟ ومن منا تنصل من مشاعره تجاه الآخر ؟ ومن منا كره لقاء الآخر ؟
قالت : لا . . لا تقل أنى نسيت ما بيننا ، وكرهت لقاءك .
قال : دعكِ أنتِ من هذا الحديث . . وأخبرينى ماذا تريدين منى ؟
قالت : ألا تريد أن تعرف أخبارى ، وتسأل عن أحوالى ؟
قال : لقد علمت أنكِ تزوجتِ من إبن خالتك ، وسافرتِ معه إلى حيث يعمل ويُقيم ، ومرت شهور ولم أسمع عنكِ جديداً .
قالت : لقد عُدت مؤخراً إلى مصر ، منذ أسبوعين فقط ، وأسعى الآن إلى العودة للعمل بالمدرسة.
قال : وأين زوجكِ ؟ هل جاء معكِ ؟
قالت : لا . . لقد عُدت وحدى يا أحمد .
قال ( مُستفسراً ) : ولم ؟ هل حدث بينكما خلاف ؟
قالت : نعم . . لقد إنفصلنا هناك قبل مجيئى إلى مصر ، ووقع بينا الطلاق ، وعُدت وحدى .
قال : أبهذه السرعة وقع بينكما الطلاق ؟ وأنتما لا تزالا فى البداية ؟ هل كان زواجكما حقيقياً ؟ أم كان زواجاً على ورقة طلاق ؟
قالت : لم نستطع أن نتفاهم سوياً ، طبائعه وخصاله مختلفة عنى تماماً ، إنه صار جزءً من المجتمع الذى يعمل ويعيش فيه ، لقد أصبح رجلاً غربياً ، أما أنا فما زلت إمرأة شرقية ، لى تقاليدى وعاداتى . . لقد إختلفنا حول أمور كثيرة ، ودب بيننا الخلاف منذ بداية زواجنا ، وإزداد الخلاف يوماً بعد يوم ، حتى صارت الحياة بيننا مستحيلة ، فإتفقنا على الإنفصال ودياً ، مراعاة لصلة القرابة بيننا . . وأحمد الله أنى لم أنجب منه أولاداً .
قال ( متسائلاً ) : وماذا بعد يا هالة ؟
قالت : لا شئ . . سوف أعود إلى عملى مرة أخرى ، كما قلت لك ، وسوف أبدأ حياتى من جديد .
قال : أتمنى لكِ التوفيق والنجاح يا هالة .
قالت : أهذا كل ما لديك من أجلى يا أحمد ؟ أن تتمنى لى التوفيق وحسب ؟
قال : وماذا تريدين منى أن أقول أو أفعل يا عزيزتى ؟
قالت ( وهى واثقة ) : أراك ما زلت على العهد باقى . . وما زال حبى فى أعماقك . . أراه فى عينيك وأنت أمامى .
قال : لا . . قولى شيئاً آخر يا هالة . . إنى نسيتكِ وما عُدت اذكركِ . . ما عاد عقلى يتذكركِ . . وما عاد قلبى يرنو إليكِ . . وما عادت عيناى تتخيلك . . ما عاد شيئاً كما كان من قبل . . إنى نسيتكِ وأخرجت من قلبى حبكِ .

على الفور إمتدت يد هالة إلى هاتف أحمد لتمسك به ، وظلت تبحث عن إسمها حتى وجدته فى سجل أسمائه . . نظرت إليه ثم ضحكت  . . وقالت له : إن كان ما تقوله حقاً ، فلماذا لم تمحى إسمى من هاتفك بعد كل هذه الشهور ؟ إنك تخدع نفسك ولكنك لن تخدعنى ، فأنا أعرفك جيداً وأفهمك جيداً ، ولكنك ما عرفتنى قط وما فهمتنى قط . . ونهضت واقفة ، وقبل أن تغادره ، نظرت إليه وقالت : سوف ألقاك فى الأسبوع القادم ، حيث عملى بالمدرسة . . وأنا على يقين ، أنك سوف تنتظرنى كما تعودت دائماً ، فأنا لا أعرف غيرك ولا أميل لسواك ، ولكنك يا عزيزى لا تفهم النساء ، وإستدارت كى تمضى فى طريقها . . وهو جالس فى مكانه يسأل نفسه : هل ما تقوله هى حق ؟ ؟ وهل ما يزال يحبها ويتمنى قربها ، رغم كل ما فعلته به منذ شهور ؟ ؟  وهل هى حقاً صادقة حين قالت : أنه يخدع نفسه بإنكاره حبها ؟ وهل هو حقاً يميل إلى الصفح عنها ، وغفران ما بدر منها ؟  وهل نسى حقاً ما كان منها بالأمس ؟
نظر أحمد من حوله . . فوجد الجميع قد إنصرفوا إلا هو . . نهض واقفاً ومضى فى طريقه ، يسير بخطوات متباطئة وثقيلة . . وهو لا يدرى بما حوله . . ويردد فى أعماقه ويتساءل حائراً :
هل نسيتُ حقاً . . . . . ما كان منها بالأمس ؟ ؟ ؟ ؟       وإلى مقال آخر إن شاء الله .
 


     

الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

القضاء السياسى . . وأزمة الإعلان الدستورى . . والضربة الإستباقية ! !


القضاء السياسى . . وأزمة الإعلان الدستورى . . والضربة الإستباقية ! !
--------------------------------------------------------------------

قال الله تعالى فى كتابه العزيز : " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ، إن الله نعما يعظكم به " صدق الله العظيم  . . . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " القضاة ثلاثة : قاضيان فى النار ، وقاض فى الجنة . قاض عمل بالحق فى قضائه فهو فى الجنة . وقاض علم الحق فجار متعدياً فهو فى النار . وقاض قضى بغير علم وإستحيا أن يقول لا أعلم فذلك فى النار " صدق رسول الله .

إن القضاء هو فى الأصل رسالة ، غايته القسط بمعنى العدالة ، وأول من تولى القضاء هم الرسل والأنبياء ، مصداقاً لقوله تعالى : " لقد أرسلنا رسلنا . . . . وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط " صدق الله العظيم . . . ولابد لعضو الهيئة القضائية ، أن يتصف بالموضوعية ، ولكى يتصف بها ، لابد أن تتوافر لديه ثلاث مقتضيات هى : الغيرية والتجرد والحيدة .
وغيرية القاضى ، تعنى أن يكون غيراً بالنسبة للخصوم ، وأعوانهم من المحامين ، وأعوان القضاء . . وتجرد القاضى ، يعنى أن يتجرد القاضى عن ذاته ونزعاته الشخصية ، حال مباشرة القضاء ، ولصعوبة تجرد القاضى ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من تولى القضاء فقد ذبح بغير سكين " . . وقال أيضاً : " من طلب القضاء وإستعان عليه فقد وكل إليه ، ومن لم يطلبه ولا إستعان عليه ، أنزل الله ملكاً يسدده "  صدق رسول الله . . . أما حياد القاضى ، فيعنى عدم تحيزه ، إما سهواً أو عمداً ( الجور أو الظلم ) .

والقضاء المصرى الآن . . يواجه فى عمومه أزمة طاحنة ، تكاد تعصف بقدسيته وهيبته ، بعد أن أصابه ما أصابه ، من فساد وإنحراف ، طال قلة قليلة من قضاته ، ونال من مكانته ومنزلته بين جموع المصريين . . فقد مالت نفوس بعض قضاة مصر ، وبصفة خاصة قضاة المحكمة الدستورية العليا فى البلاد ، الذين إنزلقت أقدامهم إلى حيث مستنقع السياسة ، وعالمها القذر ، الذى لا يليق بقضاة مصر ، أن ينتسبوا إليه من قريب أو بعيد . . فالسياسة لها ألاعيبها الخاصة بها ، ولها حيلها وخدعها ، التى تبتعد كل البعد عن قدسية القضاء ، وهيبته وأخلاقياته ومبادئه . . فالقاضى لا يحق له أبداً ، أن ينحاز إلى طرف دون آخر ، والسياسة كلها ميل وتحيز وإنحياز ، ولا يليق بالقضاة أن يقترفوها ، ولا أن يدنسوا محرابهم بآثامها وأخطائها وخطاياها .

إن مشكلة الإعلان الدستورى ، الذى أصدره مؤخراً ، رئيس الجمهورية المنتخب ، الدكتور / محمد مرسى ، هى فى الأساس مشكلة ، تعود فى منبعها وأصلها إلى قضاء مصر ، الذى صار البعض منه مُسيساً ، ذا ميل وهوى ، أفقداه موضوعيته وحياده وتجرده

فقد أثبتت الأحداث التى وقعت فى الشهور الأخيرة ، منذ أن تولى الرئيس / محمد مرسى ، سلطة الحكم فى مصر ، أن هناك شيئاً ما قد لحق بالقضاء ، فى قلة منه ، وعلى رأسهم قضاة المحكمة الدستورية العليا ، التى حامت حول قراراتها بعض الشبهات ، أبعدتها عن الحيدة والنزاهة ، فى نظر الكثيرين من أبناء شعب مصر . . وربما كان قرارها بحل مجلس الشعب المصرى المنتخب بعد ثورة 25 يناير ، وهى لا تملك قانوناً سلطة الحل ، لأن إختصاصها حسب قانونها ، ينحصر فى تقرير عدم دستورية القانون الذى تمت على أساسه إنتخابات أعضائه ، دون أن يكون من شأنها تقرير حله ، بل إن ذلك هو من إختصاص القضاء الإدارى وحده . . ولكن قضاة المحكمة الدستورية ، تصدوا لحل المجلس التشريعى ، متجاوزين إختصاصاتهم ، وهم فى عجالة من أمرهم ، أثارت الشبهات حول تصديهم لحل المجلس . . فقد جرى نظر الدعوى والحكم فيها فى شهور قليلة ، بعد أن كانت فى السابق فى عهد مبارك المخلوع ، تستغرق خمس سنوات على الأقل . .                                                                                                ومن ناحية أخرى ، إنخرط قليل من قضاة تلك المحكمة ومن غيرهم من القضاة ، فى العمل بالسياسة ، والخوض فى أحاديث سياسية ، لا علاقة لها بالقضاء ، عبر وسائل الإعلام ، وإبداء الرأى علانية فى العديد من الأمور السياسية . . وكان من نتيجة ذلك ، أن ثارت الشبهات حول بعض من قضاة المحكمة ، ومدى دورهم فى توجيه الحياة السياسية فى البلاد ، وهو أمر لا يقبله الكثيرون من أبناء الشعب المصرى ، حفاظاً على قدسية وهيبة ومكانة تلك المحكمة فى نفوس المصريين . . وكان يتعين على عموم قضاة تلك المحكمة العليا ، أن يتولوا بأنفسهم تصحيح مسار بعضهم ، ممن مالوا إلى السياسة ، وخلطوا بينها وبين القضاء بقدسيته .

وقد ترددت فى الآونة الأخيرة أنباء وأخبار ، وصلت إلى مسامع مؤسسة الرئاسة ، وتأكدت إليها معلومات ، أفادت بأن أمراً ما يجرى تدبيره ، بين بعض من أعضاء الهيئات القضائية ، ذات الصلة بنظر طعون ودعاوى إلغاء ، لبعض قرارات وقوانين يصدرها رئيس الجمهورية ، بصفته التشريعية ، من أجل تسيير شئون البلاد . . وعلى رأس تلك الطعون والدعاوى ، الطعون الثلاثة المتعلقة بحل مجلس الشورى المنتخب ، وحل الجمعية التأسيسية للدستور ، وإلغاء الإعلان الدستورى الصادر من رئيس الجمهورية فى 11 / 8 / 2012  الذى تضمن إلغاء الإعلان الدستورى المكمل الصادر عن المجلس العسكرى فى 17 / 6 / 2012 ، وهو الأمر الذى يعنى تفريغ البلاد من أية مؤسسات منتخبة ( بعد حل مجلس الشعب ) ، وتعطيل وضع مشروع الدستور ، وإعادة الإعلان الدستورى المكمل ، إلى الوجود مرة أخرى ، والتى تعنى بالضرورة عودة المجلس العسكرى إلى الحياة السياسية ، وتصدره المشهد من جديد ، وإستحواذه على سلطة التشريع فى مصر . . . أى إعادة البلاد إلى نقطة الصفر مرة أخرى . . وتلك مصيبة كبرى .

وكعادة رئيس الجمهورية المنتخب / محمد مرسى ، وحزبه وجماعته ، أنهم إعتادوا دائماً على توجيه ضربة إستباقية ، لخصومهم السياسيين ، يُجهضون بها محاولاتهم للنيل منهم . . تلك الضربة الإستباقية التى عهدناها منهم ، قبل إعلان نتيجة الإنتخابات الرئاسية ، عندما خرجوا إلى ميادين مصر ، وإستبقوا الجميع وأعلنوا فوز مرشحهم الدكتور / محمد مرسى ، بمنصب رئيس الجمهورية ، قبل أن تعلن اللجنة الرئاسية للإنتخابات النتيجة بصفة رسمية ، فقطعوا الطريق بذلك على أية محاولات ، للتلاعب فى نتيجة الإنتخابات ، وتلك كانت ضربتهم الإستباقية الأولى . .                                                                

ثم كانت الضربة الإستباقية الثانية ، حين علم رئيس الجمهورية المنتخب ، أن هناك محاولات لإحداث إنقلاب عسكرى ضده ، والإطاحة به من منصبه ، لصالح شركائه العسكريين فى حكم مصر آنذاك . . فما كان منه إلا أن أصدر إعلاناً دستورياً فى 11 / 8 / 2012 ، إستبق به الجميع ، وألغى به الإعلان الدستورى المكمل ، الصادر من المجلس العسكرى فى 17 / 6 / 2012 قبل إعلان فوز محمد مرسى بمنصب رئيس الجمهورية بساعات قليلة . . وبذلك أطاح مرسى وحزبه وجماعته ، بالقادة العسكريين الكبار ، بضربة إستباقية ثانية ، وإستعاد حكم البلاد كاملاً ، بما فى ذلك سلطة التشريع .

ثم كانت الضربة الإستباقية الثالثة ، هى ذلك الإعلان الدستورى الأخير ، الصادر بتاريخ 21 / 11 / 2012 ، والذى صدر عن رئيس الجمهورية ، إستباقاً للإنقلاب القانونى ، الذى كانت بعض الهيئات القضائية تدبر للقيام به ، من أجل تفريغ مصر من مؤسساتها الدستورية ، وإحداث فراغ دستورى فى البلاد ، تكون من نتيجته أن تعم الفوضى كل ربوع مصر ، لتنتهى الأحداث بالإطاحة برئيس البلاد المنتخب ، لكن الله حمى مصر من شر تلك الفتنة الكبرىوالكارثة المُحققة

وللأسف الشديد . . أن القوى العلمانية والليبرالية واليسارية والناصرية ، التى كانت تدعى أنها مع الثورة والثوار ، قد إنكشف عنها القناع فى هذه الأزمة الراهنة ، فقد فوجئ بهم الجميع ، وهم يضعون أياديهم فى أيادى أسيادهم من فلول نظام مبارك المخلوع ، الملوثة بدماء شهداء ثورة 25 يناير . . إنهم إجتمعوا سوياً من أجل تحقيق هدف واحد ، وياليته كان من أجل مصر ، ولكنه من أجل الإطاحة بالرئيس المنتخب وحزبه وجماعته ، فبئس الهدف هدفهم ، وبئس الغاية غايتهم . . ومما يثير السخرية ، رفضهم القاطع للحوار مع الرئيس ، حول الأزمة الراهنة ، وإشتراطهم أن يُلغى الإعلان الدستورى أولاً . . أفبعد هذا الشرط ، تكون للحوار أهمية ؟ ؟ ؟

إنهم إستطاعوا أن يحشدوا الآلاف من الشباب المُضللين ، بشعاراتهم الخاوية ، من أجل تصفية حسابات الإنتخابات الرئاسية السابقة ، وخشيتهم من خسارتهم المؤكدة فى الإنتخابات البرلمانية القادمة . . إنهم ما قبلوا نتيجة الإنتخابات الرئاسية ، وما رضوا عنها ، ولا عن ديمقراطية صناديق الإنتخاب . . إنهم يريدون الديمقراطية المصرية ، على الطريقة الفرعونية ( إما فيها ، أو أخفيها ) . . وللأسف الشديد سايرهم القضاء فى مسعاهم الردئ .

وأنا أقولها للرئيس المنتخب / محمد مرسى عيسى العياط  . . إثبت مكانك ولا تهتز . . دَعهم يتصايحون ويتصارخون . . دعهم يتقافزون مثل القرود . . ولا تمكنهم من إعتلاء أكتافك أبداً . . إنهم وصوليون يبتغون السلطة فقط . . وليس لديهم ما يقدمونه لمصر وشعبها . . إنهم أنصاف فلول عَبدة فلول . . نعلم جميعاً أن الأزمة كبيرة وطاحنة . . ولكن الكبار وحدهم ما خلقوا إلا لأجلها . . كن ثابتاً . . كن قوياً . . كن عادلاً . . كن راعياً لمصلحة مصر وشعبها . . كل شعبها وليس الإخوان وحدهم . . ولولا عدم ثقتى فى بعض قضاة مصر الذين غلبتهم السياسة ، لنصحتك باللجوء إلى الشعب فى إستفتاء عام حول الإعلان الدستورى . . فلا تفعلها ، لأنك لو فعلتها ، سوف تكون خطيئتك الكبرى . . فلا تفعلها . . لا تفعلها أيها الرئيس . وإلى مقال آخر إن شاء الله.

الأحد، 25 نوفمبر 2012

إحذروا أيها الثوار . . . . من فلول مبارك ! !


إحذروا أيها الثوار . . . . من فلول مبارك ! !
------------------------------------------
قال الله تعالى – مُحذراً رسوله الكريم – فى كتابه العزيز : " ومن الناس من يعجبك قوله فى الحياة الدنيا ويشهد الله على ما فى قلبه وهو ألد الخصام " صدق الله العظيم . . . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن خان " صدق رسول الله . . . . كثيراً فى حياتنا . . ما نقابل أناساً ، تنطلق ألسنتهم بأحلى الكلمات ، وتنطق شفاههم بأرق العبارات ، وتعلو وجوههم الإبتسامات ، وتبدو عليهم أمارات المحبة لنا والوفاق ، وهم فى حقيقة أمرهم من ألد الأعداء ، ويتمنون فى أنفسهم لنا الهلاك . . أولئك هم المنافقون ، الذين حذر منهم ربنا رسوله الكريم محمد، من فوق سبع سماوات بكلمات قرآنية ، نزل بها الأمين جبريل على سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ، وأولئك هم أيضاً من أسماهم القرآن الكريم بالمنافقين ، وبشرهم الخالق جل فى علاه بجهنم وبئس المصير . . . قال تعالى فى كتابه العزيز : " إن المنافقين كانوا فى الدرك الأسفل من النار " صدق الله العظيم .

والآن فى مصر . . أرى أمامى مشهداً غريباً وعجيباً ، رأيته من قبل منذ أكثر من تلاثين عاماً ، أيام أن إجتمع الأضداد ، فى الفكر والأيدلوجيات ، والرؤى والتوجهات ، والخطط والأهداف ، وتصدروا جميعاً المشهد السياسى المصرى ، وهم خصوم وأعداء ، فى أواخر عهد الزعيم أنور السادات رحمه الله . . وقت أن أخطأ السادات فى حساباته وتقديراته ، الخطأ الأكبر والخطيئة الكبرى ، وقرر الإفراج عن أعضاء الجماعات الإسلامية ، وعلى رأسهم الأخوان ، من السجون والمعتقلات ، وفتح لهم الطريق للعمل الدَعوى والسياسى ، ، وكان السادات كمن يلعب بالنار ، فقد كان فى تقديره الخاطئ آنذاك ، أنه بذلك إنما يُحدث توازناً فى البلاد ، بين الفكر الإشتراكى الشيوعى والفكر الإسلامى . . وكانت المفاجأة الكبرى للسادات نفسه ، أن تخلى كل منهما عن فكره وعن أيدلوجيته ، وإتفقوا معاً عليه ، ووقفوا فى وجهه ، وأفسدوا الحياة السياسية فى مصر ، رغم إختلافهم الأيدلوجى العميق ، الذى كان يُدركه السادات تماماً ، ولكنه تغافل عنه ، حتى وجد أمامه مشهداً لا يتكرر ، إلا فى عالم السياسة وحده ، ذلك العالم القذر البعيد عن المبادئ والأخلاق .
لقد فوجئ الجميع آنذاك ، وعلى رأسهم السادات رحمه الله ، بأن الأخوان المسلمين الموحدين بالله والمؤمنين برسوله ، قد وضعوا أيديهم فى أيدى الشيوعيين ، الملحدين الكافرين بالله ورسوله ، ضد السادات فى آن واحد ، جمعتهم لعبة السياسة القذرة ، ولملمتهم الأهواء والمطامع ، وأفسدوا على مصر ما كان يأمله لها السادات . . وكان أن إنتهى إتفاقهم وإجتماعهم ، على أهدافهم الشيطانية ، بمأساة حقيقية عاشتها مصر والمصريون ، وعانوا منها كثيراً . . لقد آل الأمر فى نهايته إلى إغتيال السادات نفسه ، طمعاً فى السطو على السلطة ، من أجل فرض أيدلوجياتهم الخاصة بهم وحدهم ، ولكن الله انقذ مصر من براثن الأخوان المسلمين والشيوعيين فى آن واحد .

واليوم فى مصر . . أرى أمامى ذات المشهد العجيب والغريب يتكرر مرة أخرى ، ولكن فى هذه المرة ، إجتمع الثوار الأحرار فى ميدان الثورة ، ميدان التحرير ، حيث سالت دماء الشهداء الأبرياء . . ويا للهول والعجب العُجاب . . لقد إحتشد معهم فى ذات الميدان ، الفاسدون المُفسدون ، من فلول مبارك المخلوع ، رجال الحزب الوطنى المنحل والمدحور ، والجميع يتصايحون ضد الأخوان هذه المرة . . أترى ؟ هل التاريخ يُعيد نفسه ؟ وكما فعل الأخوان المسلمين مع السادات ووضعوا أياديهم فى أيادى الشيوعيين المُلحدين ، من أجل الإطاحة بالسادات . . الآن الثوار الأحرار، وضعوا هم أيضاً أياديهم فى أيادى ملوثة بالدماء ، من أجل الإطاحة بمرسى والأخوان . . وهل أصاب العمى هؤلاء الثوار إلى هذه الدرجة ؟ أم أنها السياسة لعنها الله ألف مرة ومرة ؟

إن القوى الثورية فى مصر ، تسعى الآن إلى هدف واضح وظاهر ، هو إستعادة ثورتهم التى إختطفها منهم الأخوان ، وإختطفوا معها مصر كلها ، وللثوار بعض الحق فى ذلك ، فممارسات الأخوان ليست فوق مستوى الشبهات ، فى هذا الخصوص ، ويسعى الثوار إلى تحقيق ذلك الهدف من خلال الإطاحة بالإخوان ورئيس البلاد المُنتخب ، صاحب الشرعية الوحيدة فى مصر الآن . . . أما فلول مبارك ، فهم أيضاً يسعون إلى هدف واضح وظاهر ، ولكنه يختلف عن هدف الثوار ، إنهم يهدفون إلى إعادة النظام البائد الفاسد مرة أخرى ، بكل رموزه وسدنته ، ورجاله اللصوص السارقين لقوت هذا الشعب . . وهم أيضاً من أجل تحقيق هدفهم الكريه ، يتبعون ذات الوسيلة التى يتبعها ثوار 25 يناير ، وهى الإطاحة بالإخوان و الرئيس الشرعى المنتخب فى البلاد ، ثم إشاعة الفوضى فى مصر مرة أخرى . . إنهم فلول ماكرون ، يحاولون إعتلاء أكتاف الثوار، من أجل إسقاط النظام ، وإعتلاء قمة السلطة فى البلاد مرة أخرى .

لقد أثارت إعجابى . . كلمات صدرت عن الكاتب والروائى / علاء الأسوانى ، حين كتب بالأمس ، مُحذراً الثوار من فلول مبارك ، ومُنادياً بأعلى صوته ، أن إنتبهوا يا ثوار مصر لمكر الماكرين من رجال مبارك . . أراد الرجل أن يدق ناقوس الخطر عالياً ، كى يسمعه ثوار مصر ، رغم أنه يختلف مع الإخوان فى توجهاتهم وسياساتهم وأطماعهم ، إلا أنه مثلنا جميعاً – نحن المصريين – يرى أن رجال مبارك وفلوله أشد خطراً على البلاد من خطر الأخوان .
إن المدعو أحمد شفيق ، إبن مبارك الفاسد ، قابع هناك خارج البلاد ، فى مخبئه مثل الفئران ، يخطط ويُدبر ويمول من أمواله الفاسدة وأموال رجال مبارك ، من أجل إسقاط النظام الحاكم فى مصر ، مستغلين فى ذلك غباء الإخوان وأطماعهم فى محاولة إختطاف مصر ، ومُستغلين فى ذات الوقت ، حماسة وإندفاع ثوار مصر 25 يناير ، الذين يسعون بكل جهدهم لإستعادة مصر المخطوفة من يد الإخوان . . ولكن شفيق وعملاؤه ، لا يسعون إلى ما يسعى إليه الثوار ، وإنما يسعون إلى إستعادة السلطة فى مصر مرة أخرى ، ليعود شفيق من الخارج ، مُعتلياً سُدة الحكم فى البلاد ، ويعود مرة أخرى نظام مبارك المخلوع ، ويعود التنكيل بالمصريين والثوار .

إن ثوار مصر الآن . . فى موقف صعب للغاية ، إنهم يقفون محاصرون بين أطماع الإخوان فى مصر من ناحية ، وبين مؤامرات الثورة المضادة ودسائسها من ناحية أخرى . . والخوف كل الخوف ، من أن يضل الثوار طريقهم ، ويضعوا أياديهم الطاهرة فى أيادى الفلول الملوثة بدماء الشهداء من أقرانهم ، من أجل الإطاحة بالإخوان المسلمين ورئيس البلاد .
وأنا أقول لهم : يا ثوار مصر 25 يناير . . تمسكوا بأهدافكم فى إستعادة ثورتكم وإستعادة مصر ، التى إختطفها الإخوان منكم وأنت غافلون عنها . . ولكن . . إياكم أن تغفل عيونكم عن أولئك المتربصين بكم وبثورتكم ، من فلول مبارك المخلوع . . لا تدعوا صراعكم مع الإخوان وكرهكم لهم ، يُنسيكم مكر ودهاء وتدابير ومؤامرت ودسائس الثورة المُضادة ، من رجال النظام البائد ، الذين لم يفقدوا الأمل حتى اليوم فى إفتراس مصر مرة أخرى . . إن عدوكم الأول هو الثورة المضادة من الفلول ، وخصمكم من الإخوان المسلمين ولكنهم ليسوا عدواً لكم . . لا تنسوا أنكم والإخوان كنم شركاء فى ثورة 25 يناير ، دفعوا معكم أثماناً غالية من أجل إنجاحها . . صحيح أن أطماعهم غلبت عليهم ، وتلك هى طبيعة السياسة لدى الجميع ، وأرادوا إختطاف مصر لهم وحدهم . . ولكن . . يجب ألا يُنسيكم طمع الإخوان مكر الفلول ، الذين يتربصون بكم وبثورتكم وبمصر وبالإخوان فى آن واحد ، وينتظرون ، وتلك فرصتهم أن ينهار الحكم فى البلاد ، وتعم الفوضى مرة أخرى ، وساعتها سوف ينقضون على حكم مصر ، وربما ساندهم الجيش هذه المرة ، وسوف تضيع ثورتكم إلى الأبد . . كونوا حكماء وعقلاء ، مصر الآن لها رئيس مُنتخب لا تطيحوا به ، لأنكم لو فعلتم ، فلن تستردوا مصر مرة أخرى . . الفلول مُتربصون ، لقد إستوعبوا الدرس جيداً ، والجيش هذه المرة لن يقف مُتفرجا. . أقول لكم بأعلى صوتى : إحذروا الإخوان ، ولكن إحذروا أكثر منهم فلول مبارك ! ! !             وإلى مقال آخر إن شاء الله .   




الجمعة، 23 نوفمبر 2012

ونسىَ . . . . أنها لم تكن يوماً حبيبته ! !


ونسىَ . . . . أنها لم تكن يوماً حبيبته  ! !
-------------------------------------
فى حياتنا  أناس يعرفوننا ونعرفهم . . تأبى الأحزان والآلام أن تفارقهم ، وكأنما وقفت خصيصاً على أبوات حياتهم ، تمنع الأفراح والسعادة من الإقتراب منهم . . هكذا جاءت أقدارهم ، وهكذا أراد الخالق الأعلى لهم . . كلما إقترب منهم الفرح إبتعد عنهم . . تمضى أيامهم ، وتنقضى سنونهم ، وتنتهى أعمارهم ، وهم ما ذاقوا طعم السعادة إلا قليلاً . . رَضوا بما قسم لهم العلى القدير ، وكانوا بما أعطاهم الله أو أخذ منهم قانعين . . ولكن نفوسهم تتوق إلى الحياة كغيرهم من البشر . .                                                                                                        إنهم أمثالنا لهم أحلامهم وآمالهم ، مثلما لنا أحلامنا وآمالنا . . لهم أعين مثلنا تشهد الحُسن وتعشق الجمال ، ولهم آذان مثلنا تطرب لسماع أحلى الأنغام ، ولهم قلوب مثلنا تميل إلى الحب والغرام ، ولهم أفئدة كأفئدتنا تهفو إلى الحبيب وتعشق الوئام ، ولكن حياتهم تملؤها الهموم والأحزان ، كلما إقترب منهم فرح كان مصيره البعاد . . تُرى أهم من التعساء ؟ أم أنهم حاملوا الهموم والأحزان ؟ أم كتب الله عليهم الحياة بلا حياة ؟ أم صدق فيهم قول الشاعر حين قال :
          حظى كدقيق فوق شوك نثروه                ثم قالوا لحفاة يوم ريح إجمعوه
          فلما صعب أمره قالوا أتركوه                قد أشقاه ربه ، كيف أنتم تسعدوه ؟

كان وليد من ذلك النوع ، من حاملى الهموم والأحزان ، أحب منذ سنوات وسنوات ، أحب من هى بحق حسناء الحسناوات ، ولكن قدره كان له بالمرصاد ، راح حلمه وضاع حبه وذهبت الحسناء ، وظل هو فى ذكراها ليل نهار وصباح مساء . . وأمضى سنوات يردد فى أعماقه أنشودة حب ، كم شدا بها طويلاً لفتاته الحسناء :
                     يا حسناء . . أنا ربان سفينة قادتنى الأقدار لبحر هواكِ
                     جئت لأرمى شباكى وأرحل . . . . . . أسرتنى عيناكِ
                     ضل الشبك . . وفر السمك . . وعدت وأملى أن ألقاكِ
                     عدت . . وقدرى أنى سأبقى . .طول العمر فى ذكراكِ
                     هل أجد لديكِ يا حسناء . . . . قلب يهوى من يهواكِ ؟

ولكن . . ذهبت عنه الحسناء ، وتركته وحيداً ، وحمد الله راضياً وقانعاً بما قسمه له . . وظلت الأعوام تطويها الأعوام . . حتى ذات مساء .

ذات مساء . . عرفها . . إنها نرمين . . هذه الفتاة الجميلة ذات العيون الساحرة ، التى وقعت عيناه على صورتها فى إحدى صفحات التواصل الإجتماعى . . كان جمالها أخاذاً ، وكانت عيناها ساحرتين . . لفت إنتباهه إليها أنها كانت قريبة الشبه ممن أحبها وهواها ، وعشقها قلبه وإبتغاها ، منذ سنوات وسنوات . . شئ ما أراحه إليها ، لا يدرى ما هو ، ربما جمالها ؟ أو سحر عيونها ؟ أو خفة دمها ؟ أو ثقتها بنفسها ؟ وربما أنها شبيهة محبوبته ؟ كلها أمور كشفت عنها صورها . .

أحس وليد بميل إليها ، وقرر على الفور التواصل معها ، وهو لا يطلب سوى صداقتها والحديث إليها ، ولو من بعيد . . كان يريد أن يستعيد فيها وليس معها ذكريات حبه ، وأحلام هواه ، التى راحت عنه وغادرته وحيداً منذ سنين .
أسعده كثيراً . . أنها لبت نداء صداقته ، وبدأ يراسلها ويحاورها ، ويقرأ خواطرها وقصائدها ، ثم يُبدى الرأى فيها . . أما هى فقد إهتمت أيضاً بما يكتبه قلمه ، من القصص الأدبية والحوارية ، وأبدت شغفاً وتعلقاً بها . . وبمرورالأيام ، توطدت الصلة ، وقويت الصداقة ، وكان سعيداً بما يقرأه عنها ، ولم يصطدم قط بآرائها . . فقد كانت لديها رقة وجمالاً فى تعبيراتها ، جعلاه يشتاق كثيراً لقراءتها ومتابعتها .
وذات يوم من الأيام . . أخبرته بأن شخصاً ما قد تقدم لخطبتها ، وأنها قبلته ورضيت به ، وطلبت منه الدعاء لها بالتوفيق فى حياتها ، وأخبرته بأنها سوف تنشغل عنه عدة أيام بسبب خطوبتها . . فرح لها وليد من قلبه فرحاً شديداً ، لأنه كان يدرك جيداً طبيعة صلته بها ، وأنهما صديقان عزيزان ، يجمع بينهما الود والإحترام ، و يحمل كلاهما للآخر مشاعر طيبة ، وأمانى وأمنيات سعيدة . . هنأها وليد على خطوبتها ، وتمنى لها أياماً سعيدة ، وحياة هادئة وهنيئة ، مع من إختارته ورضيت به خطيباً ثم زوجاً ورفيقاً ، فى مشوار الحياة الطويل . .

غابت نرمين عدة أيام . . بسبب إنشغالها بتجهيزات الخطوبة  ، شعر خلالها وليد بأنه يفتقد الصديقة العزيزة والأخت الصغرى الجميلة ، ولكنه تحامل على نفسه حتى عادت إليه بعد أيام قليلة . . لقد تواصلا من جديد ، وعاد الحوار بينهما من جديد . . مرت الأيام وأصبح لصداقتهما مذاق خاص ، فهو ممن يفهمون معنى الصداقة جيداً ، ويعرف أن للصداقة حقوق وواجبات ، وأن لها أيضاً ضوابط وقيود ومستلزمات . . كان هو حريصاً على معاملتها بالود والإحترام ، وكانت هى حريصة على مناداته بالأخ والصديق .

وذات مساء . . عاد وليد من عمله ، فوجد نرمين وقد تركت له رسالة عبر بريده الألكترونى ، تخبره فيها بأن خطيبها ، الذى فرح هو من أجله وأجلها ، يغار من صداقته عليها ، وأنه يفتعل المشكلات والخلافات ، وأنها آسفة لما يحدث ، وإلتمست منه العذر وهى حزينة ، أن يتوقف عن التواصل معها ، وعن قراءة خواطرها والتعليق عليها ، منعاً لتلك المشكلات ، وإطفاءً لنار الغيرة غير المُبررة التى تشتعل فى صدر خطيبها .
وعلى الفور . . أرسل إليها وليد برسالة ، يطمئنها أن ما طلبته قد حدث بالفعل ، وأنه على إستعداد لفعل كل ما تطلبه ، كى تهدأ و تستقرحياتها ، وتنطفئ نار الغيرة عند خطيبها . . لقد أراد وليد بفعلته هذه ، ألا يدعها تحيا فى قلق أو توتر ولو للحظات  ، فى علاقتها مع خطيبها ، ما دامت هى قد طلبت منه ذلك . . إحترم رغبتها ، وحقق لها ما أرادت ، كى يرتاح بالها ، وتهنأ بالراحة نفسها .

أما هو . . فلا إرتاح له بال ، ولا هنأت له نفس ، منذ أن إبتعدت عنه . . بدأ يعانى من جديد ، ويتألم من جديد ، لفقدان تلك الصديقة العزيزة . . أحزنه كثيراً ، أنه لم يعد يقرأ خواطرها ، ولم يعد يتواصل معها . . لقد عادت الأقدار مرة أخرى ، لتحرمه ممن إرتاحت إليها نفسه ، وسكن معها ضميره ، وهدأ لها باله ، وإقتنع بها عقله . . إنها الإنسانة الوحيدة منذ سنوات وسنوات ، التى إطمأن إليها ، وحرص على القرب منها ولو من بعيد ، بعدما حرمته الأقدار ممن أحبها ، وكانت تشبهها إلى حد بعيد .
لقد ذهبت هى بعيداً عنه ، وعاد هو مرة أخرى ليسكن ذاته ، ويُحدث نفسه وتحدثه نفسه . . جلس إليها بالساعات الطوال ، وكان كلما جلس يسألها : ما بال الأقدار تحرمنىهكذا ممن أحبهم ؟ وممن أأنس إليهم ؟ وممن تميل إليهم نفسى ؟

ظل وليد على هذا الحال . . أيام وأيام ، لا تغادره أحزانه  ، ولا هو قادر على مغادرة آلامه . . صار يسأل نفسه صباح مساء : ترى . . ألهذا الحد إرتبط وجوده بها ؟ أهى كانت حقاً صديقته فقط ؟ أم أنها كانت أكثر من ذلك ؟
إنه لا يدرى شيئاً . . سوى أنها كانت الوحيدة التى إقتربت من فكره وكيانه . . آلمته الصدمة كثيراً لفقدانها وحرمانه منها . . وترك نفسه وذاته فريسة للحزن من أجلها . . لقد أغرق نفسه فى الإحساس بخسارتها . . ونسىّ أنها كانت مجرد صديقته . . وأنها لم تكن يوماً حبيبته  ! ! !
                                                                           وإلى مقال آخر إن شاء الله .

  
          

الأربعاء، 21 نوفمبر 2012

أسير الياسمين . . . . . . ! !


 أسير الياسمين . . . . . . . . . .  ! !
--------------------------------

فى إحدى لقاءاتنا العديدة . . أنا وفتاتى . . جلسنا سوياً نتجاذب أطراف الحديث ، لقد إعتاد كل منا على أن يُفضى للآخر بكل ما يجول بخاطره . . تحدثنى هى عما جرى لها فى الأيام الماضية ، منذ أن وَدع كلانا الآخر ، فى آخر لقاء لنا ، تخبرنى : ماذا فعلت ؟ وماذا قالت ؟ وأين ذهبت ؟ ومع من تحدثت ؟ وماذا أكلت وشربت ؟ ومتى نامت وكيف نهضت ، تحدثنى عن كل شئ من الصغير إلى الكبير . . ثم تسألنى عن أحوالى : ما حدث لى منذ وداعنا ؟ وما يحدث لى الآن ؟ . . كنا نقتطع لأنفسنا لحظات من الزمان ، نُسّرى فيها عنا ، ويُعطى كلانا الآخر زاداً ويقيناً ، وحلماً وأملاً ، فى مستقبل أكثر سعادة وهناء .
وبينما كنا نتبادل الحديث والكلمات ، فاجأتنى فتاتى بسؤال لم أكن أتوقعه فى حينها . . لقد إلتقينا كثيراً ، وتحاورنا كثيراً ، وتحدثنا فى كل شئ ، إلا ذلك الأمر ، لم نتحدث عنه قط ، ولم يخطر ببالى يوماً ، أن فضولها سوف ينحو بها ذلك المنحى من الحديث ، الذى كان بعيداً عن مُخيلتى كل البعد . . فاجأتنى فتاتى بسؤالها :

قالت ( وهى تسأل ) : كم مر من الأيام والشهور منذ أن تعارفنا يا عزيزى ؟
قلت : إنقضت أيام كثيرة ، ومضت شهور عديدة .
قالت : وفيما كنا نتحدث طوال لقاءاتنا الماضية ؟
قلت : تحدثنا فى الكثير ، تحدثنا فى كل شئ وأى شئ ، لم نترك أمراً إلا وتحدثنا فيه .
قالت : لا يا عزيزى . . هناك أمر لم نتحدث عنه قط . . لم يخطر ببالى ولا ببالك أن نتحدث عنه.
قلت ( وأنا حسن النية ) : أى أمر هذا لم نتحدث عنه ؟ لقد إشتكت منا الكلمات ، وتظلمت العبارات ، وتضررت الحروف ، من كثرة أحاديثنا .
قالت : أم يخطر فى بالك يوماً أن تحدثنى عنها ؟
قلت : أحدثكِ عمن ؟ من تريدين منى الحديث عنها ؟
قالت ( بحماس ) : حدثنى عن حب عمرك . . التى ما أحببت قبلها ولم تحبب بعدها .
قلت : يا لكِ من ماكرة ! ! تريدين الإيقاع بى ، ثم تذبحيننى بسكين لومك ، وتريقين دماء وصالك
قالت ( وهى تطمئننى ) : لا تظن بى سوءً . . مابيننا لا يقطعه حديث . . إطمئن وحدثنى .
قلت : لقد عرفت من النساء الكثير ، وإقتربت من الكثير ، وحادثت الكثير ، وأعجبنى الكثير .
قالت ( وهى تبتسم ) : لا تراوغنى يا عزيزى . . أنت تعرف مقصدى .
قلت : أرى فى عينيكِ يا فتاتى كيد النساء ومكرهن ! !
قالت : إذن . . أنت تفهمنى . . وتفهم ماذا أعنى . . أخبرنى ولا تراوغنى . . فلن أدعك إلا إذا أخبرتنى عنها ، وبكل صراحة وصدق .
قلت : وما بالكِ تصرين هكذا ؟ أراكِ تخاطرين بسماع مالا تطيقين ، ثم تلقين على باللائمة .
قالت ( مُبررة ) : هو حب الفضول عندى . . أحياناً يتملكنى . . ولا أملك أن أقاومه .
قلت ( ناصحاً ) : ولكن الله أمرنا . . ألا نسأل عما قد يؤلمنا . . ألم تقرأى قوله تعالى : " يأيها الذين آمنوا ، لا تسألوا عن أمور ، إن تبدُ لكم تسوؤكم " صدق الله العظيم ؟ ؟ ؟
قالت ( والفضول يقتلها ) : نعم قرأت . . ولكنك بكلماتك هذه ، زدت فضولى . . حدثنى عنها حدثنى ولا تخف . . إنها صارت من الماضى . . وإنى لك مُنصِتة .
قلت ( وأنا آمن ) : لقد قابلتها وعرفتها وأحببتها منذ سنين . . حين رأتها عيناى ، شعرت أننى وكأنما لم أرى النساء من قبل . . عشقتها عيناى قبل أن تسمع صوتها أذناى . . ولما سمعتها نسيت أنى قد طربت من قبلها لأحلى الأصوات . . إبتسامتها كانت ساحرة ، وهدوؤها كان يقتلنى . . لقد مِتُ وحَييت مئات المرات . . كان جمالها صارخاً ، وأنوثتها طاغية على كل النساء . . عشت معها وبها ولها أحلى أيام عمرى ، وسنوات سنينى . . وما زلت أحيا على ذكرى حبها .
قالت ( مُستزيدة ) : حدثنى عن عقلها ، وعن فكرها . . حدثنى عن ذكائها . . أعرف أنك لا يكفيك الجمال وحده . . فالمرأة عندك شِطران ، شطر جمال وشطر ذكاء .
قلت : كان لها عقلاً وفكراً ، وحكمة ورزانة ، ما شهدتهم فى أقرانها قط . . ذكاؤها كان يشع من عينيها ، وكانت تتلمح كلماتى سريعاً ، وقبل أن ينطق بها لسانى . . كانت نابهة ولها بديهة حاضرة . . لم يضق صدرى ولا عقلى بها ذات مرة ، وكانت حواراتنا من نوع خاص جداً . . بعضها تغلفه المشاعر والأحاسيس ، وبعضها حديث العقول والأفكار . . كثيراً ما تحاورنا ، ونادراً ما إختلفنا . . أحببت فيها ذكاءها مع جمالها ، فأنا أكره من النساء الحمقى ، ومن الرجال الأغبياء ، ومن الصبية الأشقياء .
قالت : أراك رافقتها طويلاً . . أليس كذلك ؟ ؟
قلت : رافقتها بالقرب ثلاث سنوات ، لكنها بعد أن وَدعتنى ومضت لم تفارقنى قط . . لم تفارق قلبى ولا عقلى ولا فكرى ولا كل كيانى . . خمسة عشر عاماً مضت ، ولا زلت أذكرها ، وأذكر كل شئ فيها ، وأذكر كل ما جمعنا ، وأذكر نظرات عينيها إلىّ ، وأذكر حديثها معى ، وأذكر همسها إلىّ ولمسات يديها ليداى ، كما لو أننى لم أفارقها إلا بالأمس  ! !
قالت ( وهى تهز رأسها ) : ألهذا الحد هى تسكنك ؟ وتسكن أعماقك ، وعقلك وفؤادك ؟ ؟
قلت ( مؤكداً ) : أعجبنى تعبيرك . . إنها حقاً تسكننى . . وتسكن كل وجدانى وكيانى .
قالت : ألم تختلفا يوماً قط ، مثلما يحدث بيننا الآن ؟
قلت : لا . . والله لم نختلف يوماً قط  . . لقد أخبرتكِ أنها كانت عاقلة ورزينة وهادئة ، فمن أين يأتى الخلاف ؟ مثلها لا يُجيد الشجار ، وتسعى دائماً للوفاق والإتفاق . . ولا تسعى أبداً للخلاف والإختلاف . . نعم إختلفت أحياناً آراؤنا ، وكنا نُحكِم عقولنا ، إما أن تعود هى إلىّ أو أعود أنا إليها ، الأهم ألا نفترق ، وألا ندع بيننا مسافات ، وألا يضيع كلانا من الآخر . . كانت تنصت لى كثيراً لتتعلم منى الكثير ، فقد كانت تصغرنى بإثنى عشر عاماً ، وهى سنوات فى تجارب الحياة طويلة . . لم تكن عاندنى قط ، ولا تشاجرنى قط ، ولا تنازعنى قط . . الم أقل أنها كانت عاقلة ؟
قالت : وما الذى فرق بينكما إذن ؟ أهو الإختلاف بينكما ؟ أم إختلاف الزمان ؟ أم أنها سنة الحياة ، التى قد تفرق بين الأصحاب والأحباب ؟
قلت ( وأنا حزين ) : إنها إرادة الله يا عزيزتى . . شاءت الأقدار ألا تجمعنا حياة واحدة . . وما لنا مع الأقدار حِيلة . . ألم تقرأى الحديث القدسى عن رب العزة أنه قال :
                        من لم يرض بقضائى  . . . . . . . . .ولم يصبر على بلائى
                        فليخرج من تحت سمائى . . . . وليبحث له عن رب سواى .
قالت ( وهى تلِح ) : ألا تريد أن تخبرنى بسبب فراقكما ؟
قلت : أود لو إحتفظت بسره لنفسى . فهو أمر لا يخصنى وحدى . . وليس كل ما يعرفه المرء يقله
قالت : ولا أنا ؟ ؟
قلت : ولا أنتِ يا فتاتى ! !
قالت ( مُتبرمة ) : لك ما أردت . . ولكنك لم تخبرنى من تكون هى ؟ ولا حتى أسمها ؟
قلت : إنها أحب الزهور إلى نفسى ، وأعطر الورود فى أجمل البساتين . . إنها زهرة الياسمين !
قالت ( وهى تصرخ ) : أمن أجل ذلك أسميت بطلات قصصك كلهن بإسمها ؟
قلت : أنا لا أرى سوى وجهها الجميل ، ولا أهيم إلا فى عينيها الخضراوتين ، ولا أسمع صوتاً سواها الناعم الرقيق ، ولا أرغب سوى فى القرب منها . . ما زالت تحتوينى حتى فى بعدها عنى ، ما احتوتنى إمرأة قط مثلما إحتوتنى هى بين ذراعيها . . عشت معها أجمل لحظات عمرى ، وفى جوارها نِلت راحة بالى وهنائى . . إنى صرت أسيرها وهى غائبة عنى ! !
قالت : إذن . . ما حاجتك لى يا أسير الياسمين ؟
قلت ( مُهدئاً ) : هى من الماضى . . أما أنتِ ، فأنتِ الحاضر والمستقبل . . أنتِ اليوم وغداً وبعد غد . . بينما كانت هى الأمس .
قالت (وهى تتألم ) : عن أى حاضر تتحدث ؟ وعن أى مستقبل تتكلم ؟ وأنت مازلت تعيش الماضى ، والماضى يسكن فيك ، وفى أعماقك .
قلت : حاضرنا سوياً . . ومستقبلنا معاً ! !
قالت : إنك إعترفت لى بأنك أسيرها بعد ما ذهبت عنك . تعيش فى ذكراها ، وتسكن هى أعماقك.
قلت : العمر سنين . . والحياة مراحل يا فتاتى . . والمرء منا يقابل فى حياته من الناس الكثير . . ولكل مرحلة من العمر أحوالها وناسها . . أفلا تكونى عاقلة وحكيمة كما كانت ؟
قالت ( والدموع فى عينيها ) : تريدنى مثلها ؟ وهل أطيق أنا ذلك ؟ وأى عقل تطلب منى ؟ وأى حكمة ترغب فيها ؟ بعد كل ما حدثتنى عنه ؟
قلت ( مُعاتباً ) : ألم تطلبى أنتِ الحديث عنها ؟ وتلحى فى معرفة المزيد ؟ألم أحذركِ منذ البداية ؟
قالت : ولكنك الآن أخبرتنى . . وأسهبت فى الحديث عنها وكأنك تستعذبه . فلا تلومن إلا نفسك !
قلت ( وأنا أتعجب ) : إنكِ فعلتِ بى مثلما يفعل الشيطان يا عزيزتى . . يدعو الناس إلى الهلاك ، ثم إذا هَلكوا تبرأ مما يفعلون . . ألم تقرأى قول الله تعالى : " . . . . وإذ قال الشيطان للإنسان أكفر ، فلما كفر ، قال إنى برئ منك ، إنى أخاف الله رب العالمين " صدق الله العظيم . . وألم تقرأى قوله تعالى : " . . . . ولما قضُى الأمر، قال الشيطان إن الله وعدكم وعد الحق ، ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لى عليكم من سلطان ، إلا أن دعوتكم فاستجبتم لى ، فلا تلومونى ولوموا أنفسكم " صدق الله العظيم ؟ ؟ ؟
قالت ( وقد أدركت حقيقة ما فعلت ) : وها أنا أقولها لك . . ما كان لك ولا عليك أن تطيعنى فيما طلبت منك . . اما وقد فعلتها وأطعتنى ، فلا تلُمنى  ولوم نفسك يا عزيزى ! !
قلت : وماذا بعد يا فتاتى ؟ قالت : أفبعد ما تحدثت عنه بَعد؟ أو بَعد ما حطمت به فؤادى بَعد ؟ أو بَعد ما أثرت شكوكى فى حبك لى بَعد ؟ أو بَعد ما صارحتنى بأنى لا أسكنك بَعد ؟
قلت ( متوسلاً ) : ولكننى أريدكِ معى . . وأريدكِ فى حياتى ! !
قالت : عن أية حياة تتحدث ؟ أتخدع نفسك أم تخدعنى ؟ أنا لا مكان لى فى حياتك . . إنها الماضى وأنت أسيرها . . أما قلت لى عدة مرات أن الحاضر إبن الماضى ؟ وأنت يا عزيزى أسير الماضى . . أما كتبتها فى قصتك عن صاحبة القصر؟ صاحبة القصرولعنة الحب الضائع " دعك منى كى لا تحطم حياتى . . أنا لست أسيرة الماضى . . أنا بنت الحاضر والمستقبل . . أما أنت فلن تغادر الماضى ما حييت أبداً .

شردَ ذهنى بعيداً عنها لحظات قليلة . . عاد بى الزمن إلى الوراء . . وطال بى الشرود ، فذهب بى إلى حيث الذكريات مع زهرة الياسمين . . عاد بى إلى سنوات مضت لأرى وجهها الجميل وهى تبتسم لى وأبتسم لها ، وتحدثنى وأحدثها ، وتمازحنى وأمازحها ، وأنظر فى عينيها فلا تغلقهما حتى أهيم فيهما .

وفجأة . . إنتبهت إلى واقعى . . نظرت أمامى لم أجد فتاتى . . لقد غادرت وتركتنى مع ياسمينتى ، فى عالم الماضى الذى لم أغادره حتى اليوم . . لقد أدركت فتاتى الحقيقة التى لم أدركها . . أدركت أنها مهما إقتربت منى فلن تسكن قلبى . . لأن قلبى ساكنته لا تزال بداخله . . وأدركت أننى أعشق الأسر فى حب الماضى ، الذى لم تحررنى من أغلاله السنوات الطوال . . إنها أدركت اليقين ، حين تأكد لها أنى أسير الياسمين ! ! !      وإلى مقال آخر إن شاء الله .