القضاء
السياسى . . وأزمة الإعلان الدستورى . . والضربة الإستباقية ! !
--------------------------------------------------------------------
قال الله
تعالى فى كتابه العزيز : " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ،
وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ، إن الله نعما يعظكم به " صدق الله
العظيم . . . وقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : " القضاة ثلاثة : قاضيان فى النار ، وقاض فى الجنة . قاض عمل
بالحق فى قضائه فهو فى الجنة . وقاض علم الحق فجار متعدياً فهو فى النار . وقاض
قضى بغير علم وإستحيا أن يقول لا أعلم فذلك فى النار " صدق رسول الله .
إن القضاء
هو فى الأصل رسالة ، غايته القسط بمعنى العدالة ، وأول من تولى القضاء هم الرسل
والأنبياء ، مصداقاً لقوله تعالى : " لقد أرسلنا رسلنا . . . . وأنزلنا معهم
الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط " صدق الله العظيم . . . ولابد لعضو
الهيئة القضائية ، أن يتصف بالموضوعية ، ولكى يتصف بها ، لابد أن تتوافر لديه ثلاث
مقتضيات هى : الغيرية والتجرد والحيدة .
وغيرية
القاضى ، تعنى أن يكون غيراً بالنسبة للخصوم ، وأعوانهم من المحامين ، وأعوان
القضاء . . وتجرد القاضى ، يعنى أن يتجرد القاضى عن ذاته ونزعاته الشخصية ، حال
مباشرة القضاء ، ولصعوبة تجرد القاضى ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
من تولى القضاء فقد ذبح بغير سكين " . . وقال أيضاً : " من طلب القضاء
وإستعان عليه فقد وكل إليه ، ومن لم يطلبه ولا إستعان عليه ، أنزل الله ملكاً يسدده
" صدق رسول الله . . . أما حياد
القاضى ، فيعنى عدم تحيزه ، إما سهواً أو عمداً ( الجور أو الظلم ) .
والقضاء
المصرى الآن . . يواجه فى عمومه أزمة طاحنة ، تكاد تعصف بقدسيته وهيبته ، بعد أن
أصابه ما أصابه ، من فساد وإنحراف ، طال قلة قليلة من قضاته ، ونال من مكانته
ومنزلته بين جموع المصريين . . فقد مالت نفوس بعض قضاة مصر ، وبصفة خاصة قضاة
المحكمة الدستورية العليا فى البلاد ، الذين إنزلقت أقدامهم إلى حيث مستنقع
السياسة ، وعالمها القذر ، الذى لا يليق بقضاة مصر ، أن ينتسبوا إليه من قريب أو
بعيد . . فالسياسة لها ألاعيبها الخاصة بها ، ولها حيلها وخدعها ، التى تبتعد
كل البعد عن قدسية القضاء ، وهيبته وأخلاقياته ومبادئه . . فالقاضى لا يحق له
أبداً ، أن ينحاز إلى طرف دون آخر ، والسياسة كلها ميل وتحيز وإنحياز ، ولا يليق
بالقضاة أن يقترفوها ، ولا أن يدنسوا محرابهم بآثامها وأخطائها وخطاياها .
إن مشكلة
الإعلان الدستورى ، الذى أصدره مؤخراً ، رئيس الجمهورية المنتخب ، الدكتور / محمد
مرسى ، هى فى الأساس مشكلة ، تعود فى منبعها وأصلها إلى قضاء مصر ، الذى صار البعض
منه مُسيساً ، ذا ميل وهوى ، أفقداه موضوعيته وحياده وتجرده
فقد أثبتت
الأحداث التى وقعت فى الشهور الأخيرة ، منذ أن تولى الرئيس / محمد مرسى ، سلطة
الحكم فى مصر ، أن هناك شيئاً ما قد لحق بالقضاء ، فى قلة منه ، وعلى رأسهم
قضاة المحكمة الدستورية العليا ، التى حامت حول قراراتها بعض الشبهات ، أبعدتها عن
الحيدة والنزاهة ، فى نظر الكثيرين من أبناء شعب مصر . . وربما كان قرارها بحل
مجلس الشعب المصرى المنتخب بعد ثورة 25 يناير ، وهى لا تملك قانوناً سلطة الحل ،
لأن إختصاصها حسب قانونها ، ينحصر فى تقرير عدم دستورية القانون الذى تمت على
أساسه إنتخابات أعضائه ، دون أن يكون من شأنها تقرير حله ، بل إن ذلك هو من إختصاص
القضاء الإدارى وحده . . ولكن قضاة المحكمة الدستورية ، تصدوا لحل المجلس التشريعى
، متجاوزين إختصاصاتهم ، وهم فى عجالة من أمرهم ، أثارت الشبهات حول تصديهم لحل
المجلس . . فقد جرى نظر الدعوى والحكم فيها فى شهور قليلة ، بعد أن كانت فى السابق
فى عهد مبارك المخلوع ، تستغرق خمس سنوات على الأقل . . ومن
ناحية أخرى ، إنخرط قليل من قضاة تلك المحكمة ومن غيرهم من القضاة ، فى العمل
بالسياسة ، والخوض فى أحاديث سياسية ، لا علاقة لها بالقضاء ، عبر وسائل الإعلام ،
وإبداء الرأى علانية فى العديد من الأمور السياسية . . وكان من نتيجة ذلك ، أن
ثارت الشبهات حول بعض من قضاة المحكمة ، ومدى دورهم فى توجيه الحياة السياسية فى
البلاد ، وهو أمر لا يقبله الكثيرون من أبناء الشعب المصرى ، حفاظاً على قدسية
وهيبة ومكانة تلك المحكمة فى نفوس المصريين . . وكان يتعين على عموم قضاة تلك
المحكمة العليا ، أن يتولوا بأنفسهم تصحيح مسار بعضهم ، ممن مالوا إلى السياسة ،
وخلطوا بينها وبين القضاء بقدسيته .
وقد ترددت
فى الآونة الأخيرة أنباء وأخبار ، وصلت إلى مسامع مؤسسة الرئاسة ، وتأكدت إليها
معلومات ، أفادت بأن أمراً ما يجرى تدبيره ، بين بعض من أعضاء الهيئات القضائية ،
ذات الصلة بنظر طعون ودعاوى إلغاء ، لبعض قرارات وقوانين يصدرها رئيس الجمهورية ،
بصفته التشريعية ، من أجل تسيير شئون البلاد . . وعلى رأس تلك الطعون والدعاوى ،
الطعون الثلاثة المتعلقة بحل مجلس الشورى المنتخب ، وحل الجمعية التأسيسية للدستور
، وإلغاء الإعلان الدستورى الصادر من رئيس الجمهورية فى 11 / 8 / 2012 الذى تضمن إلغاء الإعلان الدستورى المكمل الصادر
عن المجلس العسكرى فى 17 / 6 / 2012 ، وهو الأمر الذى يعنى تفريغ البلاد من أية
مؤسسات منتخبة ( بعد حل مجلس الشعب ) ، وتعطيل وضع مشروع الدستور ، وإعادة الإعلان
الدستورى المكمل ، إلى الوجود مرة أخرى ، والتى تعنى بالضرورة عودة المجلس
العسكرى إلى الحياة السياسية ، وتصدره المشهد من جديد ، وإستحواذه على سلطة
التشريع فى مصر . . . أى إعادة البلاد إلى نقطة الصفر مرة أخرى . . وتلك مصيبة
كبرى .
وكعادة
رئيس الجمهورية المنتخب / محمد مرسى ، وحزبه وجماعته ، أنهم إعتادوا دائماً على
توجيه ضربة إستباقية ، لخصومهم السياسيين ، يُجهضون بها محاولاتهم للنيل منهم . .
تلك الضربة الإستباقية التى عهدناها منهم ، قبل إعلان نتيجة الإنتخابات الرئاسية ،
عندما خرجوا إلى ميادين مصر ، وإستبقوا الجميع وأعلنوا فوز مرشحهم الدكتور / محمد
مرسى ، بمنصب رئيس الجمهورية ، قبل أن تعلن اللجنة الرئاسية للإنتخابات النتيجة
بصفة رسمية ، فقطعوا الطريق بذلك على أية محاولات ، للتلاعب فى نتيجة الإنتخابات ،
وتلك كانت ضربتهم الإستباقية الأولى . .
ثم كانت
الضربة الإستباقية الثانية ، حين علم رئيس الجمهورية المنتخب ، أن هناك محاولات
لإحداث إنقلاب عسكرى ضده ، والإطاحة به من منصبه ، لصالح شركائه العسكريين فى حكم
مصر آنذاك . . فما كان منه إلا أن أصدر إعلاناً دستورياً فى 11 / 8 / 2012 ، إستبق
به الجميع ، وألغى به الإعلان الدستورى المكمل ، الصادر من المجلس العسكرى فى 17 /
6 / 2012 قبل إعلان فوز محمد مرسى بمنصب رئيس الجمهورية بساعات قليلة . . وبذلك
أطاح مرسى وحزبه وجماعته ، بالقادة العسكريين الكبار ، بضربة إستباقية ثانية ،
وإستعاد حكم البلاد كاملاً ، بما فى ذلك سلطة التشريع .
ثم كانت
الضربة الإستباقية الثالثة ، هى ذلك الإعلان الدستورى الأخير ، الصادر بتاريخ 21 /
11 / 2012 ، والذى صدر عن رئيس الجمهورية ، إستباقاً للإنقلاب القانونى ، الذى
كانت بعض الهيئات القضائية تدبر للقيام به ، من أجل تفريغ مصر من مؤسساتها
الدستورية ، وإحداث فراغ دستورى فى البلاد ، تكون من نتيجته أن تعم الفوضى كل ربوع
مصر ، لتنتهى الأحداث بالإطاحة برئيس البلاد المنتخب ، لكن الله حمى مصر من شر تلك
الفتنة الكبرىوالكارثة المُحققة
وللأسف
الشديد . . أن القوى العلمانية والليبرالية واليسارية والناصرية ، التى كانت تدعى
أنها مع الثورة والثوار ، قد إنكشف عنها القناع فى هذه الأزمة الراهنة ، فقد فوجئ
بهم الجميع ، وهم يضعون أياديهم فى أيادى أسيادهم من فلول نظام مبارك المخلوع ، الملوثة
بدماء شهداء ثورة 25 يناير . . إنهم إجتمعوا سوياً من أجل تحقيق هدف واحد ،
وياليته كان من أجل مصر ، ولكنه من أجل الإطاحة بالرئيس المنتخب وحزبه وجماعته ،
فبئس الهدف هدفهم ، وبئس الغاية غايتهم . . ومما يثير السخرية ، رفضهم القاطع
للحوار مع الرئيس ، حول الأزمة الراهنة ، وإشتراطهم أن يُلغى الإعلان الدستورى
أولاً . . أفبعد هذا الشرط ، تكون للحوار أهمية ؟ ؟ ؟
إنهم
إستطاعوا أن يحشدوا الآلاف من الشباب المُضللين ، بشعاراتهم الخاوية ، من أجل
تصفية حسابات الإنتخابات الرئاسية السابقة ، وخشيتهم من خسارتهم المؤكدة فى
الإنتخابات البرلمانية القادمة . . إنهم ما قبلوا نتيجة الإنتخابات الرئاسية ، وما
رضوا عنها ، ولا عن ديمقراطية صناديق الإنتخاب . . إنهم يريدون الديمقراطية
المصرية ، على الطريقة الفرعونية ( إما فيها ، أو أخفيها ) . . وللأسف الشديد
سايرهم القضاء فى مسعاهم الردئ .
وأنا
أقولها للرئيس المنتخب / محمد مرسى عيسى العياط
. . إثبت مكانك ولا تهتز . . دَعهم يتصايحون ويتصارخون . . دعهم يتقافزون
مثل القرود . . ولا تمكنهم من إعتلاء أكتافك أبداً . . إنهم وصوليون يبتغون السلطة
فقط . . وليس لديهم ما يقدمونه لمصر وشعبها . . إنهم أنصاف فلول عَبدة فلول . .
نعلم جميعاً أن الأزمة كبيرة وطاحنة . . ولكن الكبار وحدهم ما خلقوا إلا لأجلها .
. كن ثابتاً . . كن قوياً . . كن عادلاً . . كن راعياً لمصلحة مصر وشعبها . . كل
شعبها وليس الإخوان وحدهم . . ولولا عدم ثقتى فى بعض قضاة مصر الذين غلبتهم
السياسة ، لنصحتك باللجوء إلى الشعب فى إستفتاء عام حول الإعلان الدستورى . . فلا
تفعلها ، لأنك لو فعلتها ، سوف تكون خطيئتك الكبرى . . فلا تفعلها . . لا تفعلها
أيها الرئيس . وإلى مقال آخر إن شاء الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق