الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

القضاء السياسى . . وأزمة الإعلان الدستورى . . والضربة الإستباقية ! !


القضاء السياسى . . وأزمة الإعلان الدستورى . . والضربة الإستباقية ! !
--------------------------------------------------------------------

قال الله تعالى فى كتابه العزيز : " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ، إن الله نعما يعظكم به " صدق الله العظيم  . . . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " القضاة ثلاثة : قاضيان فى النار ، وقاض فى الجنة . قاض عمل بالحق فى قضائه فهو فى الجنة . وقاض علم الحق فجار متعدياً فهو فى النار . وقاض قضى بغير علم وإستحيا أن يقول لا أعلم فذلك فى النار " صدق رسول الله .

إن القضاء هو فى الأصل رسالة ، غايته القسط بمعنى العدالة ، وأول من تولى القضاء هم الرسل والأنبياء ، مصداقاً لقوله تعالى : " لقد أرسلنا رسلنا . . . . وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط " صدق الله العظيم . . . ولابد لعضو الهيئة القضائية ، أن يتصف بالموضوعية ، ولكى يتصف بها ، لابد أن تتوافر لديه ثلاث مقتضيات هى : الغيرية والتجرد والحيدة .
وغيرية القاضى ، تعنى أن يكون غيراً بالنسبة للخصوم ، وأعوانهم من المحامين ، وأعوان القضاء . . وتجرد القاضى ، يعنى أن يتجرد القاضى عن ذاته ونزعاته الشخصية ، حال مباشرة القضاء ، ولصعوبة تجرد القاضى ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من تولى القضاء فقد ذبح بغير سكين " . . وقال أيضاً : " من طلب القضاء وإستعان عليه فقد وكل إليه ، ومن لم يطلبه ولا إستعان عليه ، أنزل الله ملكاً يسدده "  صدق رسول الله . . . أما حياد القاضى ، فيعنى عدم تحيزه ، إما سهواً أو عمداً ( الجور أو الظلم ) .

والقضاء المصرى الآن . . يواجه فى عمومه أزمة طاحنة ، تكاد تعصف بقدسيته وهيبته ، بعد أن أصابه ما أصابه ، من فساد وإنحراف ، طال قلة قليلة من قضاته ، ونال من مكانته ومنزلته بين جموع المصريين . . فقد مالت نفوس بعض قضاة مصر ، وبصفة خاصة قضاة المحكمة الدستورية العليا فى البلاد ، الذين إنزلقت أقدامهم إلى حيث مستنقع السياسة ، وعالمها القذر ، الذى لا يليق بقضاة مصر ، أن ينتسبوا إليه من قريب أو بعيد . . فالسياسة لها ألاعيبها الخاصة بها ، ولها حيلها وخدعها ، التى تبتعد كل البعد عن قدسية القضاء ، وهيبته وأخلاقياته ومبادئه . . فالقاضى لا يحق له أبداً ، أن ينحاز إلى طرف دون آخر ، والسياسة كلها ميل وتحيز وإنحياز ، ولا يليق بالقضاة أن يقترفوها ، ولا أن يدنسوا محرابهم بآثامها وأخطائها وخطاياها .

إن مشكلة الإعلان الدستورى ، الذى أصدره مؤخراً ، رئيس الجمهورية المنتخب ، الدكتور / محمد مرسى ، هى فى الأساس مشكلة ، تعود فى منبعها وأصلها إلى قضاء مصر ، الذى صار البعض منه مُسيساً ، ذا ميل وهوى ، أفقداه موضوعيته وحياده وتجرده

فقد أثبتت الأحداث التى وقعت فى الشهور الأخيرة ، منذ أن تولى الرئيس / محمد مرسى ، سلطة الحكم فى مصر ، أن هناك شيئاً ما قد لحق بالقضاء ، فى قلة منه ، وعلى رأسهم قضاة المحكمة الدستورية العليا ، التى حامت حول قراراتها بعض الشبهات ، أبعدتها عن الحيدة والنزاهة ، فى نظر الكثيرين من أبناء شعب مصر . . وربما كان قرارها بحل مجلس الشعب المصرى المنتخب بعد ثورة 25 يناير ، وهى لا تملك قانوناً سلطة الحل ، لأن إختصاصها حسب قانونها ، ينحصر فى تقرير عدم دستورية القانون الذى تمت على أساسه إنتخابات أعضائه ، دون أن يكون من شأنها تقرير حله ، بل إن ذلك هو من إختصاص القضاء الإدارى وحده . . ولكن قضاة المحكمة الدستورية ، تصدوا لحل المجلس التشريعى ، متجاوزين إختصاصاتهم ، وهم فى عجالة من أمرهم ، أثارت الشبهات حول تصديهم لحل المجلس . . فقد جرى نظر الدعوى والحكم فيها فى شهور قليلة ، بعد أن كانت فى السابق فى عهد مبارك المخلوع ، تستغرق خمس سنوات على الأقل . .                                                                                                ومن ناحية أخرى ، إنخرط قليل من قضاة تلك المحكمة ومن غيرهم من القضاة ، فى العمل بالسياسة ، والخوض فى أحاديث سياسية ، لا علاقة لها بالقضاء ، عبر وسائل الإعلام ، وإبداء الرأى علانية فى العديد من الأمور السياسية . . وكان من نتيجة ذلك ، أن ثارت الشبهات حول بعض من قضاة المحكمة ، ومدى دورهم فى توجيه الحياة السياسية فى البلاد ، وهو أمر لا يقبله الكثيرون من أبناء الشعب المصرى ، حفاظاً على قدسية وهيبة ومكانة تلك المحكمة فى نفوس المصريين . . وكان يتعين على عموم قضاة تلك المحكمة العليا ، أن يتولوا بأنفسهم تصحيح مسار بعضهم ، ممن مالوا إلى السياسة ، وخلطوا بينها وبين القضاء بقدسيته .

وقد ترددت فى الآونة الأخيرة أنباء وأخبار ، وصلت إلى مسامع مؤسسة الرئاسة ، وتأكدت إليها معلومات ، أفادت بأن أمراً ما يجرى تدبيره ، بين بعض من أعضاء الهيئات القضائية ، ذات الصلة بنظر طعون ودعاوى إلغاء ، لبعض قرارات وقوانين يصدرها رئيس الجمهورية ، بصفته التشريعية ، من أجل تسيير شئون البلاد . . وعلى رأس تلك الطعون والدعاوى ، الطعون الثلاثة المتعلقة بحل مجلس الشورى المنتخب ، وحل الجمعية التأسيسية للدستور ، وإلغاء الإعلان الدستورى الصادر من رئيس الجمهورية فى 11 / 8 / 2012  الذى تضمن إلغاء الإعلان الدستورى المكمل الصادر عن المجلس العسكرى فى 17 / 6 / 2012 ، وهو الأمر الذى يعنى تفريغ البلاد من أية مؤسسات منتخبة ( بعد حل مجلس الشعب ) ، وتعطيل وضع مشروع الدستور ، وإعادة الإعلان الدستورى المكمل ، إلى الوجود مرة أخرى ، والتى تعنى بالضرورة عودة المجلس العسكرى إلى الحياة السياسية ، وتصدره المشهد من جديد ، وإستحواذه على سلطة التشريع فى مصر . . . أى إعادة البلاد إلى نقطة الصفر مرة أخرى . . وتلك مصيبة كبرى .

وكعادة رئيس الجمهورية المنتخب / محمد مرسى ، وحزبه وجماعته ، أنهم إعتادوا دائماً على توجيه ضربة إستباقية ، لخصومهم السياسيين ، يُجهضون بها محاولاتهم للنيل منهم . . تلك الضربة الإستباقية التى عهدناها منهم ، قبل إعلان نتيجة الإنتخابات الرئاسية ، عندما خرجوا إلى ميادين مصر ، وإستبقوا الجميع وأعلنوا فوز مرشحهم الدكتور / محمد مرسى ، بمنصب رئيس الجمهورية ، قبل أن تعلن اللجنة الرئاسية للإنتخابات النتيجة بصفة رسمية ، فقطعوا الطريق بذلك على أية محاولات ، للتلاعب فى نتيجة الإنتخابات ، وتلك كانت ضربتهم الإستباقية الأولى . .                                                                

ثم كانت الضربة الإستباقية الثانية ، حين علم رئيس الجمهورية المنتخب ، أن هناك محاولات لإحداث إنقلاب عسكرى ضده ، والإطاحة به من منصبه ، لصالح شركائه العسكريين فى حكم مصر آنذاك . . فما كان منه إلا أن أصدر إعلاناً دستورياً فى 11 / 8 / 2012 ، إستبق به الجميع ، وألغى به الإعلان الدستورى المكمل ، الصادر من المجلس العسكرى فى 17 / 6 / 2012 قبل إعلان فوز محمد مرسى بمنصب رئيس الجمهورية بساعات قليلة . . وبذلك أطاح مرسى وحزبه وجماعته ، بالقادة العسكريين الكبار ، بضربة إستباقية ثانية ، وإستعاد حكم البلاد كاملاً ، بما فى ذلك سلطة التشريع .

ثم كانت الضربة الإستباقية الثالثة ، هى ذلك الإعلان الدستورى الأخير ، الصادر بتاريخ 21 / 11 / 2012 ، والذى صدر عن رئيس الجمهورية ، إستباقاً للإنقلاب القانونى ، الذى كانت بعض الهيئات القضائية تدبر للقيام به ، من أجل تفريغ مصر من مؤسساتها الدستورية ، وإحداث فراغ دستورى فى البلاد ، تكون من نتيجته أن تعم الفوضى كل ربوع مصر ، لتنتهى الأحداث بالإطاحة برئيس البلاد المنتخب ، لكن الله حمى مصر من شر تلك الفتنة الكبرىوالكارثة المُحققة

وللأسف الشديد . . أن القوى العلمانية والليبرالية واليسارية والناصرية ، التى كانت تدعى أنها مع الثورة والثوار ، قد إنكشف عنها القناع فى هذه الأزمة الراهنة ، فقد فوجئ بهم الجميع ، وهم يضعون أياديهم فى أيادى أسيادهم من فلول نظام مبارك المخلوع ، الملوثة بدماء شهداء ثورة 25 يناير . . إنهم إجتمعوا سوياً من أجل تحقيق هدف واحد ، وياليته كان من أجل مصر ، ولكنه من أجل الإطاحة بالرئيس المنتخب وحزبه وجماعته ، فبئس الهدف هدفهم ، وبئس الغاية غايتهم . . ومما يثير السخرية ، رفضهم القاطع للحوار مع الرئيس ، حول الأزمة الراهنة ، وإشتراطهم أن يُلغى الإعلان الدستورى أولاً . . أفبعد هذا الشرط ، تكون للحوار أهمية ؟ ؟ ؟

إنهم إستطاعوا أن يحشدوا الآلاف من الشباب المُضللين ، بشعاراتهم الخاوية ، من أجل تصفية حسابات الإنتخابات الرئاسية السابقة ، وخشيتهم من خسارتهم المؤكدة فى الإنتخابات البرلمانية القادمة . . إنهم ما قبلوا نتيجة الإنتخابات الرئاسية ، وما رضوا عنها ، ولا عن ديمقراطية صناديق الإنتخاب . . إنهم يريدون الديمقراطية المصرية ، على الطريقة الفرعونية ( إما فيها ، أو أخفيها ) . . وللأسف الشديد سايرهم القضاء فى مسعاهم الردئ .

وأنا أقولها للرئيس المنتخب / محمد مرسى عيسى العياط  . . إثبت مكانك ولا تهتز . . دَعهم يتصايحون ويتصارخون . . دعهم يتقافزون مثل القرود . . ولا تمكنهم من إعتلاء أكتافك أبداً . . إنهم وصوليون يبتغون السلطة فقط . . وليس لديهم ما يقدمونه لمصر وشعبها . . إنهم أنصاف فلول عَبدة فلول . . نعلم جميعاً أن الأزمة كبيرة وطاحنة . . ولكن الكبار وحدهم ما خلقوا إلا لأجلها . . كن ثابتاً . . كن قوياً . . كن عادلاً . . كن راعياً لمصلحة مصر وشعبها . . كل شعبها وليس الإخوان وحدهم . . ولولا عدم ثقتى فى بعض قضاة مصر الذين غلبتهم السياسة ، لنصحتك باللجوء إلى الشعب فى إستفتاء عام حول الإعلان الدستورى . . فلا تفعلها ، لأنك لو فعلتها ، سوف تكون خطيئتك الكبرى . . فلا تفعلها . . لا تفعلها أيها الرئيس . وإلى مقال آخر إن شاء الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق