الاثنين، 19 نوفمبر 2012

الغباء السياسى . . . سمة الحكام العرب وقت الأزمات ! !


الغباء السياسى . . . سمة الحكام العرب وقت الأزمات  ! !
------------------------------------------------------

قال الله تعالى فى كتابه العزيز: " . . . . . وداود وسليمان إذ يحكمان فى الحَرث . . . . . ففهمناها سليمان . . . . . . " صدق الله العظيم . . . فقد أنعم الله سبحانه على سليمان عليه السلام رغم صغر سنه ،  بنعمة الفهم والذكاء التى لم ينعم بها على أبيه داود عليه السلام ، وكلاهما كان نبياً ورسولاً من عند الله .
إن الفهم والذكاء هما نعمة من الله سبحانه وتعالى ، أنعم بها على البعض من عباده ، الذين رضى عنهم وإختصهم وحدهم بعقول نابهة ومُستنيرة ، تقدر على التمييز والتحليل والإستنتاج والتوقع وإستشراف المستقبل ، القريب كان أم البعيد .

والذكاء ( ذكاء العقل ) . . ليس نوعاً واحداً فقط ، وإنما هو أنواع متعددة ، حسب مجال إعمال العقل وإحسان الفهم والذكاء ، فهناك الذكاء العلمى الذى يحتاج إليه طالب العلم ، كى يُحسن تلقى العلم والإستفادة منه . . وهناك الذكاء الإجتماعى الذى يُمّكن المرء من التعامل بلباقة مع غيره من الناس ، والتعايش الحسن وسط مجتمعه المكون من الكبير والصغير ، والرجال والنساء ، ومن صنوف شتى من البشر . . وهناك الذكاء الفنى الإبداعى  ، والذكاء التجارى الإقتصادى ، وغير ذلك من ألوان الذكاء المتعددة .

وما يهمنا فى هذا المقام ، هو الذكاء السياسى وحده ، ذلك النوع من الذكاء الذى يتمتع به قليلون ممن يعملون فى حقل السياسة ، التى هى فن الممكن وليست فن المستحيل ، أولئك الذين يختلطون بالناس من أجل حل مشكلاتهم المصيرية ، ويتقدمون الصفوف لحمل راية العمل السياسى العام ، وكلما إعتلى أحدهم درجة فى سُلم السياسة ، وبرزت صورته فى المشهد السياسى ، كلما أصبح ذكاؤه السياسى أمراً ضرورياً وهاماً ، لتسيير شئون البلاد والعباد .

والتاريخ الإنسانى ملئ بالعديد والعديد من الزعماء والقادة ، الذين شهد لهم العالم بأسره بالفطنة والذكاء ، وحُسن التصرف وسرعته ، فى تدبير الأمور والخروج من الأزمات والشدائد التى واجهت الأمم والشعوب . . أما عن مصر ، فإن التاريخ المصرى الحديث ، شهد بذلك النوع من الذكاء – الذكاء السياسى – للعديد من زعماء مصر وقادتها ، ويأتى على رأسهم محمد على باشا ، باعث نهضة مصر الحديثة ، والزعيم سعد باشا زغلول ، زعيم الأمة المصرية إبان الإحتلال البريطانى لمصر ، والزعيم مصطفى كامل ، الذى كان شاباً وطنياً نابهاً  ، مشهوداً له بالذكاء والفطنة ، وهو مؤسس الحزب الوطنى الديمقراطى القديم . . ثم كانت ثورة يوليو 1952التى برز من بين قادتها وضباطها ، إثنان شهد لهما جميع المصريين ، بالذكاء السياسى والفطنة والدهاء ، فى إدارة شئون مصر وقضاياها . . إنهما الزعيمان الخالدان / جمال عبد الناصر وأنورالسادات رحمهما الله ، بقدر عطائهما لمصر وشعبها ، فقد سجل التاريخ لكليهما العديد من المواقف والآراء ، والفطنة والذكاء فى الخروج من الأزمات .

إن جميع المصريين . . يعلمون جيداً كيف تصرف الزعيم الخالد / جمال عبد الناصر ، وقت أن وقع العدوان الثلاثى الغاشم على مصر عام 1956 ، بإتفاق ثلاث دول إستعمارية ، هى إنجلترا وفرنسا ومعهما إسرائيل ، وكيف إستطاع عبد الناصر بذكائه السياسى الحاد وفطنته اللامعة ، أن يحول الهزيمة العسكرية إلى نصر سياسى كبير ، وما كان لأحد غيره أن يفعل مثلما فعل هو . . . أما السادات – رحمه الله – فقد كان زعيماً وقائداً مُحنكاً ، ذو بصيرة نافذة وذكاء فطرى ، يُغلفه مكر ودهاء وخداع ، وإستطاع السادات بذكائه ودهائه ، أن يخدع اليهود الصهاينة قتلة الأنبياء ، ومُراوغى سيدنا موسى عليه السلام ، وأن يُرسخ فى يقينهم أن مصر قد إنتهى أمرها ، وأنها صارت جثة هامدة لا تقوى على محاربتهم ، أو الدخول معهم فى مواجهة عسكرية ، بعد الهزيمة النكراء والشنعاء ، والنكسة الحقيقية فى 5 يونيو 1967 . . وقد ساهم هذا الذكاء وذاك المكر والدهاء ، فى إحداث نصر عسكرى مفاجئ ومروع ، على العدو الصهيونى فى أكتوبر 1973 ، رغم تفوق الجيش الإسرائيلى فى العتاد والسلاح ، والقدرات والإمكانيات ، ولكن السادات بذكائه السياسى الحاد ، أدرك أن شجاعة وبسالة الجندى المصرى ، سوف تعوض فارق التسليح والعتاد ، وراهن السادات على ذلك ، وكان له ما أراد ، وتحقق على يديه نصر أكتوبر العظيم . . . وبعد النصر العسكرى المحدود  ، أيقن السادات ببصيرته النافذة ورؤيته المستقبلية للأمور ، أن السير فى طريق السلام هو الطريق الأصوب لإسترداد باقى سيناء الحبيبة ، وتحريرها من يد الغاصب والمستعمر الإسرائيلى ، وكان له أيضاً ما أراد .

ثم كانت أحداث 18 ، 19 يناير 1977 ، التى ثار فيها بعض من جماهير الشعب المصرى ، بتحريض من القوى الشيوعية آنذاك ، ضد قرار الحكومة بزيادة أسعار بعض السلع الضرورية ، وإنطلقت أحداث الشغب والفوضى ، فى عدة أماكن فى القاهرة وحدها ، وعلى الفور أيقن الرجل بحسه السياسى المشهود له به ، وبذكائه الفطرى المعروف عنه ، وبحنكته وخبرته وحُسن تصرفه ، أيقن حقيقة الأمور ، ولم يترك للزمام الفرصة كى يفلت من بين يديه ، فقرر سريعاً التراجع عن قرارته فى هذا الشأن ، ليحمى البلاد من الفتنة ويسكب الماء على النار ، فكان له ما أراد ، وهدات الأمور ، وعادت الحياة إلى طبيعتها .

أما اليوم . . . فإننا نرى حفنة من الحكام العرب ، لم يهبهم الله نعمة الذكاء السياسى ، ولا الفطنة ولا الحنكة ، وإنما إبتلاهم بنقمة الغباء السياسى ، وقصر النظر ومحدودية الرؤية المستقبلية للأمور ، فثارت ضدهم الجماهير فى البلدان المختلفة ، من أجل إصلاحات جذرية وضرورية فى أحوالهم المعيشية ، وفى حرياتهم العامة والخاصة . . رأينا هتافات الجماهير ومطالبها فى بلدان الثورات العربية كلها ، تدور فى فلك واحد ، وحول محور واحد ، وترمى إلى أهداف ثلاثة ثابتة ( عيش – حرية – عدالة إجتماعية ) . . إنها الحدود الدنيا من حقوق الشعوب تجاه حكامهم الأغبياء ، عديمى الفطنة والذكاء ، من سكنوا قصور الرئاسة ، وإحتلوا كراسى الحكم والسلطان ، ثم داسوا على الشعوب بنعالهم ، إكتنزوا لأنفسهم ولذويهم ولبلاطهم وحاشياتهم كل الثروات ، وما تركوا لشعوبهم إلا الفتات .

إنهم حكام أغبياء . . ذات الأحداث وقعت فى تونس ، ثم تكررت فى مصر ، ثم تكررت فى اليمن ، ثم تكررت فى ليبيا ، ثم هى الآن فى سوريا . . ذات الشعوب المقهورة المنهوبة والمسروقة ، ونفس المطالب بالإصلاح ، التى بدأت بمظاهرات سلمية ، وإنتهت بثورات شعبية ، أطاحت بحكام أغبياء ، لا يعرفون إلا الحلول القمعية الأمنية ، ولا يفقهون شيئاً فى سياسة الشعوب وكيفية مواجهة غضباتها العارمة . . واجه الحكام الأغبياء ، المظاهرات السلمية بالقمع والضرب والقتل ، والزج فى السجون والمعتقلات ، وكانوا جميعاً يتصرفون بأسلوب واحد قمعى ، وبفكر واحد ديكتاتورى ، وعقل واحد فى منتهى الغباء .

فى تونس الشقيقة . . خرجت المظاهرات ترفع مطالب إصلاحية ، واجههم بن على ، الحاكم التونسى الطاغية ، بعساكره وجنوده ، قتل منهم من قتل وجرح من جرح ، وما إستجاب لمطالبهم ، حتى عمت المظاهرات كل شوارع تونس ، وأفلت الزمام ، وتحولت المظاهرات إلى ثورة شعبية عارمة . . حينئذ فقط ، وقف بن على ، ليخاطب التونسيين بعد فوات الأوان ، قائلاً لهم : " لقد فهمتكم وفهمت مطالبكم المشروعة ، وسوف أعمل . . . .وسوف أعمل . . . وسوف أعمل . . . ، ولكن كان الأوان قد فات ، وهرب بن على مثل الفأر خارج البلاد ، حاملاً معه المليارات من أموال الشعب التونسى ، بعد 23 يوماً فقط من المظاهرات ، ونجحت الثورة التونسية ، ونجح الثوار .

وفى مصر . . تكرر ذات الغباء السياسى ، وشاهدنا مرة أخرى ذات التبلد ، وعدم الإكتراث وعدم الإهتمام ، فمع بداية المظاهرات فى ميدان التحرير ، يوم الخامس والعشرين من يناير ، أعلن المتظاهرون أن مسيرتهم سلمية سلمية ، وأن مطالبهم إصلاحية ( عيش – حرية – عدالة إجتماعية ) ، فخرج عليهم الطاغوت والطاغية حسنى مبارك – مثلما فعل بن على تماماً – بوزير داخليته المجرم السفاح وعساكره وجنوده ، وأشبعوهم ضرباً وتنكيلاً فى المساء ، ولم يلق مبارك الطاغية لطلباتهم بالاً ، وظن أنه قادر عليهم بطغيانه وقمعه ، وخيل له غباؤه السياسى وقصر نظره وإنعدام رؤيته المستقبلية ، أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد مؤامرة أجنبية من أطراف لها أجندة خارجية .

إزدات أعداد المتظاهرين المصريين ، وزاد إصرارهم على تلبية مطالبهم الإصلاحية ، فى اليوم الثانى ثم الثالث ، حتى بلغت ذروتها فى اليوم الرابع ( جمعة الغضب 28 يناير ) . . تحولت خلالها المظاهرات إلى ثورة شعبية ، عمت كل ميادين وشوارع البلاد ، وشارك فيها المصريون من كل الفئات ، وسقطت الشرطة المصرية ، ونزل الجيش المصرى إلى الميادين للحفاظ على المنشآت العامة ، وإلتحم الجيش بالشعب ، وأفلت الزمام من يد مبارك الطاغية ، بعد أن تخلى عنه أبناء الجيش المصرى المصريون ، فإضطر إلى ترك حكم مصر مُجبراً ومُكرهاً ، بعد ثمانية عشر يوماً فقط من المظاهرات المستمرة ، وها هو اليوم سجين خلف القضبان يلقى بعضاً – وليس كل – من جزاء ما إقترفته يداه .

ذات الأحداث ، وذات السيناريو والحوار ، وذات المظاهرات ، خرجت بعد ذلك فى اليمن ضد بن صالح ، وفى ليبيا ضد القذافى راعى الإرهابي ، وأخيراً فى سوريا ضد ذلك البشار السفاح . . . وللعجب العُجاب ، أننا نرى ذات الحكام ، يواجهون ذات المظاهرات السلمية ، بذات الأساليب القمعية الأمنية ، وبذات الغباء السياسى ، الذى يؤجج المظاهرات ، ويحيلها إلى ثورات شعبية عارمة ، تطيح بأولئك الحكام الأغبياء .

إن الذكاء السياسى . . لهو نعمة كبرى من الله – سبحانه وتعالى – ينعم بها على من أحب من عباده ، من القادة والزعماء . . أما الغباء السياسى ، فهو لا شك نقمة ، إبتلى الله بها حكامنا العرب ، الطغاه البلهاء الأغبياء . . كان فى مقدور كل منهم ، أن يسكب الماء على النار، كى يقى البلاد شر الحريق والدمار ، مثلما فعل السادات رحمه الله ، ومثلما فعل عاهل المملكة العربية السعودية الملك عبد الله . . ولكنهم ما فعلوا ذلك ، لأن الله حرمهم من نعمة الذكاء ، وإبتلاهم بدلاً منها بنعمة الغباء . . . ولكن فى هذه المرة ، كان غباؤهم سياسياً . . رحم الله عبد الناصر والسادات . . أما مبارك . . . . . . . . . . . . . . . ! ! ! !                 وإلى مقال آخر إن شاء الله .         

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق