قصة
قصيرة . . . .
==========
ملاك
الغرام . . . . . يستعد للرحيل ! ! (
بقلم : د . وحيد الفخرانى ) .
-----------------------------------------------------------------
ذات ليلة
من ليالى الشتاء . . هبط إلى الأرض من
علياء السماء . . أحد ملائكة الرحمن يُدعى " ملاك الغرام " . . بأمر
خالق الكون وكل البشر والكائنات . . فقد كلفه الرحيم الرحمن ، بأن يجمع بين روحين
وقلبين ، هما من أطهر وأنقى قلوب العباد . . هو " أمير القلوب " وهى
" روح الفؤاد " . . باعدت بينهما – على الأرض – أميال وأميال .
إحتار ملاك
الغرام ، وهو بين الأرض والسماء . . حاملاً قارورة بها سائل أبيض هو " إكسير
الحياة " . . بها قطرات من الحب والعشق والوئام . . كى يلقى بها على قلبيهما
فتتلاقى الأرواح . . إحتار بأيهما يبدأ ، أيبدأ بقلب " أمير القلوب " أم
بقلب الفاتنة " روح الفؤاد " ؟ . . وما إحتار ملاك الغرام طويلاً ، فقد
قضت سنة الله فى خلقه ، أن خلق آدم قبل حواء . . وعلى هذا النهج سار ملاك الغرام .
وعلى الفور
طار ملاك الغرام . . إلى حيث يقطن ويحيا " أمير القلوب " . . فألقى على
قلبه قطرتين من قطرات العشق والغرام . . ما أن أحس بهما " أمير القلوب "
حتى تهافت قلبه وغلبه الحنين إلى " روح الفؤاد " . . وسرعان ما ألقى
" ملاك الغرام " بقطرتين من ذات إكسير الحياة على قلب الفاتنة "
روح الفؤاد " . . فاشتعل قلبها شوقاً وحنيناً إلى " أمير القلوب "
.
حينذاك . .
كاد " ملاك الغرام " أن يطير فرحاً ، من فرط السرور والهناء . . لقد نال
وحده أمراً لم ينله أى من ملائكة الرحمن . . حين كلفه الرب أن يجمغ بين قلبين من
قلوب العباد ، وها هو قد أدى دوره وأنفذ إرادة القدير العدنان . . ومن روعة ما رأى
" ملاك الغرام " من شوق وحنين ، وغرام وحيد . . لم تره عيناه من قبل ،
ولم تسمعه أذناه . . طلب الإذن من الرب ، بأن يظل طائراً بين السماوات والأرض . .
كى يرقب الحال عن قرب . . حال " أمير القلوب " و " روح الفؤاد
" . . فأذن له الرب ، وأبقاه حتى يشاء .
ومرت
الأيام تلو الأيام . . ومع إشراقة شمس كل يوم جديد . . كان الحب ينمو والعشق يزيد ،
بين قلبى الحبيبين . . وفى غضون أيام لا أسابيع ، إرتبط الحبيبان بالغرام والهيام
، وتعانق القلبان . . وسار الحال على خير ما يرام .
ولكن . .
ما أن مرت أسابيع قليلة . . حتى تنبه لحبهما ، ذلك الملعون " إبليس الشيطان
" . . ملأه الحقد وعمته البغضاء . . وهو الذى لم ينس يوماً ، أنه أقسم للرحمن
. . بأن يقعد لعباده من الطيبين الأطهار ، ليزرع بينهم الفتنة ويحيل الحياة إلى
خراب . . وأراد الملعون أن ينفذ إرادته فى الحبيبن بأن يثير بينهما الخلاف . .
ففكر الملعون وفكر ، ثم فكر وتدبر ، ثم تدبر وقرر . . قرر أن يُشغل بينهما نار
الغيرة ، وأن يلقى فى قلبيهما بذرة الشك والظنون والحيرة . . وكان له ما كان . .
وإختلف الحبيبان حول أمور الحب والعشق والغرام .
وقف "
ملاك الغرام " يرقبهما من بعيد وهو حزين . . لقد شهدت عيناه الملعون "
إبليس الشيطان " وهو يلقى فى روعيهما الفزع والرعب من غدر الحبيب . . ولكنه –
واأسفاه – ما إستطاع لهما قولاً ولا فعلاً ولا يقين . . لقد صار مهموماً حزيناً ،
وهو يرى الحال السعيد وقد إستحال إلى حزن دفين . . ومع غروب شمس كل يوم جديد ، كان
الحبيبان يختلفان والشك بينهما يزيد . . ليقضيا الليل فى عناد وخصام ، وبكاء وأنين
.
ومرت الأيام
تلو الأيام . . وذات ليلة من ليالى الربيع . . تراءى لملاك الغرام وجه ملاك آخر
قادم من بعيد . . ومعه قارورة بها قطرات من سائل أسود عتيق . . وما أن إقترب من
ملاك الغرام ، حتى ألقى عليه التحية والسلام . . فبادره " ملاك الغرام "
بالسؤال :
قائلاً :
من أنت أيها الملاك ؟
فرد عليه
قائلاً : ألا تعرفنى ، يا ملاك الغرام ؟ إننى ملاك الفراق .
إنزعج ملاك
الغرام وسأله : وما الذى أتى بك إلى هنا . . يا ملاك الفراق ؟
أجابه
قائلاً : لقد أرسلنى الرب إلى حيث شاء . . وأمرنى بأن أنفذ إرادته بين حبيبن
بالفراق .
صرخ ملاك
الغرام قائلاً : عن أى حبيبين تتكلم ؟ يا ملاك الشتات ، يا ملاك الفراق ؟
قال ملاك
الفراق : أتيت كى أباعد بين قلبى " أمير القلوب " و " روح الفؤاد
" .
بارده ملاك
الغرام بالقول : ولكنى هنا بأمر من الرب ، كى أحرس روحيهما ، وأرعى قلبيهما .
رد ملاك
الفراق قائلاً : ومن أجل هذا أتيتك ، كى أخبرك بأمر الرب ، لتتركهما لحال سبيلهما
وتصعد إلى علياء السماء ، فما عادت لهما بك حاجة ، لقد كتب الرب عليهما الفراق
والبعاد .
نظر ملاك
الغرام إليه متأملاً وسأله : وما تلك القارورة التى معك يا ملاك الفراق ؟
قال ملاك
الفراق : إنها قارورة السم الأسود ، بها قطرات من سم الفراق ، سوف ألقى على
قلبيهما قطرات منها ، فيموت الحب فى الحال ويقع الفراق .
بكى ملاك
الغرام وغليه الأنين وقال : ولكنهما حبيبان عاشقان ، جمع بينهما الود والوئام ،
حتى أوقع بينهما الملعون " إبليس الشيطان " . . فألقى فى قلبيهما الشك
والظنون والإرتياب .
قال ملاك
الفراق : ولكننا يا رفيقى ، لا نملك لهما أمراً ولا حال . . نحن مجبورون على السمع
والطاعة لخالق الأرض والسماوات . . وما لنا شأن بإبليس ولا شأن بالعباد .
وهنالك
إستدار ملاك الفراق . . كى يكمل الطيران إلى حيث الحبيبان . . قاصداً قلبيهما ، لينفذ فيهما إرادة الخالق رب
العباد .
وهنالك
أيضاً . . إستدار ملاك الغرام ، كى يصعد إلى عنان السماء ، ومعه قارورة إكسير
الحياة . . قارورة الحب والعشق والغرام . . تاركاً قلبى " أمير القلوب " و " روح الفؤاد
" بين إصبعين من أصابع الرحمن . . يقلبهما كيفما يشاء .
وبينما هو
يستعد للرحيل . . ترامى إلى مسامعه صوت أنين وبكاء . . ومالبث أن تحول إلى عويل
ونواح . . وسمع أصواتاً تتردد فى السماوات وتقول : لقد إفترق الحبيبان " أمير
القلوب " و " روح الفؤاد " . .
لقد نال منهما الملعون " إبليس الشيطان " . . وتعالت أصوات
العويل والنواح : أين كان العقل منهما ؟ أين كانت قوة الإيمان ؟ ما منعما أن
يستعيذا من الملعون إبليس الشيطان ؟
حينئذ . .
أيقن "ملاك الغرام " أن إرادة الرب قد نفذت فى الحال ووقع الفراق . .
فأخذ يتمتم بكلمات لم يسمعها إلا هو ويقول : لقد فعلها الملعون من قبل مع أبيهما
آدم وأمهما حواء . . وحرمهما من نعيم الجنة ، وأخرجهما منها إلى دنيا العذاب
والشقاء . . وها هو اليوم ينال من إثنين من ذريتهما ، ويحرمهما من نعيم الحياة ،
من الحب والعشق والغرام .
وأخذ يردد
ويقول : لقد نسيا العهد بينهما والوعد ، مثلما نسى أبيهما من قبل .
وظل يردد :
ألم يقل المولى عز وجل فى كتابه العزيز : " ولقد عهدنا إلى آدم من قبل ، فنسى
ولم نجد له عزماً " صدق الله العظيم
.
وإلى قصة أخرى إن شاء الله .