الثلاثاء، 28 أغسطس 2012

أبداً لم يكن حُباً . . . بل كان شيئاً آخر


أبداً لم يكن حُباً . . . بل كان شيئاً آخر
---------------------------------

تتنوع العلاقات الإجتماعية والعاطفية وتتعدد وفقاً لظروفها وأطرافها والهدف منها ، فهناك علاقة الزوجية والقرابة والنسب باختلاف درجاتها ، وهناك علاقة الزمالة سواء فى الدراسة أو العمل ، وهناك علاقة الصداقة على مستويات متعددة ، كل هذه العلاقات ىتندرج تحت مسمى العلاقات الإجتماعية . . أما العلاقة العاطفية فليس لها إلا شكل وحيد فقط هو علاقة الحب العاطفى الذى يربط بين رجل وإمرأة ، يلتقيان فتنطلق سهام الحب من أول نظرة لتخترق قلبيهما فيحدث الوفاق و الوئام ويقع كلاهما فريسة فى شباك الآخر الناعمة المنسوجة من الغرام والهيام .

والقصة موضوع هذا المقال لا أجد لها مسماً محدداً يمكن أن تندرج تحته ، ولكنى أترك للقارئ حرية تصنيفها وإعطائها اللون الذى يتراءى له ، فبطلة تلك القصة لم تكن وجه جديد بالنسبة لبطلها ، ولكنه عرفها عن بعد ولأول مرة منذ أكثر من عشر سنوات وكانت تعمل موظفة فى مكتب صديق له رجل أعمال ، وكانت فتاة ريفية من قرية صغيرة تبلغ من العمر حوالى إثنان وعشرون عاماً ، جمالها أقل بكثير من المتوسط ، قوامها نحيف وطولها قصير ، ملابسها لاتمت بصلة إلى الأناقة أو الرشاقة ، لهجتها ريفية ، ثقافتها تكاد تكون منعدمة ، وأفقها محدود ونظرتها للأمور ضيقة بدرجة ضيق القرية الصغيرة التى كانت تعيش فيها مع أسرتها ذات المستوى الإجتماعى والمالى والتعليمى المنخفض جداً ، ولكنها فى ذلك الحين كانت تكافح من أجل تحسين مستواها العلمى بالحصول على مؤهل عالى ، وقد تحقق لها ما أرادت وحصلت على درجة البكالوريوس من كلية نظرية ، وفى تلك الأثناء كان رجل الأعمال الذى تعمل لديه قد تعرض لأزمة مالية طاحنة غادر على أثرها البلاد ، فانتقلت هى للعمل فى مكتب صديقه – بطل هذه القصة – منذ حوال أربع سنوات تقريباً ، وكان عمرها آنذاك حوالى 28 عاماً ، ومنذ ذلك التاريخ بدأت علاقتهما معاً .

كان بطلنا من ذلك النوع الذى منحه الله سبحانه نعمة الثقة بالنفس منذ نعومة أظفاره ، وكانت هذه الثقة بالنفس تتحول أحياناً إلى غرور فتنقلب تصرفاته وبالاً عليه وتكلفه الكثير ، وتلك كانت نقطة البداية فقد قرر هو أن يخوض تجربة الثقة بالنفس مرة أخرى معها ، فبدأ توجيه سهام إهتماماته بها من كل صوب وإتجاه فى كل شئون حياتها من مظهر وتعليم وصحة وملبس ومأكل وعقل وفكر وعواطف ومشاعر ، وقد بدأ إهتمامه بها يؤتى ثماره عندما سمحت له بالتدخل فى كل شئون حياتها صغيرها قبل كبيرها وأشد أشد خصوصياتها والتحكم فى كل حركاتها وسكناتها وفى علاقتها بكل من حولها من أقارب وأصدقاء ومعارف وإستطاع بخبرته وحنكته التى إكتسبها خلال رحلة عمره الذى يكبر عمرها بنحو ثمانى عشرة سنة ، إستطاع أن يتمكن من تسيير قارب حياتها كما يريد هو وكما تحب هى ، فقد كانت كل أقواله وأفعاله ومواقفه معها تحقق لها ما تريد إلا قليلاً ، ففى خلال السنوات الأربعة التى إمتدت علاقتهما فيها حصلت بمساعدته القوية على درجة الماجستير من الجامعة ، وتغير وتبدل كل شئ فيها إلا بعض الأفكار ومكنونات النفس التى نشأت وترعرعت عليها ، فقد ظلت تلك الأفكار والمكنونات عزيزة على نفسها مصدر إزعاج له وإختلافات وخلافات بينهما ، وتلك هى طبيعة الأمور فمن شب على شئ شاب عليه كما يقول المثل الشهير ، وربما كانت تلك الأفكار والمكنونات جزءً من الأسباب التى حالت دون تطور العلاقة بينهما إلى علاقة عاطفية ، وجعلته غير مستعد للدخول معها فى علاقة حب ، وغير مستعد للتضحية من أجلها بشئ ثمين أو غالى ، ربما ينفق من أجلها بعض المال أو الوقت أو الجهد ولكن بحدود وضعها هو سلفاً ، أما أكثر من ذلك فلا وألف لا ، فهو زوج وأب يشعر بالمسئولية تجاه أسرته فضلاً عن أن له شكلاً إجتماعياً لا يمكن المساس به مطلقاً ، وبصفة خاصة مع إنسانة بهذه المواصفات وذلك المستوى العقلى – لا أقصد العلمى – أو المستوى الإجتماعى . 
وعلى هذا النهج إستمرت علاقتهما لمدة أربع سنوات متصلة ، كانت هى خلالها تحصد المزيد من المكاسب على المستوى الشخصى والعلمى والإجتماعى ، فارتفع قليلاً مستوى جمالها ، وغادرت النحافة جسدها الهزيل فبرزت مفاتنها وعرفت الأناقة طريقها إلى ملابسها بفضل إختياراته هو لألوانها وتفصيلاتها ، علمها هو كيف تتحدث وكيف تحاور وتناور فى الحديث ، وعلمها كيف تفكر وتتصرف ، وعلمها كيف تسير بتروى وأناة فتبدو ملامح أنوثتها بعد أن كانت تسير كما الرجال ، وبفضله وإستجابتها تغير كل شئ فى حياتها ، وأدركت هى حينئذ أنه هو الشخص الذى لا غنى عنه فى كل أمور حياتها ، بعد أن طرق العديد من طالبى الزواج بها بابها - بعد أن كان لا يطرقه أحد – بسبب كل التغييرات والتطورات التى باتت واضحة جلية عليها .

وبعد أربع سنوات جاءت لحظة الإختيار الصعب ، فقد تقدم للإرتباط بها أحد أقاربها ، ولم تعد تستطيع الهروب من ملاحقة نظرات أهلها المستمرة ، فطلبت منه الإرتباط بها لأنها لا تستطيع الحياة بدونه وألحت فى طلبها كثيراً وكثيراً وكثيراً حتى ظنت أنها بلا كرامة ولا كبرياء . . ولكنه كان على النقيض منها تماماً ، فهو لم ينس مطلقاً كيف كانت بداية علاقتهما ، ولم ينس أنه حين بدأ إهتمامه بها وضع لنفسه حداً لن يتجاوزه مهما حدث ، فلم يكن على إستعداد أبداً أن يضحى من أجلها بأى ثمين أو غالى ، لم تكن عدم إجابته طلبها هروباً منها أو تهرباً ولم يكن غدراً بها أو خيانة لها ، فقد أعطاها الكثير والكثير ولكنه لم يكن على إستعداد أن يعطيها أكثر مما أعطاها هو وأخذت هى ، لا لشئ إلا لأن ما بينهما أبداً لم يكن حُباً . . . بل كان شيئاً آخر .
                                                                             وإلى مقال آخر إن شاء الله .


الجمعة، 24 أغسطس 2012

مرارة إنتزاع الحبيب . . . أعز الناس


----------------------------------
الكثير منا يعانى من شتى صنوف الألم التى تعتصر كيان الإنسان ووجدانه فى مواقف عدة يمر بها الإنسان كمحطات يتوقف عنده قطار العمر ربما لدقائق أو ساعات أو أيام أو حتى أسابيع وشهور ، ثم يعاود القطار سيره مرة أخرى فى الطريق المرسوم المحدد له ، وقد يُمسى ذلك الألم الذى إهتر له الكيان كله مجرد ذكرى طوُيت كصفحة من صفحات العمر ، ولكن مما لاشك فيه أن تلك الذكرى تترك أثرها محفوراً فى أعماق الذاكرة يجترها العقل إجتراراً مع سابقيها من الذكريات المؤلمة .

ودائما وأبداً كان الألم النفسى – على خلاف ما قد يعتقده البعض – هو أشد أنواع الألم وطأة وأقواها عنفاً وأمضاها حدة ، وأثره المؤلم قد يصل إلى أضعاف وأضعاف أى ألم عضوى قد يلحق بجسم الإنسان ، فالله عز وجل لم يخلق عباده من دم ولحم وعظام فحسب ، وإنما شاءت إرادته سبحانه أن يزودهم بجملة من المشاعر والعواطف و الأحاسيس لا تقل أهميتها عن أهمية باقى أعضاء الجسم ، وأحياناً كثيرة يشكو المرء من آلام عضوية يعانى منها ، ويكون الألم فى حقيقته راجعاً إلى ألم نفسى أو معاناة نفسية أصابت مشاعره أو أحاسيسه ، فهزت كيانه كله وتأثرت به أعضاء جسمه من جراء ذلك الألم النفسى .

ويتنوع الألم النفسى الذى قد يصيب الإنسان تنوعاً يرجع إلى إختلاف مُسبباته ، فقد يعانى شخص أو يتألم نفسياً بسبب إخفاق فى العمل أو فى أمر ما ، وقد يعانى آخر بسبب خسارة لحقت به أو كسب فاته ، وقد يعانى ثالث بسبب قلق أو توتر من جراء ترقب حدوث شئ ما ، وهكذا تتعدد الأسباب و الألم من نوع واحد ، هو الألم النفسى أو المعاناة النفسية .

ولكن هناك نوع آخر من الألم النفسى الذى قد يصيب المرء - وكل البشر مُعرضون له – وهو الشعور بالحسرة والمرارة لفقدان شخص عزيز ، أو إبتعاد حبيب له مكانة عظيمة فى عُمق الفؤاد بل والكيان كله ، وربما كان السبب وراء شدة الألم والمعاناة فى مثل هذه الحالات ، هو شعور الإنسان المتألم بالعجز وقلة الحيلة تجاه ذلك الحدث المفاجئ ، ليس عن ضعف فى العقل أو الإرادة ، بل على العكس يوجد العقل وتوجد الإرادة ، وعلى قدر قوة الإرادة تأتى شدة الألم ، فالضعاف يكون ألمهم النفسى حال القهر أقل بكثير من الأقوياء ، ففى مثل تلك المواقف ينتاب الإنسان إحساس مرير بأن الزمن قد توقف فجأة أو أن الحياة بأسرها قد عمتها الحيرة والدهشة أمام ما حدث ويحدث ، ولفهم ما حدث وكيف حدث ولم حدث وكيف الخروج من هذا النفق المظلم العميق ، فكل الأبواب موصدة وكل النوافذ محكمة . . حينئذ فقط يشعر المرء بالحسرة تسرى فى جنبات صدره ، وبطعم المرارة يتدفق فى حلقومه ، ولا ترى عيناه إلا ضباب اليأس من عودة العزيز المفقود أو رجوع الحبيب المُنتزع .

فيا كل إنسان فقد عزيزاً أو أنُتزع منه حبيب هو عنده أعز الناس ، لا تترك نفسك فريسة للحسرة والمرارة ، ولا تجتر أحزانك ، فما ضاع لن يعود أبداً مهما حزنت وتألمت ، لن أقول لك لا تبك على العزيز ولا على الحبيب ، ولكن أستحلفك بالله ألا تسقط وألا تهوى فى بئر الآلام والأحزان ، لا تضعف أو توهن أمام الأقدار ، وطب نفساً إذا حكم القضاء ، ولا تجزع لحوادث الدنيا فما لحوادث الدنيا بقاء ، وقُل على الفور " قدر الله وما شاء فعل " ، فمرارة إنتزاع الحبيب – أعز الناس – لا تضاهيها أية مرارة مهما كانت مراً علقماً . . . . . 
                                                                    و إلى مقال آخر إن شاء الله .

السبت، 18 أغسطس 2012

هيمنة الحزب الواحد . . قدر مصر المحتوم .

- قبل ثورة 23 يوليو 1952 كانت الحياة السياسية فى مصر زاخرة بالحراك السياسى الفعال والنشط على أرض الواقع ، وكان يوجد تعدد حزبى حقيقى لأحزاب وقوى حقيقية لها قواعد وكوادر فى الشارع السياسى المصرى وبين المواطنين المصريين ، وكان على رأس هذه الأحزاب حزب الوفد الذى كان صاحب الشعبية الأولى بين المصريين وكان يتزعمه سعد باشا زغلول الزعيم المصرى المناضل من أجل الإستقلال والحرية ، كما كان يوجد حزب السعديين وحزب الدستوريين الأحرار والحزب الوطنى الديمقراطى القديم بزعامة مصطفى كامل فضلاً عن حزب مصر الفتاة وكانت هناك جماعة الأخوان المسلمين أيضاً .
- ولم تكن تلك الأحزاب جميعها مجرد لافتات ومقار ، وإنما كانت أحزاباً ذات شعبية ولها أنصار كثيرون بين طوائف الشعب المصرى المختلفة ، صحيح أنها لم تكن على مستوى واحد من الشعبية و التأثير بين الناس ، ولكن كان يجمعها عنصر مشترك هو وجودها الحقيقى والفعلى والمؤثر بين أفراد الشعب المصرى ، وكان تداول السلطة بينها فى العهد الملكى السابق على ثورة يوليه 1952 - فيما يتعلق بتشكيل الحكومات - هو الوضع السائد فى مصر فى ذلك الوقت ، وكان الحزب الفائز بالأغلبية فى الإنتخابات البرلمانية هو الذى يتولى تشكيل الحكومة سواء منفرداً أو بالإشتراك مع غيره من الأحزاب التى لها أعضاء فى البرلمان .
- ولكن بعد قيام ثورة يوليو على يد تنظيم الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر ورفاقه إنقلب الحال تماماً إلى النقيض ، وتلك هى السمة المميزة لحكم العسكريين فى أى بلد ، فهم لا يقضلون الأسلوب الديمقراطى فى إدارتهم لشئون البلاد ، ولا يؤمنون بتعدد الآراء أو إختلافها ، ولا يسمحون بتداول سلطة الحكم مع آخرين ، ومن هذا المنطلق تقرر حينذاك حل جميع الأحزاب السياسية المصرية بدعوى القضاء على الفساد السياسى ، ولم يُسمح لأى حزب أو جماعة بممارسة النشاط السياسى ، وحل محل جميع الأحزاب و القوى السياسية تنظيم واحد أو حزب واحد يتبع الرئيس فقط كان فى بادئ المر هو التنظيم الطليعى ثم حزب مصر الذى ورثه الإتحاد الإشتراكى العربى ، وإستمر الحال على هذا المنوال طوال الحقبة الناصرية ( 1954 - 1970 ) وفى السنوات الأولى من حكم الرئيس الراحل أنور السادات الذى أراد إعادة الحياة الديمقراطية إلى مصر فى منتصف سبعينات القرن الماضى و على طريقته هو ، فأنشأ السادات المنابر الثلاثة آنذاك ( اليمين - الوسط - اليسار ) ، ثم قرر بعد ذلك إعادة تأسيس الحزب الوطنى الديمقراطى برئاسته هو و الذى هرول إليه الجميع فى حينه لا لشئ سوى لأنه حزب الرئيس ، وسُمح لحزب الوفد بالعودة لممارسة نشاطه السياسى مرة أخرى ، وظهر على الساحة السياسية حزبى العمل الإشتراكى برئاسة المرحوم / إبراهيم شكرى ، وحزب التجمع اليسارى ، إلا أن الوضع كان أشبه بمسرحية هزلية يسخر فيها ممثلوها من الشعب المصرى بأكمله ، ووُزعت فيها الأدوار على الأحزاب التى لم لها وجود حقيقى وفعال فى الشارع السياسى المصرى ، وظل الغرض الحقيقى من وراء تشكيل الأحزاب غائباً أو بالأصح مُغيباً وغير مسموح به وهو تداول السلطة والحكم بين كافة الأحزاب السياسية .
- وفى أكتوبر 1981 إنتهى عهد الرئيس الراحل أنور السادات بإغتياله على يد الجماعات الإسلامية المتطرفة ، وبدأ عهد مبارك فى الحكم الذى إستمر قرابة الثلاثين عاماً لم يتغير فيها الحال ، وظل الحزب الوطنى الديمقراطى برئاسة مبارك هو الحزب المهيمن على الحياة السياسية المصرية ، وظلت الأحزاب الأخرى كما هى أحزاباً كرتونية هشة ليس لها أى وجود حقيقى ومؤثر فى الشارع المصرى وليس لأى منها ثمة قوة تنظيمية مؤئرة على الصعيد السياسى ، وكانت القوة الوحيدة المؤثرة و المنظمة والمتغلغلة بين المصريين هى جماعة الأخوان المسلمين التى ظلت عشرات السنين تمارس السياسة تحت عباءة الدين ومن وراء ستار ، وسُميت فى عهد مبارك المخلوع " الجماعة المحظورة " .
- وبعد قيام ثورة 25 يناير 2011 إستطاع الأخوان المسلمون إعتلاء موجة الثورة فى اليوم الثالث لها وأمسكوا بزمامها بفضل إنضباطهم وقوة تنظيمهم وكان لهم ما أرادوا ، فقد تصدروا المشهد السياسى فى مصربين عشية وضحاها وسُمح لهم بتكوين حزب الحرية والعدالة ليكون بمثابة الذراع السياسى لجماعة الأخوان المسلمين ، وإقتحم الأخوان المعترك السياسى بقوتهم الضاربة وإنطلق قطارهم الذى لم يجرؤ أحد على إيقافه فحصلوا على أغلبية ساحقة فى إنتخابات البرلمان بغرفتيه - مجلس الشعب ومجلس الشورى - ثم كان لهم الفوز بمنصب رئاسة الدولة المصرية ولأول مرة فى تاريخهم منذ نشأة الجماعة فى عام 1928 وأعتقد أنهم لن يتخلوا عنه مها كان الثمن أو فداحة الخسارة .
- والآن يبدو الحال واضحاً وجلياً أن الأخوان المسلمين سوف يسيطرون على كل مفاصل الدولة المصرية وعلى كل الوظائف الهامة فيها وعلى كل الوزارات والهيئات والنقابات والجامعات وحتى الأندية الرياضية ولن يتركوا لسواهم إلا الفتات ، مثلما كان حال الحزب الوطنى الديمقراطى منذ نشأته وحتى حله بحكم من القضاء بعد خلع المخلوع مبارك ، وأصبح حزب الحرية والعدالة فى طريقه للسيطرة على كل شئ فى مصر ، والإمساك بزمام كل أمور الدولة مستغلاً فى ذلك ضعف الأحزاب السياسية المزعومة والقوى الوطنية الوهمية وحالة التشرزم التى أصابت ثوار 25 يناير ، وأضحى حكم مصر مرشحاً من جديد وبقوة لهيمنة وسيطرة فصيل سياسى واحد أو حزب منفرد ليعيد التاريخ نفسه ويظل الشعب المصرى أسيراً فى قبضة حاكم واحد ينتمى إلى تيار سياسى واحد - مدنى أو دينى لا يهم - والحصاد المؤكد أن يظل قدر مصر المحتوم مرتهناً بهيمنة حزب سياسى واحد لعشرات أخرى من السنين لا يعلم مداها إلا الله وحده ، و لا عزاء للديمقراطية وتداول السلطة .    
- قبل ثورة 23 يوليو 1952 كانت الحياة السياسية فى مصر زاخرة بالحراك السياسى الفعال والنشط على أرض الواقع ، وكان يوجد تعدد حزبى حقيقى لأحزاب وقوى حقيقية لها قواعد وكوادر فى الشارع السياسى المصرى وبين المواطنين المصريين ، وكان على رأس هذه الأحزاب حزب الوفد الذى كان صاحب الشعبية الأولى بين المصريين وكان يتزعمه سعد باشا زغلول الزعيم المصرى المناضل من أجل الإستقلال والحرية ، كما كان يوجد حزب السعديين وحزب الدستوريين الأحرار والحزب الوطنى الديمقراطى القديم بزعامة مصطفى كامل فضلاً عن حزب مصر الفتاة وكانت هناك جماعة الأخوان المسلمين أيضاً .
- ولم تكن تلك الأحزاب جميعها مجرد لافتات ومقار ، وإنما كانت أحزاباً ذات شعبية ولها أنصار كثيرون بين طوائف الشعب المصرى المختلفة ، صحيح أنها لم تكن على مستوى واحد من الشعبية و التأثير بين الناس ، ولكن كان يجمعها عنصر مشترك هو وجودها الحقيقى والفعلى والمؤثر بين أفراد الشعب المصرى ، وكان تداول السلطة بينها فى العهد الملكى السابق على ثورة يوليه 1952 - فيما يتعلق بتشكيل الحكومات - هو الوضع السائد فى مصر فى ذلك الوقت ، وكان الحزب الفائز بالأغلبية فى الإنتخابات البرلمانية هو الذى يتولى تشكيل الحكومة سواء منفرداً أو بالإشتراك مع غيره من الأحزاب التى لها أعضاء فى البرلمان .
- ولكن بعد قيام ثورة يوليو على يد تنظيم الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر ورفاقه إنقلب الحال تماماً إلى النقيض ، وتلك هى السمة المميزة لحكم العسكريين فى أى بلد ، فهم لا يقضلون الأسلوب الديمقراطى فى إدارتهم لشئون البلاد ، ولا يؤمنون بتعدد الآراء أو إختلافها ، ولا يسمحون بتداول سلطة الحكم مع آخرين ، ومن هذا المنطلق تقرر حينذاك حل جميع الأحزاب السياسية المصرية بدعوى القضاء على الفساد السياسى ، ولم يُسمح لأى حزب أو جماعة بممارسة النشاط السياسى ، وحل محل جميع الأحزاب و القوى السياسية تنظيم واحد أو حزب واحد يتبع الرئيس فقط كان فى بادئ المر هو التنظيم الطليعى ثم حزب مصر الذى ورثه الإتحاد الإشتراكى العربى ، وإستمر الحال على هذا المنوال طوال الحقبة الناصرية ( 1954 - 1970 ) وفى السنوات الأولى من حكم الرئيس الراحل أنور السادات الذى أراد إعادة الحياة الديمقراطية إلى مصر فى منتصف سبعينات القرن الماضى و على طريقته هو ، فأنشأ السادات المنابر الثلاثة آنذاك ( اليمين - الوسط - اليسار ) ، ثم قرر بعد ذلك إعادة تأسيس الحزب الوطنى الديمقراطى برئاسته هو و الذى هرول إليه الجميع فى حينه لا لشئ سوى لأنه حزب الرئيس ، وسُمح لحزب الوفد بالعودة لممارسة نشاطه السياسى مرة أخرى ، وظهر على الساحة السياسية حزبى العمل الإشتراكى برئاسة المرحوم / إبراهيم شكرى ، وحزب التجمع اليسارى ، إلا أن الوضع كان أشبه بمسرحية هزلية يسخر فيها ممثلوها من الشعب المصرى بأكمله ، ووُزعت فيها الأدوار على الأحزاب التى لم لها وجود حقيقى وفعال فى الشارع السياسى المصرى ، وظل الغرض الحقيقى من وراء تشكيل الأحزاب غائباً أو بالأصح مُغيباً وغير مسموح به وهو تداول السلطة والحكم بين كافة الأحزاب السياسية .
- وفى أكتوبر 1981 إنتهى عهد الرئيس الراحل أنور السادات بإغتياله على يد الجماعات الإسلامية المتطرفة ، وبدأ عهد مبارك فى الحكم الذى إستمر قرابة الثلاثين عاماً لم يتغير فيها الحال ، وظل الحزب الوطنى الديمقراطى برئاسة مبارك هو الحزب المهيمن على الحياة السياسية المصرية ، وظلت الأحزاب الأخرى كما هى أحزاباً كرتونية هشة ليس لها أى وجود حقيقى ومؤثر فى الشارع المصرى وليس لأى منها ثمة قوة تنظيمية مؤئرة على الصعيد السياسى ، وكانت القوة الوحيدة المؤثرة و المنظمة والمتغلغلة بين المصريين هى جماعة الأخوان المسلمين التى ظلت عشرات السنين تمارس السياسة تحت عباءة الدين ومن وراء ستار ، وسُميت فى عهد مبارك المخلوع " الجماعة المحظورة " .
- وبعد قيام ثورة 25 يناير 2011 إستطاع الأخوان المسلمون إعتلاء موجة الثورة فى اليوم الثالث لها وأمسكوا بزمامها بفضل إنضباطهم وقوة تنظيمهم وكان لهم ما أرادوا ، فقد تصدروا المشهد السياسى فى مصربين عشية وضحاها وسُمح لهم بتكوين حزب الحرية والعدالة ليكون بمثابة الذراع السياسى لجماعة الأخوان المسلمين ، وإقتحم الأخوان المعترك السياسى بقوتهم الضاربة وإنطلق قطارهم الذى لم يجرؤ أحد على إيقافه فحصلوا على أغلبية ساحقة فى إنتخابات البرلمان بغرفتيه - مجلس الشعب ومجلس الشورى - ثم كان لهم الفوز بمنصب رئاسة الدولة المصرية ولأول مرة فى تاريخهم منذ نشأة الجماعة فى عام 1928 وأعتقد أنهم لن يتخلوا عنه مها كان الثمن أو فداحة الخسارة .
- والآن يبدو الحال واضحاً وجلياً أن الأخوان المسلمين سوف يسيطرون على كل مفاصل الدولة المصرية وعلى كل الوظائف الهامة فيها وعلى كل الوزارات والهيئات والنقابات والجامعات وحتى الأندية الرياضية ولن يتركوا لسواهم إلا الفتات ، مثلما كان حال الحزب الوطنى الديمقراطى منذ نشأته وحتى حله بحكم من القضاء بعد خلع المخلوع مبارك ، وأصبح حزب الحرية والعدالة فى طريقه للسيطرة على كل شئ فى مصر ، والإمساك بزمام كل أمور الدولة مستغلاً فى ذلك ضعف الأحزاب السياسية المزعومة والقوى الوطنية الوهمية وحالة التشرزم التى أصابت ثوار 25 يناير ، وأضحى حكم مصر مرشحاً من جديد وبقوة لهيمنة وسيطرة فصيل سياسى واحد أو حزب منفرد ليعيد التاريخ نفسه ويظل الشعب المصرى أسيراً فى قبضة حاكم واحد ينتمى إلى تيار سياسى واحد - مدنى أو دينى لا يهم - والحصاد المؤكد أن يظل قدر مصر المحتوم مرتهناً بهيمنة حزب سياسى واحد لعشرات أخرى من السنين لا يعلم مداها إلا الله وحده ، و لا عزاء للديمقراطية وتداول السلطة .                               وإلى مقال آخر إن شاء الله .

                              

الأربعاء، 15 أغسطس 2012

تحية عسكريةواجبة للمشير طنطاوى والفريق عنان .

- أستطيع أن أؤكد وأُجُزم - ويؤيدنى فى ذلك كل مصرى عاقل ومنصف - على أن موقف القوات المسلحة المصرية وعلى رأسها المجلس الأعلى من ثورة 25 يناير 2011 كان مفاجئاً لجموع المصرين ، ولا يمكن لأى شخص أن يزعم أو يدعى أن تقديراته وحساباته للموقف خلال الأيام الأولى لأحداث ثورة 25 يناير يمكن أن تصل به إلى توقع ما قام به الجيش المصرى ممثلاً فى المجلس العسكرى من إنفصال مفاجئ عن القيادة العسكرية العليا والقيادة السياسية فى ذلك الوقت رغم خطورة هذا الإنفصال على حياة كل عضو من أعضاء المجلس العسكرى ، فكانت المرة الأولى التى ينعقد فيها المجلس الأعلى للقوات المسلحة بدون قائدها الأعلى - مبارك المخلوع - وكان ذلك إعلاناً صريحاً من الجيش المصرى بالإنحياز للشعب المصرى بكل طوائفه والإيمان بصدق مطالبه ومشروعيتها فى لحظة فارقة وهامة من تاريخ الشعب المصرى .
- وقد كان لهذا الموقف الوطنى الشجاع الذى وقفه الجيش المصرى أبلغ الأثر فى نجاح ثورة 25 يناير - مهما حول البعض أن ينكر هذه الحقيقة أو يطمسها - وأصدق دليل على ذلك كل الأحداث الدامية الدموية التى شهدها العديد من البلدان العربية خلال العامين الماضيين ، سواء فى اليمن أو ليبيا أوحتى سورية التى لا تزال الدماء تسيل فى شوارعها بغزارة وبلا حساب ، وللأسف الشديد فإن جيوش هذه البلدان العربية كانت ضالعة وبقوة فى أحداث العنف والدمار والموت الذى لحق بشعوب تلك البلدان ومقدراتها وثرواتها ، وبدا الأمر وكأن هذه الجيوش لا تنتمى إلى تلك الشعوب ، أو كأنها جيوش من المرتزقة المأجورين لإبادة أولئك الرعاع الذين خرجوا على حكامهم المفسدين الطغاة الذين جثموا على صدور شعوبهم عشرات السنين ، حتى إعتادت تلك الشعوب على ظلام الليل ويئست من بزوغ فجر جديد يحمل معه الأمل لهم ولأبنائهم وأحفادهم فى غد أفضل ومستقبل واعد .
- والتاريخ يذكر دائماً للجيش المصرى وقواته المسلحة أنهم كانوا ولا يزالوا وسوف يظلوا أبناء مصر الأوفياء المخلصين العاشقين لترابها ، المنتمين لأهلهم وذويهم وإخوانهم من المصريين ، وما عهدنا قط من جيشنا المصرى إلا كل حب وتضحية لهذا الوطن و من أجله ، وعلى مر العصور ومنذ أن تأسس الجيش المصرى الحديث على يد محمد على كانت عقيدة الجيش المصرى الثابتة والراسخة فى يقين وعقول وقلوب أفراده أن القوات المسلحة المصرية هى جزء من الشعب المصرى وهى ملك له ، وجرى النص على ذلك فى الدساتير المصرية المتعاقبة وآخرها دستور 1971 .
- ولاينال من مكانة القوات المسلحة المصرية فى قلوب وعقول المصريين بعض تصرفات أفرادها فى مواجهة أبناء المصريين فى ظروف صعبة شديدة الحساسية الجميع يقدرها ويعلم جيداً ملابساتها ، لا سيما وأن أفراد الجيش المصرى قد تم تكليفهم للقيام بدور مدنى وسياسى وشعبوى لا قبل لهم به وبعيداً عن إعدادهم القتالى والعسكرى .
- فتحية من القلب لكل ضباط وجنود الجيش المصرى ، تحية تقدير وإعزاز وتكريم لهم على موقفهم الشجاع النبيل تجاه ثورة الشعب المصرى ضد الظلم و الإستبداد والفساد ،وعلى إجتهادهم لحماية الوطن قدر إستطاعتهم حتى ولو أخطأوا فى بعض الأحيان ، وتحية إلى جميع أعضاء المجلس العسكرى القادة الكبار الذين حملوا رؤوسهم على أكفهم وإنحازوا إلى جانب الشعب المصرى فى ثورته النبيلة .
- وأخيراً . . تحية عسكرية واجبة من كل مواطن مصرى إلى القادة الكبار المشير طنطاوى والفريق عنان .
                                                                                  وإلى مقال آخر إن شاء الله .

الاثنين، 13 أغسطس 2012

الإعلام المصرى . . جزء من المشكلة و جزء من الحل ! !

- لا أحد يستطيع أن ينكر أن الإعلام المصرى قد لعب دوراُ حيوياً وهاماً فى تاريخ مصر الحديث ، و لا سيما منذ إستيلاء العسكريين على السلطة فى أعقاب ثورة 23 يوليو 1952 ، فقد حرصت الأنظمة الحاكمة المتعاقبة منذ ذلك التاريخ ( عبد الناصر - السادات - مبارك ) على إستخدام الإعلام بصنوفه المختلفة ( المقروءة - المرئية - المسموعة ) فى توجيه الرأى العام بين أبناء الشعب المصرى توجيهاً يصب فى نهاية الأمر فى مصلحة النظام الحاكم ( رأسه وحاشيته ) بصرف النظر عن مصلحة الوطن وأبناء شعبه .

- ولم يكن الإعلام المصرى عصياً على الحاكم طوال الستين سنة الماضية من تاريخ مصر الحديث ، بل على العكس كان أداة طيعة ومرنة تقبل التوجيه حسب إرادة الحاكم إما بالترغيب أو الترهيب ، فأحياناً كانت وسائل الإعلام تسُتغل كبوق للدعاية لأشخاص النظام الحاكم وسياساته ، وأحياً أخرى تسُتغل كسلاح إغتيال معنوى يُوجه إلى أفكار ومبادئ المعارضين للنظام - لاسيما الشرفاء منهم - أو إلى سمعتهم الشخصية والعائلية و الخوض فى أعراضهم وأعرض ذويهم بهدف إسكات أصواتهم وإعلاء أصوات زبانية النظام الحاكم . . وللحق أقول أن الإعلام المصرى قد ساند هذا الشعب فى بعض المواقف الوطنية من تاريخه ، ولكن حتى فى هذه الأوقات النادرة لم يكن الإعلام مسانداً للشعب بصفة أصيلة ولكن من خلال مساندة الحاكم أيضاً و تلميعه وإظهار إنجازاته والتضخيم منها .

- وعلى هذا النحو لم يكن الإعلام المصرى سواء فى ثوبه القديم ( الصحف الحكومية - التليفزيون الحكومى - الإذاعة الحكومية ) أو فى ثوبه الجديد الذى أُضيقت إليه القنوات التليفزيونية الفضائية المتعددة الأدوار والإنتماءات والصحف المستقلة والصحف المعارضة للنظام الحاكم ، لم يكن الإعلام فى كل هذه الصور بعيداً عما حدث وما زال يحدث فى مصر ، ولا يفوتنى فى هذا المقام أن أشير إلى ما إبتدعه الرئيس الراحل أنور السادات  - رغم حبى الشديد له وقناعتى به كأبرز زعماء مصر فى تاريخها الحديث بعد محمد على باعث نهضة مصر الحديثة - فى محاولة من لإحتواء الإعلام والإعلاميين فى مصر ، فقد فعل السادات رحمه الله ما لم يفعله أى رئيس أو زعيم فى العالم بأسره ، حيث أضاف لسلطات الدولة الثلاث ( التشريعية والقضائية والتنفيذية ) سلطة رابعة أسماها سلطة الصحافة وأجرى لها تعديلاً فى الدستور المصرى ( دستور 1971 ) مخالفاً بذلك كل الأعراف الدستورية فى كل دول العالم قاضبةً من أقصاها إلى أقصاها.

- وقد برز الدور الأسوأ للإعلام المصرى وبشدة فى أعقاب ثورة 25 يناير 2011 والإطاحة بالرئيس المخلوع حسنى مبارك التى فجرها شباب مصر المخلصين لبلدهم بغرض القضاء على الظلم والإستبداد والفساد ومحاربة الثلاثى المدمر لأى أمة ( الفقر والجهل والمرض ) وإقامة العدالة الإجتماعية بين أبناء الشعب المصرى ، فمنذ الأيام الأولى للثورة تشرزم الإعلاميين المصريين إلى فرق وجماعات ، كلُ حسب هواه وإنتمائه ومصالحه الخاصة دون النظر إلى مصلحة الوطن ، وقد إستمر هذا الدور المشبوه لمثير من الإعلاميين طوال الشهلر المنصرمة ، بل وأخذ هذا الدور القمئ منحنى أخطر شديد السواد تمثل فى محاولة تقسيم الأمة المصرية وتفتيت وحدتها الوطنية ووحدة أبنائها من مسلمين ومسيحين - بالرغم من أنهم جميعاً مصريون - وإستعداء بعض المصريين على بعض والإستقواء بقوى أجنبية من أجل تنفيذ أجندات وأهداف خاصة ، وأضحى الإعلام المصرى أشد خطورة على المصريين البسطاء من عدوهم اللدود أبناء وأحفاد صهيون ، وصار حتمياً وضرورياً الوقوف فى وجه هذا الإعلام وهؤلاء الشرازمة من الإعلاميين المضللين وقفة جادة من أجل إعادتهم إلى الطريق المستقيم أو بترهم وإبعادهم عن الإعلام والتأثير على الرأى العام إذا لزم الأمر .

- وفى رأيى المتواضع أن أغلب الإعلام فى مصر بتوجهاته الغير مسئولة وتصرفات إعلامييه الغير وطنية أضحى جزءً هامأ من مشكلات مصر الآنية لكونه لاعباً أساسياً على الساحة المصرية سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً ودينياً وثقافياً ، ولكى تستقيم أحوال هذا البلد الطيب لابد أن يتحول دور الإعلام المصرى فى مجموعه من دور هدام إلى دور بناء ، تتحقق من خلاله وبه وحدة أبناء هذا الشعب وتُستنهض قواهم وعزائمهم من أجل العمل والإنتاج ورفعة هذا الوطن والوقوف صفاً واحداً وراء القيادة السياسية الوحيدة المُنتخبة فى البلاد . وبغير ذلك لن يستيع المصريون أن يعبروا هذا المنعطف الخطير الذى تمر به مصرهم الحبيبة الآن .

فيا رجال مصر المخلصين الأوفياء ويا نسائها من الإعلاميين والإعلاميات الشرفاء والشريفات ، مصر تناديكم جميعاً أن تقفوا معها وأن تأخذوا بيدها وهى فى أضعف حالاتها كى تتعافى وتنهض وتخرج من هذا المعترك شديد الصعوبة ،

السبت، 11 أغسطس 2012

ماذا أصاب المصريين بعد ثورة 25 يناير ؟

- لا يختلف الكثيرون منا على أن الشعب المصرى قبل يوم 25 يناير 2011 كان فى حاجة ملحة وشديدة إلى زلزال أقوى بكثير من زلزال أكتوبر 1992 ، زلزال لا تهتز معه الأرض فحسب تحت أقدام  المصريين ، ولكن زلزال من نوع آخر يجعل المصريين ينتفضون وينهضون من سباتهم العميق الذى دام عشرات السنين ، ورجع بهم إلى الوراء مئات السنين ، العالم كله يتحرك - بل ويجرى مسرعاً - وهم نائمون خاملون فاقدوا الوعى يتقلبون ذات اليمين وذات الشمال ، والشمس تشرق من فوقهم وتذهب إلى المغيب ثم تشرق وتغيب آلاف المرات ولا يدركون لها سطوعاً ولا يشهدون لأيامهم صُبحاً ، حالهم حال أهل الكهف الذين ورد ذكرهم فى القرآن الكريم ، وطال بهم الزمن وطال حتى كادت بقية شعوب الأرض أن تحسبهم أمواتاً .
- ولكن شاءت إرادة الله العلى القدير فى صبيحة يوم 25 يناير 2011 أن يهُب فتية أطهار أنقياء - وأنا أحسبهم كذلك - وهم من صفوةوخيرة شباب هذا الشعب المصرى العريق الذى تمتد جذوره فى التاريخ آلاف السنين ، هب هؤلاء الفتية الشجعان - بإرادة من الله وقوة - قاصدين تطبيق شرع الله فى ملكه مؤمنين بقوله سبحانه : " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " صدق الله العظيم . هبوا وثاروا والناس جميعهم نيام نيام ، وصرخوا صرخة قوية مستنهضين إخوانهم وأهليهم من أبناء هذا الشعب لكى يهبوا وينهضوا معهم ويضعوا جميعاً الأيدى فى الأيدى لرفع الظلم والفساد ومحاربة الفقر والجوع والجهل والمرض ومحو الذل والمهانة وإزاحة الكابوس الثقيل المظلم الذى طال جثومه فوق الصدور حتى كادت الأنفاس أن تُكتم والأرواح أن تُزهق والأجساد أن تُهلك . وقد كان لهؤلاء الفتية ما أرادوا بفضل صدق إيمانهم بنصر الله وطهارة مقصدهم وقوة عزيمتهم ، فكتب لهم ربهم الفلاح والنجاح ، وتمكنوا من الإطاحة برأس الظلم والفساد المدعو مبارك المخلوع بعون من الله تصديقأ لقوله تعالى : " قل اللهم مالك الملك ، تؤتى الملك من تشاء ، وتنزع الملك ممن تشاء ، تعز من تشاء وتذل من تشاء ، بيدك الأمر ، إنك على كل شئ قدير " .
- ولم تكن الإطاحة برأس النظام الفاسد نهاية المطاف ولكنها البداية التى حسب لها العقلاء و الحكماء حساباً ، فلم تكن تلك البداية إلا بمثابة فوهة البركان التى تُقذف من خلالها الحمم التى تغلى وتموج فى باطن الأرض منذ سنوات وسنوات وهكذا كان حال المصريين وقت إندلاع ثورتهم الشبابية التى راح ضحيتها مئات الشهداء وآلاف المصابين ، فقد إستحالت صدور المصريين إلى بركان ظل سنوات وسنوات يعانى من الكبت وإحتباس الأنفاس وكتمان الغيظ وتجرع المرارة خوفاً من البطش أو الإضطهاد على يد نظام قمعى لايعرف إلا سياسة القبضة الحديدية فى ظل دولة بوليسية أمنية ، وظلت صدور المصرين تغلى حتى حانت ساعة فوران البركان وتطاير الحمم ، وحسب طبيعة الأمور لم يكن كل ما بداخل الصدور طيب وحسن ، فالمصريون مثلهم مثل باقى الشعوب ليسوا كلهم ملائكة وليسوا كلهم شياطين ، بل هم جميعاً بشر لهم طباع البشر وخصالهم ، فيهم الطيب والشرير وفيهم الصالح والطالح وفيهم الظالم والمظلوم وفيهم الطاهر والفاسد وفيهم المثقف والجاهل وفيهم الغنى والفقير وفيهم من يحب الناس ومن لا يحب إلا نفسه وفيهم من لا يرى إلا مصالحه دون مصلحة الوطن .
- وربما كان السبب وراء ما أصاب المصريين بعد ثورة 25 يناير هو ذلك التنوع الواسع والتباين الظاهر بين صنوف المصريين والذى فى أغلبه ينحدر إلى الأسوأ غالباً  وإلى الأسود أحياناً بفعل أولى الأمر الذين أفسدوا فى الأرض عشرات السنين وقننوا الفساد والإنحراف حتى صارا هما الأصل والقاعدة وصارت الطهارة ويقظة الضمير ونظافة اليد هى الفرع و الإستثناء ، ورسخوا للظلم حتى إستشرى بين الناس ، وكانوا أحرص على إفقار أبناء شعبهم وجهلهم ومرضهم أكثر من أى شئ آخر ، فخرج من أرحام الأمهات أجيال فى معظمها لاترى أمامها إلا القدوة السيئة والمثل السئ ولا تعرف الفضيلة ولا الأمانة ولا الطهارة ولا قيمة العلم والثقافة ولا معنى الإيثار والتضحية وحب الوطن ولا جسامة الظلم وفداحة الشر ولا سمو الحق والعدل .
- وفى رأيى المتواضع أن ما أصاب المصريين فى الوقت الراهن هو حالة مؤقتة من التخبط والتعثر والإنكفاء مثل تلك التى تصيب الطائر الذى ظل طويلاً محبوسا فى قفصه لم يُسمح له بالطيران والتحليق فى عالم الفضاء ثم فجأة إنفتح باب القفص وقيل له لقد أصبحت حرأ طليقا طر كما تشاء ، ولم يصدق ما حدث فاندفع بقوة جناحيه إلى خارج القفص ، وظل يتخبط ويتخبط ويتخبط  لأنه لم يصدق ما حدث ولم يعد  العدة لتلك اللحظة الفارقة فى حياته ولم يمرن جناحيه على الطيران منذ أمد بعيد ، منذ أُُدُخل القفص رغماً عنه ، وأصبح مصير ذلك الطائرالذى نال حريته فجأة  أحد أمرين إما أن يصطدم أثناء تخبطه بشئ أقوى منه فيسقط ويهوى ويهلك ، أو يظل يتخبط ويتخبط حتى يتبين طريقه وتقوى جناحيه على حمله ويحيا بقية عمره حرأ طليقاً غير مسلوب الإرادة .
وأنا على يقين تام - وأدعو الله أن أكون على صواب - أن فترة التخبط التى يعيشها المصريون الآن - طالت أم قصرت - سوف تنتهى حتماً ذات يوم من الأيام وتمُسى فى سجل الذكريات يرويها الآباء للأبناء ثم للأحفاد ، وسوف يستعيد أبناء هذا الشعب العريق توازنهم وإتزانهم ويهتدوا إلى الطريق الصواب . . فنحن أحفاد الفراعنة بناة أقدم حضارة فى التاريخ ولن نرضى لأنفسنا إلا أن نكون الأولين ، ولن نسقط أبداً ، لن نسقط أبداً ، لن نسقط أبداً .
                                                                                           وإلى مقال آخر إن شاء الله .

الخميس، 9 أغسطس 2012

خبرة السنين . . حصاد تجارب و أخطاء الماضى

ينتابنى فى بعض الأحيان شعور بالحنق و الضيق عندما أقابل شاباً فى مقتبل عمره يأبى أن يستمع إلى رأى أو توجيه أو حتى نصح أو إرشاد صادر عمن هو أكبر سناً ذو خبرة فى الحياة لمجرد رغبة ذلك الشاب فى إثبات للذات - على حد قوله - والحقيقة آنذاك لا تكون كذلك ، ولكنه الإصرار و العناد والرغبة فى التمرد والعصيان والخروج على كل الثوابت والأصوليات التى إستقر عليها السابقون الأولون جيل بعد جيل ..
وبعيداً عن التفسيرات  المختلفة التى أطلقها علماء النفس و الإجتماع فى شأن عدم إصغاء الصغار لنصائح الكبار من ذوى الخبرة و الحنكة ، فإننى بعد دراسة متأنية و متعمقة فى هذا الموضوع أنظر إلى هذه الظاهرة الإجتماعية الخطيرة من زاوية مغايرة تماماً ، هى زاوية العقل و الحكمة و الفطنة و الذكاء ، وتلك جميعها أمور لو إتصف بها أى شخص مجتمعة لكان حريصاً كل الحرص على إحترام آراء الكبار و الإستفادة من خبرات الآخرين التى هى حصيلة تجاربهم وأخطائهم على مدى سنوات أعمارهم وبقدر المواقف التباينة التى عايشوها من نجاح وفشل أوصعود وهبوط أو حزن وفرح أو ضيق وفرج أو حب وكره أو أمن وخوف أو حرب وسلام إلى آخر ذلك من الأحوال والظروف التى يتعرض لها كل إنسان بصفة دائمة
وقديماً قال أجدادنا فى الأمثال : ( الأكبر منك بيوم . . يعرف عنك بسنة ) ، ولم تكن تلك مقولة عفوية بل لها أصل ثابت فى يقين الناس وعقولهم وتناقلها الأجيال المتعاقبة جيل بعد جيل حتى ترسخت فى الأذهان وصارت قولاً مأثوراً تغلفه الحكمة والعقل ، وهذا القول المأثور يعطى دلالة واضحة على أن من وُلد قبل غيره ولو بيوم واحد فمن المؤكد أنه قد رأى وشاهد وعاصر ولاحظ وعرف وعلم بما لم يعلم به هذا الغير الذى وُلد متأخراُ عنه ولو بيوم واحد ، فما بالنا لو كان هذا الفارق فى العمر سنوات عدة تراكمت خلالها الخبرات من خلال تعدد تجارب الحياة التى قد يصيب الشخص فى بعضها و قد يخطئ فى البعض الآخر ، ولكنه فى جميع الأحوال يخرج - وبلا شك - من تلك التجارب بالدروس المستفادة والعبر والعظات كى لا يكرر أخطاءه ولا أخطاء الآخرين أو يتسبب فى ضياع الوقت والجهد بلا طائل أو فائدة .
ولابد أن نؤكد فى هذا الخصوص على أن الإنسان الذكى النابه النابغ هو من يبدأ فى كل شئ وأى شئ من حيث إنتهى الآخرون ، ويستفيد من إنجازات ونجاحات من سبقوه سواء فى مجال عمله أو فى حياته العامة أوالخاصة حتى يكون مفيداً لنفسه وللناس ، ويجب أيضاً على كل منا ألا يبخل بخبراته فى شتى مجالات الحياة المختلفة ويضن بها على من هم بحاجة إليها ، وألا يتردد كل منا فى عرض تجاربه على من حوله كى يستخلص الجميع منها ما يفيدهم فى حياتهم وشئونهم الدنيوية .
وأخيراً . . صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : " كان الله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه " ، وبذلك ينهض الفرد ويسمو المجتمع وتتقدم الأمة بأسرها على طريق الرقى والنجاح .    وإلى مقال آخر إن شاء الله .

الأربعاء، 8 أغسطس 2012

معاهدة السلام . . والسيادة المنقوصة على سيناء

لم يدفع أى من الدول العربية أو شعوبها الثمن غالياً فى الصراع العربى الإسرائيلى مثلما دفعت مصر وشعبها الأبى ، وليس ذلك تحيزاً منى لمصريتى التى أعتز وأفتخر بها كثيراً ، ولا لحب مصر الذى يسرى فى عروقى ليل نهار ، ولكن لأن التاريخ نفسه يروى ذلك ويؤكده .
فما زال الشعب المصرى المكافح الطيب يدفع - من خلال أجياله المتعاقبة جيلاً بعد جيل - ثمناً فادحاً من خلال تصدره مشهد الحرب و القتال و الموت والإستشهاد من أجل القضية الفلسطينية التى هى لب الصراع العربى الإسرائيلى ، وكانت البداية فى حرب 1948 أول الحروب العربية من أجل تحرير فلسطين من قبضة اليهود الصهاينة ، ثم تلاها العدوان الثلاثى على مصر 1956 الذى شنته ثلاث دول من بينها إسرائيل ومعها كل من إنجلترا و فرنسا ودمرت من خلاله مدن القناة الثلاث ( السويس - الإسماعيلية - بورسعيد ) ، ولولا براعة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر -الذى لعب بكل ذكاء على التوازنات الدولية آنذاك - وإستطاع من خلال ذلك أن يحول الهزيمة العسكرية إلى نصر سياسى بمعاونة الأمريكان ورئيسهم فى ذلك الوقت أيزنهاور .
ثم كانت نكسة 5 يونيه1967التى دفعت فيها مصر وشعبها الحر أغلى الأثمان بسبب تصدر مصر المستمر مشهد الصراع العربى الإسرائيلى ، فقد أدرك الصهاينة جيداً أن مصر هى رأس الحربة فى صراع العرب المريرمع إسرائيل ولابد من تحطيم هذا الرأس حتى يتحقق للصهاينة التفوق الحاسم فى ذلك الصراع , وكان لهم ما أرادوا وإستطاعوا أن يلحقوا بمصر وجيشها هزيمة عسكرية سريعة وخاطفة وأن يحتلوا قطعة غالية من أرض مصر هى سيناء الحبيبة وساعدتهم فى ذلك عوامل وأسباب داخلية سياسية وعسكرية .
والتاريخ يذكر جيداً كم عانى الشعب المصرى بأكمله لأكثر من سبع سنوات متتالية من الذل وعار الهزيمة وإنكسار النفس ، وإضطر الشعب المصرى طوال تلك السنوات المريرة إلى تجنيد كل الطاقات - وهى بلا شك محدودة - من أجل الإستعداد لمعركة جديدة لتحرير الأرض الغالية التى إحتلتها إسرائيل فى يونيه 1967، وكم عانى أبناء الشعب المصرى من الحرمان فى كل شئ حتى متطلبات الحياة اليومية البسيطة وجُندت كل الإمكانيات لصالح المجهود الحربى وإعادة تسليح الجيش المصرى و الإستعداد لمعركة التحرير وإسترداد العزة و الكرامة .
وشاءت إرادة الله أن ينتهى دور الزعيم / جمال عبد الناصر فى الحياة فى 28 سبتمبر 1970 ليتولى بعده الزعيم الراحل / أنور السادات الذى أكمل المشوارالذى بدأه رفيقه فى العمر و السلاح و الكفاح حتى تحقق لمصر و شعبها ما أرادت من نصر عسكرى مفاجئ ومظفر فى 6 أكتوبر 1973 شهد له العالم أجمع ، إلا أنه كان نصراً جزئيأ لتحريك الموقف السياسى على الأرض ، ولم تستطع مصر من خلاله تحرير سيناء بأكملها بسبب ضعف الإحتياطى الإستراتيجى للدولة من ناحية وتدخل أمريكا فى الحرب لصالح إسرائيل من ناحية أخرى ، فاضطر السادات آنذاك أن يوقف الحرب ويقبل وقف إطلاق النار . وكان لزاماً على مصر وقتئذ أن تبدأ مشوار السلام مع العدو الصهيونى من أجل إستعادة باقى سيناء ، ومن ثم كانت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية فى 1979 .
والحق يُقال أن معاهدة السلام تلك لم تكن بعض بنودها فى صالح مصر لأنها كانت نتاج مفاوضات سلام ، ودائماً تكون المفاوضات عبارة عن تنازلات من أحد الطرفين يقابلها تنازلات من الطرف الآخر، فجاءت المعاهدة مجحفة بمصر فى جانبها الأمنى بحيث أنها لم تحفظ السيادة الكاملة لمصر على سيناء بالكامل وبصفة خاصة الثلث الأخير من سيناء الملاصق للحدود المصرية الإسرائيلية ، ذلك الثلث الذى جاء ضعيفاً فى العدة ( 750 جندى مصرى فقط ) و العتاد ( تسليح خفيف فقط ) ، وجاء ذلك إعمالاً لنظرية الأمن الإسرائيلى التى مفادها أن أمن إسرائيل يبدأ من داخل الدول المجاورة وليس من داخل إسرائيل ذاتها .
وقد أثبتت الحوادث و الوقائع المتتالية على مدى أكثر من ثلاثين عاماً هى عمر معاهدة السلام المصرية الإشرائيلية ، أن الملحق الأمنى للمعاهدة فى حاجة إلى إعادة نظر حتى تستطيع مصر أن تفرض سيطرتها الأمنية الكاملة على أرض سيناء الحبيبة ، ولعل أقوى دليل على هذا هو ذلك الإعتداء الإرهابى الآثم الجبان الذى وقع منذ أيام بواسطة إحدى الجماعات الإرهابية على النقطة الحدودية المصرية عند رفح ، وراح ضحيته 16 شهيداً مصرياً مابين ضباط وجنود ، وهو الأمر الذى أصبح معه تعديل الملحق الأمنى لمعاهدة السلام - بإتفاق طرفيها - هو ضرورة ملحة لا يجوز التراجع عنها حتى لا تظل سيناء المصرية منقوصة السيادة هكذا إلى الأبد . . .
وأخيرأ . . رحم الله الزعيمين / جمال عبد الناصر وأنور السادات ،و رحم الله كل شهداء مصر الأبرار الذين ضحوا بأرواحهم ودمائهم فى سبيل عزة مصر و كرامتها . . قال تعالى فى كتابه العزيز : " و لا تحسبن الذين قُتلوا فى سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يُرزقون " . صدق الله العظيم .               و إلى مقال آخر إن شاء الله .

الثلاثاء، 7 أغسطس 2012

سقوط مبارك . . . ودموع علا غانم فى زمن الإخوان .

تأثرتُ كثيراً وأنا أشاهد الفنانة المصرية الجميلة علا غانم وهى تبكى فى برنامج زمن الإخوان عندما فاجأها الإعلامى اللامع طونى خليفة بعرض صورة الرئيس المخلوع حسنى مبارك أمامها فجأة ، فلم تستطع الفنانة المصرية أن تتمالك نفسها وغلبتها دموعها فى لحظة صدق حقيقية جسدت فيها أسمى معانى حب الوطن وأهله و الإنتماء لهذا البلد و الإحساس بمعاناة الشعب المصرى الطيب الأصيل ، هذا الشعب الذى عانى كثيراً على مدى ثلاثين عاما من ألم الفقر و الجوع وذل المرض وظلام الجهل وضياع الحلم و الأمل حتى تمكن منه اليأس و الإحباط وضعفت همته و إنكسرت إرادته وأصابه الوهن وخارت قوى رجاله وهم يرون بأعينهم بلدهم الحبيبة مصر والحال ينحدر بها وتتدهور وتتراجع مكانتها بين كل دول العالم حتى الفقيرة و النامية منها .
ويقيناً أننى كنت أشارك علا غانم هذا الشعور القاسى بمرارة الإنكسار والهوان والإحساس بالحزن والأسى على يد حاكم أعطيناه الكثير والكثير إبتداءً من الرضا بأكون يكون حاكماً علينا رغم قدراته السياسية المحدودة و غياب الرؤية الإستراتيجية البعيدة النظر عن أفكاره وتردده الشديد فى إتخاذ القرارات السريعة الحاسمة فى الوقت المناسب مما دفع بالأزمات إلى التفاقم فى الكثير من الأحيان ، وكم دفع أفراد هذا الشعب من أثمان غالية من جراء كل ذلك من دون ذنب إقترفوه سوى أنهم وثقوا به ورضوا به حاكماً عليهم ، ولم يكن هو جديراً بكل ذلك ، بل أن ملايين هذا الشعب العظيم الطيب آزروه ونصروه وعززوه ووقفوا إلى جواره فى العديد من اللحظات الصعبة فى حياته ، فلستُ أنسى يوم أن خرج الملايين من أبناء هذا الشعب لمساندته و الوقوف إلى جواره يوم عودته ناجياً من محاولة إغتياله فى أثيوبيا ، و لستُ أنسى يوم أن شاركه أبناء هذا الشعب الحزن و الأسى لوفاة حفيده ، ولستُ أنسى خلاف ذلك من المواقف الكثيرة على مدى ثلاثين عاما متعاقبة .
وربما إنتابنى - وأنا أرى دموع علا غانم - شعور من نوع آخر دائماً يلازمنى عندما أشهد بعيناى سقوط الكبار من عليائهم ، شعور يختلط فبه الألم بالشفقة ، وتختلط فيه المعاناة بالمرارة والحسرة ، على رجال سقطوا وإنهاروا بفعل أخطائهم و خطاياهم وخرجوا من الأبواب الخلفية للتاريخ بعد أن كانوا ملأ السمع والبصر ، وقد شاءت إرادة الله أن يتكرر هذا السقوط لأشخاص كانوا كباراً أمام ناظرى عدة مرات فى حياتى ، مازلت أذكر منها جيداً حالة فريدة لهذا السقوط المدوى و المروع حدثت وقائعها فى بداية ثمانينات القرن الماضى وكنت وقتها طالباً بالجامعة أدرس القانون ، فى ذلك الحين كان أسطورة الملاكمة محمد على كلاى معتلياً عرش الملاكمة دون منازع وكان قد قارب عمره الأربعين ونصحه الجميع بأن يعتزل اللعب وهوفى أوج عظمته إحتراماً لتاريخه وللزمن ، إلا أنه رفض النصائح الكثيرة التى وجهت إليه و أراد أن يتحدى الزمن ، فكانت نهايته الحزينة بهزيمته على يد أحد الملاكمين الصاعدين( لارى هولمز ) الذين كانوا يتدرب عليهم البطل الأسطورة لقاء حفنة من الدولارات ، فسقط محمد على كلاى من على عرشه واضطر إلى الإعتزال مهزوما خاسراً ، وكان سقوطه مدوياً فى فجر يوم إستيقظ معه العالم كله على وقع زلزال كبيرهز أرجاء الدنيا بأسرها  ،.ساعتها تألم العالم بأسره لهذا السقوط المتوقع حتى لارى هولمز نفسه ، وصرخ الجميع سائلين : لماذا فعلها كلاى ؟ ولماذا راهن على تاريخه المشرف كله وتحدى الزمن ؟ وأى مكاسب كان ينتظر إغتنامها ؟ فكان جزاؤه الطبيعى هو السقوط و الإنهيار والخروج من الباب الخلفى للتاريخ .
وهكذا فعل الرئيس المخلوع مبارك الذى كان يجب عليه أن يكتفى بولايتين فقط فى حكم مصر ، يعطى فيهما أقصى ما يستطيع ثم يعتزل الحكم تاركاً المجال لغيره يتقدم الصفوف و يتحمل المسئولية ، ولكن مبارك آثر البقاء حاكما ولاية تلو الأخرى حتى تقدم به العمر وأصابه المرض والضعف والوهن وصار دمية تتلاعب به زوجته وولده الأصغر الذى أصبح هو الحاكم الفعلى للبلاد فى السنوات الأخيرة من حكمه ، وبدلاً من الإنسحاب من المشهد السياسى ظل مبارك متمسكاً بكرسى الحكم حتى ثارت ضده جموع الشعب المصرى وخلعته عن الحكم فى 11 فبراير 2011وكان ذلك إعلاناً رسمياً بسقوطه من عليائه سقوطاً مدوياً .
وهكذا سقط مبارك ، وضاع بسقوطه كل تاريخه العسكرى المشرف فى خدمة هذا الوطن والإخلاص له ضابطاً بالجيش المصرى مقاتلاً فى سلاحه الجوى مدافعاً عن أرضه وسمائه ، وسوف يذكر له التاريخ هذا الجانب المشرف من حياته بلا شك ، إلا أنه على الجانب الآخر وبصفته حاكماً لهذا البلد أصبح مبارك بين عشية وضحاها قاتلاً لشعبه مجرمأ فى حقه مفسداً مبدداً لثرواته ، فحق عليه العقاب ،وإنتهى به الحال طريح الفراش رهين محبسه داخل سجن طرة إلى أن يرد الله به ما يشاء .
وأخيراً . . . هذا هو سقوط الكبار الذى تدمى له القلوب ، وتشرد من هوله العقول ، وتتساقط من أجله العبرات ، بصرف النظر عن شخص الكبير الذى سقط !!              وإلى مقال آخر إن شاء الله .

الاثنين، 6 أغسطس 2012

اللواء عمر سليمان . . الرجل الغامض حال حياته و بعد موته .

مما لا شك فيه أن اللواء عمر سليمان مدير جهاز المخابرات العامة المصرية السابق كان أحد رجالات المخابرات الكبار الذين كان لهم الدور الأبرز فى تاريخ الدولة المصرية على مدار سنوات عديدة سبقت ثورة 25 يناير 2011 .
وسواء إتفقنا أو إختلفنا حول طبيعة هذا الدور أو مداه ، إلا أنه كان وبلا أدنى شك يصب فى مصلحة مصر سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، فالرجل - وأقصد هنا عمر سليمان - بدأ حياته ضابطا صغيراً فى الجيش المصرى ونشأ وتربى على حب الوطن و التضحية و الفداء من أجله ، ولا يستطيع كائناً من كان أن يشكك فى وطنية وإخلاص هذا النوع من الرجال .
و إذا كان الرجل بحكم منصبه و طبيعة عمله فى المخابرات الحربية ثم بعد ذلك المخابرات العامة كان الغموض يحيط به من جوانب عديدة أثناء حياته و لم يكن المصريون يعلمون عنه أكثر مما تنشره وسائل الإعلام و بالقدر المسموح به ، إلا أن هذا الغموض إمتد ليشمل ظروف وملابسات موته المفاجئ الذى وقع فجأة و بدون أية مقدمات مرضية ، الأمر الذى أثار لدى الكثيرين الدهشة و الإستغراب وربما الشك و الريبة أيضاً ، فقد كان عمر سليمان أحد أبرز مرشحى إنتخابات رئاسة الجمهورية منذ ثلاثة أشهر تقريباً و لم يكن المظهر العام لتحركاته يوحى بأنه يهانى من أية أمراض خطيرة كما قالت عنه أمريكا بعد ذلك . صحيح أن الأعمار بيد الله سبحانه و تعالى وأن لكل أجل كتاب معلوم ، ولكن من وجهة نظر الكثيرين وأنا منهم أن هناك دولاً وجهات متعددة مستفيدة من إختفاء رجل بحجم عمر سليمان وثقله الأمنى و المخابراتي الذى أهله بالفعل ليلعب دوراً خطيراً ليس على مستوى الأمن القومى المصرى فحسب و إنما أيضاً على مستوى منطقة الشرق الأوسط بأكملها .
وربما تأتى كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل فى مقدمة تلك الدول التى لها المصلحة العليا من وراء إختفاء عمر سليمان من المشهد السياسى بعدما إختفى مبارك من قبل إختفاءً قسرياً على يد جموع الشعب المصرى ، فقد كان عمر سليمان بعد خلع مبارك - الرجل الأول - عن حكم مصر ، هو الرجل الثانى الذى بيده المفتاح الوحيد للصندوق الأسود الكبير الذى يحتوى على أسرار و خفايا الدور الأمريكى و الدور الإسرائيلى الصهيونى فى العديد من قضايا الصراع العربى الإسرائيلى وقضايا المسلمين ، بل وقضايا الشرق الأوسط بأكمله . . . رحم الله عمر سليمان  . وإلى مقال آخر إن شاء الله .

الشعب المصرى بين المجلس العسكرى و الإخوان المسلمين .

إن حال’ الدولة المصرية فى الوقت الراهن يبدو واضحاً جلياً أمام أعين الكثيرين ممن لهم علاقة بعالم السياسة من قريب أو بعيد .
ولاشك فى أن ما آلت إليه الأمور منذ فوران الشعب المصرى فى ثورته الشابة الفتية فى الخامس و العشرين من يناير بعد طول غليان دام ثلاثين عاماً من الفقر و الجهل و المرض و تردى الأوضاع الإقتصادية و الإجتماعية لغالبية المصريين من شانه أن يفسر الصورة الحالية بكل تفاصيلها .
فقد حرص المجلس العسكرى منذ الوهلة الأولى عقب الإطاحة بالرئيس المخلوع حسنى مبارك على الإمساك بزمام كافة أمور الدولة ، وقد ساعده على ذلك كونه يعبر عن المؤسسة العسكرية القوية و المتماسكة و الأكثر إنضباطا بين مؤسسات الدولة . و على الطرف الآخر كان هناك تنظيم الأخوان المسلمون الذى تميز هو الآخر و منذ نشأته فى عشرينات القرن الماضى على يد الإمام حسن البنا بالتماسك و الإنضباط والقدرة على حشد الطاقات و الأفراد فى الزمان و المكان المناسبين ، الأمر الذى ساعده على إعتلاء موجة ثورة 25 يناير وتصدر المشهد السياسى بين عشية وضحاها ، وصار تنظيم الأخوان المسلمون رقماً صعباً فى المعادلة المصرية على المستوى السياسى و الشعبى .
وبين المجلس العسكرى الذى قبض على زمام الأمور طيلة عام ونصف ، وتنظيم الأخوان المسلمين الذى أمسك بناصية الشارع المصرى ، وجد الشعب المصرى نفسه - و لأول مرة فى تاريخه - حبيسا بين العسكر و الإخوان ،و للحقيقة أحلاهما مر ، وكان الله فى عون المصريين . . . .                   و إلى مقال آخر إن شاء الله .