الجمعة، 24 أغسطس 2012

مرارة إنتزاع الحبيب . . . أعز الناس


----------------------------------
الكثير منا يعانى من شتى صنوف الألم التى تعتصر كيان الإنسان ووجدانه فى مواقف عدة يمر بها الإنسان كمحطات يتوقف عنده قطار العمر ربما لدقائق أو ساعات أو أيام أو حتى أسابيع وشهور ، ثم يعاود القطار سيره مرة أخرى فى الطريق المرسوم المحدد له ، وقد يُمسى ذلك الألم الذى إهتر له الكيان كله مجرد ذكرى طوُيت كصفحة من صفحات العمر ، ولكن مما لاشك فيه أن تلك الذكرى تترك أثرها محفوراً فى أعماق الذاكرة يجترها العقل إجتراراً مع سابقيها من الذكريات المؤلمة .

ودائما وأبداً كان الألم النفسى – على خلاف ما قد يعتقده البعض – هو أشد أنواع الألم وطأة وأقواها عنفاً وأمضاها حدة ، وأثره المؤلم قد يصل إلى أضعاف وأضعاف أى ألم عضوى قد يلحق بجسم الإنسان ، فالله عز وجل لم يخلق عباده من دم ولحم وعظام فحسب ، وإنما شاءت إرادته سبحانه أن يزودهم بجملة من المشاعر والعواطف و الأحاسيس لا تقل أهميتها عن أهمية باقى أعضاء الجسم ، وأحياناً كثيرة يشكو المرء من آلام عضوية يعانى منها ، ويكون الألم فى حقيقته راجعاً إلى ألم نفسى أو معاناة نفسية أصابت مشاعره أو أحاسيسه ، فهزت كيانه كله وتأثرت به أعضاء جسمه من جراء ذلك الألم النفسى .

ويتنوع الألم النفسى الذى قد يصيب الإنسان تنوعاً يرجع إلى إختلاف مُسبباته ، فقد يعانى شخص أو يتألم نفسياً بسبب إخفاق فى العمل أو فى أمر ما ، وقد يعانى آخر بسبب خسارة لحقت به أو كسب فاته ، وقد يعانى ثالث بسبب قلق أو توتر من جراء ترقب حدوث شئ ما ، وهكذا تتعدد الأسباب و الألم من نوع واحد ، هو الألم النفسى أو المعاناة النفسية .

ولكن هناك نوع آخر من الألم النفسى الذى قد يصيب المرء - وكل البشر مُعرضون له – وهو الشعور بالحسرة والمرارة لفقدان شخص عزيز ، أو إبتعاد حبيب له مكانة عظيمة فى عُمق الفؤاد بل والكيان كله ، وربما كان السبب وراء شدة الألم والمعاناة فى مثل هذه الحالات ، هو شعور الإنسان المتألم بالعجز وقلة الحيلة تجاه ذلك الحدث المفاجئ ، ليس عن ضعف فى العقل أو الإرادة ، بل على العكس يوجد العقل وتوجد الإرادة ، وعلى قدر قوة الإرادة تأتى شدة الألم ، فالضعاف يكون ألمهم النفسى حال القهر أقل بكثير من الأقوياء ، ففى مثل تلك المواقف ينتاب الإنسان إحساس مرير بأن الزمن قد توقف فجأة أو أن الحياة بأسرها قد عمتها الحيرة والدهشة أمام ما حدث ويحدث ، ولفهم ما حدث وكيف حدث ولم حدث وكيف الخروج من هذا النفق المظلم العميق ، فكل الأبواب موصدة وكل النوافذ محكمة . . حينئذ فقط يشعر المرء بالحسرة تسرى فى جنبات صدره ، وبطعم المرارة يتدفق فى حلقومه ، ولا ترى عيناه إلا ضباب اليأس من عودة العزيز المفقود أو رجوع الحبيب المُنتزع .

فيا كل إنسان فقد عزيزاً أو أنُتزع منه حبيب هو عنده أعز الناس ، لا تترك نفسك فريسة للحسرة والمرارة ، ولا تجتر أحزانك ، فما ضاع لن يعود أبداً مهما حزنت وتألمت ، لن أقول لك لا تبك على العزيز ولا على الحبيب ، ولكن أستحلفك بالله ألا تسقط وألا تهوى فى بئر الآلام والأحزان ، لا تضعف أو توهن أمام الأقدار ، وطب نفساً إذا حكم القضاء ، ولا تجزع لحوادث الدنيا فما لحوادث الدنيا بقاء ، وقُل على الفور " قدر الله وما شاء فعل " ، فمرارة إنتزاع الحبيب – أعز الناس – لا تضاهيها أية مرارة مهما كانت مراً علقماً . . . . . 
                                                                    و إلى مقال آخر إن شاء الله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق