الثلاثاء، 28 أغسطس 2012

أبداً لم يكن حُباً . . . بل كان شيئاً آخر


أبداً لم يكن حُباً . . . بل كان شيئاً آخر
---------------------------------

تتنوع العلاقات الإجتماعية والعاطفية وتتعدد وفقاً لظروفها وأطرافها والهدف منها ، فهناك علاقة الزوجية والقرابة والنسب باختلاف درجاتها ، وهناك علاقة الزمالة سواء فى الدراسة أو العمل ، وهناك علاقة الصداقة على مستويات متعددة ، كل هذه العلاقات ىتندرج تحت مسمى العلاقات الإجتماعية . . أما العلاقة العاطفية فليس لها إلا شكل وحيد فقط هو علاقة الحب العاطفى الذى يربط بين رجل وإمرأة ، يلتقيان فتنطلق سهام الحب من أول نظرة لتخترق قلبيهما فيحدث الوفاق و الوئام ويقع كلاهما فريسة فى شباك الآخر الناعمة المنسوجة من الغرام والهيام .

والقصة موضوع هذا المقال لا أجد لها مسماً محدداً يمكن أن تندرج تحته ، ولكنى أترك للقارئ حرية تصنيفها وإعطائها اللون الذى يتراءى له ، فبطلة تلك القصة لم تكن وجه جديد بالنسبة لبطلها ، ولكنه عرفها عن بعد ولأول مرة منذ أكثر من عشر سنوات وكانت تعمل موظفة فى مكتب صديق له رجل أعمال ، وكانت فتاة ريفية من قرية صغيرة تبلغ من العمر حوالى إثنان وعشرون عاماً ، جمالها أقل بكثير من المتوسط ، قوامها نحيف وطولها قصير ، ملابسها لاتمت بصلة إلى الأناقة أو الرشاقة ، لهجتها ريفية ، ثقافتها تكاد تكون منعدمة ، وأفقها محدود ونظرتها للأمور ضيقة بدرجة ضيق القرية الصغيرة التى كانت تعيش فيها مع أسرتها ذات المستوى الإجتماعى والمالى والتعليمى المنخفض جداً ، ولكنها فى ذلك الحين كانت تكافح من أجل تحسين مستواها العلمى بالحصول على مؤهل عالى ، وقد تحقق لها ما أرادت وحصلت على درجة البكالوريوس من كلية نظرية ، وفى تلك الأثناء كان رجل الأعمال الذى تعمل لديه قد تعرض لأزمة مالية طاحنة غادر على أثرها البلاد ، فانتقلت هى للعمل فى مكتب صديقه – بطل هذه القصة – منذ حوال أربع سنوات تقريباً ، وكان عمرها آنذاك حوالى 28 عاماً ، ومنذ ذلك التاريخ بدأت علاقتهما معاً .

كان بطلنا من ذلك النوع الذى منحه الله سبحانه نعمة الثقة بالنفس منذ نعومة أظفاره ، وكانت هذه الثقة بالنفس تتحول أحياناً إلى غرور فتنقلب تصرفاته وبالاً عليه وتكلفه الكثير ، وتلك كانت نقطة البداية فقد قرر هو أن يخوض تجربة الثقة بالنفس مرة أخرى معها ، فبدأ توجيه سهام إهتماماته بها من كل صوب وإتجاه فى كل شئون حياتها من مظهر وتعليم وصحة وملبس ومأكل وعقل وفكر وعواطف ومشاعر ، وقد بدأ إهتمامه بها يؤتى ثماره عندما سمحت له بالتدخل فى كل شئون حياتها صغيرها قبل كبيرها وأشد أشد خصوصياتها والتحكم فى كل حركاتها وسكناتها وفى علاقتها بكل من حولها من أقارب وأصدقاء ومعارف وإستطاع بخبرته وحنكته التى إكتسبها خلال رحلة عمره الذى يكبر عمرها بنحو ثمانى عشرة سنة ، إستطاع أن يتمكن من تسيير قارب حياتها كما يريد هو وكما تحب هى ، فقد كانت كل أقواله وأفعاله ومواقفه معها تحقق لها ما تريد إلا قليلاً ، ففى خلال السنوات الأربعة التى إمتدت علاقتهما فيها حصلت بمساعدته القوية على درجة الماجستير من الجامعة ، وتغير وتبدل كل شئ فيها إلا بعض الأفكار ومكنونات النفس التى نشأت وترعرعت عليها ، فقد ظلت تلك الأفكار والمكنونات عزيزة على نفسها مصدر إزعاج له وإختلافات وخلافات بينهما ، وتلك هى طبيعة الأمور فمن شب على شئ شاب عليه كما يقول المثل الشهير ، وربما كانت تلك الأفكار والمكنونات جزءً من الأسباب التى حالت دون تطور العلاقة بينهما إلى علاقة عاطفية ، وجعلته غير مستعد للدخول معها فى علاقة حب ، وغير مستعد للتضحية من أجلها بشئ ثمين أو غالى ، ربما ينفق من أجلها بعض المال أو الوقت أو الجهد ولكن بحدود وضعها هو سلفاً ، أما أكثر من ذلك فلا وألف لا ، فهو زوج وأب يشعر بالمسئولية تجاه أسرته فضلاً عن أن له شكلاً إجتماعياً لا يمكن المساس به مطلقاً ، وبصفة خاصة مع إنسانة بهذه المواصفات وذلك المستوى العقلى – لا أقصد العلمى – أو المستوى الإجتماعى . 
وعلى هذا النهج إستمرت علاقتهما لمدة أربع سنوات متصلة ، كانت هى خلالها تحصد المزيد من المكاسب على المستوى الشخصى والعلمى والإجتماعى ، فارتفع قليلاً مستوى جمالها ، وغادرت النحافة جسدها الهزيل فبرزت مفاتنها وعرفت الأناقة طريقها إلى ملابسها بفضل إختياراته هو لألوانها وتفصيلاتها ، علمها هو كيف تتحدث وكيف تحاور وتناور فى الحديث ، وعلمها كيف تفكر وتتصرف ، وعلمها كيف تسير بتروى وأناة فتبدو ملامح أنوثتها بعد أن كانت تسير كما الرجال ، وبفضله وإستجابتها تغير كل شئ فى حياتها ، وأدركت هى حينئذ أنه هو الشخص الذى لا غنى عنه فى كل أمور حياتها ، بعد أن طرق العديد من طالبى الزواج بها بابها - بعد أن كان لا يطرقه أحد – بسبب كل التغييرات والتطورات التى باتت واضحة جلية عليها .

وبعد أربع سنوات جاءت لحظة الإختيار الصعب ، فقد تقدم للإرتباط بها أحد أقاربها ، ولم تعد تستطيع الهروب من ملاحقة نظرات أهلها المستمرة ، فطلبت منه الإرتباط بها لأنها لا تستطيع الحياة بدونه وألحت فى طلبها كثيراً وكثيراً وكثيراً حتى ظنت أنها بلا كرامة ولا كبرياء . . ولكنه كان على النقيض منها تماماً ، فهو لم ينس مطلقاً كيف كانت بداية علاقتهما ، ولم ينس أنه حين بدأ إهتمامه بها وضع لنفسه حداً لن يتجاوزه مهما حدث ، فلم يكن على إستعداد أبداً أن يضحى من أجلها بأى ثمين أو غالى ، لم تكن عدم إجابته طلبها هروباً منها أو تهرباً ولم يكن غدراً بها أو خيانة لها ، فقد أعطاها الكثير والكثير ولكنه لم يكن على إستعداد أن يعطيها أكثر مما أعطاها هو وأخذت هى ، لا لشئ إلا لأن ما بينهما أبداً لم يكن حُباً . . . بل كان شيئاً آخر .
                                                                             وإلى مقال آخر إن شاء الله .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق