السبت، 11 أغسطس 2012

ماذا أصاب المصريين بعد ثورة 25 يناير ؟

- لا يختلف الكثيرون منا على أن الشعب المصرى قبل يوم 25 يناير 2011 كان فى حاجة ملحة وشديدة إلى زلزال أقوى بكثير من زلزال أكتوبر 1992 ، زلزال لا تهتز معه الأرض فحسب تحت أقدام  المصريين ، ولكن زلزال من نوع آخر يجعل المصريين ينتفضون وينهضون من سباتهم العميق الذى دام عشرات السنين ، ورجع بهم إلى الوراء مئات السنين ، العالم كله يتحرك - بل ويجرى مسرعاً - وهم نائمون خاملون فاقدوا الوعى يتقلبون ذات اليمين وذات الشمال ، والشمس تشرق من فوقهم وتذهب إلى المغيب ثم تشرق وتغيب آلاف المرات ولا يدركون لها سطوعاً ولا يشهدون لأيامهم صُبحاً ، حالهم حال أهل الكهف الذين ورد ذكرهم فى القرآن الكريم ، وطال بهم الزمن وطال حتى كادت بقية شعوب الأرض أن تحسبهم أمواتاً .
- ولكن شاءت إرادة الله العلى القدير فى صبيحة يوم 25 يناير 2011 أن يهُب فتية أطهار أنقياء - وأنا أحسبهم كذلك - وهم من صفوةوخيرة شباب هذا الشعب المصرى العريق الذى تمتد جذوره فى التاريخ آلاف السنين ، هب هؤلاء الفتية الشجعان - بإرادة من الله وقوة - قاصدين تطبيق شرع الله فى ملكه مؤمنين بقوله سبحانه : " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " صدق الله العظيم . هبوا وثاروا والناس جميعهم نيام نيام ، وصرخوا صرخة قوية مستنهضين إخوانهم وأهليهم من أبناء هذا الشعب لكى يهبوا وينهضوا معهم ويضعوا جميعاً الأيدى فى الأيدى لرفع الظلم والفساد ومحاربة الفقر والجوع والجهل والمرض ومحو الذل والمهانة وإزاحة الكابوس الثقيل المظلم الذى طال جثومه فوق الصدور حتى كادت الأنفاس أن تُكتم والأرواح أن تُزهق والأجساد أن تُهلك . وقد كان لهؤلاء الفتية ما أرادوا بفضل صدق إيمانهم بنصر الله وطهارة مقصدهم وقوة عزيمتهم ، فكتب لهم ربهم الفلاح والنجاح ، وتمكنوا من الإطاحة برأس الظلم والفساد المدعو مبارك المخلوع بعون من الله تصديقأ لقوله تعالى : " قل اللهم مالك الملك ، تؤتى الملك من تشاء ، وتنزع الملك ممن تشاء ، تعز من تشاء وتذل من تشاء ، بيدك الأمر ، إنك على كل شئ قدير " .
- ولم تكن الإطاحة برأس النظام الفاسد نهاية المطاف ولكنها البداية التى حسب لها العقلاء و الحكماء حساباً ، فلم تكن تلك البداية إلا بمثابة فوهة البركان التى تُقذف من خلالها الحمم التى تغلى وتموج فى باطن الأرض منذ سنوات وسنوات وهكذا كان حال المصريين وقت إندلاع ثورتهم الشبابية التى راح ضحيتها مئات الشهداء وآلاف المصابين ، فقد إستحالت صدور المصريين إلى بركان ظل سنوات وسنوات يعانى من الكبت وإحتباس الأنفاس وكتمان الغيظ وتجرع المرارة خوفاً من البطش أو الإضطهاد على يد نظام قمعى لايعرف إلا سياسة القبضة الحديدية فى ظل دولة بوليسية أمنية ، وظلت صدور المصرين تغلى حتى حانت ساعة فوران البركان وتطاير الحمم ، وحسب طبيعة الأمور لم يكن كل ما بداخل الصدور طيب وحسن ، فالمصريون مثلهم مثل باقى الشعوب ليسوا كلهم ملائكة وليسوا كلهم شياطين ، بل هم جميعاً بشر لهم طباع البشر وخصالهم ، فيهم الطيب والشرير وفيهم الصالح والطالح وفيهم الظالم والمظلوم وفيهم الطاهر والفاسد وفيهم المثقف والجاهل وفيهم الغنى والفقير وفيهم من يحب الناس ومن لا يحب إلا نفسه وفيهم من لا يرى إلا مصالحه دون مصلحة الوطن .
- وربما كان السبب وراء ما أصاب المصريين بعد ثورة 25 يناير هو ذلك التنوع الواسع والتباين الظاهر بين صنوف المصريين والذى فى أغلبه ينحدر إلى الأسوأ غالباً  وإلى الأسود أحياناً بفعل أولى الأمر الذين أفسدوا فى الأرض عشرات السنين وقننوا الفساد والإنحراف حتى صارا هما الأصل والقاعدة وصارت الطهارة ويقظة الضمير ونظافة اليد هى الفرع و الإستثناء ، ورسخوا للظلم حتى إستشرى بين الناس ، وكانوا أحرص على إفقار أبناء شعبهم وجهلهم ومرضهم أكثر من أى شئ آخر ، فخرج من أرحام الأمهات أجيال فى معظمها لاترى أمامها إلا القدوة السيئة والمثل السئ ولا تعرف الفضيلة ولا الأمانة ولا الطهارة ولا قيمة العلم والثقافة ولا معنى الإيثار والتضحية وحب الوطن ولا جسامة الظلم وفداحة الشر ولا سمو الحق والعدل .
- وفى رأيى المتواضع أن ما أصاب المصريين فى الوقت الراهن هو حالة مؤقتة من التخبط والتعثر والإنكفاء مثل تلك التى تصيب الطائر الذى ظل طويلاً محبوسا فى قفصه لم يُسمح له بالطيران والتحليق فى عالم الفضاء ثم فجأة إنفتح باب القفص وقيل له لقد أصبحت حرأ طليقا طر كما تشاء ، ولم يصدق ما حدث فاندفع بقوة جناحيه إلى خارج القفص ، وظل يتخبط ويتخبط ويتخبط  لأنه لم يصدق ما حدث ولم يعد  العدة لتلك اللحظة الفارقة فى حياته ولم يمرن جناحيه على الطيران منذ أمد بعيد ، منذ أُُدُخل القفص رغماً عنه ، وأصبح مصير ذلك الطائرالذى نال حريته فجأة  أحد أمرين إما أن يصطدم أثناء تخبطه بشئ أقوى منه فيسقط ويهوى ويهلك ، أو يظل يتخبط ويتخبط حتى يتبين طريقه وتقوى جناحيه على حمله ويحيا بقية عمره حرأ طليقاً غير مسلوب الإرادة .
وأنا على يقين تام - وأدعو الله أن أكون على صواب - أن فترة التخبط التى يعيشها المصريون الآن - طالت أم قصرت - سوف تنتهى حتماً ذات يوم من الأيام وتمُسى فى سجل الذكريات يرويها الآباء للأبناء ثم للأحفاد ، وسوف يستعيد أبناء هذا الشعب العريق توازنهم وإتزانهم ويهتدوا إلى الطريق الصواب . . فنحن أحفاد الفراعنة بناة أقدم حضارة فى التاريخ ولن نرضى لأنفسنا إلا أن نكون الأولين ، ولن نسقط أبداً ، لن نسقط أبداً ، لن نسقط أبداً .
                                                                                           وإلى مقال آخر إن شاء الله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق