الثلاثاء، 7 أغسطس 2012

سقوط مبارك . . . ودموع علا غانم فى زمن الإخوان .

تأثرتُ كثيراً وأنا أشاهد الفنانة المصرية الجميلة علا غانم وهى تبكى فى برنامج زمن الإخوان عندما فاجأها الإعلامى اللامع طونى خليفة بعرض صورة الرئيس المخلوع حسنى مبارك أمامها فجأة ، فلم تستطع الفنانة المصرية أن تتمالك نفسها وغلبتها دموعها فى لحظة صدق حقيقية جسدت فيها أسمى معانى حب الوطن وأهله و الإنتماء لهذا البلد و الإحساس بمعاناة الشعب المصرى الطيب الأصيل ، هذا الشعب الذى عانى كثيراً على مدى ثلاثين عاما من ألم الفقر و الجوع وذل المرض وظلام الجهل وضياع الحلم و الأمل حتى تمكن منه اليأس و الإحباط وضعفت همته و إنكسرت إرادته وأصابه الوهن وخارت قوى رجاله وهم يرون بأعينهم بلدهم الحبيبة مصر والحال ينحدر بها وتتدهور وتتراجع مكانتها بين كل دول العالم حتى الفقيرة و النامية منها .
ويقيناً أننى كنت أشارك علا غانم هذا الشعور القاسى بمرارة الإنكسار والهوان والإحساس بالحزن والأسى على يد حاكم أعطيناه الكثير والكثير إبتداءً من الرضا بأكون يكون حاكماً علينا رغم قدراته السياسية المحدودة و غياب الرؤية الإستراتيجية البعيدة النظر عن أفكاره وتردده الشديد فى إتخاذ القرارات السريعة الحاسمة فى الوقت المناسب مما دفع بالأزمات إلى التفاقم فى الكثير من الأحيان ، وكم دفع أفراد هذا الشعب من أثمان غالية من جراء كل ذلك من دون ذنب إقترفوه سوى أنهم وثقوا به ورضوا به حاكماً عليهم ، ولم يكن هو جديراً بكل ذلك ، بل أن ملايين هذا الشعب العظيم الطيب آزروه ونصروه وعززوه ووقفوا إلى جواره فى العديد من اللحظات الصعبة فى حياته ، فلستُ أنسى يوم أن خرج الملايين من أبناء هذا الشعب لمساندته و الوقوف إلى جواره يوم عودته ناجياً من محاولة إغتياله فى أثيوبيا ، و لستُ أنسى يوم أن شاركه أبناء هذا الشعب الحزن و الأسى لوفاة حفيده ، ولستُ أنسى خلاف ذلك من المواقف الكثيرة على مدى ثلاثين عاما متعاقبة .
وربما إنتابنى - وأنا أرى دموع علا غانم - شعور من نوع آخر دائماً يلازمنى عندما أشهد بعيناى سقوط الكبار من عليائهم ، شعور يختلط فبه الألم بالشفقة ، وتختلط فيه المعاناة بالمرارة والحسرة ، على رجال سقطوا وإنهاروا بفعل أخطائهم و خطاياهم وخرجوا من الأبواب الخلفية للتاريخ بعد أن كانوا ملأ السمع والبصر ، وقد شاءت إرادة الله أن يتكرر هذا السقوط لأشخاص كانوا كباراً أمام ناظرى عدة مرات فى حياتى ، مازلت أذكر منها جيداً حالة فريدة لهذا السقوط المدوى و المروع حدثت وقائعها فى بداية ثمانينات القرن الماضى وكنت وقتها طالباً بالجامعة أدرس القانون ، فى ذلك الحين كان أسطورة الملاكمة محمد على كلاى معتلياً عرش الملاكمة دون منازع وكان قد قارب عمره الأربعين ونصحه الجميع بأن يعتزل اللعب وهوفى أوج عظمته إحتراماً لتاريخه وللزمن ، إلا أنه رفض النصائح الكثيرة التى وجهت إليه و أراد أن يتحدى الزمن ، فكانت نهايته الحزينة بهزيمته على يد أحد الملاكمين الصاعدين( لارى هولمز ) الذين كانوا يتدرب عليهم البطل الأسطورة لقاء حفنة من الدولارات ، فسقط محمد على كلاى من على عرشه واضطر إلى الإعتزال مهزوما خاسراً ، وكان سقوطه مدوياً فى فجر يوم إستيقظ معه العالم كله على وقع زلزال كبيرهز أرجاء الدنيا بأسرها  ،.ساعتها تألم العالم بأسره لهذا السقوط المتوقع حتى لارى هولمز نفسه ، وصرخ الجميع سائلين : لماذا فعلها كلاى ؟ ولماذا راهن على تاريخه المشرف كله وتحدى الزمن ؟ وأى مكاسب كان ينتظر إغتنامها ؟ فكان جزاؤه الطبيعى هو السقوط و الإنهيار والخروج من الباب الخلفى للتاريخ .
وهكذا فعل الرئيس المخلوع مبارك الذى كان يجب عليه أن يكتفى بولايتين فقط فى حكم مصر ، يعطى فيهما أقصى ما يستطيع ثم يعتزل الحكم تاركاً المجال لغيره يتقدم الصفوف و يتحمل المسئولية ، ولكن مبارك آثر البقاء حاكما ولاية تلو الأخرى حتى تقدم به العمر وأصابه المرض والضعف والوهن وصار دمية تتلاعب به زوجته وولده الأصغر الذى أصبح هو الحاكم الفعلى للبلاد فى السنوات الأخيرة من حكمه ، وبدلاً من الإنسحاب من المشهد السياسى ظل مبارك متمسكاً بكرسى الحكم حتى ثارت ضده جموع الشعب المصرى وخلعته عن الحكم فى 11 فبراير 2011وكان ذلك إعلاناً رسمياً بسقوطه من عليائه سقوطاً مدوياً .
وهكذا سقط مبارك ، وضاع بسقوطه كل تاريخه العسكرى المشرف فى خدمة هذا الوطن والإخلاص له ضابطاً بالجيش المصرى مقاتلاً فى سلاحه الجوى مدافعاً عن أرضه وسمائه ، وسوف يذكر له التاريخ هذا الجانب المشرف من حياته بلا شك ، إلا أنه على الجانب الآخر وبصفته حاكماً لهذا البلد أصبح مبارك بين عشية وضحاها قاتلاً لشعبه مجرمأ فى حقه مفسداً مبدداً لثرواته ، فحق عليه العقاب ،وإنتهى به الحال طريح الفراش رهين محبسه داخل سجن طرة إلى أن يرد الله به ما يشاء .
وأخيراً . . . هذا هو سقوط الكبار الذى تدمى له القلوب ، وتشرد من هوله العقول ، وتتساقط من أجله العبرات ، بصرف النظر عن شخص الكبير الذى سقط !!              وإلى مقال آخر إن شاء الله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق