الأربعاء، 8 أغسطس 2012

معاهدة السلام . . والسيادة المنقوصة على سيناء

لم يدفع أى من الدول العربية أو شعوبها الثمن غالياً فى الصراع العربى الإسرائيلى مثلما دفعت مصر وشعبها الأبى ، وليس ذلك تحيزاً منى لمصريتى التى أعتز وأفتخر بها كثيراً ، ولا لحب مصر الذى يسرى فى عروقى ليل نهار ، ولكن لأن التاريخ نفسه يروى ذلك ويؤكده .
فما زال الشعب المصرى المكافح الطيب يدفع - من خلال أجياله المتعاقبة جيلاً بعد جيل - ثمناً فادحاً من خلال تصدره مشهد الحرب و القتال و الموت والإستشهاد من أجل القضية الفلسطينية التى هى لب الصراع العربى الإسرائيلى ، وكانت البداية فى حرب 1948 أول الحروب العربية من أجل تحرير فلسطين من قبضة اليهود الصهاينة ، ثم تلاها العدوان الثلاثى على مصر 1956 الذى شنته ثلاث دول من بينها إسرائيل ومعها كل من إنجلترا و فرنسا ودمرت من خلاله مدن القناة الثلاث ( السويس - الإسماعيلية - بورسعيد ) ، ولولا براعة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر -الذى لعب بكل ذكاء على التوازنات الدولية آنذاك - وإستطاع من خلال ذلك أن يحول الهزيمة العسكرية إلى نصر سياسى بمعاونة الأمريكان ورئيسهم فى ذلك الوقت أيزنهاور .
ثم كانت نكسة 5 يونيه1967التى دفعت فيها مصر وشعبها الحر أغلى الأثمان بسبب تصدر مصر المستمر مشهد الصراع العربى الإسرائيلى ، فقد أدرك الصهاينة جيداً أن مصر هى رأس الحربة فى صراع العرب المريرمع إسرائيل ولابد من تحطيم هذا الرأس حتى يتحقق للصهاينة التفوق الحاسم فى ذلك الصراع , وكان لهم ما أرادوا وإستطاعوا أن يلحقوا بمصر وجيشها هزيمة عسكرية سريعة وخاطفة وأن يحتلوا قطعة غالية من أرض مصر هى سيناء الحبيبة وساعدتهم فى ذلك عوامل وأسباب داخلية سياسية وعسكرية .
والتاريخ يذكر جيداً كم عانى الشعب المصرى بأكمله لأكثر من سبع سنوات متتالية من الذل وعار الهزيمة وإنكسار النفس ، وإضطر الشعب المصرى طوال تلك السنوات المريرة إلى تجنيد كل الطاقات - وهى بلا شك محدودة - من أجل الإستعداد لمعركة جديدة لتحرير الأرض الغالية التى إحتلتها إسرائيل فى يونيه 1967، وكم عانى أبناء الشعب المصرى من الحرمان فى كل شئ حتى متطلبات الحياة اليومية البسيطة وجُندت كل الإمكانيات لصالح المجهود الحربى وإعادة تسليح الجيش المصرى و الإستعداد لمعركة التحرير وإسترداد العزة و الكرامة .
وشاءت إرادة الله أن ينتهى دور الزعيم / جمال عبد الناصر فى الحياة فى 28 سبتمبر 1970 ليتولى بعده الزعيم الراحل / أنور السادات الذى أكمل المشوارالذى بدأه رفيقه فى العمر و السلاح و الكفاح حتى تحقق لمصر و شعبها ما أرادت من نصر عسكرى مفاجئ ومظفر فى 6 أكتوبر 1973 شهد له العالم أجمع ، إلا أنه كان نصراً جزئيأ لتحريك الموقف السياسى على الأرض ، ولم تستطع مصر من خلاله تحرير سيناء بأكملها بسبب ضعف الإحتياطى الإستراتيجى للدولة من ناحية وتدخل أمريكا فى الحرب لصالح إسرائيل من ناحية أخرى ، فاضطر السادات آنذاك أن يوقف الحرب ويقبل وقف إطلاق النار . وكان لزاماً على مصر وقتئذ أن تبدأ مشوار السلام مع العدو الصهيونى من أجل إستعادة باقى سيناء ، ومن ثم كانت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية فى 1979 .
والحق يُقال أن معاهدة السلام تلك لم تكن بعض بنودها فى صالح مصر لأنها كانت نتاج مفاوضات سلام ، ودائماً تكون المفاوضات عبارة عن تنازلات من أحد الطرفين يقابلها تنازلات من الطرف الآخر، فجاءت المعاهدة مجحفة بمصر فى جانبها الأمنى بحيث أنها لم تحفظ السيادة الكاملة لمصر على سيناء بالكامل وبصفة خاصة الثلث الأخير من سيناء الملاصق للحدود المصرية الإسرائيلية ، ذلك الثلث الذى جاء ضعيفاً فى العدة ( 750 جندى مصرى فقط ) و العتاد ( تسليح خفيف فقط ) ، وجاء ذلك إعمالاً لنظرية الأمن الإسرائيلى التى مفادها أن أمن إسرائيل يبدأ من داخل الدول المجاورة وليس من داخل إسرائيل ذاتها .
وقد أثبتت الحوادث و الوقائع المتتالية على مدى أكثر من ثلاثين عاماً هى عمر معاهدة السلام المصرية الإشرائيلية ، أن الملحق الأمنى للمعاهدة فى حاجة إلى إعادة نظر حتى تستطيع مصر أن تفرض سيطرتها الأمنية الكاملة على أرض سيناء الحبيبة ، ولعل أقوى دليل على هذا هو ذلك الإعتداء الإرهابى الآثم الجبان الذى وقع منذ أيام بواسطة إحدى الجماعات الإرهابية على النقطة الحدودية المصرية عند رفح ، وراح ضحيته 16 شهيداً مصرياً مابين ضباط وجنود ، وهو الأمر الذى أصبح معه تعديل الملحق الأمنى لمعاهدة السلام - بإتفاق طرفيها - هو ضرورة ملحة لا يجوز التراجع عنها حتى لا تظل سيناء المصرية منقوصة السيادة هكذا إلى الأبد . . .
وأخيرأ . . رحم الله الزعيمين / جمال عبد الناصر وأنور السادات ،و رحم الله كل شهداء مصر الأبرار الذين ضحوا بأرواحهم ودمائهم فى سبيل عزة مصر و كرامتها . . قال تعالى فى كتابه العزيز : " و لا تحسبن الذين قُتلوا فى سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يُرزقون " . صدق الله العظيم .               و إلى مقال آخر إن شاء الله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق