عطاء
الرجل وأنانية المرأة . . . فى الحب والغرام ! ! ( بقلم : د . وحيد الفخرانى )
-----------------------------------------------------------------------------
من أجمل
الصفات الحسنة . . التى يهبها الله للإنسان – رجلاً أو إمرأة – هى القدرة على المنح
والعطاء . . وقد إمتلأت الحياة منذ بدء الخليقة حتى الآن ، بنماذج كثيرة ، ضربت
للبشرية جمعاء المثل والقدوة ، فى القدرة على العطاء والمنح بسخاء ، والتضحية
بالغالى والنفيس من أجل غيرهم من الناس . . وتلك فضيلة عظيمة توافرت لهؤلاء
العطاؤون المضحون المتفانون من أجل غيرهم . . وهم الذين قال فيهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم : " اليد العليا خير وأحب إلى الله من اليد السفلى
" صدق رسول الله . . واليد العليا هى
اليد تعطى وتمنح ، أما اليد السفلى فهى التى تأخذ أكثر مما تعطى أو تمنح .
ولكن على
الجانب الآخر المقابل . . هناك نوع من البشر ، رجال ونساء ، لا يعرفون للعطاء
سبيلاً ، ولا للمنح أو البذل طريقاً ، أوهم إعتادوا أن يأخذوا أكثر مما يعطوا
ويمنحوا . . أولئك هم الأنانيون الذين يتسمون بحب الذات وعشق النفس ، ولا يرون
حولهم إلا رغباتهم هم ومصالحهم هم ، وراحاتهم هم . . أما من عداهم من غيرهم من
البشر ، فليذهبوا سُحقاً إلى الجحيم . . هؤلاء سواء كانوا رجالاً أو نساءً ، هم من
شرالبرية وأسوأ صنوفها . . وهم أيضاً من أكثر أنواع البشر جلباً لكره الناس ومقتهم
هكذا كان
هو . . وهكذا كانت هى . . وهكذا جمع بينهما القدر ، فجأة بطريق الصدفة ودون سبق
تعارف بينهما . . إلتقيا وتعارفا وربط
بينهما الحب فى غضون عدة أيام ، لم يكن يدرى عنها شيئاً ، سوى أنها أعجبته فى
رقتها وجمالها وأنوثتها وأناقتها وكلماتها الحلوة الجميلة ، ولم يكن هناك متسع من
الوقت إلا للتعارف السريع ، وفعل الحب والغرام معهما فعلته المعتادة ، فإلتقت
روحيهما ، ومال قلبيهما ، وتعانقت عيونهما ، وصارا فى أيام قلائل محبين عاشقين
كلاهما للآخر .
كان هو منذ
اللحظات الأولى لعشقهما ، كون من العطاء والحنان ، كما كان يحلو لها أن تصفه
وتناديه ، وفيض من الحب والعشق والغرام والهيام ، وبحر متدفق من حلو الكلمات وجميل
المعانى والتعبيرات . . فقد كان مشهوداً له بالقدرة على التعبير والبيان ، وحسن
الكتابة بكل صنوف الكلام . . ولم يكن يدخر وسعاً ولا حيلة ، من أجل إدخال البهجة
والسرور على نفس محبوبته ، التى كانت تتلقى منه كل الحب والأحاسيس والمشاعر
الدافئة ، بنهم وإحتياج شديد ، وأحس هو بذلك ، فضاعف لها العطاء والحنان ، وفاض
بكل ما لديه من معسول الكلام ، وحلو الغرام . . ولم لا يفعل ذلك ؟ وهى قد أصبحت
بالنسبة له ، هى كل الحياة ، بل هى الحياة نفسها ، بكل ما فيها من جمال وسحر ودلال
، وحلم جميل بغد يملؤه الجمال والروعة والإبداع .
ولكن . . .
مع مرور الأيام تلو الأيام ، ظهرت لديها فى الأفق ملامح عشق نفس وحب ذات ، وبدت
تطفو على السطح يوماً بعد يوم ، وصارت هى تصر على نفاذ كل ما تريد ، وتحقيق كل ما
ترغب ، بعيداً عما يريده من تدعوه حبيب قلبها وروحها وعقلها . . رويداً رويداً إزداد
إصرارها وعناداها من أجل ما تريد ، وصارت ترفض أية تضحيات ولا تنازلات ، ولا تقبل
حلولاً وسطية ، تحقق لكليهما بعض ما يريد . . وهنا تأكد له أنها من ذلك النوع من
النساء ، الذى لا يرى إلا نفسه ، ولا يشعر إلا بذاته ، ولا يحس بما يحس به شريك
حبه وعمره وحياته . . وأصبح كل همها فى الحياة ، كيف تعتصر قلب هذا الحبيب ، كى
تخرج منه أقصى ما يمكن أن يعطيه ويمنحه لها ، حتى ولو أغفلت مشاعره وكيانه . .
وأصبحت تلك هى طريقتها المعهودة معه . . ومن فرط حبه وعشقه ، لم يكن يملك لها
أمراً ولا نهياً .
وفجأة . .
بدأ شعور غريب يتسلل إلى أعماق قلبه وفؤاده ، هذا الرجل الكون الفائض من الحنان .
. إنه بدأ يشعر بأنها تستنزف عطاءه ، وتعتصر قلبه بكل قسوة وبلا رحمة أو شفقة . .
حتى تسللت الأوجاع والآلام والأحزان إلى قلبه ، وملأته تارة بالحيرة من أمرها ،
وتارة من لوعة فراقها إن هو أغضبها أو تناسى تحقيق رغباتها . . ولما ملأت الأوجاع
قلبه ، وهزت الآلام وجدانه ، صرخ بأعلى صوته قائلاً : أنا موجوع ، أنا مجروح ، أنا
مدبوح ، أنا مهموم ، أنا مكلوم . وصل إليها صراخه وأنينه ،
ولكنها لم تكن تشعر إلا بها ، بها هى فقط وحدها وليس هو . . صحيح أنها أخبرته
بأنها تألمت من أجله ، ولكن يبدو أن تألمها ، كان أشبه بتألم جزار أحكم قبضته على
شاة ليذبحها ، وكلما حاولت أن تتفلت ، أحكم قبضته عليها أكثر وأكثر ، وهو ماسك
بسكينه ، وكله إصرار وعناد على أن يذبحها . . . إلى هذا الحد رآها هو قاسية ، وإلى
هذه الدرجة ، كانت هى أنانية لم تشعر هى إلا بذاتها
والآن . .
اليوم . . هما فى مفترق طرق ، والحب بينهما يئن ويبكى . . هى لا تريد أن تلتقى معه
فى منتصف طريق ، ولا تريد سوى إرضاء ذاتها وتحقيق رغباتها ، ولا ترى سوى نفسها فى
مرآة كئيبة صدئة ، يعلوها التراب ويكسوها الصدأ . . وعجيب الأمر أنها شرعت فى
النيل منه ومن حبه لها ، فتارة تصفه بالظالم المتجبر ، وتارة أخرى تصفه بالقاسى
المتشدد ، وتارة ثالثة تصفه بالرجل الأنانى المزهو بنفسه ، وهى تعلم تمام العلم ،
أنه لا هذا ولا ذلك ولا ذاك ، ولكنه هو الكون من الحنان ، وفضاؤه كله يملؤه الحب
والعشق والغرام .
وهو . . هو
على الجانب الآخر . . يملؤه الحزن وتسكنه الأوجاع ، وتعصف بقلبه الهموم والآلام ،
وهو يرى الحب بينهما يختنق ويختنق ، وعلى وشك أن يحتضر . . حقيقة هو يحبها ويعشقها
، ويحرص على ودها ونيل قربها ، ولكن أنانيتها وعشقها لذاتها فاقا كل حد ، وإقتربت
أكثر وأكثر من النيل من قوته ورجولته ، التى حرص عليها طوال حياته ، وما إرتضى قط
أن يقترب منهما أحد أياً كان . . فقد أصبحت الحبيبة ، أكثر تمرداً وعناداً ، وأكثر
تصميماً وإصراراً ، على الوصول إلى كل مآربها ، وتحقيق كل رغباتها ، حتى ولو أدى
ذلك إلى النيل من كرامته وهيبته وعزة نفسه . . وأصبح التحدى هو سمة تصرفاتها ،
وصارالعناد والتمرد أساسيان فى ردود أفعالها ، وأصبح كل شئ لديها ، إما أنا أو لا
أحد غيرى . . تلك صارت طريقتها فى الحب بينهما
أما هو . .
فلا يدرى مخرجاً لما وصل إليه الحال بينهما . . وظل سؤال واحد يراود فكره وعقله :
ترى : هل يوافقها ويفعل لها كل ماتريد ، كى ترضى وتهدأ ، أياً كانت المبررات ،
وأياً كانت العواقب ؟ ويقف هو خلف الستار مشاهداً ومتفرجاً على ما يدور ويحدث على
ساحة العرض ؟ أم يرفض حبها ويقاوم رغبتها فى السيطرة على ما يحقق لها كل ما تريد ،
حتى لا تنجرف بعيداً وفق هواها وميولها ؟ وعندئذ قد يفقدها ويفقد حبها له وحبه لها
إلى الأبد .
الحيرة
تقتله . . والتمرد والعناد يملآن صدرها . . أما الحب بينهما فإنه يئن ويبكى . . قلبه
تملؤه الأحزان . . وصدره يختزن الآلام . . وجسده أعيته الأوجاع . أما الحبيبة فقد إمتطت جواد
الأنانية وحب الذات . . وصارت كمن لا تأبه بما سيكون أو بما كان ، من لوعة فراق أو
حسرة هجران .
وإلى
لقاء آخر إن شاء الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق