دموع
العبير . . . بين الشوق و الحنين ! ! ( بقلم : د . وحيد الفخرانى )
-----------------------------------------
كانت عبير
. . فتاة على قدر من الصبا والجمال . . من أسرة ريفية متوسطة الحال . . وكانت هى
أصغر شقيقاتها البنات . . كان الأب رجلاً طيب القلب ، وكانت الأم إمرأة عطوفة
وحنونة إلى أقصى حد . . نشأت عبير فى بيت
هادئ ، وسط جو من الألفة والمحبة ، وترعرعت على الأعراف الريفية المتوارثة ، من
الأجداد إلى الآباء ، والتقاليد المصرية الأصيلة .
ومنذ أن
أدركت عبير الحياة . . كأنثى وفتاة . . حلمت كسائر الفتيات ، بفارس الأحلام الذى
تحبه وتهواه ، ويميل إليه القلب وتهفو الروح ويستريح الوجدان . . ذلك الفارس الجرئ
الشجاع ، الذى يأتى إليها مسرعاً ، كى يختطفها على جواده الأبيض ، ويذهب بها
بعيداً بعيداً ، حيث لا أحد سواه ، ثم يصعد بها وبأحلامها الرقيقة الناعمة ، إلى عنان
السماء ، حيث القمر والنجمات ، والأيام السعيدة والليالى الملاح . . بعيداً عن كل
متاعب الحياة ، وكل الآلام والأحزان .
أنهت عبير
تعليمها الثانوى ثم الجامعى . . وتجاوز عمرها الثانية والعشرين ربيعاً ، وإكتملت
فيها كل ملامح الجمال ، وبلغت مبلغ النساء ، من الأنوثة والدلال . . ولكن الحب لم
يشأ أن يطرق باب قلبها الطيب الرقيق ، ولم يحضر فتى الأحلام ، الفارس المغوار ،
الذى طالما حلمت به أناء الليل ، وإنتظرته طوال النهار .
توالت
الأيام والشهور . . ومن بعدها الأعوام تلو الأعوام . . حتى بلغت عبير التاسعة
والعشرين من عمرها ، وتقدم لخطبتها وطلب الزواج منها ، العديد من الرجال ، ولكنها كانت قد أغلقت جميع الأبواب
، إنتظاراً لمجئ فتى الأحلام ، وأبت الزواج إلا ممن يدق له القلب ويهواه الفؤاد ،
معلناً ساعة الحب والعشق والغرام . . ولكن . . هيهات هيهات . . أن تأتى الرياح ، بما
يشتهيه ربان سفينة الحياة . .
وفجأة . .
وبدون سابق لقاء . . تقدم لخطبتها أحد أقربائها طالباً الزواج ، وما كان بإمكانها إلا
الرضا والقبول ، فقد تقدم بها العمر – عمر الزواج – من وجهة نظر الأسرة والأهل
والأصحاب – وبعد أن أعلن الأهل والأصدقاء
رضاءهم التام ، عن ذلك الخاطب ، الذى أتى باسطاً يداه ، وطالباً القرب بالزواج ،
وما كان لعبير إلا أن تعلن أيضاً الرضاء . . صحيح . . هو قريب لها ، وبعيد عن
قلبها فى ذات الأوان ، ولكنه على أية حال ، زوج مناسب يلائم ظروف الحياة ، وبالفعل
تم الزواج .
عاشت عبير
. . حياة زوجية عادية ، مع ذلك الزوج القريب البعيد ، وإنقضت الأيام الأولى للزواج
، ولم يدق قلبها ، ولم يميل فؤادها ، لذلك الرجل الذى يشاركها كل شئ فى الحياة . .
وعلى هذا المنوال . . مضت الأيام والشهور وتوالت الأعوام ، حتى تجاوزت عبير سن
الخامسة والأربعين بقليل ، وأصبح لديها من البنات والبنين .
فجأة . .
وبدون أن تدرى . . وكأنها كانت على موعد مع القدر ، دق الحب باب قلب عبير ، الذى
أغلقته وأوصدت كل نوافذه منذ سنين . . لقد
أدركها أخيراً الحنين ، مع حب ناضج وعاقل ورشيد ، حينما تلاقت الأرواح من بعيد ،
وهامت عليها ظلال قلب رجل نقى وصاف وأمين . . إلتقت العيون فجأة ، وتلاقت الأرواح
فى غفلة ، وإشتعلت القلوب بالعشق والحنين ، ولم يكن فى مقدورالعبير ، أن تتراجع
إلى الوراء ، ولو خطوة واحدة ، فقد كان ينقصها الحنين ، والشوق لشريك فى القلب
وحبيب .
لقد حاولت
عبير . . أن تقاوم حب ذلك الرجل ، الذى إندفع نحوها كتيارعشق جارف ، وشلال غرام
عنيف . . ولكنها لم تستطع أبداً أن تقاوم ، وإنهارت كل الحصون ، وفشلت كل التدابير
. . لقد كانت عبير ، كالأرض العطشى للماء ، بعد طول ظمأ وإشتياق .
حاولت . .
وحاولت . . وحاولت . . لكنها أبداً لم تقدر ولم تستطيع ، وكان لقاؤهما الأول ،
عنيفاً فى كل شئ ، فى الحب والغرام ، والعشق والهيام ، والشوق والحنين ، وفى الحلم
الجميل ، الذى راودهما ، فى إستعادة ما فاتهما ، من حلو الأيام وعبق السنين .
جلس
الإثنان سوياً . . ولأول مرة وجهاً لوجه ، يتبادلان النظرات ، والصمت والكلمات ،
وإشتعلت بينهما نار الشوق ، وإستعر الغرام .
وفجأة . .
نظر إليها نظرة طالت ، وتساقطت الدموع من
عينيها ، وإنحدرت على وجنتيها . . وأوجعه
كثيراً أن يرى دموع الحبيبة وهى تترقرق فى مآقيها ثم تتساقط أمام عينيه ، فإمتدت
يده برفق وحنو ، كى تجفف دموعها ، وتواسى حنينها . . نظر فى عينها فى الحال ،
وشاهد ما لم يشاهده من قبل ، وأحس بما لم يحسه عبر ما مضى من عمره من السنوات . .
لقد تمكن الحب والغرام من حبيبة قلبه وروح فؤاده عبير ، ومشاعر الشوق والحنين . .
وما كان هو أفضل منها حالاً ، ولا أقل منها حباً ولا غراماً . . ولكنه بعزم الرجال
، تمالك نفسه ، كى لا تغلبه الدمعات ، كما غلبت ، حبيبة القلب والفؤاد .
أما هى . .
فأنى لها ألا تضعف ؟ وألا تنهار ؟ وألا يغلبها الشوق ويطويها الحنين ؟
وأنى لها
أن تقاوم ذلك الوافد الجديد ؟ الذى دق باب قلبها فجأة ، وعلى حين غرة . .
أنى لها
ذلك ؟ وهى الأنثى الحالمة الرقيقة ، والجميلة البديعة .
إنها لم
تكن يوماً . . كسائر النساء . .
لقد كانت
من ذلك النوع من النساء . . اللاتى أعلنت دموعهن الحقيقة . . وما كانت بحق . . إلا
دموع يقين وصدق .
إنها دموع
المرأة العاشقة . . . حين يطويها الشوق . . ويغلبها الحنين .
وإلى قصة أخرى إن شاء الله . .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق