الأربعاء، 13 مارس 2013

دموع العبير . . . . بين الشوق والحنين ! ! ( بقلم : د . وحيد الفخرانى )


دموع العبير . . . بين الشوق و الحنين  ! !  ( بقلم : د . وحيد الفخرانى )
----------------------------------------- 
كانت عبير . . فتاة على قدر من الصبا والجمال . . من أسرة ريفية متوسطة الحال . . وكانت هى أصغر شقيقاتها البنات . . كان الأب رجلاً طيب القلب ، وكانت الأم إمرأة عطوفة وحنونة إلى أقصى حد  . . نشأت عبير فى بيت هادئ ، وسط جو من الألفة والمحبة ، وترعرعت على الأعراف الريفية المتوارثة ، من الأجداد إلى الآباء ، والتقاليد المصرية الأصيلة .

ومنذ أن أدركت عبير الحياة . . كأنثى وفتاة . . حلمت كسائر الفتيات ، بفارس الأحلام الذى تحبه وتهواه ، ويميل إليه القلب وتهفو الروح ويستريح الوجدان . . ذلك الفارس الجرئ الشجاع ، الذى يأتى إليها مسرعاً ، كى يختطفها على جواده الأبيض ، ويذهب بها بعيداً بعيداً ، حيث لا أحد سواه ، ثم يصعد بها وبأحلامها الرقيقة الناعمة ، إلى عنان السماء ، حيث القمر والنجمات ، والأيام السعيدة والليالى الملاح . . بعيداً عن كل متاعب الحياة ، وكل الآلام والأحزان .

أنهت عبير تعليمها الثانوى ثم الجامعى . . وتجاوز عمرها الثانية والعشرين ربيعاً ، وإكتملت فيها كل ملامح الجمال ، وبلغت مبلغ النساء ، من الأنوثة والدلال . . ولكن الحب لم يشأ أن يطرق باب قلبها الطيب الرقيق ، ولم يحضر فتى الأحلام ، الفارس المغوار ، الذى طالما حلمت به أناء الليل ، وإنتظرته طوال النهار .

توالت الأيام والشهور . . ومن بعدها الأعوام تلو الأعوام . . حتى بلغت عبير التاسعة والعشرين من عمرها ، وتقدم لخطبتها وطلب الزواج منها ، العديد  من الرجال ، ولكنها كانت قد أغلقت جميع الأبواب ، إنتظاراً لمجئ فتى الأحلام ، وأبت الزواج إلا ممن يدق له القلب ويهواه الفؤاد ، معلناً ساعة الحب والعشق والغرام . . ولكن . . هيهات هيهات . . أن تأتى الرياح ، بما يشتهيه ربان سفينة الحياة . .

وفجأة . . وبدون سابق لقاء . . تقدم لخطبتها أحد أقربائها طالباً الزواج ، وما كان بإمكانها إلا الرضا والقبول ، فقد تقدم بها العمر – عمر الزواج – من وجهة نظر الأسرة والأهل والأصحاب  – وبعد أن أعلن الأهل والأصدقاء رضاءهم التام ، عن ذلك الخاطب ، الذى أتى باسطاً يداه ، وطالباً القرب بالزواج ، وما كان لعبير إلا أن تعلن أيضاً الرضاء . . صحيح . . هو قريب لها ، وبعيد عن قلبها فى ذات الأوان ، ولكنه على أية حال ، زوج مناسب يلائم ظروف الحياة ، وبالفعل تم الزواج .

عاشت عبير . . حياة زوجية عادية ، مع ذلك الزوج القريب البعيد ، وإنقضت الأيام الأولى للزواج ، ولم يدق قلبها ، ولم يميل فؤادها ، لذلك الرجل الذى يشاركها كل شئ فى الحياة . . وعلى هذا المنوال . . مضت الأيام والشهور وتوالت الأعوام ، حتى تجاوزت عبير سن الخامسة والأربعين بقليل ، وأصبح لديها من البنات والبنين .

فجأة . . وبدون أن تدرى . . وكأنها كانت على موعد مع القدر ، دق الحب باب قلب عبير ، الذى أغلقته وأوصدت كل نوافذه منذ سنين . .  لقد أدركها أخيراً الحنين ، مع حب ناضج وعاقل ورشيد ، حينما تلاقت الأرواح من بعيد ، وهامت عليها ظلال قلب رجل نقى وصاف وأمين . . إلتقت العيون فجأة ، وتلاقت الأرواح فى غفلة ، وإشتعلت القلوب بالعشق والحنين ، ولم يكن فى مقدورالعبير ، أن تتراجع إلى الوراء ، ولو خطوة واحدة ، فقد كان ينقصها الحنين ، والشوق لشريك فى القلب وحبيب .

لقد حاولت عبير . . أن تقاوم حب ذلك الرجل ، الذى إندفع نحوها كتيارعشق جارف ، وشلال غرام عنيف . . ولكنها لم تستطع أبداً أن تقاوم ، وإنهارت كل الحصون ، وفشلت كل التدابير . . لقد كانت عبير ، كالأرض العطشى للماء ، بعد طول ظمأ وإشتياق .
حاولت . . وحاولت . . وحاولت . . لكنها أبداً لم تقدر ولم تستطيع ، وكان لقاؤهما الأول ، عنيفاً فى كل شئ ، فى الحب والغرام ، والعشق والهيام ، والشوق والحنين ، وفى الحلم الجميل ، الذى راودهما ، فى إستعادة ما فاتهما ، من حلو الأيام وعبق السنين .

جلس الإثنان سوياً . . ولأول مرة وجهاً لوجه ، يتبادلان النظرات ، والصمت والكلمات ، وإشتعلت بينهما نار الشوق ، وإستعر الغرام .
وفجأة . . نظر إليها نظرة طالت  ، وتساقطت الدموع من عينيها  ، وإنحدرت على وجنتيها . . وأوجعه كثيراً أن يرى دموع الحبيبة وهى تترقرق فى مآقيها ثم تتساقط أمام عينيه ، فإمتدت يده برفق وحنو ، كى تجفف دموعها ، وتواسى حنينها . . نظر فى عينها فى الحال ، وشاهد ما لم يشاهده من قبل ، وأحس بما لم يحسه عبر ما مضى من عمره من السنوات . . لقد تمكن الحب والغرام من حبيبة قلبه وروح فؤاده عبير ، ومشاعر الشوق والحنين . . وما كان هو أفضل منها حالاً ، ولا أقل منها حباً ولا غراماً . . ولكنه بعزم الرجال ، تمالك نفسه ، كى لا تغلبه الدمعات ، كما غلبت ، حبيبة القلب والفؤاد .

أما هى . . فأنى لها ألا تضعف ؟ وألا تنهار ؟ وألا يغلبها الشوق ويطويها الحنين ؟
وأنى لها أن تقاوم ذلك الوافد الجديد ؟ الذى دق باب قلبها فجأة ، وعلى حين غرة . .
أنى لها ذلك ؟ وهى الأنثى الحالمة الرقيقة ، والجميلة البديعة .
إنها لم تكن يوماً . . كسائر النساء . .
لقد كانت من ذلك النوع من النساء . . اللاتى أعلنت دموعهن الحقيقة . . وما كانت بحق . . إلا دموع يقين وصدق .
إنها دموع المرأة العاشقة . . . حين يطويها الشوق . . ويغلبها الحنين .
                                                               وإلى قصة أخرى إن شاء الله .                         .       

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق