عقارب
الساعة . . . . لن تعود أبداً إلى الوراء
! !
-----------------------------------------------
سنحت لى
الفرصة ، خلال الأيام القليلة الماضية ، أن أطالع العديد من المقالات السياسية ،
لدعاة الفكر والثقافة ، ممن يطلقون على أنفسهم " النخبة الشعبوية " ، من
مختلف الإتجاهات ، من اقصى اليمين إلى أقصى اليسار . . وكذلك العديد من برامج
التوك شو والبرامج الرياضية ، التى ترك القائمين عليها ، ما يعرفونه وذهبوا إلى ما
يجهلونه ، وهو الحديث فى الشأن السياسى ، وكأنه أصبح لقمة العيش الهنية ، التى
يرتزقون من ورائها . . فصار الجميع يُدلى بدلوه فيما يفهم ويَعى ، وفيما لا يفهم
ولا يَعى . . أزعجنى كثيراً ، هذا التشرزم والتشتت والتفتت ، الذى صار هو السمة
الغالبة فى حوارات المصريين ، بين بعضهم البعض ، تلك الظاهرة التى تنبئ بأسوأ
العواقب ، وأفدح الخسائر ، لمصر وشعبها ، فى الوقت القريب العاجل . . وصرت كأننى
أرى السحب تتجمع فى الأفق القريب ، لتمطر فيما بعد ، على رؤوس المصريين جميعاً ، مطراً
أسوداً كقطرات القطران ، الذى لن ينجو منه أحد ، إلا من عصم ربى ،
بإرادته ومشيئته .
ولقد
أفزعنى وروعنى ، أولئك الذين يسمون أنفسهم " أنصار مبارك أو أبناء مبارك
" ، وما هم فى الحقيقة من أنصار مبارك ولا من أبنائه ، وإنما هم دعاة هدم
وحملة أنقاض ، يحملون فى أيديهم معاول الهدم لمصر وشعبها . . لقد ذكرنى هؤلاء
الأنصار وأولئك الأبناء ، بطائفة من المصريين ، طفت على السطح فى أوائل سبعينات
القرن الماضى ، عقب وفاة الزعيم الخالد / جمال عبد الناصر ، كانوا يسمون أنفسهم
أبناء عبد الناصر ، وأسماهم السادات رحمه الله " مُرتدوا قميص عبد الناصر
" . . فقد كانت مصر بعد عبد الناصر ، تعانى من ألمين وحزنين ، ألم وحزن لوفاة
الزعيم والقائد ، وألم وحزن لهزيمة الجيش وإحتلال الأرض ، وضياع هيبة مصر.
بعد وفاة
عبد الناصر ، خرج علينا من إدعوا أنهم من المصريين ، وأنهم من أنصار عبد الناصر
ومريدوه ، ونسوا أو تناسوا أن الرجل قد مات ، وأن مصر هى الباقية التى لا تموت
، وأن ولاءهم وإنتماءهم ما كان يجب أن يكون إلا لمصر ، لا لعبد الناصر . . إدعى
هؤلاء أنهم ورثة عبد الناصر ، ورثة عقله وفكره ، وإخلاصه لمصر وشعبها . . ولكن تلك
هى سمة الشعوب المتخلفة ، وقت زوال المرشد وضياع الدليل ، وفقدان ملامح الطريق ،
نجدهم يتعلقون بأذيال زعيم أو قائد ، مضى وإنقضى عهده ، أو حِقبة فات زمانها ،
وبجهلهم المعتاد ، وغبائهم المتأصل فيهم ، ينسون أن هناك وطناً كان الأولى بهم ،
أن يناصروه ويؤيدوه ، وطن فى أزمة وفى شدة ، وفى معترك صعب ، وبدلاً من ذلك ،
نجدهم يتمنون لهذا الوطن الخراب والدمار ، ويدعون الله أن ينتقم منه ليل نهار ، من
أجل شخص كتب الله عليه الفناء ، ولكن أعود فأقول : تلك سمة الشعوب المتخلفة لا
النامية ، لأن من أراد النمو لوطنه ، لا يحمل أبداً ، معاول الهدم والنقض .
إنى أرى
مصر الآن . . بفعل الجهل وإنعدام الوعى والفكر ، تتمزق أوصالها ، وتنحل مفاصلها
على أيدى أناس متشرزمين ومنقسمين ، إلى فرق وشيع ومذاهب ، والجميع فى نهاية الأمر
يتصايحون بالوطنية والمصرية . . أرى مصر الآن وقد تجاذبت أطرافها ، أيدلوجيات
وأفكار وأجندات ، بعضها من داخل الوطن ، وبعضها من خارجه . . ولكنها فى جميع
الأحوال ، لاتعمل لصالح مصر ولا لصالح شعبها .
إن
المصريين الآن . . يعانون الأمّرين ، فى حياتهم اليومية والمعيشية ، غالبيتهم
صاروا تحت خط الفقر ، تركهم النظام البائد يتكففون الناس والشعوب من حولهم ، عاش
بهم سنوات وسنوات ، يتسول من أرباب العمائم والدشاديش فى دول الخليج العربى ، ويقترض
ويستدين من دول الغرب الأوربى ، ويستمنح من أمريكا حليفة إسرائيل ، العدو الصهيونى
الأبدى الأزلى لمصر والعروبة والإسلام . . هكذا تركهم النظام البائد ، الذى مضى
عهده وولى عصره ، من بعد ما أطاح به المصريون فى ثمانية عشر يوماً فقط لا غير . .
إن مصر
الآن . . فى حاجة إلى شعب وفى مخلص لوطنه ، واع بما تمر به من ظروف سياسية
وإقتصادية وإجتماعية وأمنية ، فى غاية الصعوبة . . وجاءت الطامة الكبرى ، عندما
إستولى الإخوان المسلمون على رأس السلطة فى مصر ، بفضل غياب القوى الوطنية المنظمة
ذات الوجود الفعلى والحقيقى فى الشارع المصرى ، وأصبح من الإخوان الرئيس المصرى
المنتخب ، صاحب الشرعية الأولى والحقيقية فى البلاد . . ولكنه للأسف الشديد ، جاء
ليحكم مصر بيد مرتعشة ، لا تقوى على مواجهة دعاة الفتنة والإنقسام ، ولا دعاة
الرجعية والإنهزام ، ولا دعاة العلمانية وإضاعة هوية مصرالإسلامية العربية
الفرعونية .
كانت مصر
تحلم بالزعيم ، بعد أن حرمها الله من الزعماء ، طيلة ثلاث عقود متصلة ، صحيح كان
هناك رئيس لمصر ، ذو يد قوية وقبضة حاكمة ، تعرف كيف تمسك بزمام الأمور ، ولكنها
لم تكن يد عادلة ، حانية على البسطاء والمُتعبين من أبناء المصريين ، يد تركت
أموال المصريين ومواردهم وثرواتهم ، مُباحة أمام حفنة من اللصوص ، السارقين
الناهبين ، أصحاب الذمم الخربة والضمائر الميتة ، حتى قضوا على مصر فى عقود ثلاث
من الزمن ، عادت بمصر وشعبها إلى الوراء فى العديد من المجالات . . صحيح أن الرجل
كان يعمل ويعمل ، ولكنه كان يعمل بفكر وعقل وأسلوب الموظف بدرجة الرئيس . . كان
يُلقى بالتبعات الجسام على رجال حوله ، من روؤساء حكومات ووزراء ومسئولين ، دون
أن يحاسبهم أو يعاقبهم ، أخطأ منهم من أخطأ ، وافسد من أفسد ، وسرق من سرق ،
ونهب من نهب ، ولم نجد واحداً منهم يُقدم للقضاء ، بتهمة الفساد أو الرشوة أو
السرقة ، حتى صارت مصر لا تعرف جريمة الرشوة ، ولا إختلاس المال العام ، وتعطل
العمل بنصوصها فى قانون العقوبات ، وكأننا عُدنا إلى عهد خامس الخلفاء الراشدين عمر
بن عبد العزيز ، حفيد الفاروق عمر بن الخطاب ، الذى إختفى الفساد والسرقة فى
عهده ، بسبب إستقرار العدل بين الناس ، وليس بسبب التستر على اللصوص والفاسدين ،
كما كان فى عهد مبارك . . إن ملفات الفساد التى كانت قد أغلقها النائم العام ، فى
العهد البائد ، طفت على السطح مرة أخرى ، لتزكم أنوف المصريين بما فى طياتها ، من
روائح نتنة لضمائر ميتة ، وشهوات جامحة ، ونفوس ضعيفة ، إحترفت الفساد والسرقة
والسلب والنهب ، فى ظل غياب الحساب والثواب والعقاب ، ولنا المثل والنموذج فى
الآلاف من رجال مبارك والحزب الوطنى ، لصوص الوطن ، وسارقى أفراح المصريين .
واليوم أرى
. . البعض يترقب ويدعو الله ، وينتظر إجابة الدعاء ، أن يعود الله بمصر ، إلى ما
قبل 11فبراير 2011 ، يحدوهم الأمل فى أن
يجدوا أنفسهم مرة أخرى ، يغوصون فى بطون المصريين ، يسرقون أموالهم القليلة ،
وينهبون ثرواتهم المتواضعة ، ويُدمرون مستقبل أبنائهم وأحفادهم ، ويسرقون أفراحهم
، وليس هناك أشر ولا أبغض ولا ألعن من سارق الفرح هذا . . إنه يقف بعيداً
ليتربص بك ، هو فى سكون ، ما دمت أنت فى حزن وهم وغم ، فإذا رآاك وقد ضحكت لك
الأيام ، وبدأ الفرح يعرف طريقه إلى حياتك ، إنقض عليك ومعه عصابته من المجرمين ،
ليحطموا مصابيحك ، ويُطفئوا أضواءك ، ويُروعوا من جاءوا إليك يشاركوك فرحتك ،
ويُحيل حياتك مرة أخرى ، إلى ظلام دامس ، وحزن وضياع . . ذلك هو " سارق الفرح
" ، والذى لن يُمكنه الله أبداً من
مصر وشعبها .
أما من
يقفون هناك بعيداً ، عند ناصية الميدان ، ميدان التحرير وكل ميادين مصر ،يترقبون
وينتظرون ويتحينون الفرصة ، للإنقضاض كما الذ ئب الضارى على الغنم المسالمة
،أو كما سارق الفرح الذى يتحين الفرصة ، لهدم أفراح المصريين ، بثورتهم التى ما
جنوا ثمارها بعد. . أقول لهؤلاء جميعاً إرجعوا إلى أحضان مصر والمصريين ، أو
إذهبوا بعيداً بعيداً ، حيث الخرائب هناك ، والأوحال هناك ، والمستنقعات هناك ، لتعيشوا
فها كما الجرزان . . فلن يسمح لكم المصريون أن تسرقوا فرحتهم . . وإعلموا
جيداً ، أن عقارب الساعة لن تعود أبدأ إلى الوراء مرة أخرى . . موتوا بغيظكم ، أو
إنتحروا كافرين . . وإلى
مقال آخر إن شاء الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق