الأحد، 18 نوفمبر 2012

الفساد . . . . هو العنوان الرئيسى لعصر مبارك ! !


الفساد . . . . هو العنوان الرئيسى لعصر مبارك  ! !
------------------------------------------------

قال تعالى فى كتابه العزيز : " وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ، ألا إنهم هو المفسدون ولكن لا يشعرون " صدق الله العظيم . . . وقال تعالى : " . . . . . . . ولا تفسدوا فى الأرض ، إن الله لا يحب المفسدين " صدق الله العظيم .
فقد نهانا الله عز وجل أن نرتكب من الأقوال والأفعال ما من شأنه أن يُفسد على العباد أمورهم وشئون دنياهم ودينهم ، وإبطالها وإضاعة الفائدة المرجوة من ورائها . . وقد توعد سبحانه جل فى علاه ، المفسدين والمبطلين لنعماء الله بأشد العقاب وأسوأ العواقب .

والفساد فى مصر على وجه التحديد ، قد بدأ منذ أمد بعيد ، ولكنه كان على نطاق ضيق وفردى ، ولم يُمثل ظاهرة شبه عامة فى البلاد ، إلا بعد بَدء الإنفتاح الإقتصادى ، على يد الزعيم الراحل / أنور السادات . . فعندما قرر السادات رحمه الله ، أن تنفتح مصر إقتصادياً على دول العالم ، فى التجارة الخارجية وشئون المال والأعمال ، إنما كان يبتغى من وراء ذلك ، تحسين الأحوال المعيشية للمصريين ، وتحقيق حلم الرخاء الإقتصادى والإجتماعى ، الذى ظل يَعدهم به منذ بداية عهده ، وحالت دونه ظروف تهيئة البلاد لمعركة التحرير الكبرى ، حرب أكتوبر المجيدة . . وبعد أن أتحقق لمصر النصر فى حربها مع الصهاينة فى أكتوبر 1973 ، بدأ السادات السير فى طريق تحرير أحوال المال والإقتصاد ، من قيود وأغلال الفكر الإشتراكى ، والتوجه نحو الرأسمالية الوطنية ، كى يشارك رجال المال والأعمال المصريين والوطنيين المخلصين برؤوس أموالهم فى إنعاش الإقتصاد المصرى ، ولكن قد تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن .
فقد طفت على السطح وظهرت ، فئة من رجال الأعمال المُستغلين والجشعين ، الذين لا يأبهون إلا لمصالحهم الخاصة ومطامعهم الشخصية ، فبرزت نجوم بعض من أولئك أمثال رشاد عثمان وتوفيق عبد الحى وغيرهما ، وبدأت بوادر الفساد تظهر على إستحياء ، بين بعض من رجال الأعمال من ناحية ، وبعض مسئولى الدولة وموظفيها من ناحية أخرى .
ولقد حاول السادات رحمه الله ، الوقوف فى وجه هؤلاء المفسدين ، وكان لهم بالمرصاد . . ولكن شاءت إرادة الله العلى القدير ، أن ينتهى عصر السادات بإغتياله فى حادث المنصة الدامى ، فى 6 أكتوبر 1981 ، على يد حفنة من الأشرار ، المنتمين إلى الجماعات السلفية الجهادية المتأسلمة
وتولى محمد حسنى مبارك حكم مصر فى 14 أكتوبر 1981 ، وتعهد للشعب المصرى منذ أول أيام حكمه ، بأن يقطع دابر الفساد ، وألا يدع مُفسداً واحداً فى مصر ، يمضى هكذا بلا عقاب أو جزاء ، ووصف عصره بأنه سوف يكون عصر الطهارة والنقاء ، ولكنه ما أوفى بعهده قط .

ولكن أياً كان الأمر . . لا يستطيع أى مصرى مُنصف وعادل ، أو حكيم وعاقل ، أن يُنكر أن لحسنى مبارك تاريخ عسكرى مُشرف ومجيد ، وزاخر بالإنجازات والبطولات على الصعيد العسكرى ، منذ أن كان ضابطاً صغيراً بسلاح الطيران المصرى ، وحتى تاريخ تركه الخدمة العسكرية ، فى منتصف سبعينات القرن الماضى ، عندما إختاره السادات نائباً لرئيس الجمهورية. . ولكن . . لاحظ جميع المصريين ، أن مبارك منذ أن تولى حكم مصر بعد وفاة السادات ، قد أحاط نفسه بحاشية وبلاط ديوان ، من أشخاص عديدين ليسوا فوق مستوى الشبهات ، بحكم ماضيهم وسجلهم الوظيفى أو الوطنى ، الذى كان يشهد عليهم بالفساد والإفساد والإنحراف على كل الأصعدة ، سواء الفساد السياسى أو المالى أو الإدارى أو الأخلاقى أو الدينى . . لقد أحاط مبارك نفسه بالكثير من الفاسدين المُفسدين ، والقليل من الشرفاء المخلصين لمصر وشعبها.

والحق يُقال . . أن مبارك قد إجتهد فى النصف الأول من سنوات حكمه ، التى قاربت الثلاثين عاماً ، وأنجز خلاله الكثير والكثير ، ولولا هؤلاء الفاسدين المفسدين ، الذين أحاط نفسه بهم ، ونالوا من تاريخه وسجله ونضاله ، وكانوا بالنسبة له مثل " قملة القرش " تلك السمكة الصغير التى ترافق القرش الكبير ، كى تستفيد من ورائه ، لولاهم لكان مبارك قد أنجز أضعاف ما أنجزه . . لا سيما وأن مشكلات مصر ، الإقتصادية والإجتماعية على وجه الخصوص ، كانت فى تزايد مستمر ، ووقفت الزيادة السكانية الكبيرة عائقاً أمام تحقيق الكثير من الطموحات والأحلام . . ولكن الحكومات المتعاقبة ، التى أولاها مبارك ثقته ، لتسيير شئون البلاد فى تلك الأوقات الصعبة ، لم تكن على مستوى المسئولية ، ولم يكن بداخلها الوفاء والإخلاص لهذا البلد وشعبه .

وإبتداء من النصف الثانى فى عصر مبارك ، بدأ مؤشر الفساد يرتفع لأعلى على كل الأصعدة ، وبدأ مؤشر الإنجازات ينخفض لأسفل فى كل المجالات . . كانت أحوال المصريين أشبه بنهر يتدفق فيه الماء ، من منبعه حتى يصب فى حياة المصريين ومعيشتهم ، وكان الحفاظ على مائه يتطلب إحكام جريانه بين شاطئيه فقط  ، ولكن المفسدون حفروا العديد من القنوات الخاصة بهم ، على جانبى النهر ، لتتسرب المياه عبر تلك القنوات ، وتصب فى مصالحهم الخاصة بدلاً من صالح الوطن والمصريين . . تحول الكثير من المياه إليهم ، وإمتلأت جيوبهم ، وتضخمت أرصدتهم فى البنوك داخل مصر وخارجها ، ومعها تضخمت مشكلات المصريين ومعاناتهم .

إن حسنى مبارك . . كان وطنياً ومصرياً ، يحب هذا الوطن مثلنا جميعاً ، ولا يمكن لأحد أن يُزايد على وطنيته ومصريته ، ولكنه فى المقابل أضاع على مصر الكثير والكثير ، بصمته وسكوته على الفاسدين المفسدين ، وعلمه أنهم يسرقون وينهبون موارد مصر القليلة وثرواتها، ويخربون مصر ويدمرون مستقبل أبنائها ، من أجل مصالحهم الخاصة ومطامعهم الشخصية ، وما أراد يوماً أن يردعهم أبداً ، بل أنه كان دائماً يتستر على فسادهم وإفسادهم ، ويحول دون مُحاسبتم ومحاكمتهم أمام القضاء ، وإلحاق العقاب بهم ، ليكونوا عبرة وعظة ورادع لغيرهم .
. . وكانت تلك هى إحدى مساوئ عصر مبارك الكبيرة ، وإحدى خطاياه الجسيمة ، التى ما إستطاع المصريون أن يغفروها له أبداً ، ولن يغفرها له الله ، وسيُلقى بذنبها فى نار جهنم .

كان المصريون يرون بعيونهم ، ويسمعون بآذانهم ، ويُروى ما يُروى لهم  ، كل وقائع الفساد وهى تنتشر فى كل ربوع مصر ، من أقصاها إلى أقصاها ، ولا يَروا مبارك يحرك ساكناً ليمنع هذا الفساد وذاك الإنحراف وتلك السرقة المُقننة المُنظمة لخير شعب مصر وقوت يومه ، فى الوقت الذى يعانى فيه المصريون ، من شظف العيش وتدنى الخدمات فى كل المجالات ، من تعليم حكومى وصحة ومواصلات وبيئة مياه وكهرباء وصرف صحى . . . . وخلافه .
لقد كان حسنى مبارك ، حاكماً مصرياً ووطنياً ، ولكنه مارس حكمه من قصره ، قصر الشعب الذى أدخله فيه ، وأجلسه على كرسى الحكم لسنوات طوال ، ونسى مبارك أو تناسى ، أن شعب مصر هو شعب أبى وعزيز ، يُمهل الحاكم ويمُلى له ، ثم إذا أخذه ، أخذه أخذ عزيز مقتدر .  . .

لقد صمت المصريون طويلاً ، أمام سكوت مبارك على فساد حاشيته وبلاطه ، وكأنه راض عما يفعلون ، وإنتظروا طويلاً أن يُغير الرجل من سياساته نحوهم وما فعل ، ولم يكن مبارك عند حسن ظن المصريين به فى هذا الأمر بالذات . . كان يعلم أن كمال الشاذلى فاسداً ، ومع ذلك أبقاه إلى جواره طويلاً ، وكان يعلم أن صفوت الشريف فاسداً ورغم ذلك إستعان به ثمانية وعشرون عاماً ، وكان يعلم أن صهره شقيق إمرأته فاسداً  ومع ذلك ترك له الحبل على الغرب ، وكان يعلم أن يوسف والى فاسداً ويقتل المصريين صباح مساء ، ورغم ذلك تستر عليه ، وغيرهم وغيرهم من الفاسدين المُفسدين . . كان مبارك يتجاهل كل نداءات المصريين له بتطهير البلاد وتنقية حكمه ، من حاشيته الفاسدة ، وأركان نظامه اللصوص الذين خانوا الأمانة ، ولكنه كان يتحدى الجميع ، ويصيح غافلاً : " أنا معى دكتوراة فى العناد " وإتخذ لنفسه شعاراً واحدا " دع الكلاب تنبح والقافلة تسير " . . وما زاد الطين بَلة ، أن المصريين أحسوا بذكائهم الفطرى ، وأدركت عقولهم ، أن الرجل لن يرحل عن حكم مصر ، إلا بعد أن يتقلد ولده الدلوع الفاسد ربيب المفسدين ، حكم مصر من بعده ، برعاية أمه شجرة الدر ، التى ظنت أنها وولدها قد ورثا مصر والمصريين .

ولكن . . حانت ساعة الحساب ، ودق ناقوس المصريين ، ليعلن لمبارك وحاشيته ، أن إرحلوا إلى غير رجعة ، وخرجت الملايين من أبناء هذا الشعب الطيب ، فى كل ميادين مصر ، لا هَم لهم ولا مطلب لديهم ، سوى أن تنزع رداء الشرعية عن ذلك الرجل ، بعد أن ألبسوه إياه طيلة ثلاثين عاماً ، أنجز خلالها الكثير ، ولكن كان بإمكانه أن يُنجز الكثير والكثير ، لولا تستره على المفسدين .
إن الفساد بكل ألوانه وأطيافه ، سوف يظل هو العنوان الرئيسى الكبير لعصر مبارك . . ومثلما يسجل التاريخ لمبارك ، أنه كان حاكماً مصرياً له إنجازاته . .فإنه سوف يسجل أيضاً ، أن مبارك سكت عن الفساد والمُفسدين ، واللصوص والمجرمين ، ومصاصى دماء هذا الشعب ، وسارقى خيراته وناهبى ثرواته ، ومُخربى إقتصاده ، ومُدمرى مستقبل أبنائه وأحفاده . . حتى صار عصر مبارك وعهده . . هو بحق . . عصر الفساد الكبير .         وإلى مقال آخر إن شاء الله .

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق