الفساد
. . . . هو العنوان الرئيسى لعصر مبارك !
!
------------------------------------------------
قال تعالى
فى كتابه العزيز : " وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض قالوا إنما نحن مصلحون
، ألا إنهم هو المفسدون ولكن لا يشعرون " صدق الله العظيم . . . وقال تعالى :
" . . . . . . . ولا تفسدوا فى الأرض ، إن الله لا يحب المفسدين " صدق
الله العظيم .
فقد نهانا
الله عز وجل أن نرتكب من الأقوال والأفعال ما من شأنه أن يُفسد على العباد أمورهم
وشئون دنياهم ودينهم ، وإبطالها وإضاعة الفائدة المرجوة من ورائها . . وقد توعد
سبحانه جل فى علاه ، المفسدين والمبطلين لنعماء الله بأشد العقاب وأسوأ العواقب .
والفساد فى
مصر على وجه التحديد ، قد بدأ منذ أمد بعيد ، ولكنه كان على نطاق ضيق وفردى ، ولم
يُمثل ظاهرة شبه عامة فى البلاد ، إلا بعد بَدء الإنفتاح الإقتصادى ، على
يد الزعيم الراحل / أنور السادات . . فعندما قرر السادات رحمه الله ، أن تنفتح مصر
إقتصادياً على دول العالم ، فى التجارة الخارجية وشئون المال والأعمال ، إنما كان
يبتغى من وراء ذلك ، تحسين الأحوال المعيشية للمصريين ، وتحقيق حلم الرخاء
الإقتصادى والإجتماعى ، الذى ظل يَعدهم به منذ بداية عهده ، وحالت دونه ظروف تهيئة
البلاد لمعركة التحرير الكبرى ، حرب أكتوبر المجيدة . . وبعد أن أتحقق لمصر النصر
فى حربها مع الصهاينة فى أكتوبر 1973 ، بدأ السادات السير فى طريق تحرير أحوال
المال والإقتصاد ، من قيود وأغلال الفكر الإشتراكى ، والتوجه نحو الرأسمالية
الوطنية ، كى يشارك رجال المال والأعمال المصريين والوطنيين المخلصين برؤوس
أموالهم فى إنعاش الإقتصاد المصرى ، ولكن قد تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن .
فقد طفت
على السطح وظهرت ، فئة من رجال الأعمال المُستغلين والجشعين ، الذين لا يأبهون إلا
لمصالحهم الخاصة ومطامعهم الشخصية ، فبرزت نجوم بعض من أولئك أمثال رشاد عثمان
وتوفيق عبد الحى وغيرهما ، وبدأت بوادر الفساد تظهر على إستحياء ، بين بعض من رجال
الأعمال من ناحية ، وبعض مسئولى الدولة وموظفيها من ناحية أخرى .
ولقد حاول
السادات رحمه الله ، الوقوف فى وجه هؤلاء المفسدين ، وكان لهم بالمرصاد . . ولكن
شاءت إرادة الله العلى القدير ، أن ينتهى عصر السادات بإغتياله فى حادث المنصة
الدامى ، فى 6 أكتوبر 1981 ، على يد حفنة من الأشرار ، المنتمين إلى الجماعات
السلفية الجهادية المتأسلمة
وتولى محمد
حسنى مبارك حكم مصر فى 14 أكتوبر 1981 ، وتعهد للشعب المصرى منذ أول أيام حكمه ،
بأن يقطع دابر الفساد ، وألا يدع مُفسداً واحداً فى مصر ، يمضى هكذا بلا عقاب أو
جزاء ، ووصف عصره بأنه سوف يكون عصر الطهارة والنقاء ، ولكنه ما أوفى بعهده قط
.
ولكن أياً
كان الأمر . . لا يستطيع أى مصرى مُنصف وعادل ، أو حكيم وعاقل ، أن يُنكر أن لحسنى
مبارك تاريخ عسكرى مُشرف ومجيد ، وزاخر بالإنجازات والبطولات على الصعيد العسكرى ،
منذ أن كان ضابطاً صغيراً بسلاح الطيران المصرى ، وحتى تاريخ تركه الخدمة العسكرية
، فى منتصف سبعينات القرن الماضى ، عندما إختاره السادات نائباً لرئيس الجمهورية.
. ولكن . . لاحظ جميع المصريين ، أن مبارك منذ أن تولى حكم مصر بعد وفاة السادات ،
قد أحاط نفسه بحاشية وبلاط ديوان ، من أشخاص عديدين ليسوا فوق مستوى الشبهات ،
بحكم ماضيهم وسجلهم الوظيفى أو الوطنى ، الذى كان يشهد عليهم بالفساد والإفساد
والإنحراف على كل الأصعدة ، سواء الفساد السياسى أو المالى أو الإدارى أو الأخلاقى
أو الدينى . . لقد أحاط مبارك نفسه بالكثير من الفاسدين المُفسدين ، والقليل من
الشرفاء المخلصين لمصر وشعبها.
والحق
يُقال . . أن مبارك قد
إجتهد فى النصف الأول من سنوات حكمه ، التى قاربت الثلاثين عاماً ، وأنجز خلاله
الكثير والكثير ، ولولا هؤلاء الفاسدين المفسدين ، الذين أحاط نفسه بهم ، ونالوا
من تاريخه وسجله ونضاله ، وكانوا بالنسبة له مثل " قملة القرش "
تلك السمكة الصغير التى ترافق القرش الكبير ، كى تستفيد من ورائه ، لولاهم لكان
مبارك قد أنجز أضعاف ما أنجزه . . لا سيما وأن مشكلات مصر ، الإقتصادية
والإجتماعية على وجه الخصوص ، كانت فى تزايد مستمر ، ووقفت الزيادة السكانية
الكبيرة عائقاً أمام تحقيق الكثير من الطموحات والأحلام . . ولكن الحكومات
المتعاقبة ، التى أولاها مبارك ثقته ، لتسيير شئون البلاد فى تلك الأوقات الصعبة ،
لم تكن على مستوى المسئولية ، ولم يكن بداخلها الوفاء والإخلاص لهذا البلد
وشعبه .
وإبتداء من
النصف الثانى فى عصر مبارك ، بدأ مؤشر الفساد يرتفع لأعلى على كل الأصعدة ، وبدأ
مؤشر الإنجازات ينخفض لأسفل فى كل المجالات . . كانت أحوال المصريين أشبه بنهر
يتدفق فيه الماء ، من منبعه حتى يصب فى حياة المصريين ومعيشتهم ، وكان الحفاظ على
مائه يتطلب إحكام جريانه بين شاطئيه فقط ،
ولكن المفسدون حفروا العديد من القنوات الخاصة بهم ، على جانبى النهر ، لتتسرب
المياه عبر تلك القنوات ، وتصب فى مصالحهم الخاصة بدلاً من صالح الوطن والمصريين .
. تحول الكثير من المياه إليهم ، وإمتلأت جيوبهم ، وتضخمت أرصدتهم فى البنوك داخل
مصر وخارجها ، ومعها تضخمت مشكلات المصريين ومعاناتهم .
إن حسنى
مبارك . . كان وطنياً ومصرياً ، يحب هذا الوطن مثلنا جميعاً ، ولا يمكن لأحد أن
يُزايد على وطنيته ومصريته ، ولكنه فى المقابل أضاع على مصر الكثير والكثير ،
بصمته وسكوته على الفاسدين المفسدين ، وعلمه أنهم يسرقون وينهبون موارد
مصر القليلة وثرواتها، ويخربون مصر ويدمرون مستقبل أبنائها ، من أجل مصالحهم
الخاصة ومطامعهم الشخصية ، وما أراد يوماً أن يردعهم أبداً ، بل أنه كان دائماً
يتستر على فسادهم وإفسادهم ، ويحول دون مُحاسبتم ومحاكمتهم أمام القضاء ،
وإلحاق العقاب بهم ، ليكونوا عبرة وعظة ورادع لغيرهم .
. . وكانت
تلك هى إحدى مساوئ عصر مبارك الكبيرة ، وإحدى خطاياه الجسيمة ، التى ما إستطاع
المصريون أن يغفروها له أبداً ، ولن يغفرها له الله ، وسيُلقى بذنبها فى نار
جهنم .
كان
المصريون يرون بعيونهم ، ويسمعون بآذانهم ، ويُروى ما يُروى لهم ، كل وقائع الفساد وهى تنتشر فى كل ربوع مصر ،
من أقصاها إلى أقصاها ، ولا يَروا مبارك يحرك ساكناً ليمنع هذا الفساد وذاك
الإنحراف وتلك السرقة المُقننة المُنظمة لخير شعب مصر وقوت يومه ، فى الوقت الذى
يعانى فيه المصريون ، من شظف العيش وتدنى الخدمات فى كل المجالات ، من تعليم حكومى
وصحة ومواصلات وبيئة مياه وكهرباء وصرف صحى . . . . وخلافه .
لقد كان
حسنى مبارك ، حاكماً مصرياً ووطنياً ، ولكنه مارس حكمه من قصره ، قصر الشعب الذى
أدخله فيه ، وأجلسه على كرسى الحكم لسنوات طوال ، ونسى مبارك أو تناسى ، أن شعب
مصر هو شعب أبى وعزيز ، يُمهل الحاكم ويمُلى له ، ثم إذا أخذه ، أخذه أخذ عزيز
مقتدر . . .
لقد صمت
المصريون طويلاً ، أمام سكوت مبارك على فساد حاشيته وبلاطه ، وكأنه راض عما يفعلون
، وإنتظروا طويلاً أن يُغير الرجل من سياساته نحوهم وما فعل ، ولم يكن مبارك
عند حسن ظن المصريين به فى هذا الأمر بالذات . . كان يعلم أن كمال
الشاذلى فاسداً ، ومع ذلك أبقاه إلى جواره طويلاً ، وكان يعلم أن صفوت
الشريف فاسداً ورغم ذلك إستعان به ثمانية وعشرون عاماً ، وكان يعلم أن صهره
شقيق إمرأته فاسداً ومع ذلك ترك له الحبل
على الغرب ، وكان يعلم أن يوسف والى فاسداً ويقتل المصريين صباح مساء ،
ورغم ذلك تستر عليه ، وغيرهم وغيرهم من الفاسدين المُفسدين . . كان مبارك يتجاهل
كل نداءات المصريين له بتطهير البلاد وتنقية حكمه ، من حاشيته الفاسدة ، وأركان
نظامه اللصوص الذين خانوا الأمانة ، ولكنه كان يتحدى الجميع ، ويصيح غافلاً : "
أنا معى دكتوراة فى العناد " وإتخذ لنفسه شعاراً واحدا " دع
الكلاب تنبح والقافلة تسير " . . وما زاد الطين بَلة ، أن المصريين أحسوا
بذكائهم الفطرى ، وأدركت عقولهم ، أن الرجل لن يرحل عن حكم مصر ، إلا بعد أن يتقلد
ولده الدلوع الفاسد ربيب المفسدين ، حكم مصر من بعده ، برعاية أمه شجرة
الدر ، التى ظنت أنها وولدها قد ورثا مصر والمصريين .
ولكن . .
حانت ساعة الحساب ، ودق ناقوس المصريين ، ليعلن لمبارك وحاشيته ، أن إرحلوا
إلى غير رجعة ، وخرجت الملايين من أبناء هذا الشعب الطيب ، فى كل ميادين مصر ، لا
هَم لهم ولا مطلب لديهم ، سوى أن تنزع رداء الشرعية عن ذلك الرجل ، بعد أن
ألبسوه إياه طيلة ثلاثين عاماً ، أنجز خلالها الكثير ، ولكن كان بإمكانه أن
يُنجز الكثير والكثير ، لولا تستره على المفسدين .
إن الفساد
بكل ألوانه وأطيافه ، سوف يظل هو العنوان الرئيسى الكبير لعصر مبارك . .
ومثلما يسجل التاريخ لمبارك ، أنه كان حاكماً مصرياً له إنجازاته . .فإنه سوف يسجل
أيضاً ، أن مبارك سكت عن الفساد والمُفسدين ، واللصوص والمجرمين ، ومصاصى دماء هذا
الشعب ، وسارقى خيراته وناهبى ثرواته ، ومُخربى إقتصاده ، ومُدمرى مستقبل أبنائه
وأحفاده . . حتى صار عصر مبارك وعهده . . هو بحق . . عصر الفساد الكبير
. وإلى مقال آخر إن شاء الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق