الخميس، 1 نوفمبر 2012

حبيبتى حزينة . . . . وتأبى الحياة ! !


حبيبتى حزينة . . . . وتأبى الحياة  ! !
-----------------------------------
بالأمس . . كان موعد لقائنا ، هذا اللقاء الذى تشتاق إليه نفسى ، وأترقبه كل عدة أيام ، لقد إتفقنا ومنذ تعارفنا على اللقاء كل يوم أربعاء ، إلا إذا شاءت الأقدار غير ذلك ،  كان كل منا حريصاً على ألا يفوته موعد اللقاء ، فهو بالنسبة إلينا ليس مجرد موعد ولقاء ، ولكته يحمل فى طياته كل معانى الحب والغرام ، والتوحد والإنسجام ، ومنه يستمد كلانا المدد والزاد . . . ذهبت أنا –كعادتى -  قبل موعدنا بنصف ساعة ، هكذا تعودت معها ألا تدعها تنتظرنى وحيدة ، لا أريدها أن تعانى قلق الإنتظار ، فهى فتاتى ، حبى وغرامى وهيامى ، وهى كل حياتى ، ولا أطيق لها أن تجلس وحيدة تتلقفها عيون الآخرين ، بنظرات قد لا تتحملها مشاعرها ، تارة بالسؤال وأخرى بالإندهاش . . . ذهبت مبكراً كعادتى ، وجلست أنتظرها بالقرب من شاطئ النيل فى مكان لقائنا المعهود ، الجو كان هادئاً إلى حد ما ، والطقس فى أمسية الخريف يكون معتدلاً ، فلا هو حار ولا هو بارد ، جلست أنظر إلى صفحة الماء ، وأضواء المصابيح تتلألأ عليها فى مشهد بديع ، الجو حولى يدعو إلى الهدوء النفسى ، وفي لمسة من الشاعرية ، إنتابتنى حالة من الرومانسية ، وأحسست فجأة أننى أشتاق إليها بقوة ، وأخذتنى اللهفة عليها بشدة . . نظرت إلى ساعتى ، وهدّأت من نفسى ، لقد حان موعد إطلالتها علىّ ، وما إعتادت أن تتأخر عنى ، وها هى قد جائت .

الآن فقط . . . إكتمل كيانى ، ما عادت أجزائى مبعثرة ومشتتة ، لملم أجزائى حضورها ، إنها نصفى الجميل الرائع ، الذى أحبه وأهواه ، وبدونه أشعر أننى بلا وطن ولا هوية ، رحبت بها وأجلستها ، وفى الحقيقة أنها ما هى التى حضرت إلىّ ، وإنما التى حضرت إلىّ هى الدنيا بأسرها ، جاءت إلىّ حبيبتى وجاءتنى الدنيا معى ، سواها من هذا العالم لا أبتغى شيئاً ، نظرت إلى وجهها الأبيض الجميل تكسوه حمرة خفيفة ، وشعرها الأصفر الطويل المنسدل على طول ظهرها ،وعيناها الجميلتان بلون الأخضر الفاتح ، وشفتاها المبتسمتان دائماً ، هدوءها الذى يغلف كل هذا الجمال الذى فيها ، كل شئ فيها قتلنى حُباً ، إنها يا سمينة حياتى العَطرة ،" أحلى يمامة بيضا " كما كان يحلو لى أن أناديها . . . طالت نظرات كلينا إلى الآخر ، وساد الصمت بيننا ، نظراتى إليها كانت تعبرعن حب وإفتنان ، أما نظراتها إلىّ فكانت تعبر عن شكوى وألم ومعاناة ، فأنا ما تعودت أن أنتظر شفتيها ، كى تخبرنى ما بداخلها ، كنت أ كتفى بالنظر إلى عينيها فأ قرأ كل ما بداخلها ، تدعوننى دائماً بأننى " قارئ العيون " ، وتمازحنى قائلة : أن العندليب الأسمر جلس فى السبعينات أمام " قارئة الفنجان "  ، أما أنا فأجلس الآن أمام " قارئء العيون " ، وتدارى عينيها الجميلتين عنى بيديها كى لا أكتشف أمرها ، هكذا هى ياسمينتى العَطرة . .

أشاحت بوجهها عنى ، وراحت بعينيها تجوب أرجاء المكان ، سادت بيننا لحظات من الصمت ، وكم أكره الصمت وأنا معها ، كعادتى أهوى الحديث إليها ، صوتها الهادئ يطربنى ، شفتاها عندما تنطقان تسحرنى ، كلماتها أشعر كأنها لآلئ تبهرنى ، لم أسمع منها كلمة واحدة تغضبنى قط , ولا تؤلمنى قط ، ولا تحزننى قط ، إنها ياسمينتى العطرة . . أردت أن أكسر حاجز الصمت بيننا ، فبادرت بسؤالها عن أحوالها :
سألتها : كيف حالك يا ياسمينتى ؟
قالت ( وهى تبتسم ) : إنى بخير ، ما دمت معك ، فأنا بخير ، وما دمت تحبنى ، فأنا بخير .
قلت ( وأنا أضحك ) : طبعاً . . ما دمتِ معى ، لابد وأن تكونى بخير . هل فى ذلك شك ؟
قالت : ما دمت أنك واثق هكذا ، فلم تسألنى ؟ ألا تريد أن تقلع عن غرورك هذا؟ سوف يُضيعك .
قلت : ولم لا أكون مغروراً وأنتِ تحبيننى ؟ وأرى الناس جميعهم يحسدوننى على حبك .
قالت ( وهى تهدد ) : أسكت . . وإلا أصابنى الغرور ، , و تمردت عليك .
قلت ( بلغة الواثق ) : لا تستطيعى أن تتمردى علىّ ، فأنا جزء منك . . كونى كما تبغين لكن لن تكونى ، فأنا صنعتكِ من هوايا ومن جنونى . .
قالت ( وقد أشاحت بوجهها عنى ) : ومن أجل ذلك أنت سر عذابى ، ومنبع ألمى وشقائى ، لست أدرى كيف ملكت قلبى وعقلى وكل كيانى هكذا ؟ كيف سلمتك أمرى ؟ وكسرت من أجلك إرادتى؟ ورأيت معك الدنيا بأسرها ؟ ووضعت فيك أحلامى وآمالى كلها ؟   
قلت : كلماتك تنبئ عن شئ ما بداخلك يا ياسمينتى ؟
قالت ( وهى تهز رأسها ) : لا شئ . . لن أبوح لك بشئ !
قلت : لماذا . ألست أنا حبيب قلبك الوحيد ؟ ألست مالك عقلك وكل كيانى كما تقولين ؟
قالت : أنت كل هذا وأكثر بكثير ، ولكن قلمك يفضح مشاعرى ، كلما قرأت كلماتك ، أحسست أن العالم كله يُدرك أنك تتحدث عنى ، رغم أنك كاتم أسرارى ، لكن قلمك ينشر كل ما بداخلى لكل الناس . . لم تدع منى شيئاً لم تكتب عنه ، أشعر أن قصة حبى صارت تملأ كل الصفحات !
قلت : قلمى لا يملك إلا الكلمات ، قلمى لا يفضح ، لا يجرح ، قلمى ليس إلا أداة للتعبير .
قالت : لا . . بل قلمك صار كمشرط  جراح للقلوب ، تفتح صدور النساء ، وتُخرج منها القلوب ، تقلبها ذات اليمين وذات الشمال ، لتقرأ كل سطورها ، وكل كلماتها ، وكل حروفها ، حتى إذا إنتهيت من القراءة ، تعيد القلوب ، وتُغلق الصدور ، وتخرج لتخط بقلمك كل ما هو مستور . . إنك يا حبيبى خطير ، الجلوس معك خطير ، والحديث إليك أخطر ، والصمت معك أسلم !
قلت ( مُتحدياً ) : ومن أدراكِ ، أنكِ حتى لو صمتِ معى ، لن أقرأ ما بداخلك ؟ يكفينى عيناك أعرف منهما كل ما أريد ، فيهما كل العبارات والكلمات والحروف ، فيهما كل ما أريد !
قالت ( وهى تغمض عينيها ) : هكذا لن ترى شيئاً . . قل لى إذن كيف ستعرف ما بداخلى ؟
قلت على الفور : أنفاسك سوف تخبرنى بما فى صدرك ، نبضات قلبك لن تخذلنى ، ستشى بكِ .
قالت : إذن لا فائدة من مقاومتك ، ألم أقل لك إنك خطير ؟ دعك عنى ؟ إن ما بى يكفينى .
قلت : عيناكِ بها شئ من الحزن ، أنا أشهده ، وحزنكِ يؤلمنى ويمزق قلبى .
قالت : أدرى . . ولكن من منا يعرفك ولا يحزن أو يتألم أو يتعذب ؟ إن مثلك يدخل القلوب ، ويسكن القصور ، ويسلب العقول ، ويعربد فى المعقول واللامعقول ، ويأبى أن يخرج ولا يعود .
قلت : إنك يا حبيبتى تتحدثين عن نوع من العذاب الجميل ، إن المرأة تسعد حين تحب وتتعذب .
قالت : لست أدرى شيئاً ، سوى أنى أحبك ، أحياناً ينتابنى إحساس بأننى لا شئ بدونك ، ولا حياة لى إلا بك ، وهذا يقلقنى ويُفزعنى . . الخوف يتملكنى كلما إبتعدت عنك ، أشعر أننى صرت فى الحياة وحيدة ، رغم أنى بين أهلى وناسى ، ولكنى لا أشعر بهم ، لا أشعر بالحياة إلا معك ! !
قلت : أنا أيضاً أشعر أنكِ كل حياتى ، كل أحلامى وآمالى . . ولكننى لست قلقاً مثلك .
قالت : نحن معشر النساء . . خلقنا الله ضعفاء ، لا نتحمل ألم الفراق ، وأخشى أن تفرقنا الأيام .
قلت : ضعفكن سر جمالكن ، وهو مبعث روعتكن ، ومن أجل ذلك ، أنتن نصف الحياة بأسرها !
قالت : آه من كلماتك التى تقتلنى فيك حباً . . كلهم قالوا نصف المجتمع وأنت تقول نصف الحياة ؟
قلت ( مؤكداً ) هذه هى الحقيقة . . من قالوا هذا كان مُبتغاهم أن يضعوا نظرية فى علم الإجتماع ، أما الشعراء والأدباء أمثالى ، فلهم لغة أخرى ، وعلم آخر ، وقانون آخر ، لغة الحب ، وعلم الحب ، وقانون الحب . . تلك هى لغتنا ، وهذا هو علمنا وقانوننا . . وفى عالمنا تلك نظريتنا .
قالت : قلمك قلم أديب ، وآه منه ، ثم آه ، ثم آه . . قل لى إذن : كيف أنا نصف حياتك ؟
قلت : تعالى نعقلها . . ألستِ تشاركيننى عقلى وفكرى ، وقلبى ووجدانى ، ألستِ تشاركيننى نومى وصحوتى ، وسكونى وحركتى ؟ ألستِ تشاركيننى فى كل ما يخصنى ؟ ألستِ معى فى كل وقت وحين ؟ ألست نصفى الحلو الحميل ؟ هل لى عيش بدونك ؟ إذن أنتِ نصف حياتى وأكثر !
قالت : ولكننى حزينة ، أشعر أحياناً أن الحياة لا تريد لى أن أحيا سعيدة ، وكأنها تحاربنى .
قلت : هذا ليس صحيحاً ، الحياة نعمة من نعم الله ، خلقها الله من أجلنا ، كى نتمتع ونحيا سعداء ، من أراد الحياة ، لا تستعصى عليه ، إنها مخلوق مجبور من الله على طاعتنا ، إنها نعمة من الله ، أنعم علينا بها ، إلى أن يسلبها منا بإرادته سبحانه ، ألا ترين أن من سلب حياة نفسه بالإنتحار ، أو سلب حياة غيره بالقتل ، فإن الله يعاقبه ؟ إحرصى على الحياة تجدينها ، ومن أراد الحياة كانت له
قالت : زدنى من كلماتك الجميلة ، إننى كلما جلست معك ، أحسست أننى أعيش فى عالم جميل .
قلت : ذات مرة قرأت عدة كلمات ، ما فهمتها بعقلى إلا بعد أن أحسها قلبى ، كانت تقول " إن لم تكن بك فهى لك ، وإن لم تكن لك فهى عليك ، وإن لم تكن عليك فهى فيك ، وإن لم تكن فيك فهى منك ، وإن لم تكن منك . . فلتمُت ، فلتمُت ، فلتمُت " ساعة أحسستها بقلبى ، أدركت على الفور أن كاتبها كان يقصد بكلمة هى " الحياة " .
قالت ( وهى تنهض واقفة ) : دعنى أذهب . . فما عاد قلبى يتحمل سحر كلماتك . . إنك ستبقى سرسعادتى وسرعذابى . . وإستدارت عنى وهى تردد قائلة : إنك ستبقى سرسعادتى وسرعذابى !
                                                                   وإلى مقال آخر إن شاء الله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق