الأربعاء، 31 أكتوبر 2012

عندما تتنصل المرأة . . . من مشاعرها ! !


عندما تتنصل المرأة . . .  من مشاعرها ! !
---------------------------------------- 

كان أحمد شاباً فى مقتبل عمره ، بلغ من العمرثلاثين عاماً ، إلتحق بإحدى المدارس الإعدادية بمحافظته ، للعمل مدرساً للغة العربية ، كان شاباً مَرحاً من أسرة متوسطة الحال ، وكان معروفاً بين أصدقائه وزملائه بالإستقامة وحسن الخلق . . . ذهب أحمد مبكراً إلى عمله بالمدرسه ، فى أول يوم للعام الدراسى الجديد ، دخل إلى حجرة اللغة العربية بالمدرسة ، فلم يجد بها أحداً ، جلس ليحتسى كوباً من الشاى حتى يحضر باقى زملائه . . . وبينما هو جالس ، دخلت عليه فتاة فى منتصف العشرينات من عمرها ، تبدو عليها أمارات الأناقة والهدوء ، ألقت عليه بالتحية وسألته عن مكتب مدير المدرسة ، فبادرها أحمد بالسؤال عن سبب سؤالها ، فأخبرتها بأنها المدرسة الجديدة للغة العربية بالمدرسه ، وأن إسمها هالة ، رحب بها أحمد وعّرفها بنفسه ، ثم إصطحبها إلى مكتب مدير المدرسة ، ألقيا عليه بالتحية ، وأخبره أحمد بأمر هالة ، فرحب مدير المدرسة بها ، وتسلم منها خطاب تعيينها بالمدرسة ، وتمنى لها التوفيق فى عملها ، ثم إنصرف أحمد وهالة إلى حيث مكانهما فى حجرة اللغة العربية . . .

جلس أحمد وهالة سوياً فى الحجرة وحدهما – بعد أن قدم لها واجب الضيافة -  لمدة ساعة كاملة ، يتبادلان أطراف الحديث حول العمل بالمدرسة ، وكيفية توزيع الحصص على المدرسين الجدد ، ومن خلال الحديث عرف كلاهما عن الآخر أموراً كثيرة ، وكانت هالة تتحدث بصوت هادئ ، وتعلو وجهها علامات التعقل والتدبر . . . كان أحمد بالنسبة إلى هالة ، هو أول شخص تتعامل معه فى بداية عملها بالمدرسة ، وكعادة الشخص الأول فى كل شئ ، يظل هو الأقرب غالباً ، لم يتركها أحمد تقريباً فى اليوم الأول للدراسة ، بل ظل بجانبها ، لا سيما بعد أن علمت بأنها المدرسة الوحيدة فى قسم اللغة العربية بالمدرسة ، وبقية المدرسين من الرجال . . إنقضى اليوم
الدراسى الأول ، ودع أحمد هالة ، على أمل اللقاء بها فى صباح الغد ، وودعته هالة بإبتسامة هادئة جميلة ، وشكرته على وقوفه بجانبها فى يومها الأول بالمدرسة ، وإنصرف كل منهما إلى منزله ، ولكن بعد أن وضع كلاهما أول لبنة فى بناء علاقتهما الوطيدة .

وفى صباح اليوم التالى . . أتى أحمد إلى المدرسة مبكراً كعادته ، وجلس فى حجرة اللغة العربية ، ينتظر قدوم هالة ، لم تمض دقائق وأهلت هالة بوجهها الجميل ، دخلت الحجرة فوجدت أحمد بإنتظارها ، أراحها ذلك كثيراً ، فرحت وإطمأنت وبدت عليها علامات السعادة والسرور ، ألقت عليه التحية ، وجلست أمامه مباشرة ، وبينهما منضدة كبيرة ، رحب أحمد بها ترحيباً خاصاً جداً . . . هكذا سريعاً بادر كلاهما بإظهار مشاعره تجاه الآخر ، أظهرت هالة إرتياحها الشديد لأحمد ، وكانت كل عباراتها إليه توحى بذلك ، لأن حياء الفتاة يمنعها من التصريح بمكنونات صدرها ، أما أحمد فكان صريحاً واضحاً فى كلماته إليها ، والتى قابلتها هى بترحاب شديد . .
مضت الأيام تلو الأيام ، ومع كل يوم يزداد إقتراب أحمد من هالة ، وتتوطد علاقتهما ، تبادلا أرقام الهواتف المحمولة ، كى يُحادث كلاهما الآخر فى غير أوقات العمل بالمدرسة .

وذات يوم من الأيام – بعد مرور شهرين كاملين على بَدء علاقتهما – كانا يجلسان مع بعضهما بحجرة التدريس فى فترة الإستراحة ، وأخبرته هالة أنها فرغت من حصص اليوم ، وأنها سوف تنصرف إلى منزلها ، فودعها أحمد ، وأخبرها بأنه سوف يتصل بها مساءً ليطمئن عليها ، إنصرفت هالة ، وبعد أن خرجت من الحجرة ، تلاحظ لأحمد وجود ورقة من الحجم الكبير ( عريضة ) تحت المنضدة حيث كانت تجلس هى ، فإمتدت يده ، وإلتقطت الورقة ليعرف ما بها ، وجدها مكتوبة بخط يد هالة ، كتبت فيها خواطرها ، وتحدثت عن شخص عرفته منذ شهرين فقط مع بداية عملها بالمدرسة ، وتصف مشاعرها تجاه هذا الشخص ، وكيف أنها مالت إليه بقلبها وعقلها وكل كيانها ، كتبت هالة كثيراً عن حبها لهذا الشخص فى الورقة ، كلماتها كانت عن أحمد فى منتهى الوضوح والصراحة ، صحيح أنها لم تذكر إسمه فى الورقة ، ولكن تلك هى عادة الفتيات ، يمنعهن حياؤهن من ذلك . . . إزداد تعلق أحمد بهالة ، بعد قراءة خواطرها عنه ، وفضل ألا يُخبرها بأمر الورقة ، كى لا تستردها ، ويظل مُحتفظاً بها .

مرت الأيام سريعاً . . وإنتصف العام الدراسى ، وحان موعد أجازة منتصف العام ، لن يرى كلاهما الآخر طوال أسبوعين متتاليين ، ولكن لا بأس ، فالهواتف كفيلة بحل هذه المشكلة ، ظل أحمد وهالة على إتصال مستمر طوال فترة الأجازة ، إلا أنه فى اليومين الأخيرين ، حدث أمر لم يكن يتوقعه أحمد ، إنه يتصل على هالة ، ولكنها لا ترد ، يكرر الإتصال دون جدوى ، ونفس الشئ حدث فى اليوم الأخير للأجازة ، قلق أحمد على هالة كثيراً ، ولكنه طمأن نفسه بلقائهما صباح غد ، بحجرة التدريس بالمدرسة ليعلم منها ماذا حدث . .

فى صباح اليوم التالى ، ذهب أحمد مبكراً ، وجلس فى إنتظار هالة بحجرة التدريس ، تأخرت هالة نصف ساعة حتى حضرت ، كان يبدو عليها أن شيئاً ما قد حدث ، كانت فاترة هذه المرة ، على الرغم من غيابه الطويل عنها ، ألقت عليه التحية بهدوء وجلست أمامه ، إنها لم تنظر إليه هذة المرة ، كانت عيناها تبتعدان عن النظر إلى عينيه ، مرت دقائق ، ساد الصمت خلالها ، إلى أن قطع أحمد صمتها ، وبادرها بالسؤال  ،
قائلاً : ماذا بك يا هالة ؟ أراكِ مختلفة على غير عادتكِ معى ؟ ماذا حدث ؟
قالت وهى مترددة : لا شئ . . . لا شئ . .
قال أحمد : لا . . هناك شئ ، إنى أعرفكِ من مجرد النظر فى عينيكِ ، أقرأ فيهما كل ما أريد .
قالت ( بصوت هادئ ) : أول أمس تقدم لى أحد أقاربى للزواج بى ، إنه إبن خالتى ، تربينا سوياً ونحن صغار ، وسافر إلى إيطاليا منذ خمس سنوات للعمل بها ، إستقرت أحواله هناك ، وهو الآن فى أجازة . وعزم على الزواج هذه المرة ، ولم يجد أمامه أفضل منى .
سألها أحمد : وهل كان بينكما شئ قبل سفره ؟
قالت ( بعد صمت لثوانى ) : لا . . لم يكن بيننا أية علاقة عاطفية .
قال أحمد ( متعجباً ) : إذن ما هى المشكلة ؟ ليست هناك مشكلة ، إلا إذا كنتِ تخفين عنى شيئاً .
قالت على الفور : لا . . لا أخفى شيئاً ، ولكن أبى وأمى يريدانه ، ويفضلانه لى ! !
قال أحمد : وأنتِ يا هالة ؟ ألا تفضليننى ؟
ترددت قليلاً ، ثم قالت : أنت ماذا ؟
قال أحمد : ألسنا يُحب كلانا الآخر ؟ ويريد كلانا الآخر ؟ ألستِ تحبيننى يا هالة ؟
قالت بكل هدوء : نحن أصدقاء وزملاء عمل فى المدرسة ، وهذا كل شئ بيننا ! !
قال أحمد : لا . . ليس هذا كل شئ ، أنا أحبك وأريدك ، وأنتِ تحبيننى يا هالة .
قاطعته قائلة : لا يا أحمد . . أنا لم أقل لك أننى أحبك قط ّ لم ينطق بها لسانى قط  .
قال أحمد : ولكنكِ كتبتها لى بخط يدك فى ورقة خواطرك ( وأخبرها بأمر الورقة ) .
قالت : و هل عثرت عليها ؟ لماذا لم تخبرنى وقتها ؟ لقد بحثت عنها كثيراً ، ولم أجدها .
قال أحمد : لأننى فضلت الإحتفاظ بها لنفسى ، فهى لى ، وأنتِ كتبتها من أجلى .
قالت : ومن أدراك أننى كتبتها لك ، ومن أجلك ، إن ما بها لم يكن يخصك !
قال أحمد ( مستنكراً ) : كلها تخصنى ، كلها لى ، كلها من أجلى ، كلماتك فيها ، وصفك لى ، نفس توقيت تعارفنا ، صحيح أنتِ لم تذكرى إسمى فيها ، ولكن كل ما فيها عنى ويخصنى !
قالت ( بكل برود ) : لا . . ليس فيها شئ يخصك ، أنا لم أكن أقصدك بالمرة ، كنت أقصد شخصاً آخر سواك !
كاد أحمد أن يُجَن ، وقال لها : وهل يوجد سواى من عرفته بالمدرسة ، وتخاطبتِ معه وجلست إليه ؟ إنكِ لا تتحدثين مع أحد سواى ، وليس لكِ علاقة بأى شخص فى المدرسة !
قالت : وما أدراك ما بداخلى ؟ إنك واهم ! أنا لم أصرح لك بشئ ، ولم أذكر إسمك بالورقة هذه !
قال أحمد : نعم . . ولكنكِ قلتِ كل شئ بيننا ، إلا إسمى !
قالت ( وكأنها أمسكت مبرراً ) : إذن . . ما دمت لم أذكر إسمك ، ولم أصارحك بحبى لك ، فلا ذنب لى فيما توهمت وإعتقدت ! الذنب ذنبك ، والوهم وهمك ، وأنت وشأنك ! !
قال أحمد ( متسائلاً ) : وماذا بعد يا هالة ؟ ياحبيبتى ؟ يا قرة عينى ؟ إنى أحبك ، وأريدك لى .
قالت ( وكأنه تذبحه ) : لا شئ . . ليس بيننا شئ ! سوف أقبل الإرتباط بإبن خالتى !
قال أحمد ( متوسلاً ) : وماذا عنى يا هالة ؟ ماذا أفعل بنفسى ؟ وبحبى لكِ ؟
قالت : أكمل مشوار حياتك ، وكأنك لم تقابلنى قط ، وسوف يوفقك الله مع أخرى سواى ! أنا لست لك ، ولم أكن لك فى يوم من الأيام ، ولم أعدك بشئ ، أنت الذى أوهمت نفسك أننى أحبك ، وأغرقت نفسك فى الوهم شهور ، شيدت لنفسك قصراً فى الهواء ومَنيت نفسك بأنك سوف تسكنه ، ولم تسأل نفسك ذات يوم : هل ستدعنى صاحبة القصر أن أسكن فيه ؟ من أدراك أننى كنت سأدعك تملك قلبى ، أوتسكن قصرى ، إن مثلى ليس له فى الحب ، ولا يؤمن به ، إننى سأتزوج مثل كل الفتيات ، جسدى لزوجى ، أما قلبى ، فهو لى لن يملكه أحد ، لا أنت ولا سواك

هنا . . أدرك أحمد ، أنه كان كمن يبنى لنفسه قصراً ويشيده فى الهواء ، فتهب عليه الرياح ، وتبدد معالمه ، أو كمن يبنى بيتاً على الشاطئ من الرمال ، فتجئ الأمواج وتهدمه . . لقد كان واهماً متوهماً حين ظن أنها تحبه ، أو أن كلماتها فى تلك الورقة اللعينة كانت تخصه ، صحيح أنها تخصه ، ولكنها أنكرت أنها تخصه . . تباً لها ولقلمها الذى خطت به كلماتها ، وتباً ليدها التى أمسكت بالقلم الذى خطت به كلماتها ، وتباً لها وليدها ولقلمها ولكلماتها ، تباً لهم جميعاً .

ولكنه . . عاد ليفكر . . كيف توهم؟ ؟ ؟ وكل كلماتها له وعنه ، كانت تؤكد له صدق إحساسه . . أهن النساء على تلك الدرجة من الخداع ؟ أم أن حظه التعس ألقى به فى طريق فتاة ، تعرف تماماً كيف تتنصل من مشاعرها فى الوقت المناسب ؟
ظل السؤال حائراً على شفتيه ، ولا يجد له إجابة . . ويبدو أنه من ذلك النوع من الأسئلة التى ليس لها إجابة . . فتلكم هى طبيعة أغلب النساء . . تهوى دائماً كلمات الشك والريبة ( يبدو – ربما – يُمكن – قد أستطيع ) . . كى تحتفظ بكل الأبواب مفتوحة ، وكل السُبل مُيسرة . . وبذلك يُمكنها الدخول والخروج وقتما تشاء ، وكيفما تشاء ، وأينما تشاء . .
تباً . . . ثم تباً . . . ثم تباً . . . لها ولأمثالها .                   وإلى مقال آخر إن شاء الله .












ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق