وغابت
من جديد . . . يا لها من عنيدة ومتمردة ! !
----------------------------------------------
هو . . .
من ذلك النوع من الرجال ، الهادئ العاقل الرزين ، يؤمن بأن قوة الرجل فى عقله
وفكره ، وليست فى جسده وقوة بطشه ، فكم من الرجال خسروا الكثير من معارك الحياة ،
لأن لهم أجسام البغال وعقول العصافير . . أما المرأة عنده ، فتكمن قوتها فى قلبها
ومكنونات صدرها ، قوتها ناعمة ، ولكنها فى ذات الوقت قاطعة وباترة وماضية . . ويحفظ
للمرأة قدرها ، ويدرى كل ما لها وما عليها ، هى فى عقله وفكره ، نصف الحياة بأسرها
، وليست نصف المجتمع فقط ، ذلك التعبير الذى حصرها فى النطاق الأسرى والإجتماعى
فقط ، إنها نصف الحياة بكل ما فيها ، فى كل خلق الله سبحانه نجد الذكر والأنثى ،
وعلى مستوى الحياة الإنسانية نجد الرجل والمرأة . . المرأة نصف الحياة ، بسمائها
وأرضها ، ومائها وهوائها ، قديمها وحديثها ، حاضرها ومستقبلها ، شريكة فى كل شئ ،
بقلبها وحنانها وعطفها وحنوها تحتوى الجميع ، ومن رحمها خرج كل رجال ونساء العالم
. . . تلك هى المرأة عنده .
أما هى . .
فكانت صنفاً من النساء ، لها ذكاء فطرى حاد ، ودهاء أنثوى تلقائى ، أجمل خصالها
العناد والتمرد ، العناد فى مواجهة كل شئ ، والتمرد على كل مألوف فى الحياة . .
هكذا كانت حقيقتها التى لم يكن يدركها ، حين غابت عنه فى المرة الأولى ، وإبتعدت
دون أن يدرى عنها شيئاً ، ودون أن تدرك ما يحدثه غيابها فيه من أثر ، كان معها
عذرها فى المرة الأولى ، فلم تكن تدرى أنه عاش أيام غيابها بكل جوارحه ، عا ش القلق عليها والخوف من أجلها
، عانى من الشوق إليها واللهفة ، قضى النهار ليلاً والليل نهاراً ، بعيداً عنها إنعدم
لديه الإحساس بالزمن ، مرت الثوانى عليه وكأنها ساعات ، بدا له اليوم وكأنه عام ،
ترقب إشراقة شمسها عشرات المرات . . إنتظرها طويلاً طويلاً حتى أطلت عليه بوجهها
البرئ بعد عدة أيام ، نسى ما كان فيه من الهم والغم ، ومن التشتت والتفتت ، لملم
أجزاءه التى تبعثرت فى كل الأرجاء بحثاً عنها ، وحمد الله على سلامتها ، عاتبها
على الغياب ولم يكن يملك أكثر من العتاب ، لقد صارت جزءاً منه ولا يملك لها عقاباً
، كل كلمة تخرج من شفتيه تؤلمها سوف تؤلمه ، حتى نظرات عينيه إليها ما إستطاع أن
يبدلها إلا بنظرات عتاب .
أخبرها بما
كان من أمر غيابها ، أخبرها بأنها أصبحت أهم ما فى حياته ، صارت توأم عقله وفكره ،
وعنده عقل الرجل وفكره هما أقصر الطرق لمن يريد الإقتراب منه ، أخبرها أنها ما
عادت كما كانت بالأمس القريب ، لا يأبه لها ولا يهتم لأمرها ، بل تبدل الحال وتغير
ما كان ، أخبرها أنه ما عاد يقدر على غيابها وإبتعادها بعيداً عنه ، وأن كل شئ غاب
معها ساعة أن غابت ، حتى الشمس غابت معها ولم تعد تشرق ، أخبرها بأنها صارت
بالنسبة إليه هى السلوى التى تُذهِب عنه الهم والحَزَن ،وهى النجوى فى جوف الليل ،
وهى الغنوة فى ساعة السمر ، وهى الأنشودة وقت اللهو والمرح . . أخبرها بكل شئ ،
ولم يدع شيئاً بداخله لم يخبرها عنه ، كان يأمل أن تعى كم هى عنده غالية فلا
تفعلها ثانية ، أراد أن يزيل الغموض عن حقيقة مشاعره تجاهها ، وواقع منزلتها فى
صدره وقلبه . . هدأت نفسه وإرتاح باله حين أخبرها ، رجاها ألا تغيب عنه مرة أخرى ،
وألا تدعه يعانى لوعة فراقها وألم إبتعادها عنه ، رجاها ألا تفعل كل هذا به . .
وعدته ألا تفعل ثانية ما فعلته ، وألا تغيب عنه كما غابت ، وألا تأخذ الدنيا
بأسرها معها كما أخذت ، وألا تتركه وحيداً كما تركته من قبل . . صّدق وعودها ، وما
كان بيده سوى أن يصدق ، إنها ملكت عقله وفكره ، إذن فقد ملكت بيدها كل شئ ، وما
عاد بيده شئ .
أيام قليلة
مضت ، ثم عادت للإختفاء مرة أخرى ، غابت عنه ولم تلق له بالاً ، حنثت فى كل وعودها
له ، نسيت ما قالته من قبل . .لا. . هى لم تنس ، بل هو الذى نسى أنها قالت ذات مرة
: أنا عنيدة ومتمردة . . أم أنه تناسى ما
قالته ؟ كى يوهم نفسه بأنها لن تحنث فى وعودها ، وأنها ما عادت تجعله يتألم
لفراقها ، وأنها ما عادت تتركه وحيداً كما تركته من قبل ، وأنها ما عادت تغيب عنه
وتأخذ معها الدنيا بأسرها . . وها هى عادت لتغيب من جديد ، ولم تلتفت قط لوعودها
التى قطعتها على نفسها . . سيطر عليه عنادها وتمردها . . وتركته يعانى من هذا العناد وذاك التمرد . .
فيا لها من فتاة عنيدة ومتمردة ! ! ! وإلى مقال آخر إن شاء الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق