الأربعاء، 3 أكتوبر 2012

عاشت لهما ومن أجلهما . . . فوجب لها الشكر .


عاشت لهما ومن أجلهما . . . فوجب لها الشكر .
-------------------------------------------
بالأمس طالعت مقالاً رائعاً للكا تبة المتميزة أمل الحياة بعنوان" صلابة النساء " ، تحدثت فيه عن صلابة المرأة وقوة عزيمتها عند الشدائد والأزمات ، وضربت لنا مثلاً بالخنساء التى فقدت أولادها الأربعة فى الجهاد ، وبالسيدة حفصة زوجة النبى محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن فرط إعجابى بما كتبت عزيزتنا أمل الحياة قمت بالتعليق على مقالها الرائع ، ولكنه كان تعليقاً موجزاً ، وإستأذنتها أن أكمل ما بدأته ، وأن أكتب مقالاً أعطى فيه كثيراً من النساء حقهن من المآثر ، كما سبق وأن ذممت بعضهن فى مقال لى بعنوان " المرأة الحمقاء . . أسوأ أنواع النساء " ، وأردت أن أقص فى مقالى هذا قصة إمرأة من النساء ، عايشت أحداثها ووقائعها بنفسى وشاهدتها رؤى العين ، وهى إمرأة تعد – بلا شك – نموذجاً فريداً لنساء كثيرات ، أقل ما يستحققن منا هو الشكر.

لقد عرفتها زوجة وأم توفى عنها زوجها ورحل فى منتصف الستينات من القرن الماضى ، وترك معها من الصغار ولدين ، أحدهما سبع سنوات والآخر خمس سنوات ، ولم يترك لهم إلا معاشاً ضئيلاً من جهة عمله تتقاضاه كل شهر وشقة بالإيجار ، وكانت ربة منزل لاتعمل ، وكان معها مبلغاً صغيراً من المال ورثته عن أبيها ، وبعد أن دق الموت بابها وأخذ منها الزوج وترك لها الصغيرين ، شعرت فجأة أن عبئاً ثقيلاً قد أ لقى على ظهرها دفعة واحدة ، والطريق لا يزال أمامها طويلاً طويلاً ، فالأولاد صغار والإمكانيات ضعيفة والحياة شاقة وهى لم تخرج من بيتها للعمل من قبل ، وحتى لو خرجت للعمل فمن سوف يرعى الصغيرين ، وبعد تفكير طويل كان قرارها الصعب ألا تتركهما وحدهما وتخرج للعمل .

ومن هذه اللحظة بدأت مرحلة جديدة فى مشوار حياتها ، ولكنها كانت المرحلة الأشق والأصعب ، وكعادة الأم حرمت نفسها من كل شئ فى الحياة حتى الضرورى من الأشياء ، فى سبيل أن توفر لصغيريها الضروريات جداً من المسكن والمأكل والملبس والتعليم وكفى ، ولم يكن بيدها أو إستطاعتها أن تفعل أكثر من ذلك ، بل أن ما بيدها لم يكن يكفى حتى تلك الأمور الأربعة ، ولكنها صارت هدفها وحلم حياتها ليل نهار ، كيف تأويهم ؟ وكيف تطعمهم ؟ وكيف تستر أجسادهم ؟ وكيف تحسن تربيتهم وتعليمهم ؟ ، صحيح أن تكاليف المعيشة آنذاك كانت قليلة ،ولكن الإمكانيات والقدرات كانت أقل وأضعف .
وظلت الأم الحنون صامدة فى مواجهة الزمن ، واقفة على قدميها ، قوية صلبة عنيدة ، تكافح وتناضل وتكابد مصاعب الحياة التى لم تهزمها قط ، وكانت تزداد قوة وصلابة كلما إشتد عليها الزمن وتكالبت عليها الشدائد والهموم والأزمات ، كانت لها قوة ألف رجل ، لم تنحنى أبداً ولم تركع ولم تنكسر ، لم تعرف اليأس ولا القنوط ولم تنكفئ يوماً ، كنت أتعجب من قوتها وصلابتها ، ومن حكمتها وقوة عقلها ، ومن صبرها وقوة تحملها ، كانت إستثناءً من النساء لا يُقاس عليه .

مرت السُنون تلو السُنون ، وترعرع الصغيران وتدرجا فى مراحل التعليم المختلفة حتى نال كل منهما الشهادة الجامعية ، وبدأ كلاهما يشق طريقه فى الحياة . .  ولكن الأم كبرت ومضى بها قطار العمر دون أن تدرى وقاربت السبعين عاماً ، وتسلل المرض والضعف والوهن إلى جسدها الذى عانى الكثير والكثير ، فاعتل القلب وتوقف نصفه عن النبض وضخ الدماء ، وتألمت العظام وما عادت تقوى على الوقوف وهى التى وقفت طويلاً فى وجه الزمن ، وضعف البصر وإرتفع ضغط الدم ، وتسربت إليها أمراض الشيخوخة  وما عادت تقوى على فعل شئ ، أى شئ ، أخيراً تمكن منها الزمن وهزمها ، ولزمت الفراش طيلة خمسة عشر عاماً ، حتى فاجأتها جلطة فى الدماغ أنستها كل شئ إلا ولديها ، ظلت تذكرهما حتى ماتت ، وكيف لا تذكرهما وقد أضاعت من أجلهما سنوات العمر، بخلت على نفسها بكل شئ ولم تبخل عليهما بأى شئ تقدرعليه ، أعطتهما كل ما تملك من الحب والعطف والحنان والعمر والصحة والمال القليل ، ولم تدخر لها شيئاً ، لم تعش يوماً من أجل ذاتها ، بل عاشت لهما ومن أجلهما فوجب لها الشكر . . .        وإلى مقال آخر إن شاء الله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق