عندما
تستجيب السماء لدعاء المُحبين ! !
--------------------------------------
كانا على
موعد ولقاء ، إنه مساء الجمعة من كل أسبوع ، حيث يلتقيان ليقص كل منهما على الآخر
ما جرى له وما حدث طوال السبعة أيام الماضية ، يجلسان ثلاث ساعات ليتبادلان أطراف
الحديث ، تلتقى العيون فتتبادل نظرات الحب والإشتياق ، وتتلامس الأيدى فيشعران
بالطمأنينة والأمان ، تنطق الشفاه بالكلمات الحلوة والمعانى الجميلة ، وتختزن
الصدور والقلوب زاداً من الود والعطف والحنان ، لسبعة أيام قادمة ، لن يرى خلالها
كل منهما الآخر ، فقد كانا من بلدتين متجاورتين ، وتعارفا فى عُرس زفاف لأحد
أقاربها ، ربط بينهما الحب ، وتعاهدا على الوفاء والإخلاص ، وتواعدا على اللقاء
مساء الجمعة من كل أسبوع ، فى بلدة أخرى
مجاورة ، كى يظل حبهما سراً بينهما ، حتى يشاء الله أن يجمعهما فى حياة واحدة .
وكعادته
دائماً ، كان يعد الأيام السبعة عداً ، من بعد وداعهما الأخير ، حتى يحين يوم
اللقاء ، فيتعجل الساعات لتمضى سريعاً ، وهى تعانده ، كأنها عزولاً حسوداً بينهما
، وقبل الموعد بساعة كاملة يكون فى حديقة المنتزه ، حيث مكان اللقاء ، ويظل ينظر
فى ساعته عشرات المرات ، كأنما يريد أن يقفز فوق الزمن ، ويختصر الأوقات ، تلك هى
طقوسه قبل كل لقاء . . عجباً لهذا الزمن ، أنه يمر سريعاً فى الأوقات الحلوة
السعيدة ، ويمر بطيئاً حين نتعجله عند الإنتظار .
أخيراً
إنقضت الساعة كاملة ، مرت عليه كأنها ساعات ، المهم أنها إنقضت ، هكذا حدث نفسه ،
وبدأت الدقائق تمر ثقيلة ثقيلة ، وهو جالس فى مكانه يزداد قلقاً وحيرة ، ماذا حدث
لها وماذا جرى ؟ إنها لم تتأخر قط عن موعدنا ، هذه هى المرة الأولى التى أنتظرها
ولم تجئ ! تُرى هل حدث لها شئ ؟ هل أصابها مكروه ؟ هل تعطل بها القطار ؟ كلما مرت
الدقائق ، كلما إزدادت حيرته وتضاعف قلقه ، تسلل الشيطان إلى رأسه ، وأمسك بيده ،
وبدأ يجوب به كل بقاع الدنيا ، ويثير فى ذهنه كل التساؤلات . . إنقضت ثلاثون دقيقة
كاملة ولم تحضر ، بدأت أعصابه تتوتر، إمتدت يده لتمسك بهاتفه الجوال ليتصل بها ،
خفق قلبه بشدة ، تُرى ما الخبر الذى سوف يأ تينى منها أو عنها عبر الهاتف ؟ تمالك
نفسه ، وإستحضر رقم هاتفها الجوال وطلب الإتصال ، جرس هاتفها يرن ولا أحد يرد ،
عاود الإتصال ثانية وثالثة ورابعة ، ولا أحد يرد ، أصابه التوتر أكثر وأكثر ، إتصل
مرة خامسة ، أخيراً سمع صوت يتحدث كأنه من بعيد ، كان صوتاً ضعيفاً جداً ، ولكنه
إستطاع أن يتبينه بقلبه ، إنه صوتها ! سألها : ما بك ؟ قالت أنها مريضة ، وأنها ما
إستطاعت أن تأتى للقائه لهذا السبب ، أخبرته بأنها أصيبت بالأمس بنزلة برد شديدة
أعجزتها عن الخروج ، وأبدت له أسفها لأنها لم تتمكن من الإتصال به قبل موعدهما
لشدة المرض ، تمالك نفسه وتمنى لها الشفاء العاجل و السلامة ، وأخبرها أنه سيكون
فى إنتظارها الجمعة القادمة .
أغلق
الهاتف ، وإنتابته حالة من الحزن الشديد ، حزنه صار حزنين ، حزن لمرضها ، وحزن
لعدم مجيئها ، لقد كان لقاؤهما أهم شئ فى الوجود بالنسبة له ، كان يشعر وهى معه
بأنه يمتلك الدنيا بأسرها ، وهو معها لم يكن يدرى بالعالم من حوله ، لم يكن يرى
سوى وجهها ، ولا يسمع سوى صوتها ، ولا ينظر إلا فى عينيها ، عيناها ذات اللون الأزرق
كانتا بالنسبة له هى سماؤه الزرقاء الصافية التى يحلق فيها بجناحيه ، مثل طائر حر
طليق ، و بسرعة تنقضى ساعات اللقاء ، ويحين موعد الرحيل ، ويشعر وكأنه ما جالسها
إلا دقائق معدودة .
ولكنها
اليوم لم تأت ، ولم تجلس معه ، ولم ينظر فى عينيها ، ولم يحادثها ، ولم يسمع صوتها
العذب الجميل ، ولم يملأ صدره سوى الحزن والألم . . منعها المرض اللعين أن تأتى
إليه ، حرمه منها وحرمها منه ، شعر بالحزن الشديد لمرضها ، حتى أنه تمنى من الله
أن يمرض هو وتُشفى هى ، طلبها من ربه حباً فيها وشفقة عليها ، وتمناها لنفسه ، فهو
رجل ويتحمل أكثر منها ، وفى يقينه أنه ما كان ليستسلم للمرض قط ، لو كان بدلاً
منها ، كان سيأتى إليها مهما إشتد عليه التعب ، وكان سيأخذ منها المدد والقوة حين
يراها ، فقد كان يؤمن بأن قوة الإنسان تكمن فى روحه وليس جسده ، قوته الروحية تهزم
كل جبار حتى المرض ، فالمريض يستقبله الطبيب مبتسماً متفائلاً ، يطمئنه ويعده
بسرعة الشفاء ، فيخرج المريض من عند الطبيب متعافياً يمشى على قدميه ، وقد غادره
المرض ، فكيف بها هى ، إن كان هو المريض وكانت هى طبيبته ؟
ولكن ماذا
يفعل الآن ؟ لقد أبى أن يغادر المكان ، وظل جالساً يحدث نفسه وتحدثه ، ويداعبه
خياله ، لو أنها قد حضرت ما كان هذا حاله قط . . مرت الساعات ، وإنفض الناس من
حوله وهو جالس وحده ، نظر إلى ساعته وجد أن موعد القطار قد حان ، إنه آخر قطار يمر
على بلدته الليلة ، بعده لن يجد قطاراً آخر يقله ، نهض واقفاً وبدأ يسير بخطوات
بطيئة ، شعر فجأة أن قدميه لا تقويان على حمله ، أحس بالقشعريرة تسرى فى بدنه ،
تحامل على نفسه حتى وصل إلى محطة القطار ، لحق بالقطار قبل أن يتحرك ، وإنطلق به
القطار إلى بلدته ، ولدى نزوله من القطار ، شاهده أحد أصدقائه وملامح التعب تبدو
عليه ، فأوصله إلى البيت .
وفجأة
إرتفعت درجة حرارة جسمه إرتفاعاً شديداً ، وبدأت تظهر عليه علامات المرض ، أصابته
نزلة برد شديدة ، إضطر ته إلى ملازمة الفراش ، وقضى ليلته يتألم من شدة المرض ، ولم
يذق طعم النوم . . وفى الصباح رن جرس هاتفه الجوال ، تحامل على نفسه وأمسك بالهاتف
، لقد كانت هى التى تتصل ، سألها عن حالها ، فأجابته أنها بخير ، وأنها قد شُفيت
عقب مكالمته لها بالأمس بوقت قصير ، وأنها تحدثه الآن من مقر عملها ، فقد ذهبت إلى
العمل ، حمد الله على سلامتها ولم يخبرها بمرضه ، وأغلق الهاتف ووضعه إلى جواره .
. .
وعندئذ . .
تذكر على الفور أنه حين كان جالساً فى الحديقة بعد أن علم بمرضها ، دعا الله أن يشفيها وأن ينتقل المرض منها
إليه . . . فإبتسم وهو طريح الفراش ، يتوجع من الألم ، وهز رأسه قليلاً وهو يتعجب
ويقول : أبهذه السرعة تستجيب السماء لدعاء المحبين ؟
وأخذ يردد
بصوت ضعيف وكأنه يخاطبها . . . سَلِمتِ أيتها الغالية من كل سوء ، وسَلِمَ لأجلك
كل البشر ! !
وإلى مقال آخر إن شاء الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق