ذهب عبد
الناصر والسادات ومبارك . . وبقيت مصر .
--------------------------------------------------
ما زلت
أتذكر الأجواء التى عاشتها مصر – وطننا الحبيب – فى أعقاب إغتيال الزعيم الراحل
أنور السادات ، فى يوم نصره وعُرسه وبين جنوده وجيشه ، على يد المتأسلمين المتشددين
، وأتذكر كيف أن تلك الحادثة أصابت الشعب المصرى كله بالصدمة المفاجئة ، وهو الشعب
الطيب الذى لم يعتد رؤية مشاهد الإغتيالات السياسية على هذا النحو الدرامى
والمسرحى المفجع ، عاش الشعب المصرى تلك الحادثة وكأنه يشاهد فيلماً أسوداً ذو
مشهد واحد ، هو مشهد النهاية لنضال زعيم عاش لمصر ومات من أجلها ، قاد حرب تحرير
الأرض بشجاعة وجسارة ، وإقتحم معترك السلام بمكر ودهاء ، كما أتذكر كيف صمت الجميع
آنذاك من هول الصدمة والخوف من المجهول . . وفجأة وقبل أن يوارى السادات التراب ،
إنطلق صوت وحيد هو صوت المطربة المصرية الأصيلة الفنانة العظيمة – صوت مصر –
لتواسى شعب مصر فى فجيعته ، وتمنحه الأمل فى غد أفضل ، فجاءت أغنيها الوطنية
" مصر نعمة ربنا " التى لم يسمعها كل الشباب والفتيات تحت الثلاثين
عاماً منذ ذلك الحين ، بكلماتها الجميلة " مصر نعمة ربنا ، مصر جنة حبنا ،
مصر عاشت قبلنا ، ومصر باقية بعدنا ، مصر باقية بعدنا " وكأنها تصرخ فينا
وتقول :أفيقوا يا شعب مصر من صدمتكم ، إخلعوا عنكم رداء الحزن والأسى ، لقد ذهب
عنكم السادات ورحل ، كما ذهب كثيرون من قبله ورحلوا ، ولكن مصر عاشت قبل الجميع
وباقية بعد الجميع .
ومن قبل
السادات . . ما زلت أتذكر كيف كانت الفجيعة الكبرى ، التى حلت بكل طوائف الشعب
المصرى ، عندما خرج عليهم صوت أنور السادات – نائب رئيس الجمهورية - لينعى إليهم خبر رحيل زعيمهم وزعيم الأمة
العربية بأسرها جمال عبد الناصر، ومن هو جمال عبد الناصر فى قلوب وعقول المصريين ؟
إنه الرجل من أعز الرجال ، ومن أغلى الرجال ، ومن أشجع الرجال ، ومن أخلص الرجال ،
ومن أطهر وأنزه الرجال . . إنه الرجل الذى حلم للمصريين وحلموا معه ، فإنطلق بهم
إلى الأمام وإنطلقوا برفقته ، أحس بالفقراء من بنى وطنه وشعر بمعاناتهم ، وحاول
قدر إستطاعته تخفيف آلامهم ، لم يكن يطيق أو يتحمل أن يعانى أو يتألم الناس ، حتى
فى أقسى لحظات الهزيمة والإنكسار ، فى أعقاب نكسة يونيه 1967 ، وكان الجيش المصرى
فى أمس الحاجة إلى المال والسلاح لإعادة البناء . . قرر الزعيم والقائد جمال عبد
الناصر فجأة أن يقتطع من ميزانية السلاح مبلغاً من المال لشراء ياميش رمضان
للمصريين ، كى يرفع معنوياتهم ويخفف من آلامهم وأحزانهم ، وإعتبر المتخصصون فى علم
الإدارة العامة – بعد ذلك بسنوات – قراره هذا قراراً رشيداً ، رغم الحاجة الشديدة
إلى المال لشراء السلاح وإعداد الجيش للمعركة القادمة . . ولكن . . هذا هو الزعيم
وتلك هى الزعامة ! !
وفجأة مات
عبد الناصر، وشعر المصريون باليتم من بعده ، ذهب عبد الناصر ، وبقيت مصر .
وجاء مبارك
من بعد السادات وعبد الناصر، فحكم مصر ثلاثين عاماً ، إجتهد قدر إستطاعته وأنجز
الكثير، ولكن أخطاءه فى سنوات حكمه الأخيرة كانت أكثر، فخرج عليه ملايين المصريين
فى ثورة 25 يناير وإضطر إلى التنحى عن الحكم فى 11 فبراير 2011 ، وإنتهى عهد مبارك
، وذهب كما ذهب من قبله السادات وعبد الناصر ، وبقيت مصر .
ورغم كل شئ
سوف تظل مصر باقية ، بحضارتها وتاريخها وأبناء شعبها الطيبين المخلصين ، فمصر لم
تُخلق إلا لتعيش ، مصر كبيرة والكبير لا يموت ، قد يمرض ويسقم ولكنه يعود ،
فيتعافى وينهض قوياً كما كان ، مصر أكبر من الجميع وأكبر من كل زعمائها وقادتها ،
وأكبرمن كل ملوكها الفراعنة وسلاطينها الجبابرة ، مصر أكبر من رمسيس الثانى ومن
توت عنخ آمون ، ومن محمد على باشا ، ومن جمال عبد الناصر ، ومن السادات ، ومن حسنى
مبارك ،ومن محمد مرسى ، والدليل على ذلك أنهم ذهبوا جميعاً وسيذهبون وبقيت مصر ،
ماتوا ورحلوا جميعاً وسيرحلون وعاشت مصر . . مصر باقية . . مصر باقية . وإلى مقال آخر إن شاء الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق