الأحد، 14 أكتوبر 2012

غابت . . . وغابت معها الشمس .


غابت . . . . وغابت معها الشمس .
--------------------------------
هناك أناس خلقهم الله تعالى مثلنا ، لهم نفس تكويننا وعقولهم كعقولنا ، يأكلون ويشربون كما نأكل ونشرب ، ويروحون ويجيئون ، ويتكلمون ويصمتون ، ويفرحون ويحزنون ، كل شئ فيهم كما فينا تماماً ، تبصرهم العيون فلا تميز فيهم الإختلاف عن باقى البشر ، نقابلهم كل يوم ويقابلوننا ، نحدثهم ويحدثوننا ، لا نشعر أن فيهم ما يختلف عنا ، مهما أمضوا بيننا من الأيام والشهور والسنين ، عاديون طبيعيون بسطاء ، نحسبهم دائماً مثلنا وما هم مثلنا ، إنهم مختلفون عنا فى شئ لا تدركه حواسنا ، ما داموا بيننا ومن حولنا . . ولكنهم فى الحقيقة يختلفون عنا كل الإختلاف ، بيننا وبينهم فرق شاسع وكبير ، هم ليسوا مثلنا ولسنا مثلهم ، إنهم أناس إذا حضروا حضر معهم كل شئ ، وإذا غابوا عنا غاب معهم كل شئ .
عرفها منذ أسابيع قليلة . . لم يلتق بها ولم تبصرها عيناه ولم تسمع صوتها أذناه ، عرفها من خلال إحدى المواقع الألكترونية ، قرأ لها مقالاً فى شأن من شئون السياسة ، فهو يهوى القراءة فى كل شئ وعن أى شئ ، منذ سنوات طويلة ، وحين شعر أن لديه فكراً ورأياً فى كل ما حوله ، أمسك بقلمه كى يُخرج ما بداخله ، بدأ الكتابة فكانت من أوائل قرائه ، قرأت له وقرأ لها ، كتبت تعليقاً ورأياً فى مقال له ، فبادلها الرأى والتعليق ، وجد فيها ضالته ، حيث يهوى مناظرة الفكر بالفكر والرأى بالرأى والحجة بالحجة ، وله باع وذراع ومشوار طويل فى الحواروالنقاش  ،حماستها جذبت إنتباهه ، وتمسكها برأيها وإصرارها نال إعجابه ، بداخلها قضية تدافع عنها – بصرف النظر عن صحتها – ولكنها صاحبة قضية ومبدأ ، لا ترضى أن تحيد عنه أبداً ، أحس أن لها روح المحاربين ، وشجاعة المقاتلين ، وعقيدة المجاهدين ، وشعر أن بداخلها جذوة من نار ، كلما حاول أن يصب عليها من ماء قلمه ليطفأها لم يفلح ، وعادت للإشتعال مرة ثانية وثالثة ورابعة ، رأى فيها ذلك النوع من النساء،اللاتى توقف عندهن التاريخ ليسجل لهن مواقفهن الصامدة الواقفة المتحدية الصلبة والعنيدة . .
كل ذلك إستطاع أن يستنبطه من سطورها وكلماتها وحروفها ، حتى العلامات والفواصل كانت تنطق بما يسبقها وما يليها ، غا ص كثيراً فى أعماق مقالاتها ، ليقرأ مابين السطور وخلف الكلمات ، وما فوق وتحت الحروف ، فهو كعادته يعشق التحليل فى الصغير والكبير ، ولا يكتفى بما تنطق به الحروف والكلمات ، فليس معنياً بما تقوله الحروف وتنطق به الكلمات ، ولكنه معنى أكثر بما لم تقله الحروف ولم تنطق به الكلمات ، ففى علم الكلام ، الكلمات والحروف ليست مجرد علامات ونقوش ، وإنما تخفى وراءها سراً لم تنطق به فى العلن ، كل كلمة وكل حرف وكل علامة وكل فاصلة ، تبوح بالسر لمن يعطيها وجدانه وجوارحه ، لا لمن يعطيها أذنيه ، تبوح بسر من أمسك بالقلم ونقش الحرف ثم الكلمة ، ووضع العلامة والفاصلة ، وخط السطر بعد السطر ، وصاغ الفقرة تلو الفقرة ، ليشيد مقالاً يصير عنواناً لشخص كاتبه ، يبوح بسره وملامح كنهه ، ومنبع أفكاره وثقافته ، ومكنونات صدره ، وكل أوصافه وسماته .

هكذا عرفها على حقيقتها ومن داخلها ، فى أسابيع قليلة ، من خلال كلماتها وحروفها ، أصبح يطارد ما تكتبه ليقرأ ويقرأ ويقرأ ، ثم يبدأ النقاش والحوار معها ، الفكرة بالفكرة والرأى بالرأى . . وبين يوم وليلة ، أمسى شغوفاً بأفكارها وآرائها ، متلهفاً لقراءة مقالاتها وإبداء رأيه فيها ، متمنياً أن تقرأ هى ما يكتبه وتبدى الرأى فيه . . لقد صار رأيها أهم وأحب الآراء إلى نفسه .
وفجأة . . وبلا أية مقدمات ، حل يوم ما كتبت فيه شيئاً ، ظل يبحث فى صفحة مقالاتها لعله يجد شيئاً فلم يجد ، أحزنه كثيراً أنها لم تكتب وأنه لم يقرأ لها ، وإنقضى اليوم وتلاه يوم آخر ، ما كتبت فيه شيئاً ، وظل يبحث فلم يجد ما يريد ، وإنقضى الثانى وجاء الثالث ، وما كتبت فيه شيئاً . . فى حينها شعر أن شيئاً ما قد راح منه ، أحس أن عقله على وشك أن يفقد نظيره ، وأن فكره على وشك أن يعود سجيناً ، وأنه هو على وشك أن يصير وحيداً . . . حينئذ أيقن أنها من ذلك النوع  الذى إذا حضرت حضر معها كل شئ ، وإذا غابت غاب معها كل شئ ، حتى الشمس غابت معها ولم تعد تشرق ! ! !                            وإلى مقال آخر إن شاء الله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق