الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

و جاءت . . . . . . لتقول وداعاً ! !


وجاءت . . . . . . لتقول وداعاً  ! !
--------------------------------

جلس حسام إلى مكتبه فى قسم الأرشيف ، بمديرية التربية والتعليم بالمنصورة . . إنه صباح أول يوم عمل بعد أجازة عيد الفطر ، وكعادة الموظف المصرى يعود إلى عمله بعد الأجازة متراخياً ، لا يبتغى أداء أى عمل . . ظل حسام يتنقل بين المكاتب المختلفة ، إلى أن إنقضت ساعة كاملة من وصوله ، ثم جلس إلى مكتبه ليرى ما لديه من أعمال متراكمة من قبل أجازة العيد ، وبدأ يقلب فى أوراقه المبعثرة على المكتب أمامه . . وبعد مرور حوالى نصف ساعة ، رن فجأة ها تفه المحمول  ، فإلتقطه بسرعة ليرى من المتصل ، ووجدها فرصة لإضاعة بعض الوقت بالحديث فى الهاتف  ، نظرإلى الهاتف فوجد إسمها على الشاشة ، إنها فداء التى تتصل به ، أخذته الدهشة وتساءل : لماذا تتصل بى فجأة هكذا فى العمل ؟ إن موعد لقائنا مساء اليوم ، ربما تتصل لتعتذر ؟ أفا ق سريعاً ورد على الهاتف : صباح الخير يا فداء ، ردت : صباح الخير ، بادرها بالسؤال : خيراً ماذا حدث ؟ فأجابته :أنا أتصل بك كى أؤكد موعد لقائنا فى السادسة مساء اليوم ، فرد حسام مؤكداً : نعم نعم أنا أتذكره وفى إشتياق لرؤياكِ . . لم يكمل حسام كلماته وسمع صوت فداء تنهى المكالمة بقولها : لا تنسى لا تنسى . .

أغلق حسام هاتفه ووضعه على المكتب ، وشعر بإحساس غريب ينتابه ، وبدأ يتساءل : تُرى ما الذى دفعها للإتصال مبكراً هكذا كى تؤكد موعد لقائنا اليوم ؟ إنها لم تفعلها  قط ، إن صوتها به شئ غريب لم أعهده من قبل ، ولستُ أدرى ما بها ، تُرى هل دفعها الشوق لأن تتصل بى ؟ مضت خمسة أيام متتالية منذ آخر لقاء بيننا قبل أجازة العيد ، ولكن صوتها لا يوحى بذلك ، لقد أنهت المكالمة بسرعة حتى قبل أن أنهى كلماتى . . تساؤلات وتساؤلات أخذت تحوم حول رأسه ، ولا يجد لها جواباً ، أطلق حسام لخياله الحبل على غاربه ،وكأنها فرصة واتته كى يتهرب من الملفات المتراكمة على مكتبه ، ساعده على ذلك الهدوء فى صالة الأرشيف ، فكل زملائه فى القسم لم يحضر منهم أحد اليوم ، كان هو الوحيد الذى حضر ، فهو الوحيد بين زملائه غير المتزوج ، وليس لديه ما يشغله عن العمل ، بلغ من العمر ثلاثة وثلاثون عاماً ، وما زال يحاول الصمود فى الحياة ، والوقوف على قدميه ، ليستطيع الزواج من الإنسانة الوحيدة التى أحبها ، إنها فداء التى حادثته عبر الهاتف منذ قليل . .

إلتقى بها منذ عامين ، جاءت إلى مديرية التربية والتعليم بالمنصورة ، كى تنهى إجراءات صرف معاش والدها الذى توفى آنذاك ، رافقها وعاونها فى تسليم المستندات المطلوبة ، ووعدها بمتابعة الإجراءات بدلاً منها ، فشكرته على مساعد ته ، وأعطته رقم هاتفها المحمول ليتواصل معها . . ومنذ هذه اللحظة بدأت إتصالتهما ، وتبادلا الحديث عدة مرات ، إلى أن أباح لها بمكنونات صدره ، وكشفت له عن أعجابها الشديد به ، وبمواقفه التى تتسم بالرجولة والشهامة تجاهها ، تبادلا الكلمات الرقيقة ، وتعددت اللقاءات ، وتعاهدا على الزواج بعد أن أوضح لها حسام كل ظروفه ، فلم تبدى إعتراضأ ، ووعدته بأن تنتظره سنوات حتى يتهيأ للزواج . . فرح حسام بفداء وفرحت به ، مال إليها ومالت إليه ، أحبها وأحبته ، وكان حبهما يزداد كلما مرت الأيام ، كل منهما صار يعرف ما بداخل الآخر من نظرات عينيه . آخر مرة إلتقى بها كانت قبل أجازة العيد ، تبادلا التهانى والهدايا ،خرجت الكلمات من شفاههما مغلفة بالحب والغرام ، ودعها قبل العيد بكلمة لا إله إلا الله ، وودعته هى بمحمد رسول الله ، بعد أن إتفقا على اللقاء بعد إنتهاء العيد . . واليوم إتصلت به فجأة ، على غير عادتها ، وصوتها يُنبئ بأن شيئاً ما وراء هذه المكالمة .

إنتهى حسام من عمله ، وذهب إلى البيت ، ظل القلق ينتابه حتى حان وقت الخروج لملاقاتها ، ذهب قبل الموعد المحدد بنصف ساعة ، فهو لم يعتاد أن يجعلها تنتظره وحدها ، كان حريصاً جداً على مراعاة مشاعرها . .  وفى تمام الساعة السادسة حضرت فداء ، كان لقاؤهما دائماً فى أحد الأماكن العامة على شاطئ البحر بمدينة المنصورة ، وسط الأضواء المنعكسة على صفحة مياه البحر ، حضرت فداء وقام لها حسام يستقبلها ويُهيئ لها مقعدها حتى جلست ، نظر لوجهها فوجد ملامح لم يشهدها من قبل ، ألقت عليه السلام دون أن تذكرإسمه ، لم تبتسم له ولم تبدى لهفة أو إشتياقاً ، أحس بها جامدة وباردة لأول مرة ، نظر إليها حسام نظرة حانية ، يحاول أن يستكشف ما ألم بحبيبته . . أشاحت بوجهها عنه نحو صفحة الماء ، وطال الصمت بينهما حتى بادرها هو بالسؤال :
سألها : ما بكِ يا فداء ؟ ماذا حدث ؟
قالت : لا شئ بى . . عادى !
قال : لا . . هناك أمر غير عادى ، إتصلتِ بى على غير عادتك صباح اليوم ، كى تؤكدى على موعد لقائنا ، وأنتِ تعلمين تماماً أننى لا أنساه أبداً ، وأحسست من نبرات صوتك بشئ غير عادى .                                                                                      قالت ( وهى تستجمع قواها ) : لقد جاءنى عريس خلال أيام العيد .
قال حسام متسائلاً : وما الجديد فى ذلك ؟ لقد سبقه آخرون غيره وكنتِ ترفضين ، ماذا حدث ؟
قالت : لا هناك جديد . . هذا العريس مختلف عمن سبقوه ، إنه جاهز ، معه كل شئ ولديه كل شئ ، أما الآخرون فلم يكونوا جاهزين .
بادرها حسام بالسؤال : وهل كنتِ ترفضينهم لأنهم غير جاهزين ؟ أم لأنكِ تحبيننى ؟
سكتت فداء ولم ترد ، عدم ردها أحزنه وآلمه كثيراً ، إلا أنه أراد ألا يقطع الحديث بينهما ،
فسألها : ومن هو ؟
قالت : إنه شقيق إحدى صديقاتى ، يعمل طبيباً فى دولة الإمارات العربية منذ عشر سنوات ، وهو حالياً فى أجازة ، وتقدم للزواج منى أثناء العيد ، ويرغب فى إتمام الزواج فى خلال شهر ليعود إلى الإمارات ، وأهلى جميعاً راضون عنه ، وأنا . . . . . . . .  وسكتت ولم تكمل ! !
قال حسام : إذن . . هو جاهز فعلاً  .
قالت  : نعم . . لديه شقة فاخرة هناك ، ولديه سيارة حديثة ، ويتقاضى راتباً كبيراً .
قال حسام : وأنا يا فداء ؟
قالت على الفور : وأنا  ؟
صدمته سرعة إجابتها ، ونبرة صوتها ، وهى تنطق بكلمة أنا ، أحس فيها بالشعور بالأنانية ، ولكنه تمالك نفسه وأكمل الحديث . .
قال : إنها أول مرة أسمعك تنطقين بهذه الكلمة يا فداء .
قالت ( وهى ترجع بظهرها إلى الوراء ) : أنت أنت ، وأنا أنا ، إننا شخصان مختلفان ، لكل منا مصالحه ، و لكل منا شخصيته ، وهذه حقيقة لا بد أن تدركها جيداً ، كى تعيش فى هذه الحياة .
قال : لقد تعاهدنا على الزواج ، و وعد تنى أن تنتظرى معى حتى أستعد وأتقدم للزواج منكِ .
قالت : إنتظرتك عامين ، ولكنك تحتاج إلى وقت أطول ، وأنا لن أستطيع الإنتظار أكثرمن ذلك .
قال متهكما : الواضح أنكِ لم تنتظرينى ، إنكِ كنت تنتظرى العريس المناسب ، وها هو قد حضر
قالت معترضة : من حقى ألا أظلم نفسى من أجلك .
قال راجياً : وأنا يا فداء ، ألست أحبك ؟ ألست أريدك زوجة لى ؟
ظل حسام يتحد ث ويتحد ث ويتحد ث ، وفداء بدا عليها وكأنها لا تسمعه ، فقد صَمت آذانها عن حديثه ، ولم تعد تنصت إليه . . نظرت فى ساعتها وقالت : لقد تأخرت ، لا بد أن أعود للبيت . . فتحت حقيبة يدها وأخرجت منها مظروفاً متوسط الحجم ، ووضعته أمام حسام ، فسألها على الفور : ما هذا المظروف ؟ وما الذى بداخله ؟
قالت : إنها خطاباتك التى أرسلتها إلىّ خلال العامين الماضيين ، خذها ، لم أعد فى حاجة إليها !
فقال حسام ( وهو يهز رأسه ) : وخطاباتك التى لدى ، ألستِ تريدينها ؟  ألستِ فى حاجة إليها ؟
قالت ( وهى تبدى عدم إهتمام ) : إن أردت الإحتفاظ بها ليس عندى مانع ، وإذا لم تريدها مزقها أو إحرقها ، أنت حر فيها ، ولكننى لا أريدها كى لا تذكرنى بك !
قال : إنها خطاباتك ، كلماتك ، أشعارك وقصائدك ، أيامك ولياليكِ ، إنها ذكرياتك !
قالت ( وهى تستعد للوقوف ) : لا . . بل هى ذكرياتك أنت ، حياتك أنت ، إفعل بها ما تشاء .
ونهضت واقفة فى ثبات ، وبكل قوة وصلابة وعدم إكتراث  ، قالت له  : وداعاً  . . .  
إنها كلمة واحدة نطق بها لسانها ، ثم إستدارت لتمضى فى طريقها ، ولم تنظر خلفها قط  حتى إختفت عن ناظريه ، وهو جالس فى مكانه لا يتحرك ، تتابعها عيناه ، ولا يكاد يصدق ما حدث ، إنها لم تنتظره حتى يرد لها الوداع ، إنها لم تنطق  بإسمه قط طوال حديثها معه . .
أيقن حسام ساعتها . . أن فداء قد باعت حبهما وقبضت الثمن . . وأنها ما جاءت اليوم لتعبر له عن حبها وإشتياقها إليه بعد فراق عدة أيام . . وأنها ما جاءت لتبقى على العهد والوعد . . وأنها ما جاءت لتؤكد له أنها سوف تكمل معه المشوار . . إنما جاءت لتنهى ما بينهما . . وجاءت لتقول له كلمة واحدة . . . . . . . وداعاً ثم رحلت ! ! 
                                                                         وإلى مقال آخر إن شاء الله .              

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق