حديث
العذراء والحب والقلم ! !
-----------------------------
ذات مساء .
. أمسكت بالقلم ، وقررت أن تكتب إليه ، ما عادت تقدر على الصمت ، وما عاد النوم
يداعب جفونها الجميلة بالليل ، لقد إقتحم حياتها فجأة وبدون أن تدرى ، فى كل مرة
كانت تحكم إغلاق باب قلبها ونوافذه ، ماذا حدث هذه المرة ؟ إنها أول مرة تترك إحدى
النوافذ مفتوحة ولم تغلقها ، أكان متربصاً بها فى إنتظار هذه اللحظة ؟ أم أنها
الصدفة المحضة ؟ أم أنه القضاء القدر ؟ أم أنه . . . ؟ أم أنه . . . ؟ أم أنه . . . ؟ تساؤلات كثيرة تطارد بعضها البعض ، لم يعد عقلها
قادر على أن يجيب عليها جميعها ، الحيرة تتملكها كل يوم وليلة ، كيف سمحت بأن
يتسرب إلى قلبها وعقلها بهذه السرعة ؟ لقد تغير وتبدل كل شئ فى حياتها ، وهى التى
كانت عنيدة وصلبة ومتمردة على كل شئ فى الحياة ! !
هذه المرة
، شخص ما تسلل إلى داخلها ، إخترق صدرها ، ونفذ إلى قلبها ، فوجد قصراً واسعاً
فسيحاً لم يسكنه أحد قط ، كل شئ فيه كان معداً له وحده ، حوائطه ، ستائره ، فرائشه
، تماثيله وصوره وتحفه ، حتى بستان القصر ، إستقبله بالورود والزهور . . إنه
الوافد الجديد للقصر ، لا . . لا . . بل أنه الساكن الوحيد لهذا القصر ، لقد دبت
الحياة لأول مرة فى قصر قلبها ، إمتدت يده
لتفتح كل النوافذ ، ودخل نسيم الحب إلى كل أرجاء القصر ، تجدد هواءه ، وتطايرت
ستائره ، حتى الورود والزهور فى البستان تمايلت وتبخترت ! !
أمسكت
بالقلم وكتبت كل هذا ، طاوعها القلم ولم يعاندها ، وكيف له أن يعاندها وهو قلمها
الذى يحبها ويفرح من أجلها ؟ ما عاندها قط من قبل ، ولن يعاندها هذه المرة بالذات
، أخيراً كتبت به إلى الحبيب ، بعد أن خط لها طويلاً فى أمور كثيرة لا تخصها وحدها
،أمور يكتب فيها كل الناس لعامة الناس ، أما هذه المرة فقد آن الآوان كى تكتب لخاصة
الناس ، إلى الحبيب ، إلى ساكن القصر الوحيد . . . أنهت الرسالة ، وألقت عليها
قطرات من عطرها الجميل ، ووضعتها فى مظروف أنيق ، كتبت عليه إسماً / حبيبى الوحيد
، وخطت عليه عنواناً / إلى ساكن القصر .
وفجأة . .
إنتابها شعور غريب ، إمتدت يدها مرة أخرى إلى قلمها ، وبدأت تناجيه ، ودار بينهما
حديث طويل :
سألت القلم
: ما هذا الذى فعلت أيها القلم ؟
قال القلم
: أنا لم أفعل شيئاً . . أنتِ التى فعلتِ .
قالت : ولم
طاوعتنى ولم تسقط من يدى ؟
قال القلم
: ما كنت لأستطيع أن أفعل ذلك ، وحتى لو إستطعت ما كنت لأريد ، وحتى لو أردت
ما كنت سأستريح ! !
قالت :
لماذا ، وما شأنك أنت بى ؟
قال القلم
: شأنى أن قلمك الوحيد ، أتذكرين ؟ منذ سنين وأنتِ تخطين بى ما تريدين ، خطت لكِ
كل شئ وعن أى شئ ، وكنت أطاوعك ، إلا شئ واحد يخصك أنتِ ما خطته لكِ ، كنت أعد
الأيام عداً فى إنتظار هذه اللحظة التاريخية وهذا اليوم ، وها هى جاءت بعد أن هَرمتُ
، فما كان لى أن أضيعها أبداً ! !
قالت : أى
لحظة تقصد ؟ وأى يوم ؟
قال القلم
: لحظة أن يتسلل الحب إلى قلبك الطيب الجميل ، ويوم أن يسكن هذا القصر إنسان وحيد
قالت :
وماذا أفعل فى كبريائى وعزة نفسى ؟ ألست تقول أنك تعرفنى منذ سنين ؟ إذن أجبنى ،
أين عنادى وغرورى ؟ أين حصونى وقلاعى ؟ أين أسوارى العالية ؟ أين جيشى وحُراسى ؟
أين مقاومتى ودفاعى ؟ أين ذهب كل هؤلاء وتركونى وحيدة أعانى وأتألم هكذا ؟ كيف
سمحوا له أن يحتل قلبى ويسكن قصرى ، ويداعب ورودى وزهورى ، ويلهو و يمرح فى بستانى
؟ أين كانوا؟
قال القلم
: كلهم ذهبوا بعيداً ، بعد أن فتحوا له الأبواب ، لم يعترض أحد طريقه ، فرحوا
جميعهم لمجيئه ، إنتظروه طويلاً مثلما إنتظرته أنا ، تعبوا من طول السنين وحراسة
قصر خاوى لا يسكنه إنسان ، واليوم ما عاد القصر خاوياً ، وما عاد يحتاج إلى حراس . قالت : ألم تر كيف إقتحم حياتى فى لحظات ؟ ألم
تر كيف تسلل إلى قصرى بدون إستئذان ؟ لقد
تغير وتبدل كل شئ فى حياتى . . ولكنك حتى الآن تراوغنى ولم تجب على سؤالى ، ماذا
أفعل بكبريائى وعزة نفسى ؟ ولماذا بوحت بمكنونات صدرى بهذه السرعة ؟ وقبل أن يبوح
هو ! !
قال القلم
: لا . . لقد نسيتِ أنه باح بمكنونات صدره من قبلك عندما قال . . . وقال. . . وقال
. ..
قالت : وما
أدراك أنه كان يقصد أنه يحبنى أنا ؟
قال القلم
: أخبرنى قلمه ، فأنا وقلمه صديقين حميمين ، منذ سنين ، ولا يخفى كلانا عن
الآخرشيئاً
قالت :
تباً لكم من أقلام ، تتركوننا نبوح بأسرارنا أمامكم ، ثم تفضحوننا ؟ بئس الأقلام
أنتم .
قال القلم
: نحن لا نفعل شيئاً ، نحن نكتب ما تملونه علينا بالضبط ، لا نزيد كلمة ولا ننقص
حرفاً
قالت : وما
ذا بعد أيها القلم اللئيم ؟
قال القلم
: لا شئ . . أكملى ما بدأتِ ، إرسلى إليه الرسالة ، إطلقى سراح مشاعرك ، إطلقى لها
العنا ، لا تتركيها حبيسة هكذا داخل أدراج نفسك ، لا تدعيها تئن فى أعماقك ، صوت
أنينها لن يدعكِ تنامين ليلاِ ، ولا تهدأين نهاراً ، لا تكونى قاسية عليه وعلى
نفسك ، فتقتلين حباً وليداً بيديكِ ، ثم تحفرى له قبراً فى باحة قصرك وتدفينه ، لن
تقبله باحة القصر ، ولن تقبله كل بقاع الأرض , وسوف تعيشين بذنبه طول العمر ،
إخبريه ، صارحيه ، إشركيه معك ، ما بداخلك ليس ملكاً لكِ وحدك ، إنه شريك لكِ فيه
، إن الحب حبه ، والقلب قلبه ، والقصر قصره ،ولم يعد ملكك وحدك .
قالت : سوف
أحاول قدر إستطاعتى أن أخرجه من القصر !
قال القلم
: صدقينى . . لن تستطيعى ، لقد سكن القصر ، وتنسم هواه ، نام فى فرائشه ، وصال
وجال فى جنباته ، ولعب ومرح فى بستانه ، إنه الآن يعيش فى الجنة ، ومن منكم أيها
البشر يختار أن يخرج من الجنة ؟ لقد فعلها أبوكم آدم منذ زمن سحيق ، وخرج منها
مُرغماً بقوة العلى القدير ، خالقكم وخالقنا وخالق هذا الكون أجمعين .
قالت : صه
. . كفى . . أنت لم تعد قلمى ، لقد خونتنى مثل حراس قصرى ، أنت تدعوننى إلى الهلاك
، كيف لى أن أطاوعك؟ لا . . لا. . لن أطاوعك ، ولن أطاوع قلبى أبداً .
وقفت فجأة
. . وإمتدت يدها إلى الرسالة ، فأمسكت بها بعد أن ألقت بالقلم ، وجرت بها مسرعة
نحو الباب ، وهى تردد بصوت مسموع : لا . . لن أرسلها إليه ، سوف أمزقها ، لن أبوح
له بما فى داخلى ، لن أسلمه إرادتى ، ولن أدعه يسكن قصرى بعد اليوم ، لن أدعه ، لن
أدعه ! !
فتحت الباب
وإنطلقت مسرعة كى تمزق الرسالة وتلقيها فى صندوق القمامة بجوار البيت ليأخذها جامع القمامة . . ولكنها . . وبدون أن تدرى إتجهت مسرعة نحو
صندوق البريد القريب من البيت عند ناصية الشارع ، وألقت بالرسالة داخل الصنوق وهى
لا تعى ما فعلت ، وإستدارت عائدة إلى بيتها ، وهى تردد : لقد تخلصت منها ، لقد
مزقتها ، لن أمكنه منى أبداً ، لن يستولى علىّ ولن أملكه إرادتى ، ولن أدعه يسكن
قصرى بعد اليوم . . ودخلت إلى غرفتها كى تلملم أوراقها التى تبعثرت ، وقعت عيناها
على القلم ، فوجدته يضحك من أعماقه وهو سعيد مسرور . . فقالت له : ماذا بك أيها
القلم اللعين ؟ لم تضحك هكذا ؟
فقال القلم
: لا شئ . . ماذا فعلتِ بالرسالة ؟
قالت على
الفور : لقد تخلصت منها إلى الأبد ! ولن أدعه يسكن قصرى بعد اليوم ! !
قال القلم
وهو يضحك : وأين ألقيتها ؟
قالت : فى
صندوق القمامة ، ليأخذها جامع القمامة ويحرقها .
قال القلم
وهو يتعجب : وهل صندوق القمامة على ناصية الشارع أم بجوار البيت ؟
هنالك . .
أفا قت لنفسها وعاد إليها وعيها . وتذكرت . أنها ما مزقت الرسالة . وما تخلصت منها . بل وضعتها بيدها فى صندوق البريد . وما صار بمقدورها
أن تمنع وصولها إليه . لقد باحت له بكل شئ . وما عادت تخفى بداخلها شيئاً . .
والأكثر من ذلك . . أنها ما عادت تستطيع أن تخرجه من قصرها بعد اليوم . . وإلى مقال آخر إن شاء الله . ( إهداء إلى كل
فتاة تقاوم الحب ).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق