يا
أنصار مبارك . . . إرفعوا أيديكم عن مبارك .
-----------------------------------------------
قال تعالى
فى كتابه العزيز على لسان سيدنا موسى عليه السلام : " رب إشرح لى صدرى ، ويسر
لى أمرى ، وأحلل عقدة من لسانى يفقهوا قولى ، وإجعل لى وزيراً من أهلى ، هارون أخى
، أشدد به أزرى ، وأشركه فى أمرى ، كى نسبحك كثيراً ونشكرك كثيراً . . . . . إلخ
" صدق الله العظيم . . فلم يكن سيدنا موسى عليه السلام خطيباً مفوهاً و لا
مدافعاً صلباً رغم كونه رسولاً نبياً وكليم الله ، لذا طلب من الله سبحانه وتعالى
أن يستعين بأخيه هارون الذى كان خطيباً ومتحدثاً لبقاً ، كمدافع يدافع عن موسى
عليه السلام بلسان فصيح قادر على إقامة الدليل والحجة والبرهان بالعقل
والمنطق على براءة موسى ، وكوزير يتشاور
معه موسى وقت الحاجة إليه فى أى أمرمن
الأمور .
وقد وددت
فى مستهل مقالى هذا أن أوضح بهذه الآية الكريمة ، أن ليس كل صاحب حق لديه المقدرة
والكفاءة للدفاع عن نفسه ، وإقامة الدليل والحجة على سلامة موقفه بلسان فصيح قادر
على التعبير . . ولقد إسترعى إنتباهى فى هذا الخصوص بعض مقالات كتبها نفر ممن
يسمون أنفسهم " أنصار مبارك ومؤيديه " صاغوها بقصد الدفاع عن الرجل فى
محبسه ، وليتهم ما فعلوا وظلوا صامتين . . لقد أساءوا إلى الرجل أكثر مما أحسنوا
إليه ، وفعلوا كما فعلت الدبة التى قتلت صاحبها بحماقتها من فرط حبها له ،
بطريقتهم الخاطئة وأسلوبهم المتعجرف الذى يستفز ويستعدى المصريين - حتى المتعاطفين
معه - ضد الرجل ، وهو فى أمس الحاجة إلى من يتعاطف معه ، وقول كلمة حق فى جانبه ،
فضلاً عن إفتقارهم إلى الخبرة والحنكة والتعقل والتروى، بالإضافة إلى إنعدام الخطة
الذكية فى الدفاع عنه وتوضيح المواقف بطريقة نابهة تجعلهم يتسللون إلى قلوب
المصريين قبل عقولهم فى بعض الأوقات ، ويخاطبون عقول المصريين قبل قلوبهم فى أوقات
أخرى ، فالمحامى البارع هو من يعرف جيداً متى يخاطب وجدان المحكمة ومتى يخاطب
عقلها ، المهم أن يصل إلى البراءة فى كل الأحوال ، وهذه البراعة يفتقرها أنصار
مبارك ، وأيضاً وجدتهم لا يملكون المهارة فى الأخذ والرد ، ولا حُسن التوقيت فى
إظهار الشدة أواللين ،صاروا كمن يتخبط
تارة هنا وتارة هناك ، وظنوا أن الصراخ قد يحقق لهم الغلبة ، ولكن هيهات هيهات .
يا أنصار
مبارك . . إن مبارك الآن فى محبسه فى أمس الحاجة إلى الصوت الهادئ الرزين المتأنى
الذى يملك القدرة على تمييز الأمور والتعامل معها بحساسية شديدة ، للرجل تاريخ
عسكرى مشرف وناصع لا ينكره أحد ، وكان من أبرز القادة العسكريين فى حرب أكتوبر
المجيدة ، أما على المستوى السياسى ، فقد حكم مبارك مصر ثلاثين عاماً إجتهد خلالها
قدر إستطاعته وإمكانياته ، أصاب فيها كثيراً ، وأخطأ فيها كثيراً ، وليس من الذكاء
والحصافة لمن يدافع عنه أن يبرز إنجازاته فقط دون أخطائه ، فلن يكون آنذاك مقنعاً
لأحد ، ولن يكون قد أحسن الدفاع عن مبارك أمام الشعب والتاريخ .
إن مبارك
كان بشراً وله أخطاؤه ، ولم يكن يحمل أى فكر سياسى أو أيدلوجى قبل توليه حكم مصر ،
وأقر هو بذلك فى العديد من المرات . . وقد شاءت إرادة الله أن يحكم مصر ، ولا يحكم
فى مُلك الله أحد إلا بمراد الله ، فعبر بمصر إلى بر الأمان بهدوئه وإتزانه وحلمه
وصبره ، فى مرحلة من أخطر وأحرج مراحل تاريخها الحد يث ، وإستطاع أن يبحر بسفينة
مصر ثلاثين عاماً وسط أمواج متلاطمة ورياح قوية عاتية فى منطقة ملتهبة وساخنة هى
منطقة الشرق الأوسط .
فيا أنصار مبارك . . الرجل فى محبسه ليس فى حاجة
إلى الصراخ والعويل والصوت العالى المرتفع ، ولا إلى لغة التحدى والتعالى والتعصب
والإستفزاز ، الرجل الآن فى ذمة التاريخ ، وتاريخه كله على المحك ، لا يحتاج إلى
المحامى الفاشل الذى يواصل الصراخ فى وجه القاضى ، فيستعديه ضد المتهم ، وإنما
يحتاج إلى المحامى البارع الذى يتحدث بهدوء وحكمة وتعقل ، ويستعطف القاضى للرأفة
بالمتهم ومراعاة ظروفه ، كى يصل إلى براءته أو حكم مع وقف التنفيذ . . أتركوا
القضية لمن يقدر على الدفاع عن الرجل ممن عاصروه وهم كثيرون وأنا منهم ، لقد أضاعت
إمرأته وولده الدلوع جزءً من تاريخه ، وأنتم الآن تضيعون البقية الباقية . . تنحوا
جانباً ، وإرفعوا أيديكم عن مبارك . . و كان الله فى عونه من خصومه ومن أنصاره . .
وإلى مقال آخر إن شاء الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق