الثلاثاء، 6 نوفمبر 2012

عودى إلى أحضان قلبى . . . وأسكنى روحى وفؤادى ! !


عودى إلى أحضان قلبى . . . وأسكنى روحى وفؤادى ! !
-----------------------------------------------------

كانت عذاب فتاة فلسطينية تبلغ من العمر الخامسة والعشرين ربيعاً ، وُلدت فى نابلس تحت الإحتلال الصهيونى لفلسطين ، نشأ ت فى أسرة متوسطة الحال ، مكونة من أب وأم وثلاث شقيقات ، وكانت هى أكبر أخواتها عمراً ، إستطاع والدها أن يكمل معها مشوار تعليمها إلى آخره ، حصلت عذاب على بكالوريوس فى شعبة المحاسبة ، من كلية التجارة جامعة نابلس ، وها هى الآن تعمل بأحد مكاتب المحاسبة والضرائب بمدينة نابلس . .
كانت عذاب من ذلك النوع من الفتيات ، اللاتى تتصفن بالرقة والعذوبة ، والأحاسيس المرهفة ، والمشاعر الحالمة ، وكانت تسيطر عليها دائماً الميول الرومانسية ، كانت عطوفة وحنونة جداً ، كم أبكتها تلك المواقف اليومية العديدة ، التى يتعرض لها أبناء وبنات ، وأطفال وشيوخ ، ورجال ونساء شعبها الفلسطينى ، من تسلط وهيمنة وقهر الإحتلال الصهيونى ، على كل مقدرات وطنها . . من ينظر إلى وجهها الطفولى البرئ ، يرى خلف عينيها الجميلتين علامات الحزن والأسى والهم والألم ، وكل شئ فيها كان يَشى بمكنونات صدرها ، الذى تملؤه مشاعر المعاناة والكبت وفقدان الحرية ، وضياع العزة والكرامة . .لقد أحال الإحتلال الصهيونى الوطن الفلسطينى ، إلى سجن كبير بداخله أصحاب الحق والأرض ، والمال والعرض ، تحيط به الأسوار العالية والأسلاك الشائكة ، ونقاط التفتيش ، التى تحد من حرية وحركة أبناء الشعب الفلسطينى ، داخل شوارعهم ومدنهم ، لقد كانت عذاب تجسد فى ملامحها وأقوالها وأفعالها مأساة ذلك الشعب المقهور ، المغلوب على أمره دائماً .

وذات يوم من الأيام ، ذهبت عذاب إلى الجامعة ، لإستخراج بعض أوراقها الجامعية ، لم تكن عذاب قد ذهبت إلى الجامعة منذ تخرجها من حوالى ثلاث سنوات ، لقد أمضت فى هذه الجامعة أربع سنوات من عمرها ، وسط زملاء وزميلات دراسة تجمعهم ظروف معيشية واحدة ، ومعاناة يومية واحدة ، ووطن مُمزق واحد ، وقضية فلسطينية تائهة وضائعة واحدة ، وإحتلال قمعى مجرم واحد . . كل ذلك كان بمثابة قواسم مشتركة بين كل الشباب والفتيات فى فلسطين ، لم يعيشوا حياتهم فى الصِبا والشباب مثلما عاشها أقرانهم فى كل البلدان العربية المجاورة ، كان لديهم دائماً الإحساس بأنهم الوحيدون المحرومون من الحرية والسعادة والحياة الحرة الكريمة . .
دخلت عذاب إلى مبنى كلية التجارة ، وتوجهت مباشرة إلى قسم شئون الخريجين ، تحد ثت إلى الموظف المسئول ، وقدمت الطلبات لإستخراج الأوراق ، طلب الموظف منها الإنتظار ساعتين ، حتى يحين موعد إستلام الأوراق . . فضلت عذاب ألا تذهب بعيداّ ، وجلست على أحد المقاعد أمام مبنى الكلية ، تستظل بظل شجرة بجوار المقعد .

لحظات قليلة . . وجاء شاب لم تكن تعرفه ، حَياها وجلس على المقعد المجاور لها ، بدا عليه أنه فى الثلاثين من عمره تقريباً ، يحمل فى يده أوراقاً مبعثرة ، يحاول إعادة ترتيبها ، أوراقه مبعثرة ، وملامح وجههه يعلوها التوتر والقلق ، وعيناه مرهقتان من التعب ، ظل يبعثر فى أوراقه ثم يرتبها مرة ومرة ومرة ، كمن لا يدرى ماذا يريد ، أو كمن يبحث عن شئ ضائع . . نظر إلى عذاب سائلاً : أريد إستخراج بعض الشهادات من شئون الخريجين بالكلية ، ما هى الأوراق المطلوبة ؟ ؟  أخبرته بم فعلت ، فإنطلق مسرعاً إلى داخل المبنى ، غاب عشر دقائق ، ثم عاد ليجلس مرة أخرى إلى جوارها ، وهو يردد : ساعتان ، ساعتان ، أنتظر ساعتان ؟ بدت عليه علامات الحنق والضيق ، ولكن ما باليد حيلة ، لابد من الإنتظار . . إبتسمت عذاب وطالبته بأن يهدأ ، فها هى أيضاً تنتظر مثله ، وبدأ الهدوء يجتاح كيان الشاب الثائر الغاضب ، وبدأ الإثنان فى حوار بينهما ، لعل الوقت يمضى ، حّدثها الشاب عن نفسه : أخبرها بأن إسمه ولاء ، وأنه متخرج من هذه الكلية منذ ثمانى سنوات ، وأنه من نابلس ، ومنذ تخرجه وهو يبحث عن عمل ، حتى وجد أخيراً عملاً بإحدى شركات المقاولات ، طلبت منه الشركة أوراقاً ، جاء لإستخراجها من الجامعة ، لإتمام إجراءات إستلام الوظيفة . . أخبرته عذاب عن نفسها ، وتحدثا فى أمور كثيرة وعديدة ، سَكن لها الشاب الثائر وهدأ ، وسَكنت له هى وإرتاحت ، شعرت به عذاب ، أنه مثال للشاب الفلسطينى المكافح ، من أجل أن يجد له موضع قدم فى الحياة ، تحد ث كل منهما عن ذكرياته فى الجامعة ، وكان طبيعياً أن يتحدثا عن المعاناة المشتركة بينهما ، معاناة كل أبناء الشعب الفلسطينى . . أخذهما الحديث وإستعادة ذكريات الجامعة ، ولم يدركا الوقت ، فجأة تنبها لأن الوقت قد مضى وأكثر ، توجها إلى حيث إستلما الأوراق ، وودع كلاهما الآخر مُتمنياً له التوفيق فى حياته .. مضى ولاء إلى حيث بيته ، ومضت عذاب إلى حيث بيتها ، ولكنهما فى حقيقة الأمر لم يتفرقا ، لقد علق بكل منهما شئ من الآخر ، ربط بينهما شئ لم يدركاه فى حينه .

مر يومان . . ولم يفارق وجه عذاب مُخيلة ولاء ، أحس أنها الوحيدة منذ سنوات التى جعلته يهدأ ويسكن ، كل شئ فى حياته ، يُزعجه ويُفزعه وينال من راحته ، إلا عندما جلس معها وتحدث إليها ، أطفت عليه الهدوء والسكينة . . أما عذاب ، فقد أعجبها ذلك الشاب الثائر ، الذى إستطاعت أن تؤثر فيه بهدوئها ورقتها وعذوبتها ، شغل بالها ، وظل عالقاً بعقلها .  
وفى اليوم الثالث . . كانت عذاب جالسة ، تؤدى عملها فى مكتب المحاسبة الذى تعمل فيه ، وفجأة دخل عليها ذلك الشاب الثائر / ولاء ، لم تكن هى تتوقع مجيئه ، حين أخبرته بأنها تعمل هنا ، ولكنه الآن جاء ، وكأنها كانت فى إنتظار مجيئه ، إبتسمت له ورحبت به وأجلسته أمامها ، وطلبت له كوباً من عصير الليمون ، وقالت له وهى تضحك : بالتأكيد لن ينفعك سواه ، سألته عن أحواله وسألها عن أحوالها ، ما أراد أن يجلس طويلاً فى مكان عملها ، كى لا يسبب لها إحراجاً ، تردد قليلاً ثم طلب منها اللقاء ، بعد أن أبدى إعجابه الشديد بها . . ما كانت عذاب تملك ألا تقبل ، وأنّى لها أن ترفض ، وهى التى كانت فى إنتظاره ، وإتفقا على اللقاء ، نهض ولاء وهو سعيد مسرور، ليودعها على أمل اللقاء ، وودعته وهى سعيدة مسرورة ، فقد تحقق لها ما أرادت ، ودق الحب لأول مرة باب قلبها ، علمت أنه الحبيب ، وها هى تفتح له الباب ، ليدخل ويسكن قلبها .

مرت الأيام ، وتعددت اللقاءات ، وتواعد الإثنان على الحب والزواج ، وطلب ولاء إمهاله الفرصة لتثبيث قدميه فى عمله الجديد ، ثم يتقدم لخطبتها ، قبلته عذاب ، وقبلت أن تبقى إلى جواره ، إنهما أبناء وطن واحد ، ومعاناة واحدة ، ليس لأحدهما أفضلية عن الآخر. . إرتبط الإثنان برباط الحب ، حلما معاً بحياة سعيدة ، وسعيا معاً لتحقيقها ، كانت الأسابيع والشهور تمر وتنقضى ، وكلما مرت وإنقضت ، إزداد تعلق كل منهما بالآخر. . عذاب فتاة رقيقة وجميلة ، وولاء شاب ثائر وطموح ونشيط ، صار ولاء مُحباً ومغرماً بعذاب ، وأصبح هوكل أملها وحلمها فى الحياة ، وصارت عذاب هى حورية الجنة التى ينتظر ولاء الفوز بها ، بعد مشوار من الكد والعمل والكفاح ، جمعهما الحب ، وقارب بينهما الحلم والأمل ، ومزجت بينهما المعاناة الواحدة .

وفى أحد الأيام . . ذات مساء ، كانت عذاب خارج البيت برفقة أمها ، لشراء بعض لوازم الحياة ، وبينما هما فى سوق المدينة ، إذ بعذاب تقع عيناها على ولاء ، وهو يسير وبصحبته فتاة ، فى مثل سنها تقريباً ، كانا يتبادلان الحديث ويضحكان ، وهما يمشيان الهوينا ، لم يرى ولاء عذاب ، ولكنها رأته بصحبة الفتاة ، وما إرتاحت لرؤياه هذه المرة ، وهى التى كانت دائماً تتمنى رؤياه ، تلك هى المرة التى ما كانت تتمنى ألا تراه فيها ، ثارت غيرتها ، ولعب الشيطان برأسها وعقلها لعبته المفضلة ، غلبها الشيطان هذه المرة . . عادت عذاب إلى بيتها وهى لا تدرى أين رأسها وأين قدمها ؟ دخلت إلى غرفتها ، وجلست تحدث نفسها : تُرى من تلك الفتاة التى معه ؟ إنها ليست أخته لأن أخته صغيرها عمرها خمسة عشر عاماً ، ولماذا كانا يضحكان هكذا ؟ وفيم كانا يتحدثان ؟ ولماذا كانا يمشيان الهوينا كما رأيتهما ؟ ما إستطاعت عذاب أن تنام الليل بطوله ، وما داعب جفونها النوم قط ، لقد عقدت العزم على الذهاب إليه فى عمله صباح اليوم ، لنسأله عمن كانت تلك الفتاة ؟وعلام كانا يضحكان ؟ وفيم كانا يتحدثان ؟ ولماذا كانا يمشيان الهوينا هكذا ؟ . . أشرقت الشمس وطلع النهار ، لم تذهب عذاب إلى عملها ، وفى تمام الساعة العاشرة ، إرتدت ملابسه وخرجت ، متجهة إلى شركة المقاولات حيث يعمل ولاء ، دخلت إلى الشركة ، وسألت عنه أحد السعاة ، فأخبرها بمكانه ، إنطلقت عذاب مسرعة إلى حيث مكتبه ،كان قلبها يدق دقات عالية ، وكأنه يُحذرها ألا تذهب إليه ، لم تكن عذاب تدرى ما الذى ينتظرها ، توجهت إلى حيث مكتب ولاء ، ودخلت عليه المكتب فجأة ، فوجدته جالساً على مكتبه وسط زملائه وزميلاته ، وبحاسة الأنثى ، دارت عيناها بنظرة سريعة ، تنظر وجوه الجالسين ، وقعت عيناها على تلك الفتاة التى كانت برفقته بالأمس ، إنها زميلته فى العمل تجلس على المكتب الذى أمامه ، أوحى لها عقلها بأنها ليست بحاجة الآن إلى الحديث مع ولاء ، ولا سؤاله عن الفتاة التى كانت معه بالأمس ، ولا سؤاله عما كان يجول بخاطرها من أسئلة ، لقد أجابها الشيطان – لعنه الله – على كل شئ ! وما عادت بحاجة إلى أن تسأله عن أى شئ !

إستدارت عذاب بوجهها ، وخرجت مُسرعة من المكتب ، إنطلق ولاء خلفها مُنادياً عليها عدة مرات ، ما أعارته إهتماماً ، وما ألقت له بالاً ، تركته ينادى وينادى وينادى ، كانت تسرع الخطى كى لا يلحق بها ، ما أعطته الفرصة قط ، كى يبين لها ما خَفى عنها ، سيطر عليها الشيطان ، وأقنعها بأن ما رأته عيناها فيه الكفاية . . عاد ولاء إلى مكتبه ، بعد أن أخفق فى اللحاق بها ، وطمأن نفسه بأنه سوف يلقاها ، ويسألها عما بها فيما بعد . . وما كان يدرى أنه لا هناك بَعد ! !
إنتهى يوم العمل ، وعاد ولاء إلى بيته ، حاول الإتصال بعذاب عن طريق الهاتف دون جدوى ، لقد أغلقت هاتفها ، ولم تعد ترغب فى الحديث إليه !  إتصل بها عشرات المرات ، وما تحدثت إليه . . إنتظر حتى إنقضى الليل وطلع النهار ، ذهب إليها فى مكان عملها فلم يجدها ، أخبروه أنها إتصلت وإعتذرت عن الحضور ، وطلبت أجازة مفتوحة لمرافقة أمها فى رحلة علاجها إلى مصر ، ظل ولاء يحاول الوصول إلى عذاب ، ما فلحت محاولاته ، مر يومان وثلاثة وخمسة وعشرة ، وما عادت عذاب ، وما إتصلت بولاء ، وما ذهبت إلى عملها ، وما يدرى عنها شيئاً .

وذات مساء . . جلس ولاء ، ليكتب إليها رسالة حب ورجاء ، يناشدها الرجوع إليه ، لعلها تعود ، أمسك بقلمه ، ويداه ترتعشان ، ولكنه أصر على مواصلة الكتابة لحبيبة قلبه عذاب ، وقال لها :
حبيبتى . . . عذابى  ! !
ما بالكِ تبتعدين عنى هكذا . . . فجأة ؟              وما بال قلبك يقسو ويذهب حنانك . . . فجأة ؟
وما بال عقلكِ ينسى أنى عشقتكِ . . فجأة ؟          وما بال حبكِ لى وعشقكِ ينتهيان . . . فجأة ؟
وما بالكِ أنتِ . . و ما فيكِ . . تتركينى وحيداً . . . فجأة ؟
حبيبتى . . . عذابى ! !
هل نسيتينى ، وضاع منكِ الحلم . . فجأة ؟        أم غَفوتِ عن ولائكِ ، وسَهوتِ عنى . . فجأة ؟
أم يا ترى وسوس الشيطان ، وإنصرفتِ عنى . . . فجأة ؟
أم ظننتِ إحداهن ، شغلتنى عنكِ . . فجأة ؟        أم وجدتِ العهد طال ، وخلفتِ الوعد . . فجأة ؟
حبيبتى . . . عذابى ! !
لم أذق للنوم طعماً ، منذ أن ذهبتِ . . فجأة !      لم أجد نفسى وروحى ، ضاعت الأحلام. . فجأة!
لم يكن يوماً بظنى ، أن فيكِ القتل . . فجأة !       لم أرى عينيكِ يوماً ، تخنق الأحلام . . . فجأة !
لم يدر فى خلدى أبداً ، أن أعانى منكِ . . . فجأة !
حبيبتى . . . عذابى ! !
عودى . . لا تقتلى آمالى فيكِ أو أحلامى !        عودى . . ما عُدت دونكِ أشتهى عيشى وحياتى!
عودى . إنى غَدوت بدون قربكِ لا أبالى !  عودى . أنتِ شمسى أنتِ قمرى أنتِ أرضى وسمائى!
عودى . . إلى أحضان قلبى واسكنى روحى وفؤادى ! ! !          وإلى مقال آخر إن شاء الله .   



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق