بالأمس . . وصلنى من الصديقة العزيزة / عطر الوداد ، إنتاجها الفكرى الثانى
لها ، والذى يحمل عنوان " حوار الإنسان . . . بين المشاعر والوجدان " . .
وقد عكفت على قراءة حوارها ، وللحق أقول : أنه كان حواراً من نوع خاص جداً ،
أطرافه مشاعر إنسانية متنوعة ، تعيش داخل كيان كل إنسان منا . . وقد
أعجبتنى فكرة الحوار ، كما أعجبتنى صياغته وأسلوب تناوله . . ومن أجل ذلك
إستأذنتها فى نشره على صفحتى بإسمها ، إيماناً منى بموهبتها الظاهرة ،
ورغبة فى إتاحة المجال لقرائى وأصدقائى الأعزاء لتناوله بالقراءة والتعليق
لمن شاء منهم . . وإليكم هذا الحوار الممتع والجميل ، ولكم أترك التقييم .
حوار الإنسان
. . . . . بين المشاعر والوجدان ! ! ( بقلم : عطر الوداد )
--------------------------------------
--------
ذات يوم من
الأيام . . . جلس الرجل الحكيم ، الذى
جاوز من العمر التسعين ، وقد شارف زمانه على الإنتهاء . . أطلق الحكيم لمشاعره
العنان ، وحرر غرائزه من القيود والأغلال ، ودعا الجميع إلى التحاور والنقاش ، حول
ما فعله كل منهم فى بنى الإنسان ، على مر السنين والأعوام ، ومن عجائب الأمور أنهم
لبوا جميعاً النداء ، على مائدة ذلك الحكيم الإنسان ، الذى جلس مراقباً للحوار ،
وأذن لهم بأن يبدأ أيهم الكلام .
شارك فى
الحوار كل من : الهَم والإكتئاب والحزن ، والأمل والفرح والإخلاص ، والثقة
والإحباط والنجاح ، والصبر والغضب والحب .
نظروا
جميعاً بعضهم إلى البعض ، وبدت عليهم علامات التدبر والحماس . . لقد أراد كل منهم
أن يباهى بقدرته وقدراته ، وتأثيراته على بنى البشر والإنسان . . لم يدم الصمت
بينهم طويلاً ، حتى بادرهم الهم بالقول والحديث .
قال الهَم
( مستنكراً ) : ما عساكم قائلون ؟ وما بالكم فاعلون ؟ أنا الأقوى بين جنود الله فى
الأرض ، لقد وهبنى الله القدرة التى تفوق كل القدرات ، وأعطانى القوة والمنعة
للإمساك بزمام الأمور . . إذا سلطنى الله على أحد من بنى آدم ، أثقلته بهموم الزمان
، وأفسدت عليه شئونه وكل الحياة ، وأغلقت فى وجهه كل النوافذ والأبواب ، وأجهضت كل
بارقة أمل تبدو له فى الأفق البعيد ، حتى ينهار ويخر صريعاً ، أمام بأسى وقوتى .
عندئذ . .
تدخل الإكتئاب فى الحديث ، وعلا صوته قائلاً : لا . . إنى أراك قد أغفلت
دورى ووجودى ، فأنت لا تستطيع وحدك أن تفعل ما تريد . . أنا وأنت متلازمين ، يكمل
كلانا الآخر ، ويتمم كلانا عمل الآخر . . أنت الدافع نحو الإنهيار ، أما أنا
فبقوتى ينهار بنى الإنسان ، ويتلاشى فى ناظريهم الأمل وتتضاءل الأحلام .
وهنا قاطعهما
الحزن ( وهو حانق ) قائلاً : ما بالكما قد نسيتمونى هكذا ؟ ؟ أما أنى شريك
لكما ؟ أنتما الفعل وأنا الأثر . . لولاى ما إكتملت لكما المهمة ، فأنا الذى أغرق
من أغزو حياته فى الغم والألم ، وأحيل الدنيا سواداً فى ناظريه ، فلا يرى بصيص نور
ولا أمل . . أنا الذى تحدث عنه سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام حين مات ولده
قائلاً : إن القلب ليحزن ، وإن العين لتدمع ، وإن على فراقك يا إبراهيم لمحزونون
" .
بسرعه تدخل
الامل ونظر لهم طويلا ، ثم قال لهم بعد أن أخذ نفسا عميقا وتحدث : أنسيتم أنفسكم ؟
أنسيتم من أنا وماعساى أن أفعل ؟ ، باستطاعتى أن أقهركم
جميعا . . قالوا له من أنت ؟؟ قال :- أنا الأمل
، أنا الذى بواسطته ينظر الجميع الى الامام ، ويتناسوا الامس وينتظروا الغد
، واذا ظهرت أنا ساد الارتياح بين الجميع ، وجودى ينير للجميع الطريق وينعش القلوب
، ويطمئن النفوس ، وبظهورى
تتطاول الهمم لتبلغ القمم . .
وهنا قاطعه
الفرح مسرعا ، وتحدث وهو مبتسم وسعيد ، وقال : دعونى أوضح لكم مصدر قوتى ، التى
يسعد بها الجميع
. أنا كما الوردة ذو الرائحه العطره فى بستان
جميل ، أنا بظهورى يضحى الجميع مغرداً كما الطيور، أرفرف على كل البيوت ، وأجعل الأمل
أنشوده ومعنى للشروق ، وللمحبه
صديق وللمحبين رفيق . . أنا من تطرب له
القلوب ، وتغنى له الروح وتستشعره النفوس ، بوجودى يرقص الجميع وتنحسر الدموع ،
وتنهزم جيوش الهم والحزن
. . أنا بدايه الامل ولا نهايه لى ، لأنى أستوطن القلوب ، فيعمها الفرح والسرور .
نظر الإخلاص
إلى الجميع ، وكان يجلس من مائدة الحوارعلى الطرف البعيد ، وأنصت إليهم حتى تعالت الأصوات من فرط الحماس ، ولكنه
بادرهم الحديث قائلاً : أراكم لا تأبهون لوجودى ، وتجاهلتم حضورى ، وما أنا بينكم
بضعيف . . فسأله أحدهم : ومن إذن تكون أيها الشريك ، فى حوارنا الميمون ؟ قال
الإخلاص : أنا السر بين العبد وربه ، لا يعلم ملك أمرى ، ولا يطالنى شيطان فيفسدنى
. . يقبل الله عمل إبن آدم بقدرى ، فأنا والنية قرينان لا نفترقان أبداً ، إن
خلصنا لله أفلح بنا عمل إبن آدم ، وإن لم نخلص لله فسدت دنياه وأخراه .
وهنا حانت
فرصة الثقة فى الكلام . . رجعت إلى الوراء ، وبدت عليها علامات الرسوخ
والثبات ، وقالت بصوت هادئ ورزين : أنا أكبر منكم قدراً ، وأعظم مكانة ، وأكثر
أهمية . . أنا أهم أسباب النجاح ، لولاى لتراخت الهمم ، وحل الضعف والوهن ، ووقع
اليأس والإحباط . . من إستعان بى ، وآمن بقدراته وإمكاناته ، وأدرك أهدافه
وإختياراته ، نال الفوز والنجاح . . أنا الإيمان بالنفس والذات .
وعلى الفور
رد عليها الإكتئاب قائلاً : ما بالكِ تفاخرين بنفسكِ هكذا ، أكاد ألمح فى حديثكِ
الكبر والغرور ، وأرى أنى عليكِ قادر وقدير .
ضحكت الثقة
قائلة : أراك واهم وغارق فى الخيال ، فأنت لن تستطيع النيل منى مهما كان ، فأنا من
يبعث الأمان والإطمئنان ، ويدفع نحو تحقيق المرجو والأهداف ، وأنا من يضئ الطريق
بالأنوار ، وأنا من يصحح الفهم الخاطئ والأفكار . . أعرف قدراتى ، وأدرك إمكاناتى
، وأنا بداية النجاح .
كان النجاح
يتابع الحوار باهتمام وإنصات ، وما أن سمع إسمه حتى إنتفض وقال : أراكم قد تحدثتم
عنى الآن ، وأنا أشارككم الحديث بكل تأكيد . . قدراتى أمامكم واضحة ، واسباب الفوز
بى قائمة . . الثقة هى بداية الطريق نحوى ، والفلاح نهاية مقصدى .
وعندئذ
تدخل الإحباط قائلاً : لا تكن فرحاً هكذا أيها النجاح ، فأنا أستطيع إرجاعك للوراء
، بقدراتى التى لا حدود لها ، ولكن لولا وقوف الأمل فى وجهى ، ما كان لك وجود فى
الحياة . .
نظر اليه النجاح طويلا وقال له : أنا من الممكن أن أسير ببطْ ، ولكن
أبدا لاأتراجع عن مواصله المشوار
. . بدايتى الثقه ونهايتى السعاده ، ولكن
مع مزيد الصبر أصل
لاقصى الدرجات ، فقالوا جميعا : الصبر وأين هو ؟ ؟
رد عليهم الصبر مابالكم لم تنتبهوا إلىّ . . أنا هنا . . أنا أقوى المحاربين ، ومن يتسلح بى يتجاوز كل الصعاب ، ويزيح من
الطريق كل العقبات . . ولا أخفيكم سراً ،
أن كثيراً من الفاشلين ، كانوا أقرب
الجميع الى النجاح ، ولكنهم للاسف الشديد ، لم يستعينوا بى ، فغلبهم الهَم والغم ، أما
غيرهم فقد واصلوا المسيره ، حتى بلغوا النجاح .
وهنا بادره
الغضب قائلا : صدقت أيها الصبر ، ولكن هناك من يعتقد أنه
الأقوى ، وأن كلمته هى الأعلى ،
فيفقد الصبرويقع فى الخطأ ، وتحل الكارثة ، وهنا
يأتى دورى وتبرز عظمتى ، وتكلل بالنجاح مهمتى .
وبسرعه قال
له الصبر : إنهم المساكين . . أولئك الذين استعانوا بك ولاذوا إليك ، ولوتمسكوا بى
لما حدثت لهم كل هذه المحن والمصائب . . أنا طبيب كل المجروحين ، وراحة كل
المتعبين .
تدَخل
الفرح فى الحديث
وقال : حديثنا ينقصه طرف هام ، مازلنا
نبحث عنه فأين
هو ؟؟ ردوا جميعا فى صوت واحد : ماهو؟؟؟؟ قال انه الحب أين هو؟؟
وفجأه .
. نهض الحب واقفاً ، وهو يحمل وردة حمراء فى يده ، وتبدو عليه علامات
الأناقة ، ومزهوا بنفسه ،فنظروا اليه وقالوا : حدثنا عنك وعن قدراتك !!
قال لهم الحب :- أنا قاهر الاحزان وأنا من أصدقاء
الامل . . أنا بحر من الحنان ونهر من المشاعر. . وجودى يقلب الأحزان إلى أفراح ، ومن أصدقائى
السعاده . . أنا كالعطر الفواح ،
أنتشر فى الارجاء فأنعش القلوب ، وأنا من تلمع له العيون ، وتطرب له القلوب . .
أنا وداد جميل ، وغرام وحيد ، وفى سحر العيون أهيم .
وهنا . . إنتهى الحوار ، وسكت الجميع عن
الكلام . . وساد الصمت والسكون . . ونظر الحضور إلى الحكيم . . وجدوه قد أطال
السكوت ، وإنتابه التفكير العميق . . ثم نطق بفكر مَهيب . . قال لهم : أيها الجمع
المجيد . . أراكم قد أحسنتم القول والتعبير . . وقد آن أن يتوج منكم ملك جميل . .
راقت للجميع فكرة الإنسان الحكيم . . وتصايحوا فى صوت واحد رخيم : إنه الحب . .
ملك القلوب ، وآسرالعقول ، ومؤلف الأرواح والنفوس .
وقف الجمع فى سرور . . وبـأعلى صوت يهتفون :
عاش المَليك . . يحيا الحكيم . .
وإلى لقاء فى مقالات أخرى إن شاء الله . . بقلم : عطر الوداد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق