الاثنين، 17 ديسمبر 2012

حوار الإنسان . . . . بين المشاعر والوجدان ! !

بالأمس . . وصلنى من الصديقة العزيزة / عطر الوداد ، إنتاجها الفكرى الثانى لها ، والذى يحمل عنوان " حوار الإنسان . . . بين المشاعر والوجدان " . . وقد عكفت على قراءة حوارها ، وللحق أقول : أنه كان حواراً من نوع خاص جداً ، أطرافه مشاعر إنسانية متنوعة ، تعيش داخل كيان كل إنسان منا . . وقد أعجبتنى فكرة الحوار ، كما أعجبتنى صياغته وأسلوب تناوله . . ومن أجل ذلك إستأذنتها فى نشره على صفحتى بإسمها ، إيماناً منى بموهبتها الظاهرة ، ورغبة فى إتاحة المجال لقرائى وأصدقائى الأعزاء لتناوله بالقراءة والتعليق لمن شاء منهم . . وإليكم هذا الحوار الممتع والجميل ، ولكم أترك التقييم . 


حوار الإنسان . . . . . بين المشاعر والوجدان  ! !    ( بقلم : عطر الوداد )
-------------------------------------- --------
ذات يوم من الأيام . . .  جلس الرجل الحكيم ، الذى جاوز من العمر التسعين ، وقد شارف زمانه على الإنتهاء . . أطلق الحكيم لمشاعره العنان ، وحرر غرائزه من القيود والأغلال ، ودعا الجميع إلى التحاور والنقاش ، حول ما فعله كل منهم فى بنى الإنسان ، على مر السنين والأعوام ، ومن عجائب الأمور أنهم لبوا جميعاً النداء ، على مائدة ذلك الحكيم الإنسان ، الذى جلس مراقباً للحوار ، وأذن لهم بأن يبدأ أيهم الكلام .
شارك فى الحوار كل من : الهَم والإكتئاب والحزن ، والأمل والفرح والإخلاص ، والثقة والإحباط والنجاح ، والصبر والغضب والحب .
نظروا جميعاً بعضهم إلى البعض ، وبدت عليهم علامات التدبر والحماس . . لقد أراد كل منهم أن يباهى بقدرته وقدراته ، وتأثيراته على بنى البشر والإنسان . . لم يدم الصمت بينهم طويلاً ، حتى بادرهم الهم بالقول والحديث .

قال الهَم ( مستنكراً ) : ما عساكم قائلون ؟ وما بالكم فاعلون ؟ أنا الأقوى بين جنود الله فى الأرض ، لقد وهبنى الله القدرة التى تفوق كل القدرات ، وأعطانى القوة والمنعة للإمساك بزمام الأمور . . إذا سلطنى الله على أحد من بنى آدم ، أثقلته بهموم الزمان ، وأفسدت عليه شئونه وكل الحياة ، وأغلقت فى وجهه كل النوافذ والأبواب ، وأجهضت كل بارقة أمل تبدو له فى الأفق البعيد ، حتى ينهار ويخر صريعاً ، أمام بأسى وقوتى .

عندئذ . . تدخل الإكتئاب فى الحديث ، وعلا صوته قائلاً : لا . . إنى أراك قد أغفلت دورى ووجودى ، فأنت لا تستطيع وحدك أن تفعل ما تريد . . أنا وأنت متلازمين ، يكمل كلانا الآخر ، ويتمم كلانا عمل الآخر . . أنت الدافع نحو الإنهيار ، أما أنا فبقوتى ينهار بنى الإنسان ، ويتلاشى فى ناظريهم الأمل وتتضاءل الأحلام .

وهنا قاطعهما الحزن ( وهو حانق ) قائلاً : ما بالكما قد نسيتمونى هكذا ؟ ؟ أما أنى شريك لكما ؟ أنتما الفعل وأنا الأثر . . لولاى ما إكتملت لكما المهمة ، فأنا الذى أغرق من أغزو حياته فى الغم والألم ، وأحيل الدنيا سواداً فى ناظريه ، فلا يرى بصيص نور ولا أمل . . أنا الذى تحدث عنه سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام حين مات ولده قائلاً : إن القلب ليحزن ، وإن العين لتدمع ، وإن على فراقك يا إبراهيم لمحزونون " .  

بسرعه تدخل الامل ونظر لهم طويلا ، ثم قال لهم بعد أن أخذ نفسا عميقا وتحدث : أنسيتم أنفسكم ؟ أنسيتم من أنا وماعساى أن أفعل ؟ ، باستطاعتى أن أقهركم جميعا . .  قالوا له من أنت ؟؟ قال :- أنا الأمل ، أنا الذى بواسطته ينظر الجميع الى الامام ، ويتناسوا الامس وينتظروا الغد ، واذا ظهرت أنا ساد الارتياح بين الجميع ، وجودى ينير للجميع الطريق وينعش القلوب ، ويطمئن النفوس ،  وبظهورى تتطاول الهمم لتبلغ القمم  . .

وهنا قاطعه الفرح مسرعا ، وتحدث وهو مبتسم وسعيد ، وقال : دعونى أوضح لكم مصدر قوتى ، التى يسعد بها الجميع . أنا كما الوردة  ذو الرائحه العطره فى بستان جميل ، أنا بظهورى يضحى الجميع مغرداً كما الطيور، أرفرف على كل البيوت ، وأجعل الأمل أنشوده ومعنى للشروق ، وللمحبه صديق وللمحبين رفيق . .  أنا من تطرب له القلوب ، وتغنى له الروح وتستشعره النفوس ، بوجودى يرقص الجميع وتنحسر الدموع ، وتنهزم جيوش الهم  والحزن . . أنا بدايه الامل ولا نهايه لى ، لأنى أستوطن القلوب ، فيعمها الفرح والسرور .

نظر الإخلاص إلى الجميع ، وكان يجلس من مائدة الحوارعلى الطرف البعيد ، وأنصت إليهم  حتى تعالت الأصوات من فرط الحماس ، ولكنه بادرهم الحديث قائلاً : أراكم لا تأبهون لوجودى ، وتجاهلتم حضورى ، وما أنا بينكم بضعيف . . فسأله أحدهم : ومن إذن تكون أيها الشريك ، فى حوارنا الميمون ؟ قال الإخلاص : أنا السر بين العبد وربه ، لا يعلم ملك أمرى ، ولا يطالنى شيطان فيفسدنى . . يقبل الله عمل إبن آدم بقدرى ، فأنا والنية قرينان لا نفترقان أبداً ، إن خلصنا لله أفلح بنا عمل إبن آدم ، وإن لم نخلص لله فسدت دنياه وأخراه .

وهنا حانت فرصة الثقة فى الكلام . . رجعت إلى الوراء ، وبدت عليها علامات الرسوخ والثبات ، وقالت بصوت هادئ ورزين : أنا أكبر منكم قدراً ، وأعظم مكانة ، وأكثر أهمية . . أنا أهم أسباب النجاح ، لولاى لتراخت الهمم ، وحل الضعف والوهن ، ووقع اليأس والإحباط . . من إستعان بى ، وآمن بقدراته وإمكاناته ، وأدرك أهدافه وإختياراته ، نال الفوز والنجاح . . أنا الإيمان بالنفس والذات .
وعلى الفور رد عليها الإكتئاب قائلاً : ما بالكِ تفاخرين بنفسكِ هكذا ، أكاد ألمح فى حديثكِ الكبر والغرور ، وأرى أنى عليكِ قادر وقدير .
ضحكت الثقة قائلة : أراك واهم وغارق فى الخيال ، فأنت لن تستطيع النيل منى مهما كان ، فأنا من يبعث الأمان والإطمئنان ، ويدفع نحو تحقيق المرجو والأهداف ، وأنا من يضئ الطريق بالأنوار ، وأنا من يصحح الفهم الخاطئ والأفكار . . أعرف قدراتى ، وأدرك إمكاناتى ، وأنا بداية النجاح .

كان النجاح يتابع الحوار باهتمام وإنصات ، وما أن سمع إسمه حتى إنتفض وقال : أراكم قد تحدثتم عنى الآن ، وأنا أشارككم الحديث بكل تأكيد . . قدراتى أمامكم واضحة ، واسباب الفوز بى قائمة . . الثقة هى بداية الطريق نحوى ، والفلاح نهاية مقصدى .
وعندئذ تدخل الإحباط قائلاً : لا تكن فرحاً هكذا أيها النجاح ، فأنا أستطيع إرجاعك للوراء ، بقدراتى التى لا حدود لها ، ولكن لولا وقوف الأمل فى وجهى ، ما كان لك وجود فى الحياة . .
 نظر اليه النجاح طويلا وقال له :  أنا من الممكن أن أسير ببطْ ، ولكن أبدا لاأتراجع عن مواصله المشوار . .  بدايتى الثقه ونهايتى السعاده ، ولكن مع مزيد الصبر أصل لاقصى الدرجات ، فقالوا جميعا : الصبر وأين هو ؟ ؟

رد عليهم الصبر مابالكم لم تنتبهوا إلىّ . .  أنا هنا . .  أنا أقوى المحاربين ، ومن يتسلح بى يتجاوز كل الصعاب ، ويزيح من الطريق كل العقبات . .  ولا أخفيكم سراً ، أن كثيراً من الفاشلين ، كانوا أقرب الجميع الى النجاح ، ولكنهم للاسف الشديد ، لم يستعينوا بى ، فغلبهم الهَم والغم ، أما غيرهم فقد واصلوا المسيره ، حتى بلغوا النجاح .

وهنا بادره الغضب قائلا : صدقت أيها الصبر ، ولكن هناك من يعتقد أنه الأقوى ، وأن كلمته هى الأعلى ، فيفقد الصبرويقع فى الخطأ ، وتحل الكارثة ،  وهنا يأتى دورى وتبرز عظمتى ، وتكلل بالنجاح مهمتى .

وبسرعه قال له الصبر : إنهم المساكين . . أولئك الذين استعانوا بك ولاذوا إليك ، ولوتمسكوا بى لما حدثت لهم كل هذه المحن والمصائب . . أنا طبيب كل المجروحين ، وراحة كل المتعبين .

تدَخل الفرح فى الحديث وقال : حديثنا  ينقصه طرف هام ، مازلنا نبحث عنه فأين هو ؟؟ ردوا جميعا فى صوت واحد : ماهو؟؟؟؟ قال انه الحب أين هو؟؟

 وفجأه . . نهض الحب واقفاً ، وهو يحمل وردة حمراء فى يده ، وتبدو عليه علامات الأناقة ، ومزهوا بنفسه ،فنظروا اليه وقالوا : حدثنا عنك وعن قدراتك !!
قال لهم الحب :- أنا قاهر الاحزان وأنا من أصدقاء الامل . . أنا بحر من الحنان ونهر من المشاعر. .  وجودى يقلب الأحزان إلى أفراح ، ومن أصدقائى السعاده . . أنا كالعطر الفواح ، أنتشر فى الارجاء فأنعش القلوب ، وأنا من تلمع له العيون ، وتطرب له القلوب . . أنا وداد جميل ، وغرام وحيد ، وفى سحر العيون أهيم .
وهنا . . إنتهى الحوار ، وسكت الجميع عن الكلام . . وساد الصمت والسكون . . ونظر الحضور إلى الحكيم . . وجدوه قد أطال السكوت ، وإنتابه التفكير العميق . . ثم نطق بفكر مَهيب . . قال لهم : أيها الجمع المجيد . . أراكم قد أحسنتم القول والتعبير . . وقد آن أن يتوج منكم ملك جميل . . راقت للجميع فكرة الإنسان الحكيم . . وتصايحوا فى صوت واحد رخيم : إنه الحب . . ملك القلوب ، وآسرالعقول ، ومؤلف الأرواح والنفوس .
وقف الجمع فى سرور . . وبـأعلى صوت يهتفون : عاش المَليك . . يحيا الحكيم . .
                                                       وإلى لقاء فى مقالات أخرى إن شاء الله . . بقلم : عطر الوداد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق