الخميس، 6 ديسمبر 2012

وعادت لتسكن فؤاده . . . . من جديد ! !


وعادت لتسكن فؤاده . . . . من جديد  ! !
--------------------------------------
عاد أحمد إلى منزله . . وهو مُرهق ومُتعب ، لا يكاد يقوى على فعل أى شئ . . حتى عقله ما عاد قادراً على التفكير فى أى شئ ، أما قلبه فكان حائراً بين حبه لهالة وعشقه لهواها ، اللذان لا يزالا يحومان حوله . . لم يستطع أحمد فعل أى شئ ، سوى أن يبدل ملابسه ويُلقى بجسده المُرهق المُتعب على سريره بغرفة نومه . . عسى أن يدركه الصباح ، وقد عاد إليه بعض من قوته ، وجزء من عقله وذهنه .

ساعات قليلة مضت . . حتى أدرك أحمد الصباح . . إستيقظ مبكراً كعادته . . توضأ ثم صلى لله راكعاً وساجداً وداعياً لله ، أن يرفع عنه الحيرة ، ويلهمه الصواب فيما إلتبس عليه من الأمر . . أمر هالة . . تلك الحبيبة التى تركته وحيداً ، وتنصلت من مشاعرها نحوه ، وهرولت مسرعة للزواج بإنسان غيره . . ثم هى عادت من جديد ، وتحاول أن تعود إلى سَكنها القديم ، قلب أحمد النقى الطاهر ، الذى حمل لها كل الحب والود والغرام والهيام . . خرج أحمد من منزله مبكراً على غير عادته وقبل موعده ، وتوجه إلى مدرسته التى يعمل بها . . لم يستغرق الطريق طويلاً لقرب المدرسة من منزله ، وكان أحمد أول من وصل إلى المدرسة ، قبل كل زملائه وتلاميذه . . دخل إلى حجرة التدريس ، وجلس حيث إعتاد لجلوس . . جلس وحده يفكر ويعاود التفكير ، فيما تحدثت معه هالة بشأنه . . إنها إقتحمت حياته فجأة مرة أخرى ، وهى عازمة على النيل منه والإستحواذ على قلبه من جديد . . أخذ أحمد يسأ ل نفسه : هل حقاً كانت هالة تحبه مثلما كان يحبها ؟ وهل حقاً هى فهمته أكثر مما فهمها ؟ والأهم من ذلك كله ، هل حقاً يمكن لقلبه أن يصفح عنها بعد كل ما فعلته به ؟

تساؤلات وتساؤلات . . أحاطت جميعها بعقل أحمد ، لم يقطعها سوى حضور بعض من زملائه المدرسين إلى حجرة التدريس ، الواحد تلو الآخر . . بدأ اليوم الدراسى ، ولم يستطع أحمد أن يلملم شتات عقله فى الساعات الأولى . . حتى حانت فترة الإستراحة ، وذهب أحمد إلى حجرة التدريس ، وطلب كوباً من الشاى لعله يستطيع أن يكمل عمله بقية اليوم .
وفجأة . . دخلت هالة إلى الحجرة ، وألقت التحية على كل الجالسين من زملائها المدرسين . . رحب الجميع بها وبعودتها إلى عملها بالمدرسة ، وإتجهت هالة نحو أحمد لتجلس بجواره . . مرت دقائق معدودة ، وإنصرف كل من بالحجرة إلى عمله . . إلا أحمد . . ظل جالساً بجوار هالة ، ولم يفكر حتى فى مغادرة الحجرة . . لقد أصابته فجأة حالة من الإستسلام الغريب للبقاء بجوارها ، وقد لاحظت هى ذلك ، ووجدت الفرصة سانحة للحديث بينهما .
قالت ( متسائلة ) : هل أنهيت عملك اليوم يا أحمد ؟
قال أحمد : لا . . مازالت عندى الحصة الأخيرة .
قالت : إذن أنت الآن بلا عمل ؟
قال أحمد : نعم . . سوف أظل هكذا لمدة ساعتين .
قالت : وهل ستتركنى أجلس هكذا ؟ أريد أن أشرب كوباً من الشاى .
نادى أحمد على عامل البوفيه بالمدرسة . . وطلب لها ما أرادت .
ثم سألها : ما الذى أتى بكِ إلى المدرسة اليوم ؟ أما قلتِ لى بالأمس أنكِ ستعودين بعد أسبوع ؟
قالت : نعم . . ولكننى جئت لأسلم خطاب عودتى إلى مدير المدرسة ، فطلب منى الحضور غداً لإستلام عملى بالمدرسة بسبب نقص فى أعداد المدرسين .
قال أحمد : وهل قبلتِ ؟
قالت : نعم . .
قال أحمد : وماذا أتى بكِ إلى هنا ، إلى حجرة التدريس ؟
قالت : جئت أبحث عنك . . أبحث عن رفيقى بالمدرسة . . إنك أول من رحب بى هنا .
قال ( وهو يبتسم ) : أنا رفيقك فى المدرسة ، أما فى الحياة فلكِ رفيق آخر ، أليس كذلك يا هالة ؟
قالت : أما تريد أن تنسى يا أحمد  . . أراك تبتغى الحياة مع الماضى . . وأنا لا أريد أن أتذكر منه شيئاً . . أريد أن أحيا الحاضر والمستقبل ، ما فات قد فات ، وما مات لن يعود للحياة مرة أخرى .
قال أحمد : أما كان ما بيننا ماضياً ؟ فلم إذن تريدين أن تعيديه للحياة من جديد ، وقد فات ومات ؟
قالت : ومن قال لك أن الحب يموت يا عزيزى ؟ ألم أقل لك أنك لم تفهمنى قط ؟ وأننى أنا التى فهمتك . . مثلك يا عزيزى ، عندما يحب لا ينسى الحب أبداً . . وأنت قد أحببتنى ، وعشقتنى ، وتمنيت القرب منى ، وحلمت بالحياة معى ، وأنا أدرك ذلك جيداً . . لقد رأيت الحب فى عينيك بالأمس . . بعد شهور مضت وإنقضت . . أنت ما زلت تحبنى ، ولم تنسنى ، ولن تنسنى .
قال أحمد : أهذه ثقة منكِ ، أم غرور وكبرياء ؟
قالت : إنها الحقيقة يا عزيزى . . ولكنك تريد أن تنكرها ، ولا تريد أن تواجه بها نفسك ، أما أنا فأدركها جيداً ، ومن أجل ذلك أتيتك اليوم ، وأنا أعرف أنك ما زلت تحبنى وتريدنى إلى جوارك .
قال أحمد : إنكِ واهمة . . تكذبين على نفسكِ وتخدعينها . . إن ما فعلته بى يا هالة ، لا أنساه لكِ أبداً ، لقد ذبحتنى بكل قسوة ولم ترحميننى . . ألقيتِ بى إلى قارعة الطريق ، وكأنكِ لم تعرفيننى يوماً ، ولم ترافقيننى يوماً . . لقد أنهيتً كل ما بيننا فى لحظات ، وتنكرتِ لحبكِ لى ، وتنصلتِ من كل مشاعركِ نحوى فى لقاء واحد . . هكذا أنتِ كنتِ قاسية وظالمة ، وهكذا أنا كنت الضحية.
قالت ( وهى ترجوه ) : دعك من ذكريات الماضى يا أحمد  ، إنها مضت بكل حلوها ومرها ، وسعادتها وتعاستها . . أنا أبغى الحاضر معك . . أما تغفر لى ما أخطأت فيه ؟ أما تصفح عنى ؟
قال أحمد : ما عدت أستطيع أن أشعر معكِ بالأمان يا هالة . . لقد صرت أخافكِ ، وأهاب غدركِ ، وأخشى خداعكِ .
قالت : ولكننى أريدك . . وقد عدت إليك بعد أن أدركت حبك لى ، وهو ثمين غالى ، ولن أضحى به بعد اليوم . . لن أطلب منك أن تعطنى الفرصة مرة أخرى . . ولكننى جئت كى أخبرك بأننى سوف أعود إلى سكنى فى قلبك ، وإلى واحتى فى صدرك ، وإلى جنتى فى أنحاء كيانك كله . . ولقد عدت الآن بالفعل ، وأرى نفسى فى عينيك ، التى نطقت بما لم ينطق به لسانك . . وأخبرتنى بأننى قد عدت لأسكن فؤادك من جديد ، أيها المحب العاشق لى ، والمغرم بجمالى وسحر عيونى.

فاجأت هالة أحمد . . ووضعت يدها على يده ، وتسللت يدها لتسكن داخل راحتيه لثوانى معدودة ، وأغمضت عينيها لتدع أحمد ينظر إليها ، وهى هائمة فى الخيال ، لحظات سريعة مضت ، ثم تنبها سوياً . . سحبت يدها من يده ، وفتحت عينيها لتجد الدموع وقد تساقطت من عينيه ، لم تتمالك هالة نفسها هى الأخرى ، وغلبها البكاء بصوت سمعه أحمد . . لم يستطع أن يقاومها ، ولا أن يقاوم دموعها ، وإنهارت كل مقاومته لها ، ولم يعد قادراً على فعل أى شئ ، سوى أن تمتد أصابعه إلى وجنتيها ، لتمسح عنهما الدموع . . إنها دموع هالة الغالية ، التى لم يرها أحمد من قبل ولو لمرة واحدة ، ولا حتى عندما جاءته فى آخر لقاء بينهما منذ شهور ، كى تتنصل من مشاعرها نحوه ، ويومها لم تودعه ولو بدمعة واحدة .

واليوم . . هى إنسانة أخرى ، هى هالة غير تلك الهالة التى يعرفها ، لقد تساقطت دموعها عندما رأته يبكى من أجلها . . أترى ؟ هل كانت دموعها تعكس حبها له وعشقها ؟ أم أنها كانت مثل دموع التماسيح ، التى تظنها الفريسة دموع بكاء ، وهى فى حقيقتها دموع زيف وخداع ، حتى إذا أمنت الفريسة وأطمأنت ، وأسلمت وإستسلمت ، كانت نهاية حياتها المحتومة .
بكت هالة وتساقطت دموعها أمام أحمد . . وإنهار أحمد لبكائها . . وخر صريعاً على مذبحها . . ونسى تماماً ما كان منها بالأمس . . وعاد قلبه ينبض بحبها ويدق لها من جديد . . وعادت هى لتسكن فؤاده من جديد . . إنها كانت محقة عندما أيقنت أنه لم ينسها قط ، ولم يغادره حبها قط ، ولم يغفل قلبه عن هواها قط ، ولم يأبى هو القرب منها قط . . لقد كانت واثقة أنها هى التى فهمته ونالت من قلبه وعقله . . وأنه لم يفهمها قط ! ! ! !             وإلى مقال آخر إن شاء الله .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق