الأربعاء، 16 يناير 2013

ظلم الحبيب . . . . من الحبيب ! ! ( بقلم : د . وحيد الفخرانى )


ظلم الحبيب . . . . من الحبيب  ! !  ( بقلم : د . وحيد الفخرانى )
---------------------------------
جلست أمامى . . ووضعت عينيها فى عينى . . ثم أطلقت من القلب تنهيدة ، إهتزت لها مشاعرى وكل كيانى . . أيقنت ساعتها أنى أمام حبيبتى وحبيبة قلبى . . ثم قالت ، وهى ترجونى :

قالت فتاتى : حدثنى يا حبيبى . . يا صاحب القلم وصاحب الكلمات .
قلت ( وأنا أشفق عليها ) : فيم تريديننى أن أحدثكِ . . يا حبيبة قلبى ، ومهجة الفؤاد ؟
قالت ( وهى تتدلل ) : حدثنى عن الكلمة التى نطقت بها عيناك لحظة أن جلست أمامك ، ثم نطقت بها شفتاك الآن . . . كلمة الحبيب .
قلت : الحديث عن الحبيب ؟ يا له من حديث . . يسر القلب فى أغلب الأحيان ، وأحياناً قد يدميه .
قالت : وهل حديث الحب والحبيب ، يدمى القلوب ؟ يا من بكلماتك تعذب القلوب .
قلت ( مؤكداً ) : نعم . . حديث الحب والحبيب يدمى القلوب ، مثلما يسعدها أحياناً .
قالت : إذن . . لا تلف بى ولا تدور . . حدثنى ولا تراوغنى . . فإنى أراك قد فضحت سر قلبى .
قلت : وهل هناك يا حبيبتى أحد سواى ، يدرى سر قلبكِ . . لقد أدركته منذ أن عرفتكِ وأحببتكِ .
قالت ( وهى تتأوه ) : لا . . لا أحد غيرك . . أنت وحدك من ملكت قلبى ، وشغلت عقلى ، ومنحتك روحى وفؤادى وكل كيانى .
قلت ( وأنا أبتسم ) : أراكِ الآن تتوددين إلىّ ، تستدرين عطفى وثيرين ضعفى ، كى أحدثكِ حديث الحب والحبيب ، ولأجلكِ ولأجل حبكِ ، سوف أحدثكِ وأريح قلبك .
قالت ( وهى تبتسم ) : إذن . . فمما عندك هات . . يا صاحب القلم والكلمات .
قلت : الحب الإلهى . . هو غاية كل العباد ، الصالحين ، الطيبين ، الأتقياء والأنقياء . . وتلك المرتبة أعلى مراتب الحب والوداد . . الحب مع الله والحب فى الله والحب لله
قالت : يا حبيبى . . هذا حب العباد لخالق العباد . . فما حديثك عن حب العباد للعباد ؟
قلت : الحب بين العباد يا حبيبتى درجات . . وله صنوف عدة وأشكال وألوان ، فأيهم تقصدين ؟
قالت : حدثنى عن أسماها وأعلاها وأرقاها . . حدثنى عن الحب بين العباد ، الذى لا قبله حب ولا بعده حب حتى الممات . . حدثنى عن حب الحبيب ، ساكن القلب ومالئ العين ، وشاغل العقل ومالك الروح ، كما يحلو لك أن تدعوه .
قلت : سوف أحدثكِ . . ولكن أولاً حديث العزيز ، ثم أطوف بكِ حول مقام الحبيب .
قالت ( مندهشة ) : وهل هناك فرق بين العزيز والحبيب ؟ أيها الخِل الحبيب . . أظنهما واحد وما عرفت لهما إختلافاً قط .
قلت : لا يا حبيبتى . . العزيز على النفس ذات مقام عالى وعظيم . . ولكن الحبيب من أصحاب المقام الرفيع . . فالأعزاء على نفوسنا كثيرون وعديدون ، وهم بين مختلف المراتب يتنقلون . . فيهم الأخ والصديق ، ومنهم الزميل والجار القريب ، والأهل والأقربين ، وأيضاً البنات والبنين . . كلهم على نفوسنا أعزاء ، ولهم من المكانة والمنزلة ما يليق . . إرتبطنا بهم لسنين وسنين ، وعشنا معهم وعاشوا معنا . . تربطنا بهم من الذكريات ما يستغرق العمر ويزيد . . هم على نفوسنا أعزة ولقلوبنا أحبة ، وحين نفتقد منهم أحداً لسبب ما ، فإننا نصرخ من الألم والحزن والبكاء ، ولكننا من بعدهم نحيا الحياة ونفارق الأحزان . . نحيا بآمالنا وأحلامنا وتشغلنا عنهم أمور دنيانا . . هؤلاء هم الأعزاء على النفوس ، هم من عانينا من غيابهم عنا مرات ومرات ، ورغم الغياب والرواح ما زلنا أحياء .
قالت ( وهى تقاطعنى ) : كفاك حديثاً . . أراك حدثتنى عن الحبيب لا العزيز ! !
قلت : لا يا حبيبتى . . ربما أعجبكِ وصف العزيز ، ولكنكِ ما سمعتِ بعد شيئاً من سمات الحبيب . . تريثى قليلاً ودعينى أحدثكِ حديثاً خاصاً عن الحبيب ، ساكن القلب ومالك الروح والفؤاد .
قالت : وهل ما بى من إشتياق ، سوى لحديث الحب والحبيب ؟
قلت : أما الحبيب . . صاحب المقام الرفيع . . إنه الوحيد ، إنه الفريد ، إنه القمر الذى يضئ وحده الكون كله ، وما له من ند ولا نظير . . إنه ساكن القلوب ، ولا يسكن القلوب إلا وحيد . . إنه مالك الروح ، ولا يملك الروح إلا متفرد وفريد . . إنه إكسير الحياة ، الذى بدونه لا تمضى ولا تسير . . إنه الأمل الوحيد والحلم الوحيد ، الذى تتوق إليه النفس وما عنه تحيد . . إنه بريق العيون ، الذى لا يخفته سوى الموت المميت . . إنه الوعد والعهد واللقاء على موائد العشق العتيق . . إنه السحر والجمال ، إنه أبهى الألوان وأعذب الأصوات وأحلى الإبتسامات . . إنه الحبيب المحبوب الذى لا يعلوه ولا يدنو منه أى عزيز ولا قريب . . إنه الأمس الجميل والحاضر السعيد والغد الواعد الذى أبداً لا يغيب .
قالت ( وهى تتعجب ) : أكل هذا هو الحبيب ؟ أراك من روعتك قد أنسيتنى ، ما قلته من قبل عن العزيز . . وبعد ما سمعت منك وما وعيت ، ما أرى العزيز وقد دنا قط من الحبيب .
قلت : العزيز على النفس يا حبيبتى كما النجم ، هو فى سمائنا يلمع ويضئ ، ولكنه متعدد لا وحيد ولا فريد . . أما الحبيب فهو القمر فى علاه ، لاند له ولا نظير ولا شبيه . . القمر واحد والحبيب مثله واحد . . أرأيتِ يا حبيبتى يوماً ، يعلو فى السماء قمرين أو يزيد ؟ . . القمر فى علاه ينير الكون ويزيح عنا الظلام ، ونناجيه حين نريد . . وكذا الحبيب نناجيه حين الشوق للغياب البعيد .
قالت ( وقد إرتاح بالها ) : هكذا بان لى ما كان عنى بعيد . . والآن حدثنى عن أحوال الحبيب مع الحبيب . . هل كل الحبيب يسعد الحبيب ؟
قلت ( متأسفاً ) : لا . . قد لا يريح الحبيب الحبيب ، وقد لا يسعد الحبيب الحبيب ، بل قد يؤلم الحبيب الحبيب ، ويُحزن الحبيب الحبيب ، ويُشقى الحبيب الحبيب ! !
قالت : كيف . . أخبرنى . . لقد أفزعت قلبى ، وروعت كيانى وأزعجت نفسى . . إنى أريد أن أسعدك دوماً ، ولا أبتغى أن أؤلمك يوماً ، ولا أشقيك يوماً ، ولا أحزنك يوماً .
قلت : إن كنت كما قلتِ . . تريدين إسعادى ، ولا تبتغى إيلامى ولا شقائى . . فلا تظلمينى يوماً .
قالت ( وهى تتأوه ) : ما هذا الذى تقول أيها الحبيب ؟ وهل يظلم الحبيب حبيبه يوماً؟ إنه أمر مُحال . . إنه ظلم دونه الحياة . . أفبعد ظلم الحبيب للحبيب حياة ؟
قلت : نعم يا حبيبتى . . قد يظلم الحبيب الحبيب ، حين يربط بينهما الحب والغرام القوى المتين ، ثم يذهب عنه الحبيب ويغيب ، أو يقسو عليه بالهجر والبعد البعيد ، أو لا يأبه إلا بذاته ويغفو عن الحبيب ، أو لايعيره إلا إهتماماً من اليسير أو القليل ، أو حين يدعوه للقرب مرات ومرات فلا يجيب . . . ألا فى كل ذلك يا حبيبتى ، ظلم من الحبيب إلى الحبيب ؟
قالت ( وقد أدمعت عيناها ) : وأى ظلم هذا أيها الحبيب ؟ إنه عين الظلم ، إنه الجرم المقيت ، وأى حبيب هذا الذى يرضى بظلم الحبيب ؟
قلت : الظلم فى الأرض يا حبيبتى كثير . . حتى بين الأخ والصديق ، منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها حتى الفناء الأخير .
قالت : صدقت فيما قلت . . ولكن . . قل لى أيها الحبيب ، وما جزاء ظلم الحبيب من الحبيب ؟
قلت :  إياكِ يا حبيبتى من ظلم الحبيب . . فلا عيش مع ظلم الحبيب يطيب ، ولا غفران من العلى القدير لمن ظلم الحبيب ، وما أراكِ حبيبتى ترضين ظلم الحبيب ، فلا وحيد غيره مغرم بهواكِ ولا حبيب .
قالت ( والدموع تترقرق فى عينيها ) : كيف لى أن أظلمك يا حبيبى ، ومالى فى هذا الكون سواك ، وما أدركت الحياة إلا فى محراب هواك . . . عهدى لك ألا أظلمك يوماً قط ، ولا أؤلمك يوماً قط ، ولا أحزنك يوماً قط ، ولا أشقيك يوماً قط . . فأنت عندى حبيب القلب ، ورفيق العقل ، ومالك الروح ، وساكن الكيان والوجدان .

مالت حبيبتى برأسها للأمام . . كى تنهض وتمضى بعد الوداع . . فتساقطت من عينيها دمعتان . . مدت يدى لأجفف دموعها ، ونهضت واقفة ثم ودعتنى وإنصرفت وأنا جالس فى مكانى . . وضعت يدى على صدرى ، ودموعها تبلل إصبعى . . خفق قلبى بشدة وكأنه يرتعد . . إحتار أمرى : تُرى هل خفق قلبى من قرب دموعها من صدرى ؟ أم أن دموعها صارت شاهداً بينها وبينى . . على وعدها بألا يوماً تظلمنى ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟                                             وإلى مقال آخر إن شاء الله .
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق