الأربعاء، 12 سبتمبر 2012

يا عزيزى . . . كلنا فاسدون إلا قليلاً ! !


يا عزيزى . . . كلنا فاسدون إلا قليلاً ! !        
قديماً . . كان الأجداد والآباء حريصين على تنشئة الأبناء والأحفاد على حب الفضيلة ومكارم الأخلاق ، وكان الشعار الثابت الذى تتوارثه الأجيال جيل بعد جيل هو ذلك البيت من الشعر المأثور " إنما الأمم الأخلاق ما بقيت  . . فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا " ، وكنا قليلاً ما نجد شخصاً ينحرف فى سلوكه بالقول أوالفعل عن الطريق القويم ، وكان جزاء مثل هذا الشخص أن يعيش منبوذاً ومكروهاً من الجميع ، ينفر منه الأقربون والأبعدون ، ولا يقترب منه أو يقترن به أو يرافقه إلا رفقاء السوء من أمثاله .

ولم تكن الفضيلة قاصرة على إلتزام السلوك القويم فى أمر بعينه ، وإنما كانت تعنى إلتزاماً فى كافة الأقوال و الأفعال ، فكانت الفضيلة فى الكلمة الطيبة ، والنصيحة المخلصة الصادقة ، والتفكير الصائب الجاد ، وطهارة اليد ويقظة الضمير، وصفاء النفس تجاه الآخرين ، والقناعة والرضا ولو بالقليل ، والأمانة والشرف والنزاهة ، والحق والعدل ، وكانت الفضيلة فى كافة صورها وألوانها تنبع من إيمان صادق عميق بالقيم العليا فى المجتمع كالحق والخير والجمال ، تلك القيم التى إجتمعت عليها جميع الديانات السماوية والشرائع الإلهية ، وفى هذا الخصوص لا
نستطيع أن نغفل قيمة التدين الحقيقى والخوف من عقاب الله أو الطمع فى ثوابه فى إستقرار الفضيلة فى نفوس البشر من بنى الإنسان .

ولم يكن المصريون بمعزل عن تلك القيم النبيلة على مدار تاريخهم العريق حتى ما يقرب من نصف قرن من الزمان أو أقل قليلاً ، فمع منتصف السبعينات من القرن الماضى ومنذ بداية الإنفتاح الإقتصادى فى مصر على يد الرئيس الراحل أنور السادات ، طفت على السطح أخلاقيات التجار والأسواق ، وصدق رسولنا الكريم حين قال " أشر بقاع الأرض الأسواق . . . " وبين عشية وضحاها أصبح كل شئ فى مصر قابلاً للشراء والبيع بالمال ، فسيطر الطمع والجشع وتوارت القناعة والرضا ، كما إختفت طهارة اليد ويقظة الضمير ، وتدريجياً شعر المصريون أن الفضائل تنسحب من حياتهم رويداً رويداً وأن الرذائل تحل محلها بخطى بطيئة كالسلحفاة حتى سادت الرذائل فى المجتمع المصرى على مدار السنوات المتعاقبة ، وأضحى مألوفاً للجميع رؤية الإنحرافات والتجاوزات الجسيمة والجرائم المخلة بالشرف والأمانة حتى تعايشوا معها ، بل والأكثر من ذلك أن غالبية الشعب المصرى إستمرأت هذه الرذائل ، وإنغمس معظمهم فى مكاره الأخلاق وبرعوا فى إختلاق المبررات لتصرفاتهم المنحرفة التى لا يقبلها شرع ولا قانون .

وفى العقدين الأخيريين عمت الإنحرافات والتجاوزات كل طوائف الشعب المصرى ، حتى صارت فساداً له جذور فى باطن المجتع المصرى يصعب إقتلاعها ، وتنوع الفساد ما بين فساد مالى وإدارى وأخلاقى ودينى وسياسى . . . إلخ ، كما تنوعت درجاته ما بين فساد الفقراء وفساد الطبقة المتوسطة ( الموظفين ) وفساد قممى فى أعلى مستويات المجتمع المصرى .
وللحق أقول . . . أن الفساد بين المصريين أصبح كالماء والهواء ، الكل يحتاج إليه كى يروى ظمأه للسلطة والجاه والنفوذ ، والجميع يتنفسه ليحيا حياة الطامعين التى يملؤها الجشع وعدم القناعة وعدم الرضا ، وتلك حقيقة من حقائق النفس البشرية التى ورد فيها قول الحق سبحانه " إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربى . . . "    صدق الله العظيم .
فيا عزيزى . . . كلنا فاسدون إلا ما رحم ربى .
ويا عزيزى . . . كلنا فاسدون إلا قليلاً . 
                                                                وإلى مقال آخر إن شاء الله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق