وضاعت .
. . من بين أصابعه .
-----------------------------
عرفها
وعرفته منذ سنوات قليلة مضت ، عرفها فى بادئ الأمر من بعيد ، وظلت عيناه ترقبها
وتتفحصها فى كل مرة يراها ،وكأنه كان يتوقع أن يقتربا من بعضهما ذات يوم من الأيام
، عرفها منذ البداية بسيطة ، تلقائية ، هادئة ، كتومة ، رقيقة الحال ، مظهرها يُنبئ
عن مستوى إجتماعى متواضع جداً ، ولكنها كانت طموحة ، حالمة ، تسعى إلى رفع مستواها
فى كل شئ .
وذات يوم
من الأيام ، شاءت إرادة الله أن يتلاقيا عن قرب ، وأن يجمعهما مجال عمل واحد ،
فكانا يلتقيان كل يوم بحكم العمل ، فرأى هو ذلك فرصة سانحة لكى يتعرف إليها عن قرب
وأن يتعاملا بصورة مباشرة ، ولم تتردد هى طويلاً فى أن تحقق له ما يريد ، تركته
يُمسك بمقبض باب حياتها ليكون أول رجل يفتحه ويدخل إلى تلك الحجرة الصغيرة المظلمة
التى لم يدخلها أحد من قبله ، تركته ليدخل ويفتح النوافذ كلها ليندفع نسيم الحياة
إليها ، ولتشرق فيها الشمس من بعد طول ظلام ، سمحت له أن يعيد ترتيب وتنسيق كل ما
بداخلها حسب هواه وإرادته ، تركته يتسلل إلى قلبها الصغير يلهو ويلعب ويمرح ويتعب
فيجلس ويستريح ، يأخذها ذات اليمين وذات اليسار وهى تتمايل بين ذراعيه مثل تمايل
أغصان الشجر بفعل الرياح ، كما يشاء هو وكما تحب هى .
وفجأة . .
بعد عدة أسابيع إنقضت ، أيقنت أنها قد وقعت فى شباك هواه ، وأصبحت لا تطيق الحياة
بدونه ، فقد أضحى بالنسبة لها هو الماء والهواء ، وهو الليل والنهار، وهو الشمس
والقمر، وهو الحلم والأمل ، وهو ترياق الحياة ، ولم لا ؟ وقد تركته يفكر لها ،
ويخطط لها، وينفذ لها ، ويرتب وينسق كل كبيرة وصغيرة فى حياتها ، تركته يفعل
بداخلها وخارجها كل ما يريد ، وقتما يريد ، وأينما يريد ، وكيفما يريد ، لم تعارض
إرادته ذات مرة قط ، ولم تخرج عن طوع بنانه قط ، وكانت تسير معه دوماً وفق هواه لا
تُمانع فى شئ ، وكانت تحب كل ما يحب ، سايرته كثيرأ فى رغباته ، ورضيت كثيراً عن
تجاوزاته ، لم تكن ترغب فى إغضابه وكانت تحرص دوماً على إرضائه ، كان بالنسبة لها
الحاكم الآمر الناهى لأنها تركته يمتلك قلبها وعقلها وكل كيانها ووجدانها وجوارحها
، ولم يترك لها شيئاً تتملكه ، فأمست عاجزة عن الوقوف فى مواجهته .
أما هو .
. فقد كان على النقيض تماماً ، كان رجلاً
أنانياً ، لا يرى إلا نفسه ولا يعشق سواها ، ولا يبحث إلا عن ذاته ولا يعنيه ما
عداها . . حقاً أعطاها الكثير ولكنه كان يعطيها من أجل أن
يأخذ منها الكثير والكثير والكثير ، كان الأمر يبدو له وكأنها صفقة تجارية يبرمها ويتعامل معها بمنطق المكسب
والخسارة ، ونسى أو تناسى متعمداً أنه يتعامل مع إنسانة ذات قلب ومشاعر وأحاسيس
وعواطف ، إنسانه تفرح وتحزن وتتألم وتتوجع ، بل وتصرخ أحياناً من شدة الألم وقسوة
الحبيب ، تعامل معها بعقله أكثر مما تعامل بقلبه ، ووضع سقفاً منخفضاً لتنازلاته
معها ومن أجلها ، وفرض على نفسه قيداً ألا يتعداه أو يتجاوزه . . أما هى فلتضحى
بلا حدود، وتتنازل بلا قيود ، وتعطى بلا
شروط ، وإن لم تفعل فلتذهب إلى الجحيم ! !
فقد كان يعلم جيداً أن لكل طريق بداية ونهاية ، وقد وضع بنفسه نهاية لطريقه معها ،
فأعد العُدة وهيأ نفسه للحظة النهاية .
وعندما حانت
اللحظة الحاسمة فى علاقتها به ، طالبته بأن يتقدم خطوة للأمام ويضحى من أجلها ،
ولكنه أبى ورفض ، وإنفرط العقد الذى ربط بينهما لسنوات بين يوم وليلة ، وذهب كل
منهما إلى غايته ، وكأن القدر أراد أن ينقذها من براثنه ، وبعد أن مضت إلىغيررجعة
وذهبت بعيداً بعيداً ، أيقن أنه فقدها وضاعت منه بعد أن كانت فى قبضته ومِلك يمينه
،رحلت إلى الأبد بغيررجعة ، وبعد أن كانت فى راحتيه . . ضاعت من بين أصابعه . .
وإلى مقال آخر إن شاء الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق