الجمعة، 28 سبتمبر 2012

وضاعت . . . من بين أصابعه .


وضاعت . . . من بين أصابعه .
-----------------------------

عرفها وعرفته منذ سنوات قليلة مضت ، عرفها فى بادئ الأمر من بعيد ، وظلت عيناه ترقبها وتتفحصها فى كل مرة يراها ،وكأنه كان يتوقع أن يقتربا من بعضهما ذات يوم من الأيام ، عرفها منذ البداية بسيطة ، تلقائية ، هادئة ، كتومة ، رقيقة الحال ، مظهرها يُنبئ عن مستوى إجتماعى متواضع جداً ، ولكنها كانت طموحة ، حالمة ، تسعى إلى رفع مستواها فى كل شئ .

وذات يوم من الأيام ، شاءت إرادة الله أن يتلاقيا عن قرب ، وأن يجمعهما مجال عمل واحد ، فكانا يلتقيان كل يوم بحكم العمل ، فرأى هو ذلك فرصة سانحة لكى يتعرف إليها عن قرب وأن يتعاملا بصورة مباشرة ، ولم تتردد هى طويلاً فى أن تحقق له ما يريد ، تركته يُمسك بمقبض باب حياتها ليكون أول رجل يفتحه ويدخل إلى تلك الحجرة الصغيرة المظلمة التى لم يدخلها أحد من قبله ، تركته ليدخل ويفتح النوافذ كلها ليندفع نسيم الحياة إليها ، ولتشرق فيها الشمس من بعد طول ظلام ، سمحت له أن يعيد ترتيب وتنسيق كل ما بداخلها حسب هواه وإرادته ، تركته يتسلل إلى قلبها الصغير يلهو ويلعب ويمرح ويتعب فيجلس ويستريح ، يأخذها ذات اليمين وذات اليسار وهى تتمايل بين ذراعيه مثل تمايل أغصان الشجر بفعل الرياح ، كما يشاء هو وكما تحب هى .

وفجأة . . بعد عدة أسابيع إنقضت ، أيقنت أنها قد وقعت فى شباك هواه ، وأصبحت لا تطيق الحياة بدونه ، فقد أضحى بالنسبة لها هو الماء والهواء ، وهو الليل والنهار، وهو الشمس والقمر، وهو الحلم والأمل ، وهو ترياق الحياة ، ولم لا ؟ وقد تركته يفكر لها ، ويخطط لها، وينفذ لها ، ويرتب وينسق كل كبيرة وصغيرة فى حياتها ، تركته يفعل بداخلها وخارجها كل ما يريد ، وقتما يريد ، وأينما يريد ، وكيفما يريد ، لم تعارض إرادته ذات مرة قط ، ولم تخرج عن طوع بنانه قط ، وكانت تسير معه دوماً وفق هواه لا تُمانع فى شئ ، وكانت تحب كل ما يحب ، سايرته كثيرأ فى رغباته ، ورضيت كثيراً عن تجاوزاته ، لم تكن ترغب فى إغضابه وكانت تحرص دوماً على إرضائه ، كان بالنسبة لها الحاكم الآمر الناهى لأنها تركته يمتلك قلبها وعقلها وكل كيانها ووجدانها وجوارحها ، ولم يترك لها شيئاً تتملكه ، فأمست عاجزة عن الوقوف فى مواجهته .

أما هو . .  فقد كان على النقيض تماماً ، كان رجلاً أنانياً ، لا يرى إلا نفسه ولا يعشق سواها ، ولا يبحث إلا عن ذاته ولا يعنيه ما عداها  . .  حقاً أعطاها الكثير ولكنه كان يعطيها من أجل أن يأخذ منها الكثير والكثير والكثير ، كان الأمر يبدو له وكأنها صفقة  تجارية يبرمها ويتعامل معها بمنطق المكسب والخسارة ، ونسى أو تناسى متعمداً أنه يتعامل مع إنسانة ذات قلب ومشاعر وأحاسيس وعواطف ، إنسانه تفرح وتحزن وتتألم وتتوجع ، بل وتصرخ أحياناً من شدة الألم وقسوة الحبيب ، تعامل معها بعقله أكثر مما تعامل بقلبه ، ووضع سقفاً منخفضاً لتنازلاته معها ومن أجلها ، وفرض على نفسه قيداً ألا يتعداه أو يتجاوزه . . أما هى فلتضحى بلا حدود، وتتنازل بلا قيود ،  وتعطى بلا شروط ، وإن لم تفعل فلتذهب إلى الجحيم  ! ! فقد كان يعلم جيداً أن لكل طريق بداية ونهاية ، وقد وضع بنفسه نهاية لطريقه معها ، فأعد العُدة وهيأ نفسه للحظة النهاية .

وعندما حانت اللحظة الحاسمة فى علاقتها به ، طالبته بأن يتقدم خطوة للأمام ويضحى من أجلها ، ولكنه أبى ورفض ، وإنفرط العقد الذى ربط بينهما لسنوات بين يوم وليلة ، وذهب كل منهما إلى غايته ، وكأن القدر أراد أن ينقذها من براثنه ، وبعد أن مضت إلىغيررجعة وذهبت بعيداً بعيداً ، أيقن أنه فقدها وضاعت منه بعد أن كانت فى قبضته ومِلك يمينه ،رحلت إلى الأبد بغيررجعة ، وبعد أن كانت فى راحتيه . . ضاعت من بين أصابعه . . وإلى مقال آخر إن شاء الله


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق