مصر
الآن . . . تبحث عن الزعيم
-------------------------------
قبل ثورة
25 يناير 2011 التى فجرها وأشعل شرارتها بعض من شباب مصر الأوفياء المخلصين ، كانت
مصر تغلى من داخلها وباطن ترابها مثل البركان الذى ظل كامناً فى باطن الأرض لسنوات
وسنوات ، حتى جاءت اللحظة الحاسمة التى إنفجر فيها ذلك البركان عبر فتحة صغيرة
ضيقة فى قمته ، لتنطلق منها الحمم المنصهرة والغازات المنبعثة إلى عنان السماء ،
لتعلن للجميع أن بركاناً قد إنفجر بعد أن فاض به الكيل وظل كامناً فى باطن الأرض
يغلى ويموج لعقود وعقود من الزمان ، لا يشعر به أحد ولا يرى أحد ما يجرى بداخله .
وهكذا جاءت
ثورة 25يناير ، عندما إنفجر بركان المصريين عبر فتحة صغيرة هى بضعة آلاف من الشباب
الأذكياء النابهين ( شباب الإنترنت والفيسبوك ) لتخرج كل هموم المصريين وآلامهم
وأحزانهم وإخفاقاتهم ، وتبرز على السطح حمم مشكلاتهم وأزماتهم المتراكمة عبر سنوات
عديدة من اللامبالاة وعدم الإكتراث من قِبل حفنة من الحكام ، كان شاغلهم الأكبر
والأوحد هو نهب ثروات هذا البلد العظيم وتدمير مستقبل أجياله القادمة من خلال
توريثهم تركة سوداء ثقيلة من الفساد والظلم والفقروالجهل والمرض والإحباط والتخلف
والإنكساروالديون الضخمة المتراكمة .
وكان من
الطبيعى أن تخرج كل مشكلات مصر ( الداخلية والخارجية ) إلى السطح ، وتنكشف فى
العراء ليراها ويشعر بها كل ذى بصر وبصيرة ، وكانت المفاجأة المفجعة لجموع
المصريين أن مشكلات بلدهم الحبيب قد بلغت هذا الحجم الضخم الهائل وعمت كافة
المجالات ، مشكلات فى التعليم والصحة والإقتصاد والأمن والمرور والصناعة والزراعة
والبيئة والتجارة الداخلية والخارجية والأمن القومى ومياه النيل ، وحتى فى
التأمينات التى نهب المفسدون أموالها ، وفوجئ المصريون أن مصرهم التى سلموها – بل
غفلوا عنها – وتركوها فى يد عصابة من اللصوص المفسدين الأفاقين الكاذبين المضللين
الخونة للعهد والوعد والأمانة ، فوجئوا جميعاً بأن مصر قد صارت مثل الثوب المهلهل
القديم الذى بَلى من كثرة الثقوب وأضحى خرقة بالية لا تقيهم حر الصيف ولا برد
الشتاء ، ولا يُجدى لها نفعاً أى ترقيع أو ترميم أو إصلاح .
لقد فوجئ
المصريون أن مصر بحالتها قبل 25 يناير لم تعد تصلح بعد 25 يناير لأن يحتموا بها ،
وأنهم بحاجة إلى مصر جديدة قوية شديدة عَفية مرتفعة الرأس والهامة كما كانت عقب
آخر إنتصاراتها فى حرب أكتوبر العظيم ، وأقسم المصريون الشرفاء ألا يغمض لهم جَفن
ولا يهدأ لهم بال حتى تنهض مصرهم الحبيبة من عثرتها وكبوتها وتتعافى من سقمها
ومرضها وتسترد عافيتها ، لأن مصر كبيرة عريقة والكبير يمرض ولا يموت ،
وأيقن المصريون حينئذ أنهم فى حاجة إلى قائد مُلهم حالم مصرى وطنى خالص . . إلى
زعيم . ., ولكن من أين يأتى الزعيم ؟
إن الزعماء
فى تاريخ الأمم والشعوب لا يتكررون كثيراً ، الرؤساء كثيرون أما الزعماء فهم نادرون ، لأن الزعامة لا تُكتسب إنما هى موهبة
فطرية يهبها الخالق سبحانه لأشخاص بعينهم ليكونوا زعماءً لشعوبهم ، يحلمون معهم
ويشعرون بآلامهم وأوجاعهم ، يعشقون الأوطان ولديهم الحلول السحرية الغير تقليدية
للمشاكل والأزمات ، يلهبون حماس الجماهير ويستنهضون همتهم ، يفكرون ويخططون
ويتقدمون الصفوف من أجل تحويل الأحلام إلى حقائق على أرض الواقع ، يتكلمون كثيراً
ولكنهم يفعلون أكثر ، يحشدون الجماهير حول مشروعات قومية حالمة ، وفى تاريخ مصر
الحديث كان محمد على زعيماً باعث نهضة مصر الحديثة ، وكان سعد زغلول زعيماً ، وكان
جمال عبد الناصر زعيماً ، وكان السادات زعيماً ، كلهم كانوا زعماء بالفطرة ، حققوا
لمصر الإنتصارات العظيمة ، لم يكن أى منهم موظفاً بدرجة رئيس ، والآن مصر فى حاجة
إلى واحد من هؤلاء ، إلى من يأخذ بيد أبنائها ، إلى قائد ، إلى ملهم ، إلى منقذ ،
إلى حالم ، إلى وَفى ، إلى نقى ، إلى مُخلص ، مصر الآن فى حاجة إلى زعيم .. وإلى
مقال آخر إن شاء الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق