الخميس، 13 سبتمبر 2012

سياسة الأرض المحروقة فى الحرب غالباً . . وفى الحب أحياناً



سياسة الأرض المحروقة فى الحرب غالباً . . وفى الحب أحياناً
---------------------------------------------------------- 

قديماً قالوا أن كل شئ مباح فى الحب والحرب ، وتلك كلمات أفرزتها صروف الزمن وأحداث السنين الطوال ، ومفادها أن فى الحروب يتواجه عدوان كلاهما يكره الآخر ويبغضه ويحرص كل الحرص على إبادته وفنائه ، فيسعى جاهداً قدر إستطاعته – بعد أن يعد العدة للقضاء عليه وإزالته من الوجود ، ويصبح ذلك كل هدفه ومبتغاه ، ويظل رابضاً متيقظاً متربصاً له ومتأهباً للإنقضاض عليه والوصول إلى غايته ، وبما أن الغاية تبرر الوسيلة – عند ميكيافيللى – فإن كل وسيلة فى الحرب تفضى إلى النصرهى من قبيل المباح ، بصرف النظر عن مدى طهارتها أو مشروعيتها ، فليس بعد الحرص على القتل والدمار والفناء شئ فى الوجود يبقى ذات معنى .

وفى الحب لا يختلف الحال كثيراً وإن إختلفت الغاية والوسيلة ، فغاية المحب العاشق هى إسعاد المحبوب المعشوق وإشاعة الأمل والرجاء فى نفسه وإحاطته بالعطف والحنان وإشباع دنياه بالبهجة والسرور ، وتلك غاية لاشك نبيلة وغالية وعزيزة يحرص المحب العاشق على تحقيقها والوصول إليها ، ويسعى قدر المستطاع إلى تحويلها من حلم وأمل إلى واقع وحياة سعيدة يهبها راضياً مختاراً إلى محبوبه ومعشوقه ، ولا يدخر فى ذلك جهداً ولا يبخل بأى غالى أو نفيس يؤدى إلى إسعاد المحبوب المعشوق ، ولا يعدم وسيلة فى سبيل تحقيق ذلك ، وتصبح كل الوسائل مباحة ما دامت تسعد المحبوب ، فليس بعد الحب شئ فى الوجود يستحق العناء .


ومنذ أن نشبت الحروب بين بنى البشر من قديم الزمان لا نجد لها قانوناً يحكمها سوى الرغبة فىالدمار والخراب
وإبادة الطرف الآخر ، فإن كان للمعتدى ما أراد أعلن إنتصاره وإستتب له الأمر برمته ووضع يده على كل ما يخص المهزوم وصار الأمر الواقع إحتلالاً ، أما إن إشتدت المقاومة فى وجه المعتدى وأجُبر على الجلاء وترك الديار، عاث فيها فساداً ، يحرق الأخضر واليابس ويُهلك الزرع و الضرع ويقضى على كافة أشكال الحياة ولا يبقى وراءه سوى الخراب والدمار، وتلك هى سياسة الأرض المحروقة فى الحروب ، مثلما فعل التتار بالبلاد التى غزوها ، وقد إتبع من بعدهم أقوام آخرون نفس سنتهم فى الحرب إمتلأ بهم تاريخ الحروب بين بنى البشر .

أما فى الحب . . فلا مجال للشرور بين الأحباب ولا للخراب أو الدمار ، بل الورود والأزهار هى التى تسيطر على علاقة المحب العاشق بالمحبوب المعشوق فى كل الظروف والأحوال ، ولا يُستثنى من ذلك إلا حالة وحيدة فقط ، يفلت فيها الزمام وتخرج الأمور عن السيطرة وتتبدل المشاعر من النقيض إلى النقيض تماماً ، تلك هى خيانة المحبوب للعهد والوعد ، والحب والعشق ، والأيام الجميلة والذكريات ، هنا لك فقط يُمسى المحب العاشق كمن تلقى طعنة موجعة من وراء ظهره ، وممن ؟ من الحبيب الغالى ، من روح الفؤاد ، من قرة العين ، من أغلى وأعز الناس ، فيستحيل إلى أسد جريح يزأر بصوت عالى رهيب تهتز له الأرجاء ، ويفزع منه كل كائن من كان ، ولا ينتابه إلا شعور بالغضب الشديد ، فتسيطر عليه شهوة الإنتقام من طاعنه حتى ولو كان الحبيب المعشوق ، فيطغى الغضب ويسود الإنتقام ، ويصبح الثأر ممن خان هو الغاية التى تبرر كل وسيلة ، ويصير كل شئ مباح فى سبيل الوصول إليها ، حتى ولو إقتضى الأمر إحراق كل الذكريات ، ومحاولة نسيان كل ما فات ، فيذهب الحب إلى غير رجعة ، ويذهب معه كل شئ جميل ، الماء الغدير والهواء العليل والأخضر الفسيح ومعهم جميعاً يذهب كل الحبيب .
ولا تبقى إلا رائحة الدخان الكثيف و الأرض المحروقة . 
                                                                      وإلى مقال آخر إن شاء الله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق