الاثنين، 24 سبتمبر 2012

السياسة فى الفضائيات والقاعات المغلقة .


السياسة فى الفضائيات والقاعات المغلقة
-------------------------------------

قديماً . .  قالوا أن السياسة هى فن الممكن فى ظل ظروف الواقع ، أى أن السياسة لا تمُارس ولا تبُاشر إلا بين جموع الناس ( المواطنين ) فى الشوارع وعلى المقاهى وفى المنتديات والنقابات وبين الطلاب فى الجامعات وفى الأحزاب السياسية ، ولا تنجح ممارسة السياسة إلا إذا قدمت الحلول الناجحة لمشكلات الفرد والأسرة والجماعة والمجتمع والوطن فى حدود الإمكانيات المتاحة التى تفرضها ظروف الواقع وملابساته وليس الوهم والخيال أو النظريات و الإفتراضات

وأننى أتعجب بشدة حين أرى كثيراً ممن يمارسون العمل السياسى ويدعون أنهم من محترفى السياسة – سواء على المستوى الفردى المستقل أو على المستوى الجماعى الحزبى – أتعجب حين أراهم يماسون السياسة أو العمل السياسى بطريقتهم الخاصة الفاشلة فقط أمام الكاميرات وفى أستوديوهات القنوات الفضائية المتناثرة هنا وهناك أو فى القاعات المغلقة المكيفة سواء فى أرقى الفنادق ذات الخمس نجوم أو فى مقار بعض الأحزاب الكرتونية الهشة التى ليست أحزاباً بالمرة ولكن القانون فرض لها تلك التسمية الوهمية ، ونجدنا نرى ذات الشخص الذى يدعو نفسه أو يدعوه الجهلاء مفكراً سياسياً أو مثقفاً أو نخبوياً من دعاة الثقافة والفكر ، نراه يتنقل بين الفضائيات المختلفة عدة مرات فى اليوم الواحد كى يكرر على مسامعنا ما قاله بالأمس وأول أمس والأسبوع المنصرم بل والشهر الماضى فيذكرنا بالنموذج من البشر الذى قيل عنه " أنه رجل إعتاد أن يفتح فمه فى كل مجلس ثم يتركه مفتوحاً وينصرف " ، وتنفض الجلسة تلو الجلسة تلو الجلسة ولا يقدم مفكرنا الجليل ومثقفنا الداهية أية حلول لأية مشكلات نعانى منها جميعاً لكونه وأمثاله ونظراؤه من مُدعى الفكر والثقافة منفصلون عن بقية جموع الناس وواقع حياتهم اليومية ومشكلاتهم المعيشية حتى ضاق بهم الناس ذرعاً وما عادوا يلتفتون إلى ما يردده هؤلاء الثرثارون السفسطائيون الفقاقيع ، بل أن الأمر وصل بالبعض من الناس أن يتداخل معهم فى الحوار لا من أجل أن يتفاعل معهم أو يمتدحهم وإنما ليسخر منهم ويلقى عليهم المسئولية عن حالة التيه والضياع وفقدان ملامح الطريق الذى يسيرون عليه من كثرة التخبط فى الرؤى والتشكيك فى الآخر وتسفيه الآراء المضادة والخلاف والإختلاف حول كل كبيرة وصغيرة .

وبالأمس قرأت خبراً تناقلته وسائل الإعلام المختلفة حول تشكيل تحالف سُمى " تحالف الأمة المصرية " من عدة قوى وطنية وأحزاب سياسية وجماعات لا نعرف عنها شيئاً تدعى أنها ليبرالية ويسارية وديمقراطية ومد نية ومواطنية حسبما يطلقون هم على أنفسهم ، وكان لى شرف مطالعة صور إجتماعهم الميمون الذى تقرر فيه تشكيل ذلك التحالف الجديد ، فنظرتهم عينى يقبعون فى مقاعدهم الفخمة داخل قاعة فاخرة مكيفة بمقر حزب الباشوات والباكوات ( الوفد ) حول طاولة واسعة مستطيلة يرتدون البدل الأنيقة والقمصان ذات الياقات المكرفتةبالكرفتات ذات الماركات العالمية وأمامهم زجاجات المياه المعدنية وعبوات العصائر والبيبسى كولا الأمريكانية ، يتبادلون الإبتسامات والأحضان والقبلات ،وكل منهم إعتاد أن يفتح فمه فى كل مجلس يحضره ليلقى فى وجه الحاضرين كلمات وكلمات حفظها عن ظهر قلب وكرهها الناس منه سمعاً ونطقاً ، لأن هؤلاء الباكوات والباهوات الجدد قد ملهم الناس ونفروا منهم لأنهم إنفصلوا عن واقع الناس وحياتهم وسموا أنفسهم بالنخبة المفكرة المثقفة وما هم بمفكرين ولا مثقفين ولا نخبويين .
فيا سادة . . ياباكوات ويا باهوات ، السياسة لا تمُارس فى الفضائيات ولا فى القاعات المغلقة المكيفة أو فى الفنادق الفاخرة ، وإنما تمُارس بين الناس فى شوارعهم وحواريهم وأزقاتهم وعشوائياتهم وقراهم وكفورهم ونجوعهم . . أفيقوا أيها السادة من غيبوبتكم العميقة قبل أن ينصرف عنكم كل الناس .                              وإلى مقال آخر إن شاء الله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق